“شعاع كابيتال” وقضية التلاعب بسوق الأسهم لإدارة أرباح الشركة
د. محمد أل عباس – أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد – أبها 03/10/1429هـ
تعد قضية التلاعب برقم الأرباح من أخطر القضايا التي تواجه المحاسبة كنظام للمعلومات يمكن الوثوق به لاتخاذ قرارات استثمارية, كما أنها تهدد مهنة المراجعة لطرحها تحديات كبرى أمام المراجعين الخارجيين. قبل سبع سنوات انهارت كبريات الشركات العالمية ومعها انهار أكبر مكتب للمراجعة وتعرضت المكاتب الأخرى لتعويضات ضخمة وفرضت على مهنة المحاسبة والمراجعة أنظمة عالمية جديدة وقاسية. ورغم كل التطورات التي نتجت عن تلك الأحداث إلا أن العالم اليوم يواجه أزمة اقتصادية خطيرة وانهيارات جديدة في كبريات المؤسسات المالية والسبب مرة أخرى – بل دائما – هو غلبة الفكر الانتهازي الإداري الذي يوجه جميع مقدرات الشركة والأدوات المحاسبية والاقتصادية المختلفة لهدف تعزيز مصالح إدارة الشركة فقط على حساب باقي الشرائح الاقتصادية الأخرى, ومنهم حملة الأسهم. وهنا المعنى الذي أشارت إليه كلمة “الاقتصادية” في عدد سابق عندما ألمحت إلى أن نظرية اليد الخفية التي دعمت الرأسمالية لقرون هي التي تقودها اليوم للانهيار. بمعنى آخر فإن إدارة الأرباح تعني أن تعد وتجهز المعلومات الداخلية للشركة, التي لا يطلع عليها سوى الإدارة لتعزز وبشكل انتهازي مصالح إدارة الشركة فقط, بينما جميع اللاعبين الآخرين, ومن بينهم ملاك الأسهم الحاليون والمتوقعون بعيدون عن الوصول إلى هذه المعلومات, لذلك تظهر جميع القرارات الاقتصادية لتصب في خدمة مصالح الإدارة حتى لو أدت نتائج هذه القرارات – في مجموعها – إلى انهيار النظام الاقتصادي ككل كما يحدث اليوم. معظم الدراسات التي حاولت اكتشاف وقياس عملية إدارة رقم الأرباح تعتمد على فكرة أن هذه العلمية تتم باستخدام التقديرات المحاسبية, خاصة تلك التي تستند إلى الحكم الشخصي لإدارة الشركة ومن بينها عدد كبير ومتنوع من المخصصات.
تعلق الأسواق المالية آمالا كبيرة على مراجعي الحسابات في الحد من هذه الظاهرة وكذلك النظم الحديثة لحوكمة الشركة أملا في أن تتمكن هذه الإجراءات من تقليص القدرة الانتهازية لإدارة الشركة والعمل على دعم الثقة بالمعلومات التي تعدها الإدارة وكضمان أنها تعكس الوضع الحقيقي للشركة، لكن يبدو أن التطورات في مجال إدارة الأرباح يسبق فكر مراقبتها بشكل ملحوظ. فقد تجاوزت هذه العمليات المعايير المحاسبية والتلاعب بالتقديرات إلى مجالات خطيرة جدا. فالاقتصاد الأمريكي اليوم يعاني عمليات تضخيم للأصول نتج عنها انهيار شامل للنظام المالي لكن عملية التضخيم هذه تمت بعيدا عن التلاعب بالمعايير المحاسبية إنما باستخدام قوى السوق الحقيقية. لكن بعيدا عن السوق الأمريكية وأحداثها فإن هذا المقال يسلط الضوء على عملية نوعية لإدارة الأرباح وفي الوقت نفسه تمثل توجها خطيرا جدا ليس بالنسبة إلى الأسلوب المتبع فقط بل حتى لحجم الشركة المتورطة في ذلك وسمعتها.
