عمرو خالد

ما الرضا؟

الرضا هو أن تشعر بالارتياح لما يختاره الله لك. الذي ضاق رزقه، وأحس بقلة المال، هل يملأ قلبه بالمرارة أم يرضي عن الله سبحانه وتعالى؟

بين الطموح والرضا

ألا يتعارض ذلك مع فكرة الطموح؟

لا.. هذا لا يتعارض مع الطموح. أن ترغب وتسعى إلى تحسين أحوالك المعيشية والوظيفة، هذا معنى مطلوب إسلامياً. لكن من داخلك أنت تشعر بالضيق، وتحس بالمرارة. لماذا لا تجد إنساناً يشعر بالرضا عن عمله؟

90% من الموظفين غير راضين عن وظائفهم. شئ جميل أن يطور الإنسان عمله. نصف المتزوجين غير راضين عن زوجاتهم. هذه الزوجة القسمة التي أختارها الله لك. فكيف لا ترضى بها؟.. كل هؤلاء لا يشعرون بالرضا.الذي ابتلاه الله بابن يعاني من مرض مزمن، والذي ابتلى من الله بمرض شديد، أو بعاهة من العاهات. نصف الذين يركبون عربات، غير راضين عن عرباتهم. الشاب المرفه يريد أن يغير التليفون المحمول، ويتشاجر مع أمه يومياً لكي تقنع أباه بشراء محمول جديد له.

لا أحد يرضى عن أزيائه من البنات والشباب أو بعد المسافة بين بيته ومحل سكنه. لا أحد يرضى عن الشقة التي يسكنها. أنت راضٍ أم غير راضٍ؟!..

هذه عبادة شديدة الأهمية، عبادة الرضا. هل أنت راضٍ عن رزقك؟.. كل هذه الأشياء تتدرج تحت كلمة “الرزق”.

الزوجة رزق، والعيال رزق وأيضاً الملبس والسيارة والشقة.

لماذا نشعر بالهم؟

الرد على كل ذلك، جاء في الحديث القدسي: ” عبدي.. خلقتك لعبادتي فلا تلعب. وقسمت لك رزقك فلا تتعب إن قل فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح. إن أنت رضيت بما قسمته لك، أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتبعت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً. وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة، فلا يصيبك منها إلا ما كتبته لك”.

ابن عطا الله يقول :”إياك والهم بعد التدبير، فما فما قام به غيرك عنك ، لا تقم أنت به لنفسك”. أنت أديت واجبك ، واتقنت عملك ، فلماذا تشعر بالهم؟

البنت التي لا تحمل قسمات جميلة .. هل هي راضية أم غير راضية؟! البنت التي تأخرت في زواجها. هل هي راضية أم غير راضية؟ الأم التي وصل سن ابننتها إلى 30 سنة ولم تتزوج.. هل هي راضية؟

الناس المتعبة المكتئبة… يقول ابن عطا الله لهم:” أرح نفسك من الهم بعد التدبير “.. ثم يقول: ” فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به لنفسك”. الله سبحانه هو الذي قام به عنك، فلماذا تشغل به نفسك؟ أليس هو الذي قال: ” وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق، مثل ما أنكم تنطقون ”

الأعرابي عندما سمع هذه الآية الكريمة، سأل الصحابي: ما الذي يجعل الله يقسم؟

نحن نصدق أن الرزق في السماء، هل هناك عاقل لا يصدق؟!

أرح نفسك من الهم بعد تدبير، فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به بنفسك، وتفرغ للعبادة. فبدلاً من أن تقضي الليل شارد الذهن بلا نوم، تفكر في الربح والخسارة. أرح نفسك من هذا الهم، وقم لتصلي..” خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب. إن قل فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح”.

إن أنت رضيت بما قسمته لك: أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً.

ما لديك يكفيك

في النهاية لن تأخذ إلا ما قسمه الله لك، ولو غير راض عما قسمه الله لك.. اسمع التهديد الرباني الذي يوجع قلبك: ” وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا”. وإذا سلط الله الدنيا على أحد، جعله في دوامة طوال الليل والنهار . وكلما ازداد ثراؤه . ازداد جشعه وسعيه إلى المال.

يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ” يا ابن آدم عندك ما يكفيك . وأنت تطلب ما يطغيك . لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. إن أنت أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فقل على الله العفاء”.

