سيناريوهات انخفاض أسعار البترول
صحيفة الرياض د. انور ابو العلا

سوق البترول يتكون من ثلاثة اسواق رئيسية هي: السوق الفوري (سبوت) وسوق العقود (كونتراكت) وسوق الورق (فيوشرز) كثير من الذين يكتبون عن سوق البترول لا يعرفون الفرق – أو العلاقة – بينها وكيف يؤثر بعضها في بعض واي هذه الأسواق الثلاثة أكثر أهمية في تحديد اسعار البترول.
نحن هنا ليس بصدد الحديث عن هذه الأسواق (رغم انني كتبت بالتفصيل عن السوق الفوري وسوق الكونتراكت في رسالتي للدكتوراه أما سوق الورق فلم يكن موجودا بعد حينذاك) ولكن لابد من توضيح كيف تتفاعل وتؤثر هذه الأسواق الثلاثة بعضها في بعض وأيهم اكثر أهمية في تحديد أسعار البترول كي يمكن أن نفهم كيف تؤدي السيناريوهات (التي وعدت في مقال الأسبوع الماضي انني سأذكرها) الى تسابق دول اوبك في زيادة عرض بترولها وانهيار اسعار البترول كما حدث في منتصف الثمانينات واوائل التسعينات.

عدد السيناريوهات التي من الممكن أن تؤدي الى انهيار أسعار البترول (كنتيجة لمنحنى عرض بترول دول اوبك المرتد الى الوراء) متعددة ولذا سنقتصر على ذكر اثنين منها. السيناريو الأول يبدأ في سوق الورق ثم ينتقل الى السوقين الآخرين والسيناريو الثاني يبدأ في السوق الفوري ثم ينتقل الى السوقين الآخرين. أما سوق الكونتراكت فهو تابع أوخامل ولا يؤثر في السعر – في المدى القصير – رغم أنه هو السوق الذي يتم فيه الأتفاق على كمية البترول الخام التي يتم انتاجها وتبادلها بين المنتجين والمشترين وهوأيضا السوق الذي تستخدم دول اوبك سعره لتقدير ايرادات ميزانياتها.

السيناريوالأول:

نفترض أن دولة (أو جهة نافذة) مستهلكة للبترول ترغب في خفض سعر البترول فإنها تستطيع ببساطة طرح كمية من براميل الورق للبيع في سوق الورق (الفيوشرز) فيزداد عرض براميل الورق وينخفض سعر برميل الورق ومن ثم ينتقل انخفاض السعر بشكل تلقائي مباشرة الى سعر الكونتراكت عن طريق الفورملا (وقد سبق أن وضّحت دور الفورملا في مقال سابق في جريدة الرياض)

بعض دول اوبك (فنزويلا وايران والجزائر مثلاً وتسمى عادة الصقور) تقدّر عادة سعراً مرتفعاً – بعض الشيء – لسعر البترول مما يؤدي الأنخفاض المفاجئ في سعر الكونتراكت الى حدوث عجز في ميزانياتها فعلى سبيل المثال سنفترض: أن فنزويلا اعدّت ميزانيتها على اساس سبعين دولارا للبرميل وأن ايران اعدّت ميزانيتها على اساس خمسة وستين دولارا للبرميل وأن الجزائر اعدّت ميوانيتها على اساس ستين دولارا للبرميل.

لو نجحت المناورة في سوق الورق (التي ذكرناها في بداية السيناريو) في خفض معدل سعر الكونتراكت الى خمسة وستين دولارا فلما كانت فنزويلا أعدّت ميزانيتها على اساس سبعين دولارا فلكي تغطي فنزويلا العجز في ميزانيتها سترسل شحنة الى السوق الفوري (سبوت) مما يؤدي الى انخفاض السعر فاذا انخفض السعر الى ستين دولارا فلما كانت ايران اعدّت ميزانيتها على أساس خمسة وستين دولارا فلكي تغطي ايران العجز سترسل شحنة الى السوق الفوري فإذا ادّ ت هذه الزيادة الى خفض السعر الى خمسة وخمسين دولارا فلما كانت الجزائر اعدّت ميزانيتها على اساس ستين دولارا فلكي تغطي الجزائر العجز سترسل شحنة الى السوق الفوري وهكذا نرى وفقا لهذا السيناريو رغم أن الصقور هم أشد من يطالب في اجتماعات اوبك بالتمسك بالحصص الا أنهم – احيانا – يكونون اول من يضطر الى تجاوزها في السوق. ثم تبدأ الطامة الكبرى اذا استمرت دول الصقور – كل على حدة ترسل في الخفاء – شحنات (مهما كانت صغيرة) الى السوق الفوري فينخفض السعر تدريجيا في هذا السوق وينتقل الأنخفاض تلقائيا الى سوق العقود (الكونتراكت) الى أن يصل سعر الكوتنتراكت الى اقل من السعر الذي أعدّت دول الخليج على أساسه ميزانياتها وعندئذ يشتد وطيس المعمعة وتبدأ دولة وراء دولة في تجاوز حصتها وتأخذ الأسعار في الاتجاه (بشكل لولبي في الأسواق الثلاثة) الى قاع العشرة والعشرين دولارات. وهذا ماكان يحدث – بحذافيره – في منتصف الثمانينات واواخر التسعينات.

