ذنب لم أقترفه

وجاء اليوم المنتظر والجميع ينتظر مني إجابة أو حتى شبح الاستسلام للأمر الواقع ، فلم يمر على مجيء المرأة سوى أسبوعان وجميع من حولي يشعرني بأنني ارتكبت جريمة في تفكيري الأعوج الذي تفاقم في نظرهم ، ولكن كيف يتوقعون مني إجابة بهذه السرعة؟ ، فالأمر لا يتعلق بفستان ألبسه وهل يناسبني أو لم يعجبني فأرميه ، لا أدري هل أنا خائفة من المجهول؟ أو إني بدأت أحس بأنني إنسانة لا قيمة لها؟ منذ مجيء المرأة لتخطبني لابنها والكل سعيد وكأن مجيئها حبل النجاة لي ولهم ، وكم استأت من معاملتها لي ولأهلي وكأنها الملكة ونحن خدمها ، كانت لئيمة وتتكلم بشكل درامي ولا تمر دقيقة إلا وتعيد هذه الجملة :” وكم وحدة تتمنى راشد ولكن قلت بشوف بنتكم ” ،
لم أكن انظر إليها (حسب تعليمات أمي الصارمة بأن البنت يجب أن تكون خجولة لدرجة الموت وإلا قالوا أنها قليلة أدب وحياء) وإلا كنت رمقتها بنظرة تجعلها تسكت ، كم تمنيت أن تبلع لسانها فقد كانت هي من تتكلم ونحن كالبلهاء نبتسم لأدائها المسرحي المبهر ، ذهبت أم راشد (دنجوان زمانه) والكل يبارك لي وأمي (تزغرد من الفرحة) ، أصبت بالذهول فالكل فرح باستثنائي ولا أدري ما هي سبب الفرحة؟ ولكنني أمام الكم الهائل من الفرحة لم أشأ أن أكون عنصر الحزن فيها ولكن بعدما عم السكون من هذه الحفلة الصاخبة قلت لأمي : من هو راشد وهل سألتم عنه؟ قالت لي أمي والابتسامة العريضة لا تفارق شفتيها : ما يحتاي نسال عن راشد يكفي هو من العائلة الفلانية ؟ ما شاء الله كلهم والنعم “
قلت بعفوية : ولكنني لم أرى راشد ؟
توقف الجميع وكأننا نلعب لعبة (حركة / stop ) والجميع يحدق بي فمرت دقيقة فشعرت كأن عقارب الزمن دارت بسرعة لسنوات طويلة قادمة، لم أفق منها إلا عندما دخل أخي وعلى وجهه ارتسمت علامة الاستفهام على المنظر الغريب فسال أمي: ماذا حدث لكم ؟ وماذا قالت المرأة هل أعجبتها مريم؟
قالت أمي (وهي ترمقني بنظرة غضب ): نعم وقالت أنها ستخبر راشد لكي يمر علينا وتكون خطبة رسمية؟
استجمعت كل ما أوتيت من قوة وقلت بحزم :ولكنني لم أوافق على راشد هذا؟
مرة أخرى وكأننا نلعب لعبة (حركة / stop ) حدق بي الجميع وهذه المرة كان أخي لاعباً جديداً يحدق بي بنظرة بلهاء، ثار أخي وقال لأمي: ما الذي تقوله ابنتك البلهاء ، المجنونة ؟
وقالت أختي : “أنها ترفس النعمة” وقالت الأخرى : وجه نحس طول عمرها ، وقالت أمي : الله يهديك يا مريم حد يقول (لا) لهالناس” ، لم يبقى سوى أن تأتي (سيتي) الخادمة وتقول : إنت في مجنون ما يريد سوي عروس” ، أحسست أن الدنيا تدور تحت قدمي وكنت على وشك أن أقع لولا أمي التي أحست بذلك وأمسكتني ووضعتني على أقرب كرسي ، قالت أمي بكل حنان: ابنتي أنتِ تعرفين بأنك قد تعديت الخامسة والثلاثين ولم يبقَ من الفرص غير هذه الفرصة ، والكل هنا يريد أن يراك في ثوبك الأبيض”
سكتُّ قليلاً ولكن استجمعت ما بقي لدي من قوة وقلت:” ولكن من حقي أن أعرف مع من سأعيش بقية عمري وأقرر فهذه حياتي أنا”
قالت لي أمي : حسنا اسألي وسيجيب شقيقكِ على تساؤلاتكِ
رفعت رأسي لأخي فلم أرَ منه سوى نظرة غضب ارتسمت على وجهه (وكم أحسست في ذلك الوقت بحاجتي لحنان أبي الذي رحل منذ فترة طويلة) وقال لي: تفضلي.
سألته: كم عمره؟
قال : في السابعة والثلاثين من عمره.
هل كان متزوجا ؟
قال : نعم وطلقها فهو أعزب الآن!! (سبحان الله مطلق ولكنه رجل فأعزب).
هل لديه أطفال منها ؟
قال نعم لديه ولد ولكنه يعيش مع أمه.
هل يدخن؟
قال : نعم ولكن هذا لا يعد سبباً للرفض.
هل يصلي؟
قال: أتريدين أن تتزوجي بإمام مسجد
سألته مرة أخرى فقال:لا ادري فهذا الشيء بينه وبين ربه
ماذا يملك من الشهادات؟
قال: عنده إعدادية ولكن وظيفته في الجيش مشرفة.
وماذا يعمل في الجيش ؟
قال : جندي في الجيش
وما هو منصبه في الجيش وكم راتبه؟
قال : لا حول ولا قوة إلا بالله جندي في الجيش هذا هو منصبه وراتبه جيد جداً.
