أهداني صديقي المهندس -جلال- والذي أثق كثيرا بهندسته كتابا بعنوان -قصة الفلسفة-، يتحدث فيه المؤلف عن مراحل تطور علم الفلسفة منذ عصر اليونان وحتى عصرنا هذا عصر المدير التنفيذي!
الفائدة الوحيدة التي خرجت بها بعد قرائتي للكتاب هي معرفتي بوجود شخص آخر يدعى سقراط بخلاف لاعب منتخب البرازيل السابق!
كان سقراط -أعظم فلاسفة التاريخ- ينزل إلى شوارع أثينا ويسأل الناس الأسئلة ويستطلع الإفتراضات ويناقش ويحاور ،،، كان عفريته يلاحقني منذ أن قرأت ذلك الكتاب ،،، قررت خوض غمار الفلسفة،، حيث نزلت إلى الشارع بثوبي المهلهل ،،، السماء صافية مساء تلك الليلة، كنت خلال تجوالي أستمع لعزف منفرد من بعيد لمقطوعة من ألحان الموسيقار الخالد بيكاسو !
كان العزف يخرج من منزل – نعيم – صديقي السابق، والذي اعتبره شخص أجوف وبليد ، فقد كان على قناعة بأن اللقطات الساخنة والتي كنا نشاهدها بالسينما حقيقية وليست تمثيل! هل يعقل بأن أصاحب شخص بالقرن الواحد والعشرين لا يزال يعتقد بأن البوس والقُبل السينمائية حقيقة، ما هذا الهراء، رسمت على وجهي ابتسامة فلسفية جادة وحكيمة قبل أن أطرق جرس الباب، أخذت أرن أنا والجرس لمدة خمس دقائق ، فتح بعدها – نعيم – الباب وسألته بحزم: نعيم ،،،، ما هي الفضيلة!
أطبق الباب بوجهي، لم أحزن فكم من باب أطبق بوجه سقراط، همت على وجهي بالطرقات فرأيت من بعيد سيدة خارجة لتوها من إحدى الصالونات، ما هذا بحق السماء، المرأة هي أقرب المخلوقات للحكمة، أسرعت الخطى حتى إذا ما كنت على مسافة قريبة منها سألتها وبرقة : سيدتي ،،، ما هو الشرف !
خلال ثوان تكالب علي (بكل ما تعني كلمة تكالب) العشرات من الشرفاء وأثخنوني بالجراح، خلال فترة الضرب سرح خيالي بعيدا عن المكان والزمان لسبع دقائق ذهبت خلالها إلى أثينا وشاهدت حينها مشهد لسقراط مع زوجته والمعاناة التي كان يعانيها منها والذي يحتاج لموال من مواويل محمد عبده،، بعد حفلة الضرب أفقت فوجدت نفسي مضرجا بالدماء، لا يهم ،فكل شي يهون في سبيل الفلسفة.
تذكرت بعد برهة بأن سقراط كان يجمع الشباب والمتعلمين من حوله ويستدرجهم إلى إحدى الزوايا المظلمة في أروقة المعبد، حيث يبدأ يسألهم أن يحددوا ويعرفوا كلامهم، شي جميل بالفعل، فالشباب هم عماد المستقبل ولابد لي من البحث عنهم الآن، لابد وأن أخرج من المولد بشي من الحمص.(وفي رواية الحمبص).
من أبسط الأشياء وأتفهها أن تبحث عن الشباب، فالغالبية ترتع بالمقاهي، توجهت إلى مقهى –كتكوت-، طلبت من بعض الشباب اللحاق بي لمناقشة موضوع خاص، صفعتهم المفاجأة ولكنهم مع هذا لحقوا بي، توجهت بهم إلى إحدى الزوايا المظلمة ثم سألتهم في هدوء : شباب ،،، ما هي الأخلاق،،، ماذا تعرفون عنها !
كنت حينها منتظرا لحريق النقاش أن يشتعل، لكنهم تجاهلوني وتفرقوا وهم يضربون كفا بكف وأسمعوني بعض التعليقات التي تمس الأجداد والآباء والأمهات، كل هذا يهون، ألم يحصل سقراط على أضعاف أضعاف المعاملة القاسية، لله درك يا سقراطيس!
لابد من تغيير التكتيك، لابد من تغيير الاسئلة، فالزمن غير الزمن، والأشخاص غير الأشخاص، ساقتني الأقدار بتلك الليلة الكئيبة للعم –صالح- حارس البناية، لاحظ العم صالح آثار الضرب على وجهي فبادر بسؤالي :-
– سلامات يا أستاذ ،،،
– لا ،، بسيطة يا عم صالح ،،، عم صالح،،،
– نعم ،،
– ممكن سؤال ،،،
– تفضل يا أستاذ ،، انته تأمر أمر ،،،
– عم صالح ،، هب أنك سيارة إسعاف تتحدث عن نفسها،، فماذا تقول!
