هذه قصة رجل شق طريقه إلى النجاح عبر مسيرة طويلة من الغربة والمشقة من أجل العلم والمعرفة .
عاش وتعلم في البحرين، بغداد ، الكويت ، النمسا، المانيا، فرنسا وأخيراً الاتحاد السوفيتي
كل هذه المحطات مر بها سيف غباش إما للعمل أو الدراسة ليستقر أخيراً في المحطة الأم : رأس الخيمة
ليعمل بها رئيساً لقسم الهندسة في بلدية راس الخيمة.وبعد قيام الاتحاد عين وكيلاً لوزارة الخارجية
ثم وزيراً لدولة للشؤون الخارجية .. عمل بكل جد وتفاني من أجل خدمة بلاده لينتشلها من مستنقع الجهل والتخلف.
وليعطي كل ما عنده من أجل تدعيم أركان دولته الاتحادية.
في يوم 25-10-1977 كان سيف غباش يرافق السيد عبدالحليم خدام وزير الخارجية السوري إلى مطار أبوظبي لوداعه..
اذ برصاصات غادرة كانت تقصد الوزير السوري ولكنها أصابت سيف غباش فأسقطته قتيلاُ مضرجاً بدمائه.
لتفقد الامارات رجلاً من رجالاتها البارين .. ولتحزن الأمة العربية والاسلامية .. والمجتمع الدولي لرحيله
وقد علق صاحب السمو الشيخ زايد رحمه الله على هذا الحادث.
فقال :” ان الخسارة التي اصابتنا في الواقع خسارتين
الأولى بالفقيد لما عرف عنه من أخلاق وكفاءة وعلم وحسن تصرف حتى أضحى مثالاُ للرجل المسؤول في دولتنا.
و الخسارة الثانية أصابت سمعة العرب في الصميم أمام شعبهم وشعوب العالم بسبب هذه الجريمة الوحشية النكراء.
اني أفهم ان يموت الفقيد وهو بهذه الصفات الحميدة ميتة طبيعية ..أما ان يموت بهذه الطريقة وبيد عربية فهذا عار كبير
أما العار الأكبر فهو ان دولة الامارات لم تكن في حياتها الا داعية للخير ولتضامن العرب
ولا يُقبل ان تجازى على سياستها بهذه الطريقة الجاحدة.
سيرة حياة سيف غباش رحمه الله
نقلاً عن كتاب ( سيف غباش مسيرة العلم والسياسة )
للدكتور علي حميدان
ولد سيف سعيد بن غباش المري في 21-10-1032 هـ في حي معيرض برأس الخيمة..
توفي والده عندما كان في الثانية عشر من عمره ..وتوفيت والدته بعد ثلاثة أشهر من وفاة والده ..
بعدها عاش مع عمته في دبي لمدة ثلاث سنوات والتحق بالمدرسة الأحمدية لفترة من الزمن
وكان يدرس اللغة الانجليزية في مدارس ليلية.
كما درس على يد الشيخ أحمد بن حجر علم النحو والبديع والبيان والفقه والفرائض ..
وقد تميز عن اقرانه بذكائه وسرعه حفظه للأبيات وحل مسائل الفرائض.
ذهب سيف إلى البحرين في خريف 1949
على الرغم من انه التحق بالدراسة قبل الامتحان النهائي للسنة الرابعه الابتدائية بعدة أشهر فقط
الا انه نجح بتفوق وامتياز بل كان ترتيبه الأول على جميع طلبة البحرين في هذه المرحلة.
بعد اكماله المرحلة الابتدائية التحق بالمدرسة الثانوية في البحرين ..
عرف عن سيف غباش شغفه للقراءه فكان يلتهم الكتب التهاماً
ولا يكف عن القراءة الا في الليل عندما يخلد إلى النوم ..