فقبل أسابيع قليلة فرضت سلطة دبي للخدمات المالية عقوبة مالية بقيمة 3.675 مليون درهم (أي ما يقارب مليون دولار) على شركة شعاع كابيتال بتهمة التلاعب في أسهم “موانئ دبي العالمية”، حيث تعمدت – لاحظ تعمدت – “شعاع كابيتال” رفع سعر إغلاق أسهم “موانئ دبي العالمية” في 31 آذار (مارس) الماضي, ونص البيان على أن شركة شعاع كابيتال وجدت في السوق في دقائق الإغلاق الأخيرة وطرحت سعر عرض لتلك الأسهم تفوق كثيراً أسعار تداول السهم الاعتيادية اليومية. هذا الإجراء مكن إدارة الشركة من رفع القيمة الدفترية لمحفظتها الخاصة التي تستثمر في تلك الأسهم لأغراض محاسبية. فقد شهد سهم “موانئ دبي العالمية” ارتفاعاً في ذلك التاريخ بنسبة تجاوزت 8 في المائة حيث أغلق في نهاية تداولات آذار (مارس), أي نهاية الربع الأول من السنة المالية. وفي استجابة مفاجئة لما قامت به إدارة السوق فقد اعترفت “شعاع كابيتال” بهذا الحدث وأبدت اعتذارها وأنها ستتخذ إجراءات تحول دون تكرار هذه الحادثة في المستقبل.
من خلال هذه الحالة نكتشف التطور الذي بدأ يظهر في مجال إدارة الأرباح في الأسواق الخليجية, فـ “شعاع كابيتال” في هذه العملية لم تستخدم التقديرات المحاسبية الداخلية لها من خلال تعديل المخصصات زيادة أو نقصا, بل من خلال التأثير المباشر في أسعار سوق الأسهم ومع نهاية آخر يوم تداول قبل نهاية الربع الأول, الذي يمكنها من تعديل القيمة الدفترية لمحفظتها, وهو الإجراء الذي له تأثير واضح في القوائم المالية والمركز المالي للشركة, كما يمكن إدارة الشركة من التأثير في متخذي القرار. الشيء اللافت أن الطريقة التي اعتمدتها شركة شعاع كابيتال تعد – محاسبيا طريقة سليمة – فلا يمكن للمراجع الخارجي ولا حتى الداخلي رفض المعالجات المحاسبية الخاصة بها, بل إن جميع الإجراءات المحاسبية ستعد وفقا للمعايير المحاسبية المقبولة التي أصدرتها الهيئات المستقلة. فالواقع أن مراجع الحسابات سيمنح الشركة تقريرا نظيفا وهو ما حدث فعلا. لكن إدارة الأرباح تمت فعلا من خلال أسلوب محترف ومتقدم فعلا.
وإذا كنت أهنئ إدارة سوق دبي لاكتشافها هذه الحالة وإن تم الإعلان عنها متأخرا بعض الشيء, فنحن في نهاية الربع الثالث، لكن المعالجات المحاسبية والأثر في القوائم المالية ظل كما هو ولم يتغير, فقد حققت الشركة مرادها من التأثير في القرارات في تلك الفترة. الأمر الآخر أن هناك مخاطر اقتصادية جسيمة إذا كان هناك انتشار واسع لهذه الطريقة بين الشركات المختلفة التي تمارس أنشطة استثمارية في الأسواق المالية الخليجية المختلفة. من المدهش أيضا أن إدارة سوق دبي فرضت الغرامات فقط دونما كشف كامل عن الأسباب التي جعلت الشركة تمارس هذا الأسلوب بالذات ومن هم الأطراف الذين تأثروا بذلك؟ كما أن الكشف عن مثل هذه الأساليب يعزز قرارات هيئة السوق المالية السعودية التي منعت الشركات المختلفة من ممارسة عمليات الاستثمار في الأسهم مباشرة من غير وسيط أو صندوق استثماري متخصص.
وتبقى الأسئلة خطيرة حول التأثير الذي قد تمارسه هذه الشركات الاستثمارية عندما تحدد السعر العادل لأي سهم ليس لهدف اقتصادي سليم وموضوعي بل فقط للتأثير في سعر السهم وأيضا ليس لتحقيق أرباح رأسمالية من خلال التصريف بالبيع بل فقط لأغراض محاسبية. كما أن عملية “شعاع كابيتال” تجعلنا نطالب هيئة السوق المالية السعودية بفتح تحقيق حول الأسباب الحقيقية التي رفعت سهمي “الراجحي” و”سابك” قبل نهاية السنة المالية الماضية بشكل ملحوظ, وهل كان ذلك من أجل عمليات إدارة أرباح, خاصة أن تلك الفترة صحبها نشاط غير منطقي لنشرات تحديد السعر العادل؟
ارباب
بعيدا عن الموضوع .. نوعا ما
سوق دبي العالمي يتم فيه مراعاة مثل هذه الأمور من أجل الترويج له ولأستقطاب العديد من الشركات العالمية التي تراعي مثل هذه القوانين … بس للأسف سوق الأسهم المحلي متروك فيه الحبل على الغارب .. لكي تعيث فيه المحافظ فسادا !!!
فما السبب يا ترى !!!