يا أبن أدم ما أعطاه لك يكفيك. لماذا تنظر إلى ما في أيدي الآخرين؟

زوجتك جميلة.. لكنك تريد فتاة الإعلانات وتظل تلعن اللحظة التي تزوجت فيها زوجتك. أنت لا تعلم أن الجميلة فتاة الإعلانات، كانت جميلة فقط لحظة تصويرها للإعلان. عندك ما يكفيك. هذا رزقك. هل تصدق الله أم لا؟

ما الدليل على أن عندك ما يكفيك؟

أنظر إلى هذه الآية:

” خلق الأرض في يومين، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين “. قبل أن يخلق البشرية كلها، يوم خلق السماوات والأرض، قدر الأقوات التي سيرزق بها كل مخلوق حتى يوم القيامة.

نقطة المطر تنزل من السماء، مكتوبة عند الله أنها ستمشي في الوادي الفلاني، ثم تصل إلى السهل الفلاني ثم تمشي في ماسورة المياه لتصب في زجاجة بعينها، ليشربها فلان الفلاني.

تنزل نقطة المطر في إحدى البلاد، لتنبت منها حبة القمح، التي يتم تصديرها إلى آخر الأرض، ليأكلها شخص بعينه في رغيف الخبز.

” عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك”. ألم تفكر أن السيارة التي تحلم باقتنائها ربما تكون سر فسادك، أو طريق هلاكك؟ ألم تفكر أن الموبايل الذي تحلم به، ربما يكون وسيلتك لارتكاب المعاصي؟.. ” لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع “.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لو كان لابن آدم واديا من ذهب، لتمنى أن يكون له واديان، ولم يملأ فم ابن أدم إلا التراب “.

حدود القناعة

وما هي إذن حدود القناعة عند بني آدم ؟

إن أنت أصبحت معافى في جسدك. آمنا في سربك، تغلق عليك بابك وأنت مطمئن. فمن نعم الله علينا أننا نعيش في أمان، ففي مدن الغرب لا تستطيع المرأة أن تغادر بيتها بعد السابعة مساء، وإن فعلت فهي تخطف وتغتصب وتقتل. ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “.

هل فكرت يوما أن ترضى الله لأنه جعلك آمنا في بلدك؟.. عندك قوت يومك؟ في الثلاجة طعام يوم واحد فقط. لو عندك هذا، فإنه حد الكفاية الذي حدثك الله عنه. لماذا اكتفى بطعام يوم واحد، وليس طعام أسبوع؟.. لأنك لا تضمن الحياة للغد. فإذا جاء الغد وأنت حي، فإن الذي رزقك اليوم، سوف يرزقك غداً. أفلا تشعر بالرضا لهذا؟.. أحياناً يرسل الله سبحانه رزق العام كله في شهر، ويبعث رزق الشهر في يوم واحد، ويبعث رزق اليوم في دقيقة. كن راضياً أذن عن الله، وقل: على الدنيا العفاء. قل لها: يا دنيا أنا أعفو عنك ولا أريد منك شيئاً، مادمت معافى في جسدك، آمنا في سربك، تملك قوت يومك.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ذاق طعم الأيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً “.

الرضا هو رضا القلب.

ويقول ابن القيم: ” الرضا باب الله الأعظم، ومستراح العابدين، وجنة الدنيا. من لم يدخله في الدنيا، لم يتذوقه في الآخرة”. والذي لم يتذوق حلاوة رضا الله في الدنيا، لن يتذوقها في الآخرة.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من قال حين يصبح ويمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وجب على الله أن يرضيه. من قالها ثلاث مرات، وفي المساء ثلاث مرات، رضى عنه الله في ذلك اليوم “. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من سمع الأذان فقال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً غفر له ذنبه”.

هذا باب الله الأعظم، فلم تتردد في الدخول منه. قل ذلك كثيراً. قل حتى يحس القلب بما تقوله.

النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ” اللهم رضني بقضائك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت”. ويأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ” يا رسول الله أي العمل أفضل؟.. قال: إيمان بالله وتصديق برسوله، وجهاد في سبيله”.

قال: يا رسول الله.. دلني على شئ أهون فقال: لا تتهم الله في شئ قضاه أبداً.

الرضا بعد القضاء

وهل يمكن اتهام الله جل وعلا؟

كأن تسأله: ليه يا ربي قبضت روح فلان؟.. أو: ليه يا ربي أمت ابني؟ لا تسخط أبداً، وأشعر بالرضا.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً :” اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء”.