كما كان يبذل جهداً كبيراً في تعلم اللغة الانجليزية واستطاع اجادتها قراءة وكتابة
لدرجه انه كان يقوم بالترجمة من العربية إلى الانجليزية لبعض الباحثين الاجتماعيين الأجانب. بعد تخرجه من الثانوية العامه في عام 1953 وحصوله على المركز الأول على جميع طلبة البحرين في المرحلة الثانوية
غادر إلى بغداد حاملاً معه رسالة توصية تشيد بكفاءته من دائرة المعارف في البحرين.
رحلته من بغداد إلى لننجراد مروراً بمدن أوربا الغربية
لكم مسيرته العملية من بغداد إلى ليننجراد
حصل سيف غباش على منحة من الحكومة العراقية لاتمام دراسته
وقُبل في كلية الهندسة .. اجتاز السنة الأولى والثانية بنجاح ملفت للنظر على الرغم من انه لم يدرس دراسة علمية في البحرين.
وكما كان عليه الحال في البحرين .. كان سيف يقضي وقتاً كبيراً في القراءة والتثقف.
في اعقاب العدوان الثلاثي على مصر .. قامت العديد من المظاهرات الطلابية ضد حكومة نوري السعيد الموالية لبريطانيا ..
على اثرها تم اعتقال الكثير من الطلبة العرب وتسفيرهم .. وكان من بينهم سيف غباش.
حصل بعدها على بعثة من المؤتمر الاسلامي في مصر .. ولكن للأسف كيلة الهندسة لم تعترف بدراسته في بغداد ..
فقرر السفر إلى الكويت وعمل فيها كمساعد مهندس .. واستطاع لمده سنتين ان يجمع بعض المال ..
سافر بعدها إلى النمسا واستقر في مدينه (كراتس) .. وانكب على دراسه اللغة الالمانية بشغف واهتمام ..
ليستطيع مواصلة دراسته والاطلاع على روائع الأدب الألماني.
ولكن سيف لم يستطع تحمل غلاء المعيشة في النمسا ..
فسافر إلى المانيا وعمل بها فتره .. ثم انتقل إلى سويسرا .. وبعدها إلى فرنسا
وبعد هذه الرحلة الطويلة باحثاً فيها عن عمل ..أو جامعه تقبله.
استطاع الحصول على منحة من الحكومة السوفيتية.
والتحق بجامعه ليننجراد للعلوم والتكنلوجيا واكمل دراسته في هندسة البناء ..
وحصل بعدها على درجه الماجستير بامتياز وكان تخصصه
بناء الموانئ البحرية.
في عام 1969 حزم حقائبه وعاد إلى مسقط رأسه امارة رأس الخيمة
حياته العملية من رئيسا لقسم الهندسة في بلدية رأس الخيمة
إلى وزير للدولة لشؤون الخارجيه.
ماذا تعرف عن سيف غباش ؟؟
بعد عشرين عاماً من الغربة والتنقل بين مدن العالم
عاد سيف غباش إلى رأس الخيمة مسقط رأسه
وهو مليء بالحماس للعمل في خدمة وطنه وتأمين مستقبل آمن له ولعائلته.
كان أول عمل اسند إليه بعد عودته إلى الوطن هو ( رئيس قسم الهندسة ) في بلدية رأس الخيمة ..
وقد لعب دوراً كبيراً في تخطيط المناطق الزراعية والسكنية ..
كما ساهم في وضع الخرائط وتقسيم الأراضي بلاضافة إلى مشاريع حماية الشواطئ وشبكة المواصلات الحديثة
ومن الناحية الثقافية .. كان سيف غباش يكتب مقالات في مجلة رأس الخيمة ..
وكان يترجم كل ما تكتبه كبريات الصحف والمجلات العالمية عن الأحداث الهامة في العالم.
بعد قيام الاتحاد .. شغل منصب وكيل وزارة الخارجية ..
واستلم هذا المنصب بحماس منقطع النظير حيث أخذ يعمل ليل نهار في تنظيم الوزارة
واختيار العناصر الجيدة من شباب الإمارات لإرسالها للعمل في سفارات الدولة..
كما شرع في تنظيم إدارات الوزارة لتحريك عجلة العمل.
في 25/12/1973 شكلت وزارة اتحادية جديدة وعين سيف غباش فيها وزيراً لدولة لشؤون الخارجية.
فصار المتحدث الرسمي باسم دولة الإمارات في المحافل الدولية
وحاول جاهداً إيصال صوت الإمارات إلى دول العالم ..
مبرزاً سياسية الدولة التي تسعى لصداقة الشعوب واستتباب العدالة والسلام
وكان من أشِد المتحمسين للقضية الفلسطينية وقضايا العالم الثالث.
قال عنه (جوثان أتكن) وهو احد السياسين المخضرمين في بريطانيا
لقد لعب سيف غباش دوراً كبيراً في توطيد عرى الصداقة بين دولة الامارات العربية المتحدة والعديد من دول العالم
كما انه أضفى على السياسة الخارجية لدولته الفتية سمة حضارية وانسانية مميزة.
أصداء اغتياله .. محلياً .. وعربياً وعالمياً
ماذا تعرف عن سيف غباش ؟؟
قد ذكرت لكم في المقدمة كيف تم اغتيال سيف غباش على يد شاب فلسطيني
كان يقصد برصاصاته الوزير السوري
وقد أحدث الاعلان عن هوية القاتل وانتمائه ردرود فعل اتسمت بالتوتر والقلق من ناحية
وبالأسف والاستغراب من ناحية أخرى ولم يقتصر التوتر والقلق الأمني على دولة الامارات
بل سيطر على معظم العواصم الخليجية ..
اذا انها المرة الأولى التي يغتال فيها مسؤول خليجي على دولة خليجية
ويكون ضحية خلافات فلسطينية وعربية مزمنة..
وعلى الصعيد الدولي كان خبر مقتله مفاجأة مفزعة لمعظم اصدقائه من الكتاب والسياسين الأجانب ..
ففي الأمم المتحدة ابدى كل من شارك في الجلسة المنعقدة
اسفه البالغ للخسارة الفادحة التي منيت بها الامارات
وفي واشنطن توالت البرقيات والمكالمات الهاتفية على سفارة الدولة
من رؤساء معاهد وجمعيات أمريكية وبعض طلاب مجلس الشيوخ.
اما في اوربا فقد كانت اللجنة العامة للحوار العربي والأوربي مجتمعة حينما انتشر خبر وفاته ..
فما كان منهم الا ان قطعوا الاجتماع ووقفوا دقيقة صمت على روحه..
وقد عبرت ابنته الصغيرة ميسون عن هذه الفاجعة بكلمات مؤثرة فقالت
أبي كان شجاعاً حنوناً
يلجأ اليه الضعيف والمسكين
عندما عدت من مدرستي .. في يوم اسود قاتم حزين
وجدت أبي طريح الفراش
وفجأة مات أبي
أبي الحنون أبداً
رحمك الله يا سيف غباش
واسكنك فسيح جناته
وأصل معكم هنا إلى نهاية الرحلة مع كتاب سيف غباش مسيرة العلم والسياسة
الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته.
والله كان رجل ونعم الرجل.
كان قدوه في عصاميته وعلمه وثقافته وحسن ادبه
ودماثة خلقه..
اتمنى ان نشاهد اسمه على مدارس ومعاهد ومساجد وشوارع كافة مدن الدوله..
ونامل ان تدرج سيرته الذاتيه في منهاج التربيه الوطنيه..
رحمة الله عليه..
الابلاد ماتقصر معاهم وعزتهم اكثر من المواطن واخر شي هذا الرد
بس ياريت المسؤلين يفهمون شوي ويعرفون ان الوطن محد بينفعه غير المواطن
والله يرحمك ياسيف غباش
مشكور وايد اخوي ع الموضوع واتمنى انك اتزيدنا من مواضيعك عن الوطن والمواطن وشكرا
أما العار الأكبر فهو ان دولة الامارات لم تكن في حياتها الا داعية للخير ولتضامن العرب
ولا يُقبل ان تجازى على سياستها بهذه الطريقة الجاحدة.
الله يرحمه
يزاكم الله كل خير
رحمك الله يا سيف غباش
واسكنك فسيح جناته