ما هي طباعه ؟
قال : شهم وكريم رجل مواقف
لم أسالك لتقول لي الحسن منها أريد أن اعرف هل هو عصبي أو متكبر ؟؟
قال لا أبداً فالكل يشهد بطيبته ولم اسمع أحداً يقول عنه متكبر
وسألته بتردد : وكيف هو شكله ومظهره الخارجي؟ أجابني : الرجل لا يعيبه شيء
قالت أختي الكبيرة: احمدي الله انه وافق دون أن يراك ولو كنتِ جميلة لتزوجتِ منذ زمن.
التفتُ لامي وقلت لها : اخبري أم راشد أن تبعث بصورة راشد وبأنني سأفكر في الموضوع واصلي الاستخارة وسأجيبها في أقرب وقت.
استشاط أخي غضبا والتفتَ إلى أمي وقال لها: قولي لابنتك عندها أسبوعين فقط وان تتجهز ولن أدعها بغبائها أن تفوّت هذا الرجل………. .
صرخت في وجه أخي: لن تزوجني قسراًهل تفهم ؟
تدخلت أمي وقالت لأخي وأخوتي بأن يخرجوا ولكن أختي الكبيرة أصرت على البقاء على أنها هي من كان لها الفضل في اختيار أم راشد لي.
سألتني أمي: ماذا حدث لك يا ابنتي ؟ ألا تريدين أن يكون لديك أطفال مثل أخوتك البنات؟
سألتها : وهل سيضمن هذا الرجل لي الإنجاب؟ كل شيء بيد الله يا أمي
قالت أختي : ولماذا لا تسالي أخيك هذا السؤال حتى يعرف جيداً طريقة تأديبكِ؟
قالت أمي: ابنتي والآن وقد سئلت أخاك عن كل شيء، هل توافقين على راشد؟
أجبتها وأحسست برجفة في شفتي: ولماذا أوافق؟ هو مدخن وأنا لا أدخن، هو جندي متقاعد وأنا مديرة قسم، أنا عندي ماجستير وهو لم يتجاوز الإعدادية، هو كان متزوجا ولديه ولدان وأنا بكر، والاهم من ذلك أنه لا يصلي وهذه بالنسبة لي أهم الشروط.
قالت أمي: حسنا إن تأكدنا بأنه يصلي هل ستوافقين؟
نزلت دمعة من عيني بشكل عفوي وقلت بصوت مبحوح: ألهذه الدرجة تريدون التخلص مني؟ ألهذه الدرجة أنا رخيصة بالنسبة لكم؟ وركضت مسرعة نحو غرفتي وأغلقت الباب ودموعي تهطل كالأنهارعلى خدي لم أتوقع أن عيني تحمل هذا الكم الهائل من الدموع ، لم أكن أدرِ أني رخيصة لهذه الدرجة فبعد كل هذه العيوب يريدون تزويجي له ؟
طرقت أمي علي الباب وهي تتوسل مني كي افتح الباب وبعد طرقات عديدة منها وإصرار منها ، فتحته فحضنتني بقوة وأخذت تبكي معي وقالت لي : ابنتي أنتِ لست رخيصة لكن والله أني أريد أن افرح بك ، يا ابنتي أريد أن ارتاح قبل أن ادخل قبري ، فلا تستائي يا جوهرتي الغالية فكل ما في الأمر أن العرسان هذه الأيام قد أصبحوا كاللآليء النادرة ، وهذا الرجل قد يكون أملك الوحيد في أن تصبحي أماً ، وكنا جميعاً نتوقع بأن هذا الخبر سوف يفرحك ولم نتوقع بأنك ستأخذين الموضوع بشكل سلبي ولهذه الدرجة ، ولك يا ابنتي الحق في التفكير ولكن أرجوك أن تضعي في عين الاعتبار بان الفرص قليلة جداً جداً جداً.
كل هذه الأيام لم تسعفني بإجابة ، حتى صديقاتي المتزوجات والغير متزوجات ينصحوني بالزواج وان كان على العيوب فأستطيع أن أغيرها بعد الزواج ، طبعا لم تشجعني صورة راشد (الوسيم) !! ، استخرت بدل المرة عشرا وكان قراري ألا أوافق عليه خاصة بعد أن أكدت لي زوجة أخيهم التي كانت بالصدفة صديقة لإحدى صديقاتي بأنه لا يصلي وتعب منه أبوه في هذا الموضوع .
توكلت على الله وأخبرت أمي بقراري، لم يبق أحد كالعادة إلا وألقى برأيه في الموضوع، نعم سأحمل على ظهري وقلبي كلام الناس والوحدة ،ولن أكون طعماً سهلاً لكل من أراد استيلاء علي بعذر الزواج أحسست بهذا الشعور المعتم الغريب ، وجاء الخبر اليقين من زوجة أخيه التي قالت:” أن الديون تراكمت عليه بسبب تهوره وطيشه الذي يلازمه باستمرار، ولم يخبر أحداً بها وعند زواجه سدد ديونه وألقاها على عاتق زوجته البلهاء( التي تجاوزت الأربعين بقليل) والتي تقدم لخطبتها فوراً بعد رفضي له ، ولكن لماذا يحدث كل هذا بنا (أنا والبلهاء وغيرنا)؟ أم هو الذنب يعود لكوني مجرد (أنثى) تعدت الثلاثين من عمرها ،ويعاقبوننا بذنب لم تقترفه أيدينا، وندفع ثمنه غالياً ، لتلتهمنا الأيام بغدرها بعد ذلك .