– سلامات يا أستاذ ،،،
– لا ،، بسيطة يا عم صالح ،،، عم صالح،،،
– نعم ،،
– ممكن سؤال ،،،
– تفضل يا أستاذ ،، انته تأمر أمر ،،،
– عم صالح ،، هب أنك سيارة إسعاف تتحدث عن نفسها،، فماذا تقول!
لم يفهم العم صالح السؤال جيدا ، تركني ومضى في سبيله، ياله من عجوز ممل عبيط أحمر الأنف هارب من التجنيد، العم –صالح- لمن لا يعرفه أبخل من دب على وجه الأرض، زعيم رابطة البخلاء، لشده حرصه وتقتيره يقوم بالتنفس من منخر واحد، كما يقوم بوضع خرزات المسبحة المقطوعة طعاما للبط، تبا له.
لابد من البحث عن شخص أثق في قدراته العقلية والجسدية والروحية، لابد من العثور على سائق تكسي، أشرت إلى أحدهم فتوقف على الفور، قذفت بنفسي للداخل وطلبت منه التوجه إلى -اللاشئ-، فكما يقول سقراط بأن/ الفلسفة تبدأ عندما يبدأ الإنسان يتعلم الشك، وبخاصة في المعتقدات والحقائق التي يؤمن بها /، إذن فاليذهب بي التكسي إلى اللاشئ!
نظر إلي السائق قائلا :-
– على فين !
– إلى –اللاشئ- لو سمحت ،،،
– ومن أي إتجاه يا سيد ،،،
– إتجاه!،،، ماذا تقصد بقولك إتجاه!
– يعني أي طريق يا سيد ،،،
– لماذا قلت طريق ولم تقل شارع!
– لا حول ولا قوة إلا بالله ،، نروح فين يا سيد ،،،
– لماذا تردد كلمة سيد،،،لماذا لا تقول يا أخي !
– ملعون أبو الساعة ،،، إنزل ،، إنزل ،،
– يعني ما بنروح عند – اللاشئ- !
– على فين !
– إلى –اللاشئ- لو سمحت ،،،
– ومن أي إتجاه يا سيد ،،،
– إتجاه!،،، ماذا تقصد بقولك إتجاه!
– يعني أي طريق يا سيد ،،،
– لماذا قلت طريق ولم تقل شارع!
– لا حول ولا قوة إلا بالله ،، نروح فين يا سيد ،،،
– لماذا تردد كلمة سيد،،،لماذا لا تقول يا أخي !
– ملعون أبو الساعة ،،، إنزل ،، إنزل ،،
– يعني ما بنروح عند – اللاشئ- !
زمجر السائق وأرغمني على الخروج من التكسي، ياله من تافه، من الأفضل له أن ينتحر أو أن تكنسه مكنسة الأقوياء الذين يعرفون كيف ينجحون، سائق بليد.
بدأ الجو يميل إلى البرودة، وبدأت الريح تهب مثلوجة كأنها أنفاس الأبالسة، فأحسست بأني فريسة بين مخالب الدهر، فعدت إلى حجرتي على أمل معاودة التجربة في اليوم التالي.
في الصباح لم أغادر الحجرة مع قوافل النمل الآدمي، ولم أخرج في شيخوخة المساء مع قطيع الخراف الآدمية بل قررت الإتصال بأصدقائي واحد بعد الآخر، لأسئلهم بعض الأسئلة من نوع ،،، ما هو المنطق،،، ما هو التحليل السامي،،،ما هي الميتافيزيقيا،،، لأكتشف بأن جميع أصدقائي في الحمام، فكلما اتصلت بصديق قالوا انه في الحمام!
ظل جميع أصدقائي في الحمام ولم يخرجوا حتى الآن!
ودمتم
من أفضل المقالات التي قرأتها.
نصيحه أخوي رايق،
قم بتوثيق كتاباتك، فيوما ما، قد تندم أشد الندم على عدم توثيقها.
.
.
عزيزتي تحدي..
أتعتقدين بأن “فيلسوفًا” يحمل هذا القدر من الذكاء الحاد -خمسة و خميسة عليك -المستند على أساس معرفي متين.. يمكن له أن يغفل عن مثل هذه المعلومة العادية؟
.
الجواب هو : لا ..و لكن الأدب الساخر.. يقلب الأسد إلى نعجة .. و القلم إلى ممحاة.. و الفوق إلى تحت .. و بيكاسو إلى موسيقي!
/
/
أخي راااااايق
أهنيك على هذه الموهبة الفذة التي ما أوتيها إلا نزر قليلٌ من الناس..
تستحق بحق أن ننسط لها و نخصص وقتًا أقل للحمام ^_^
.
.
كنت حينها منتظرا لحريق النقاش أن يشتعل،
لكنهم تجاهلوني وتفرقوا وهم يضربون كفا بكف
وأسمعوني بعض التعليقات التي تمس الأجداد والآباء والأمهات،
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
ملاحظه ,,بيكاسو رسام وليس موسيقي