السبت 12 جمادى الأولى 1429هـ – 17 مايو2008م

سوق الأسهم أو سوق الليمون

فهد إبراهيم الشثري

حاز جورج أكيرلوف جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2001 بجانب كل من جوزيف ستيلجتز ومايكل سبينس على عملهم المتعلق بحل معضلة نقص المعلومات في اقتصاد المنافسة وتأثير ذلك في الوضع التوازني للسوق.

إذ إن حيازة أي طرف من جانبي المعادلة على معلومات أكثر – كحيازة مؤسسي الشركة معلومات أكثر عن الشركة – يحرف النتيجة النهائية التي يتوصل لها الطرفان – كسعر السهم المطروح في السوق – عن الوضع التوازني الحقيقي العادل.

وجورج أكيرلوف هو الذي مهد الطريق للأخيرين لحل هذه المعضلة بتبيان أثر نقص المعلومات في الوضع التوازني للسوق، وقد استخدم سوق السيارات المستعملة مثالاً على ذلك. فبافتراض أنك تدخل إلى سوق السيارات, وأن المعلومة الوحيدة لديك هي أن نصف السيارات في هذه السوق من النوع الجيد والنصف الآخر من النصف الرديء، فإنك ستقوم بحساب متوسط السعر بين النوعين وتقرر على أساسه ما إذا كان سعر السيارة مبالغا في سعرها أم لا.

وبحكم أنك تعتمد في التقدير على المتوسط بين السعرين، فإن سعر السيارة ذات النوع الرديء سيكون مبالغاً فيه, بينما ستكون السيارة الجيدة مقدرة بأقل من قيمتها الحقيقية. نتيجة لذلك فإن صاحب السيارة الجيدة سيمتنع عن بيعها لأن قيمتها في السوق تقل عن قيمتها الحقيقية، بينما سيجري أصحاب السيارات الرديئة لبيعها في السوق بسبب أنها مقيمة بأعلى من قيمتها الحقيقية ما يعني أن السوق ستكون مليئة بالسيارات من النوع الرديء أو ما يطلق عليها بالإنجليزية The Lemon.

وأعتقد أن السبب في هذه التسمية هو ربط الألم الذي يصاحب مشتري السيارة الرديئة بطعم الليمون المر. وهذه النتيجة النهائية سببها الرئيس نقص المعلومات لدى المشتري ما يجعله يقيم أي سيارة تقابله بناء على متوسط السعر بين النوع الرديء والجيد، ما يعني أن حل مشكلة النقص في المعلومات مهم لتقييم السيارة ( أو أي سلعة أخرى ) بشكل عادل.

لذلك تجد الكثير من البائعين يقدم الضمانات أو يقوم المشتري بفحص السيارة لمحاولة حل مشكلة نقص المعلومة والوصول إلى سعر توازني عادل بين البائع والمشتري.

المشكلة تعمم على كل سلعة وعلى كل سوق ما دام هناك نقص في المعلومات، ومن ضمن هذه الأسواق وأهمها سوق المال (وليس سوق الأسهم فقط).

والسبب أن سوق المال مكان يتبادل فيه الناس رأس المال والذي يعد المحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد، وإذا تميزت هذه السوق بنقص المعلومات، فالنتيجة ستكون مشابهة لما سبق أن شرحته في مثال السيارات المستعملة. لفت نظري تعليق من أحد الإخوة على مقالي الأسبوع الماضي والمتعلق بعلاوة الإصدار تنبأ فيها أن سوق الأسهم السعودية ستشهد جموداً كبيراً في الفترة المقبلة بسبب سياسة الاكتتابات والتي لا تستند على معايير واضحة لتقييم الشركات، وأتفق معه كلياً في ذلك. والسبب أن استمرار طرح الشركات بهذا الشكل من الغموض وعدم استناد ذلك على تقييم عادل سيجعل المستثمر في حيرة وبالتالي سيكون تقييمه مشابهاً لمشتري السيارة المستعملة بالاعتماد على المتوسط بين سعر سهم الشركة الرديئة وسعر سهم الشركة الجيدة.

ونتيجة لذلك ستقيم الشركة الرديئة في السوق بأعلى من قيمتها الحقيقية بينما تقيم الشركة الجيدة بأقل من قيمتها العادلة، مما يجعل السوق مليئة بالشركات الرديئة، وهذا السبب الذي جعلني أطلق عليه (سوق الليمون)، إذ إن المستثمر وحده سيذوق مرارة الألم (مثل مرارة الليمون) بسبب استثماره في مثل تلك الشركات.
فالشركات العائلية الجيدة سيمتنع أصحابها عن طرحها بسبب أنها مقدرة بأقل من القيمة التي تستحقها مقارنة بالتقييم الحالي الحاصل للشركات المطروحة خصوصاً فيما يتعلق بعلاوة الإصدار. بينما سيجد أصحاب الشركات الرديئة فرصة لا تعوض لطرح شركاتهم في السوق والحصول على أضعاف قيمها الحقيقية، والنتيجة النهائية سيتحملها المستثمر والاقتصاد ككل.

وقد يقول قائل إن هذا تبسيط نظري للمشكلة، وأقول إن معرفة كل مشكلة يبدأ بتجريدها لمعرفة السبب الرئيس وراءها ثم إضافة المزيد من الواقعية إليها عن طريق إضافة المزيد من العوامل المؤثرة فيها. بينما إذا تم النظر إلى المشكلة بشكلها المعقد ودون تجريدها فسنفشل في معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلة وسنعمل على علاج الجانب الخطأ.

لذلك وفي محاولة لتعميق السوق، دأبت هيئة سوق المال على طرح المزيد من الشركات دون التركيز على جودة هذه الشركات وقدرتها على النمو المستقبلي لتحقق لكل من المستثمر والاقتصاد النمو المطلوب، مما أتاح الفرصة لكثير من الشركات التي لا تملك مقومات النجاح المستقبلي للدخول إلى السوق، وفي الوقت نفسه حرم المستثمرين من فرصة الاستثمار في الشركات العائلية الجيدة بسبب عدم قناعة أصحابها بجدوى طرحها للاكتتاب العام حالياً.

ولتقتنع بضبابية الصورة اقرأ نشرات الاكتتاب للشركات التي أصدرت حديثاً ولتعرف ضعف الرؤية لدى مؤسسي تلك الشركات، وأنها – أي نشرات الاكتتاب – عبارة عن نسخ مكررة بعضها عن بعض، مما يثير تساؤلا عن ما إذا كان معد تلك النشرات شخصا واحدا.

أنا لا أنادي بالحد من الاكتتابات ولكن يجب أن تكون تلك الطروحات مبنية على تقييم واضح وعادل لكي يتبين للمستثمر الغث من السمين ولتتاح الفرصة أولاً لدخول الشركات الجيدة ذات الرؤية المستقبلية الجيدة، ضماناً لقوة السوق أولاً، وحفاظاً على مدخرات المواطنين ثانياً.
نقلا عن صحيفة “الاقتصادية” السعودية.

2 thoughts on “سوق الأسهم أو سوق الليمون

Comments are closed.