ما علامات رضا الإنسان بقضاء ربه ؟

هناك ثلاث علامات :

1- ترك الاختيار قبل القضاء ، بصلاة الاستخارة .

لا تفعل شيئاً إلا بعد صلاة الاستخارة بدءاً من شراء الملابس وحتى الزواج الالتحاق بوظيفة أو السفر . أنت بهذا تفوض الأمر لله .

2- فقدان المرارة بعد القضاء بالحمد والشكر .

3- دوام محبة الله القلب عند وقوع الابتلاء.

هناك نوع من الناس تقل عبادتهم بعد الابتلاء من الله . هذا من دلائل السخط على الله .

أحزان النبي

هل تعطينا نماذجاً من الذين رضوا عن الله سبحانه بعد الابتلاء؟

النبي صلى الله عليه وسلم عان يدعو ربه : “اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ،وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي ” .

والنبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه كان عمره 62 عاماً وكان ذلك آخر أمل للنبي أن يكون له ولد . والنبي كان يعلم أن الله لا يريد أن يكون له ولد . حين ولد إبراهيم ، حمده النبي وتوجه به إلى بيوت الصحابة ، يطرقها ويقول لهم : ” انظروا ابني إبراهيم كان قلبه يقفز فرحاً . وحين مات براهيم بكى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يتعارض مع الرضا وقال :” إن العين تدمع وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،وإنا لقرافك يا إبراهيم لمحزنون “. وهو هنا صلى الله عليه وسلم جمع بين مقام الرحمة ، ومقام الرضا . فالعين تدمع رحمة ، والقلب راض .

هناك قصة أخرى للفضيل بن عياض أئمة التابعين ، وكان دائم السكون قليل الابتسام . بعد 30 عاماً من حالته هذه مات ابنه ، فلم يرى مبتسماً إلا يومها . فقالوا : عجباً .. أتبتسم يوم وفاة ابنك ، وما كنت تبتسم قبلها ؟ فقال لهم : أفرح برضا الله في كل الأحوال وأجبر هذا القلب أن يرضى على الله ، فابتسمت لأجعل قلبي يرضى على أفعال الله سبحانه وتعالى .

الرحمة والرضا

النبي صلى الله عليه وسلم عرف كيف يجمع بين مقام الرحمة ومقام الرضا ، فبكى بينما القلب راض . أما الفضيل فلم يستطيع الجمع بين المقامين :

الرحمة والرضا ، فاضطر أن يبتسم لأنه عجز عن الجمع بين الرحمة والرضا لحظة الابتلاء .

والناس عند الابتلاء عادة : منهم من يرضى بينما الرحمة غير موجودة بالقلب . وآخر قلبه ملئ بالرحمة لكنه عاجز عن الوصول إلى الرضا . فأعلا الناس هو الرسول صلى الله عليه وسلم . الذي جمع بين الرحمة والرضا .

ويقول أنس ابن مالك : ” خدمت النبي عشر سنين ، فما قال لي يوما هلا فعلت كذا ؟ ولم يقل يوما لم لم تفعل كذا ؟ وما قال لشيء حدث : ليته ما حدث ! ولا قال لشيء ما حدث : ليته حدث ” .

وقد كان بعض أهل النبي ، وزوجات النبي يلومونني على شيء أفعله ، فكان يقول لهم : دعوه .. فلو قضاه الله لما كان .

4 أشياء للحمد

أنظر إلى عمر ابن الخطاب وهو راض عن ربه يقول عمر ابن الخطاب :” ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله على أربعة أشياء :

أنها لم تكن في ديني .

أنها لم تكن أكبر منها .

أن الله يثيبني عليها الجنة .

أنني تذكرت مصيبتي في فقد النبي صلى الله عليه وسلم “.

ويقول : ” والله لا أبالي على أي حال من الأحوال الدنيا أصبحت .. بخير أو بشر – رضاء أو ضيقا فرحا أو حزنا ً . ما دمت مسلماً ” .

