رجحت دراسة اقتصادية حديثة أن تتجنب السعودية حدوث عجز فعلي في الموازنة للعام الجاري بفضل ارتفاع أسعار النفط العالمية الذي من شأنه دفع متوسط سعر النفط إلى 50 دولارا للبرميل خلال عام 2009.
وقدرت السعودية إيراداتها لعام 2009 بنحو 410 مليارات ريال، فيما قدرت النفقات بنحو 475 مليار ريال، بحيث تتضمن الميزانية عجزا تقديريا بمبلغ 65 مليار ريال. وتعتبر هذه المرة الأولى منذ عام 2002 التي تتوقع الدولة فيها عجزاً، وذلك نتيجة للتراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط خلال الفترة الماضية.
وتوقعت الدراسة التي أعدها مركز البحوث والدراسات في غرفة الرياض، عدم تحقيق العجز المقدر، مستندة في ذلك إلى حرص وزارة المالية وتحفظها عند إعداد الميزانية على تقدير الإيرادات بأقل كثير من السعر السائد والمتوقع، والتقدير الدقيق للطلب على النفط في الفترات المقبلة. وقدرت أن تكون وزارة المالية قد بنت تقديراتها لسعر النفط بأقل من 40 دولارا للبرميل، في حين يتوقع أن يتجاوز متوسط سعر البرميل في 2009، 50 دولارا، وذلك في الوقت الذي تشير فيه التوقعات المتفائلة إلى أن يصل المتوسط إلى أكثر من 60 دولارا للبرميل.
وقالت الدراسة إنه من واقع توجهات المالية خلال الموازنات السابقة في تقدير الإيرادات فإنه يتوقع حدوث فائض في إيرادات الميزانية الجديدة مما يؤدي لتلاشي العجز فيها. وفي مقارنتها بين الميزانيتين الجديدة والسابقة، لفتت الدراسة إلى أن أدوات السياسة المالية تستخدم بإحكام لتحقيق الإيجابية للاقتصاد الوطني وعدم تأثره بشكل يضعف نموه، حيث أشارت في هذا الجانب إلى أنه في عام 2008 تم تقدير النفقات العامة بأقل من الإيرادات وذلك بغرض تقليص النفقات لمواجهة توقعات التضخم، مبينة أن التوجه في الميزانية الجديدة استهدف استخدام أدوات السياسة المالية لتحريك النشاط الاقتصادي لمواجهة الركود الاقتصادي العالمي، وذلك عن طريق زيادة النفقات العامة وتوفير السيولة المحلية المناسبة وهو ما تميزت به ميزانية 2009 عن الميزانيات السابقة، حيث إن النفقات في الموازنة الجديدة تعد الأعلى في تاريخ الموازنات في المملكة، حيث تم ضخ اعتمادات بجانب النفقات الاستثمارية في مشاريع تنويه تنعكس في استمرارية النمو الاقتصادي في المملكة خلال الفترة المقبلة، وتشكل هذه الاعتمادات أكثر من 225 مليار ريال بزيادة 36 في المائة عما تم اعتماده في ميزانية 2008، كما تمثل 47.4 في المائة من إجمالي حجم النفقات العام في الموازنة التقديرية للعام الجاري.
وأكدت الدراسة أن معدلات النمو الإيجابي للاقتصاد الوطني الذي قدر في عام 2008 بنحو 22 في المائة بالأسعار الجارية و4.2 في المائة بالأسعار الثابتة أنها معدلات عالية ومقبولة وقالت إن الاحتياطيات النقدية المتاحة للدولة ستمكنها من تجاوز آثار الأزمة المالية في الوقت الراهن وخلال الفترة المقبلة مما سيجعلها قادرة على سد أي عجز متوقع، إضافة إلى التوسع في النفقات العامة مما يحفز لأداء اقتصادي إيجابي.
ودعت الدراسة إلى مواصلة تقليص الدين العام من خلال الاستفادة من الفوائض المتاحة خلال السنوات الست الماضية الذي بلغ قرابة 1.4 تريليون ريال ليتلاشى بشكل نهائي وبما يوفر النقاء الكامل للتوجهات المالية ورفع القيد عنها في سعيها لوضع سبل تقليصه، كما أمنت الدراسة على أهمية أن تتجه السياسات الاقتصادية بقوة لتفعيل مبدأ تنويع مصادر الدخل من خلال إعطاء دفعة أكبر لتنمية القطاعات غير النفطية، خاصة في ظل ما أظهره الواقع من عدم استقرار أوضاع الطلب على النفط وتذبذب الأسعار وتأثير ذلك في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي مستقر، مشيرة في هذا الجانب إلى أنه لولا حرص الدولة على الاستفادة من فائض السنوات السابقة في تكوين احتياطي من النقد والحفاظ عليه بشكل آمن لحدث تأثير سلبي في النمو الإيجابي للاقتصاد الوطني بشكل كبير وليس محدوداً مثلما هو واقع الآن في الأزمات الاقتصادية العالمية التي يتكرر حدوثها من وقت لآخر في العالم.
ودعت الدراسة أيضا القطاع الخاص إلى توسعة استثماراته والاستفادة من مخصصات النفقات العامة لتنفيذ المشاريع التي وردت في الموازنة، خاصة في ظل انخفاض تكاليف السلع الأساسية ومدخلات الإنتاج، مؤكدة أن ذلك يؤدي إلى زيادة إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي وخلق مزيد من الطلب على السلع والخدمات وتوفير ورفع الدخل الفردي والتخفيف من معدل البطالة من خلال توفير فرص العمل. وقالت إن من الأمور التي تدعو للتفاؤل توجه الدولة لإنشاء المدن الاقتصادية التي ستحدث نقلة نوعية وتسرع عجلة النمو الاقتصادي في المناطق الأقل نمواً في المملكة من خلال ضخ نحو 255 مليار ريال كاستثمارات في هذه المناطق خلال السنوات العشر المقبلة، مما يحقق مجموعة من المنافع، منها توجيه الاستثمارات إلى داخل المملكة وبالتالي بعدها عن الخطر الخارجي وتحقيق التنوع الاقتصادي، نظراً لما تحتويه هذه المدن من صناعات وخدمات تنافسية جديدة تعد قيمة مضافة للاقتصاد الوطني. وأوضحت الدراسة أنه رغم الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي إضافة إلى الانخفاض الحاد في أسعار النفط فقد جاءت الموازنة التقديرية للدولة لعام 2009 بشكل يحقق متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة المؤدية للمزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات.