وتزوج الملك فاروق من ناريمان في مايو ايار عام 1951 وانجب منها احمد فؤاد الذي تنازل له عن العرش عقب قيام الثورة في يوليو تموز 1952 قبل ان يغادر البلاد الى المنفى حيث توفي عام 1965. ثم انتهى عهد الملكية باعلان الجمهورية عام 1953. وطلق الملك فاروق الملكة ناريمان عام 1954.
وقصة زواج ناريمان من الملك فاروق قد تبدو ظاهرة أشبه بقصة سندريللا.. الشابة الصغيرة ابنة الشعب التي اختارها الأخير لكي يتزوجها ورفض الزواج من الأميرات وبنات الذوات.. لكن قصة هذا الزواج قد تبدو أيضا أشبه بقصة الجميلة والقرصان.. فناريمان عندما وقع اختيار الملك فاروق عليها لتكون شريكة حياته الثانية بعد طلاقه من الملكة فريدة.. كانت تلميذة صغيرة في المدرسة الثانوية في السادسة عشرة من عمرها.. ولم تكن أميرة أو نبيلة أو من بنات الحكام والبلاط.. كان والدها هو حسين فهمي صادق بك وكيل وزارة المواصلات في ذلك الوقت.. وقد رأي أفراد الأسرة المالكة والأمير محمد علي ولي العهد بالذات انها عروس غير مناسبة.. لكن فاروق أصر علي اختياره.. وربما يكون قد أعجبه صغر سنها وعدم خبرتها في الحياة حتي تطيعه ولاتناقشه تصرفاته مثلما فعلت الملكة فريدة.. وربما يكون أراد الاقتران بواحدة من أفراد الشعب حتي يعود إليه رصيده من حب الناس الذي كان قد تدهور بسبب تصرفاته علي المستوي السياسي والقومي والشخصي وبسبب طلاقه من فريدة التي كان الشعب يحبها إلي حد خروج الناس في مظاهرات يوم طلاقها تهتف ‘خرجت الطهارة من بيت الدعارة’..
ورغم إصرار فاروق علي زواجه من ناريمان إلا انه كان يدرك انها غير مدربة علي التعامل مع رجال ونساء البلاط وانها تجهل البروتوكول واللغات.. فكان ان ارسلها بعد إعلان خطوبته عليها يوم 11 فبراير 1951 وهو يوم ميلاده في رحلة لمدة سبعة أشهر إلي أوروبا برفقة عمها قائد الأسراب مصطفي صادق لكي تتعلم كيفية التصرف كملكة في المستقبل. واتفق مع سفير مصر في روما عبدالعزيز بدر علي التمويه علي الصحافة والادعاء بأن ناريمان هي ابنة اخت السفير. وتم اختيار اسم مستعار لها هو ‘سعاد صادق’ وقد أثبتت ناريمان خلال هذه الأشهر السبعة ذكاءها وسرعة التقاطها لكل ما تعلمته خاصة اللغة الفرنسية التي أجادتها وكل ما له علاقة بقواعد البلاط.
وعادت ناريمان إلي مصر وأقيم حفل زفافها علي الملك فاروق يوم 6 مايو ..1951 ولكن هذا الحفل لم يتحمس له الشعب مثلما حدث عند زواج فاروق من فريدة عام ..1938 فقد كان فاروق قد فقد حب الناس له وساءت سمعتة وكان الشعب جميعه متعاطفا مع بنات الملك فاروق من فريدة وهن ‘فريال وفوزية ونادية’ اللاتي ظهرن في صور حفل زفاف فاروق وناريمان رغم طفولتهن وقد انحنت رؤوسهن في حزن.
وإذا كان زواج فاروق من ناريمان يبدو وكأنه زواج الملك من السندريللا إلا أن الأقاويل انتشرت في المجتمع المصري ان فاروق قد سرق ناريمان من خطيبها الدكتور محمد زكي وهو ما يثبت ان الملك مريض بداء السرقة وهي الإشاعة التي ذاعت عنه. وأن هذا الزواج ضد الشريعة لانه لا يجوز لرجل ان يخطب علي خطبة اخيه المسلم.. وكانت ناريمان بالفعل قد تمت خطبتها إلي المحامي الشاب وتم طبع الدعوات وارسالها إلي المدعوين عندما حلت في عين الملك وقرر اختطافها من خطيبها. وكان الملك قد اوصي احمد نجيب باشا الجواهرجي بأن يختار له عروسا مناسبة من المترددات علي محل المجوهرات وعندما دخلت ناريمان المحل لشراء شبكة زواجها من الدكتور محمد زكي هاشم رأي الجواهرجي انها تصلح عروسا للملك واسرع بالاتصال به.. ولعل نجيب باشا اراد ان يكون له فضل تزويج الملك. وقد سارع الملك بالحضور إلي المحل ويقال ان الجواهرجي طلب من ناريمان ان تقوم من مكانها بحجة مشاهدة بعض المجوهرات وذلك حتي يتمكن الملك من معاينة قوامها.. وعندما اشار الملك إلي الجواهرجي بأن الفتاة قد اعجبته قام الجواهرجي بتصرف غريب.. فقد قام من مكانه واحضر خاتما من الماس الثمين ووضعه في اصبع ناريمان وقال لوالدها ‘مبروك.. ابنتك اصبحت خطيبة جلالة الملك’. ويقال ان والد ناريمان قد صدم خاصة ان سمعة الملك فاروق النسائية كانت معروفة وان احد اصدقائه نصحه بأن يأخذ ابنته من مصر لان الملك فاروق ‘مش بتاع زواج’. ويظهر ان والد ناريمان نتيجة قلقه وخوفه علي مستقبل ابنته اصيب بازمة قلبية توفي علي اثرها قبل موعد الخطبة الذي كان الملك قد حدده يوم 11 فبراير 1951 تيمنا بعيد ميلاده الذي يقع في نفس اليوم * ورغم وفاة الاب فقد تمت الخطبة في موعدها.. وبعد عودة ناريمان من بعثتها التدريبية اقيم حفل الزفاف يوم 6 مايو ..1951 ولم يشارك الشعب الملك في فرحته ليس لان الناس كان لهم موقف من العروس ولكن بسبب سلوكيات الملك وممارساته غير الدستورية واطاحته بحزب الوفد وبالهزيمة العسكرية في حرب فلسطين وبالمعاناة الاقتصادية وبالفروق بين الطبقات. ولم يمر سوي عام واحد وبضعة اشهر حتي قامت ثورة يوليو 1952 واطاحت بفاروق وارسلته الي المنفي. ولم تقبل ناريمان ان تتخلي عن زوجها في محنته وسافرت ومعها طفلها وبنات زوجها.. ولكنها بعد ثمانية أشهر ارسلت تستغيث بوالدتها السيدة اصيلة التي حضرت من مصر سريعا إلي روما وعادت بابنتها إلي مصر التي كانت قد هددت ان استمرت حياتها مع فاروق ان تنتحر!
ان الاحداث التي مرت بها الملكة السابقة ناريمان تصلح دراما مؤثرة مليئة بالمفاجآت والتشويق والاحزان ايضا.. وهي مزيج من قصص الحب الرومانسية والمآسي التراجيدية.. منذ فقدت ناريمان خطيبها الذي كان من الممكن ان تعيش معه حياة هادئة مستقرة.. وفقدت عرشها.. وملكها.. وزوجها وحرمت من طفلها.. وعاشت احداثا سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة.. وفشلت في زواجها الثاني.. ثم اصيبت في بداية السبعينيات وهي مازالت في سن الاربعين بنزيف في المخ واجريت لها عملية جراحية خطيرة استمرت تعاني بسببها حتي النهاية وكان عليها ان تتناول باستمرار ادوية تمنع النزيف من جديد واذا كان هناك تعويض حدث في حياة هذه السيدة فهو زواجها من اللواء طبيب اسماعيل فهمي الذي عاشت معه حياة مستقرة طوال مدة 35 عاما.. كان واضحا انها تنعم فيها بالسعادة.. وان ظل فراقها شبه الدائم لابنها الذي فارقها وهو في ‘اللفة’ من اسباب ارقها وحزنها ومرضها الدائم.. ولعلها في ايامها الاخيرة شعرت باقتراب الاجل.. ففي الزيارة الاخيرة للملك السابق احمد فؤاد وكان قد جاء لحضور جنازة اخته الاميرة الراحلة فادية وعندما وقف يودع والدته قبل سفره ويقول لها ‘اشوف وشك بخير يا ماما’ كان رد ناريمان علي ابنها وهي تعانقه ‘مين عارف يا ابني اذا كنت حتشوفني ثاني’.
وكل الاحترام لبنت الشعب التي رفضت ان تتاجر بآلامها.. او تشهر بملكها.. والتي جلست يوما علي عرش مصر.. وكان هذا العرش سببا في احزانها التي انتهت بنهاية رحمتها في الحياة.
كل الشكر اختى على المرور العطر
تسلم براكودا … دائماً تتحفنا بمواضيع جميله …
تبعدنا عن جو الأسهم …