كان ” عمران ابن حصين ” صحابياً قوياً ، لم يترك غزوة إلا وشارك فيها . بعد وفاة النبي أصيب بشلل نصفي فرقد على ظهره 30 عاما حتى مات . كان لا يتحرك حتى أنهم ثقبوا له السرير ثقباً لقضاء حاجته . دخل عليه بعض الصحابة فرأوه . فبكوه . فنظر إليهم وقال : أنتم تبكون أما أنا فراض . أحب ما أحبه الله وأرضى بما ارتضاه الله وأسعد بما اختاره الله . ثم قال له : ” والله أكون على حالي هذا فأحس بتسبيح الملائكة وأحس بزيارة الملائكة ، فأعلم أن هذا الذي بي ليس عقوبة من الله ، إنما يختبر رضائي عنه ، أشهدكم أني راض عن ربي “.

جائزة الرضا

سعد ابن أبي وقاص أحد المبشرين بالجنة كان مستجاب الدعوة ، والنبي صلي الله عليه وسلم قال : ” سعد مستجاب الدعوة فكلما ذهب إلى مكان التف الناس حوله ليدعو لهم بما يتمنون ، فيستجاب له .

آخر أيامه فقد سعد غبن أبي وقاس بصره ، وهو فاتح القادسية ،فجاءه شاب وقال له : أنت مستجاب الدعوة ادع الله أن يرد بصرك .

فقال له سعد : ” قضاء الله أحب إلي من بصري . أفيرضاه الله ، ولا أرضاه لنفسي والله لا أدعوه “.

يقول عبد الله ابن مسعود :” منذ 40 سنة ما أقامني الله في حال ، إلا وأنا راض عنها . ووالله ما بكيت على شيء حدث لي في الدنيا ، أبكى فقط على فوات الدين “.

يقول أحد العلماء :” ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره ، تركنا اختيارنا ورضاءنا إلى رضاه عز وجل ، ولم نخالف الله فيما يحب

ما الجائزة نكفأ بها على الرضا ؟

من رضى فله الرضا . يرضى عنك الله ومن سخط فله السخط .

وأعظم الرضا يوم القيامة ، ينادى الله سبحانه وتعالى :” يا أهل الجنة .. هل رضيتم ؟ فيقولون : ” وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة “. فيقول الله تبارك وتعالى : ” بقى شيء يا أهل الجنة ؟ فيقولون : وما هو يا رب ؟ فيقول أرضى عنكم ، فلا أسخط عليكم بعدها أبداً

” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وأزواج مطهرة ورضوان من الله أكبر ”

9 thoughts on “عبدي.. خلقتك لعبادتي فلا تلعب. وقسمت لك رزقك فلا تتعب

  1. عمرو خالد

    ما الرضا؟

    الرضا هو أن تشعر بالارتياح لما يختاره الله لك. الذي ضاق رزقه، وأحس بقلة المال، هل يملأ قلبه بالمرارة أم يرضي عن الله سبحانه وتعالى؟

    بين الطموح والرضا

    ألا يتعارض ذلك مع فكرة الطموح؟

    لا.. هذا لا يتعارض مع الطموح. أن ترغب وتسعى إلى تحسين أحوالك المعيشية والوظيفة، هذا معنى مطلوب إسلامياً. لكن من داخلك أنت تشعر بالضيق، وتحس بالمرارة. لماذا لا تجد إنساناً يشعر بالرضا عن عمله؟

    90% من الموظفين غير راضين عن وظائفهم. شئ جميل أن يطور الإنسان عمله. نصف المتزوجين غير راضين عن زوجاتهم. هذه الزوجة القسمة التي أختارها الله لك. فكيف لا ترضى بها؟.. كل هؤلاء لا يشعرون بالرضا.الذي ابتلاه الله بابن يعاني من مرض مزمن، والذي ابتلى من الله بمرض شديد، أو بعاهة من العاهات. نصف الذين يركبون عربات، غير راضين عن عرباتهم. الشاب المرفه يريد أن يغير التليفون المحمول، ويتشاجر مع أمه يومياً لكي تقنع أباه بشراء محمول جديد له.

    لا أحد يرضى عن أزيائه من البنات والشباب أو بعد المسافة بين بيته ومحل سكنه. لا أحد يرضى عن الشقة التي يسكنها. أنت راضٍ أم غير راضٍ؟!..

    هذه عبادة شديدة الأهمية، عبادة الرضا. هل أنت راضٍ عن رزقك؟.. كل هذه الأشياء تتدرج تحت كلمة “الرزق”.

    الزوجة رزق، والعيال رزق وأيضاً الملبس والسيارة والشقة.

    لماذا نشعر بالهم؟

    الرد على كل ذلك، جاء في الحديث القدسي: ” عبدي.. خلقتك لعبادتي فلا تلعب. وقسمت لك رزقك فلا تتعب إن قل فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح. إن أنت رضيت بما قسمته لك، أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتبعت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً. وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة، فلا يصيبك منها إلا ما كتبته لك”.

    ابن عطا الله يقول :”إياك والهم بعد التدبير، فما فما قام به غيرك عنك ، لا تقم أنت به لنفسك”. أنت أديت واجبك ، واتقنت عملك ، فلماذا تشعر بالهم؟

    البنت التي لا تحمل قسمات جميلة .. هل هي راضية أم غير راضية؟! البنت التي تأخرت في زواجها. هل هي راضية أم غير راضية؟ الأم التي وصل سن ابننتها إلى 30 سنة ولم تتزوج.. هل هي راضية؟

    الناس المتعبة المكتئبة… يقول ابن عطا الله لهم:” أرح نفسك من الهم بعد التدبير “.. ثم يقول: ” فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به لنفسك”. الله سبحانه هو الذي قام به عنك، فلماذا تشغل به نفسك؟ أليس هو الذي قال: ” وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق، مثل ما أنكم تنطقون ”

    الأعرابي عندما سمع هذه الآية الكريمة، سأل الصحابي: ما الذي يجعل الله يقسم؟

    نحن نصدق أن الرزق في السماء، هل هناك عاقل لا يصدق؟!

    أرح نفسك من الهم بعد تدبير، فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به بنفسك، وتفرغ للعبادة. فبدلاً من أن تقضي الليل شارد الذهن بلا نوم، تفكر في الربح والخسارة. أرح نفسك من هذا الهم، وقم لتصلي..” خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب. إن قل فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح”.

    إن أنت رضيت بما قسمته لك: أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً.

    ما لديك يكفيك

    في النهاية لن تأخذ إلا ما قسمه الله لك، ولو غير راض عما قسمه الله لك.. اسمع التهديد الرباني الذي يوجع قلبك: ” وعزتي وجلالي لأسلطن عليك الدنيا”. وإذا سلط الله الدنيا على أحد، جعله في دوامة طوال الليل والنهار . وكلما ازداد ثراؤه . ازداد جشعه وسعيه إلى المال.

    يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ” يا ابن آدم عندك ما يكفيك . وأنت تطلب ما يطغيك . لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. إن أنت أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فقل على الله العفاء”.

    يا أبن أدم ما أعطاه لك يكفيك. لماذا تنظر إلى ما في أيدي الآخرين؟

    زوجتك جميلة.. لكنك تريد فتاة الإعلانات وتظل تلعن اللحظة التي تزوجت فيها زوجتك. أنت لا تعلم أن الجميلة فتاة الإعلانات، كانت جميلة فقط لحظة تصويرها للإعلان. عندك ما يكفيك. هذا رزقك. هل تصدق الله أم لا؟

    ما الدليل على أن عندك ما يكفيك؟

    أنظر إلى هذه الآية:

    ” خلق الأرض في يومين، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين “. قبل أن يخلق البشرية كلها، يوم خلق السماوات والأرض، قدر الأقوات التي سيرزق بها كل مخلوق حتى يوم القيامة.

    نقطة المطر تنزل من السماء، مكتوبة عند الله أنها ستمشي في الوادي الفلاني، ثم تصل إلى السهل الفلاني ثم تمشي في ماسورة المياه لتصب في زجاجة بعينها، ليشربها فلان الفلاني.

    تنزل نقطة المطر في إحدى البلاد، لتنبت منها حبة القمح، التي يتم تصديرها إلى آخر الأرض، ليأكلها شخص بعينه في رغيف الخبز.

    ” عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك”. ألم تفكر أن السيارة التي تحلم باقتنائها ربما تكون سر فسادك، أو طريق هلاكك؟ ألم تفكر أن الموبايل الذي تحلم به، ربما يكون وسيلتك لارتكاب المعاصي؟.. ” لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع “.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” لو كان لابن آدم واديا من ذهب، لتمنى أن يكون له واديان، ولم يملأ فم ابن أدم إلا التراب “.

    حدود القناعة

    وما هي إذن حدود القناعة عند بني آدم ؟

    إن أنت أصبحت معافى في جسدك. آمنا في سربك، تغلق عليك بابك وأنت مطمئن. فمن نعم الله علينا أننا نعيش في أمان، ففي مدن الغرب لا تستطيع المرأة أن تغادر بيتها بعد السابعة مساء، وإن فعلت فهي تخطف وتغتصب وتقتل. ” فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف “.