© باسويد

29 thoughts on “ذنب لم أقترفه

  1. أحييك على الموضوووع اللي يحكي ..

    الواقع اللي حاصل هالايام في اغلب البيوت…

    والاهل المفروض مايزوجون بناتهم لحد ما سألو عنه …

    لأن الفرح المؤقت بينقل لحزن شديد يوم بيفشل الزوااج…

    سلامي لك..

  2. مشكور اخوي باسويد ع الموضوع الجميل .. وللأسف فعلا في أهل يحبون يزوجون بناتهم أي حد خاصة لو تعدت سن الثلاثين .. كأنهم يبون الفكة منها .. وما يراعون مشاعرها ولا كرامتها ولا شي .. بالرغم من إنه مب شرط يكون الزواج نهاية مصير كل بنت،، لإن في بنات يقعدن عوانس احسن عن يتزوجن ..

    والله يهدي الجميع ..

    شكرا على هذه الاضافة اختي اطيب قلب

  3. مشكور اخوي باسويد ع الموضوع الجميل .. وللأسف فعلا في أهل يحبون يزوجون بناتهم أي حد خاصة لو تعدت سن الثلاثين .. كأنهم يبون الفكة منها .. وما يراعون مشاعرها ولا كرامتها ولا شي .. بالرغم من إنه مب شرط يكون الزواج نهاية مصير كل بنت،، لإن في بنات يقعدن عوانس احسن عن يتزوجن ..

    والله يهدي الجميع ..

Comments are closed.