السيناريو الثاني: من أجل التنويع بدلا من أن نفترض أن دولة مستهلكة تقوم بمناورة في سوق الورق لخفض سعر البترول نفترض أن دولة منتجة هي التي تقوم بإطلاق الشرارة الأولى فترسل سفينة راسية في شواطئها – للتخزين المؤقت- وأحيانا تكون السفينة عائمة في عرض المحيط (في انتظار زبون طارئ) الى السوق الفوري (وهو سوق صغير جدا ولكنه هو الذي يعكس اساسيات السوق ويحدد اتجاه الأسعار) فيزداد العرض في السوق الفوري وينخفض السعر في هذا السوق وينتقل انخفاض السعر تلقائيا عن طريق الفورملا الى سوق العقود (الكونتراكت) وتتكرر سلسلة تجاوز الحصص (كما وصفناها في السيناريو الأول) وتبدأ الأسعار في الهبوط اللولبي الى العشرة والعشرين دولار للبرميل.

هذا العام جميع دول اوبك (وغير اوبك كروسيا) قدّرت ايرادات ميزانياتها على اساس توقعها أن يكون سعر البترول ما بين السبعين – للصقور- والخمسبن – للحمايم- دولار للبرميل في سوق الكونتراكت (لم أقم بحسابها شخصيا وانما نقلا من ما ينشر في الجرايد كل يوم) فهل سيؤدي انخفاض متوسط السعر الى مايقارب الخمسة والخمسين دولار الى تجاوز دول اوبك حصصها لا سيما بعد قرار تخفيض انتاج اوبك بمليون ونصف مليون برميل في اليوم؟

الآن لا. – غالبا ستلتزم دول اوبك بحصصها – لأن دول اوبك لازال يوجد لديها بقايا الفوائض التي تراكمت لديها من ارتفاع سعر البترول الى أن وصل مايقارب المائة وخمسين دولارا للبرميل ولكن اذا استمر السعر حوالي ستين دولارا للبرميل لفترة تكفي لتاّكل فوائض صقور اوبك فلاشك أن الصقور ستجد نفسها أمام خيار صعب اما ان تلتزم بحصتها وتخل بالتزاماتها حيال شعوبها واما ان تتجاوز حصتها وهذا هو الخيار الذي ستختاره الصقور مضطرة حتى لا تتعرض لاضطرابات سياسية تعرض انظمتها للخطر اذا عجزت عن الصرف على بعض التزاماتها الحسلسة لشعوبها.

كي لا تتكرر الماّسي وتبدأ حرب تجاوز الحصص وانهيار الأسعار الى أقل من الخمسة وخمسين دولارا للبرميل يجب على الحمائم أن تعرف أن سبب تجاوز الصقور لحصصها لا يعني التحدي وانما هو من باب مجبر اخاك لا بطل ومن ثم يجب التعاون معها (بدلا من المعارضة) في تخفيض انتاج بترول دول اوبك الى أن يصل متوسط سعر البرميل الى ثمانين دولارا للبرميل على أقل تقدير. كما يجب أن لا تحاول الحمائم أن ترهق اّبارها عندما تأخذ الأسعار وضعها الطبيعي في الأرتفاع حتى لو وصلت الأسعار الى فوق المائة وخمسين دولارا (وهذا ما سيحدث طال الزمن أو قصر) فلن يفيدها – ولن يفيد العالم – زيادة انتاجها الا نضوب بترولها وهي لا تزال تدور في حلقة مفرغة تسميها بناء البنية التحتية والتجهيزات الأساسية من غير أن تتمكن من بناء مصادر دخل دائم لتمويل صيانة وتشغيل هذه البنية والتجهيزات.

16 thoughts on “سيناريوهات انخفاض أسعار البترول

Comments are closed.