    هل فكرت يوما أن ترضى الله لأنه جعلك آمنا في بلدك؟.. عندك قوت يومك؟ في الثلاجة طعام يوم واحد فقط. لو عندك هذا، فإنه حد الكفاية الذي حدثك الله عنه. لماذا اكتفى بطعام يوم واحد، وليس طعام أسبوع؟.. لأنك لا تضمن الحياة للغد. فإذا جاء الغد وأنت حي، فإن الذي رزقك اليوم، سوف يرزقك غداً. أفلا تشعر بالرضا لهذا؟.. أحياناً يرسل الله سبحانه رزق العام كله في شهر، ويبعث رزق الشهر في يوم واحد، ويبعث رزق اليوم في دقيقة. كن راضياً أذن عن الله، وقل: على الدنيا العفاء. قل لها: يا دنيا أنا أعفو عنك ولا أريد منك شيئاً، مادمت معافى في جسدك، آمنا في سربك، تملك قوت يومك.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” ذاق طعم الأيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً “.

    الرضا هو رضا القلب.

    ويقول ابن القيم: ” الرضا باب الله الأعظم، ومستراح العابدين، وجنة الدنيا. من لم يدخله في الدنيا، لم يتذوقه في الآخرة”. والذي لم يتذوق حلاوة رضا الله في الدنيا، لن يتذوقها في الآخرة.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” من قال حين يصبح ويمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وجب على الله أن يرضيه. من قالها ثلاث مرات، وفي المساء ثلاث مرات، رضى عنه الله في ذلك اليوم “. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم ” من سمع الأذان فقال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً غفر له ذنبه”.

    هذا باب الله الأعظم، فلم تتردد في الدخول منه. قل ذلك كثيراً. قل حتى يحس القلب بما تقوله.

    النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ” اللهم رضني بقضائك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت”. ويأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ” يا رسول الله أي العمل أفضل؟.. قال: إيمان بالله وتصديق برسوله، وجهاد في سبيله”.

    قال: يا رسول الله.. دلني على شئ أهون فقال: لا تتهم الله في شئ قضاه أبداً.

    الرضا بعد القضاء

    وهل يمكن اتهام الله جل وعلا؟

    كأن تسأله: ليه يا ربي قبضت روح فلان؟.. أو: ليه يا ربي أمت ابني؟ لا تسخط أبداً، وأشعر بالرضا.

    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه قائلاً :” اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء”.

    ما علامات رضا الإنسان بقضاء ربه ؟

    هناك ثلاث علامات :

    1- ترك الاختيار قبل القضاء ، بصلاة الاستخارة .

    لا تفعل شيئاً إلا بعد صلاة الاستخارة بدءاً من شراء الملابس وحتى الزواج الالتحاق بوظيفة أو السفر . أنت بهذا تفوض الأمر لله .

    2- فقدان المرارة بعد القضاء بالحمد والشكر .

    3- دوام محبة الله القلب عند وقوع الابتلاء.

    هناك نوع من الناس تقل عبادتهم بعد الابتلاء من الله . هذا من دلائل السخط على الله .

    أحزان النبي

    هل تعطينا نماذجاً من الذين رضوا عن الله سبحانه بعد الابتلاء؟

    النبي صلى الله عليه وسلم عان يدعو ربه : “اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ،وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي ” .

    والنبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه كان عمره 62 عاماً وكان ذلك آخر أمل للنبي أن يكون له ولد . والنبي كان يعلم أن الله لا يريد أن يكون له ولد . حين ولد إبراهيم ، حمده النبي وتوجه به إلى بيوت الصحابة ، يطرقها ويقول لهم : ” انظروا ابني إبراهيم كان قلبه يقفز فرحاً . وحين مات براهيم بكى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يتعارض مع الرضا وقال :” إن العين تدمع وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،وإنا لقرافك يا إبراهيم لمحزنون “. وهو هنا صلى الله عليه وسلم جمع بين مقام الرحمة ، ومقام الرضا . فالعين تدمع رحمة ، والقلب راض .

    هناك قصة أخرى للفضيل بن عياض أئمة التابعين ، وكان دائم السكون قليل الابتسام . بعد 30 عاماً من حالته هذه مات ابنه ، فلم يرى مبتسماً إلا يومها . فقالوا : عجباً .. أتبتسم يوم وفاة ابنك ، وما كنت تبتسم قبلها ؟ فقال لهم : أفرح برضا الله في كل الأحوال وأجبر هذا القلب أن يرضى على الله ، فابتسمت لأجعل قلبي يرضى على أفعال الله سبحانه وتعالى .

    الرحمة والرضا

    النبي صلى الله عليه وسلم عرف كيف يجمع بين مقام الرحمة ومقام الرضا ، فبكى بينما القلب راض . أما الفضيل فلم يستطيع الجمع بين المقامين :

    الرحمة والرضا ، فاضطر أن يبتسم لأنه عجز عن الجمع بين الرحمة والرضا لحظة الابتلاء .

    والناس عند الابتلاء عادة : منهم من يرضى بينما الرحمة غير موجودة بالقلب . وآخر قلبه ملئ بالرحمة لكنه عاجز عن الوصول إلى الرضا . فأعلا الناس هو الرسول صلى الله عليه وسلم . الذي جمع بين الرحمة والرضا .

    ويقول أنس ابن مالك : ” خدمت النبي عشر سنين ، فما قال لي يوما هلا فعلت كذا ؟ ولم يقل يوما لم لم تفعل كذا ؟ وما قال لشيء حدث : ليته ما حدث ! ولا قال لشيء ما حدث : ليته حدث ” .

    وقد كان بعض أهل النبي ، وزوجات النبي يلومونني على شيء أفعله ، فكان يقول لهم : دعوه .. فلو قضاه الله لما كان .

    4 أشياء للحمد

    أنظر إلى عمر ابن الخطاب وهو راض عن ربه يقول عمر ابن الخطاب :” ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله على أربعة أشياء :

    أنها لم تكن في ديني .

    أنها لم تكن أكبر منها .

    أن الله يثيبني عليها الجنة .

    أنني تذكرت مصيبتي في فقد النبي صلى الله عليه وسلم “.

    ويقول : ” والله لا أبالي على أي حال من الأحوال الدنيا أصبحت .. بخير أو بشر – رضاء أو ضيقا فرحا أو حزنا ً . ما دمت مسلماً ” .

    كان ” عمران ابن حصين ” صحابياً قوياً ، لم يترك غزوة إلا وشارك فيها . بعد وفاة النبي أصيب بشلل نصفي فرقد على ظهره 30 عاما حتى مات . كان لا يتحرك حتى أنهم ثقبوا له السرير ثقباً لقضاء حاجته . دخل عليه بعض الصحابة فرأوه . فبكوه . فنظر إليهم وقال : أنتم تبكون أما أنا فراض . أحب ما أحبه الله وأرضى بما ارتضاه الله وأسعد بما اختاره الله . ثم قال له : ” والله أكون على حالي هذا فأحس بتسبيح الملائكة وأحس بزيارة الملائكة ، فأعلم أن هذا الذي بي ليس عقوبة من الله ، إنما يختبر رضائي عنه ، أشهدكم أني راض عن ربي “.

    جائزة الرضا

    سعد ابن أبي وقاص أحد المبشرين بالجنة كان مستجاب الدعوة ، والنبي صلي الله عليه وسلم قال : ” سعد مستجاب الدعوة فكلما ذهب إلى مكان التف الناس حوله ليدعو لهم بما يتمنون ، فيستجاب له .

    آخر أيامه فقد سعد غبن أبي وقاس بصره ، وهو فاتح القادسية ،فجاءه شاب وقال له : أنت مستجاب الدعوة ادع الله أن يرد بصرك .

    فقال له سعد : ” قضاء الله أحب إلي من بصري . أفيرضاه الله ، ولا أرضاه لنفسي والله لا أدعوه “.

    يقول عبد الله ابن مسعود :” منذ 40 سنة ما أقامني الله في حال ، إلا وأنا راض عنها . ووالله ما بكيت على شيء حدث لي في الدنيا ، أبكى فقط على فوات الدين “.

    يقول أحد العلماء :” ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره ، تركنا اختيارنا ورضاءنا إلى رضاه عز وجل ، ولم نخالف الله فيما يحب

    ما الجائزة نكفأ بها على الرضا ؟

    من رضى فله الرضا . يرضى عنك الله ومن سخط فله السخط .

    وأعظم الرضا يوم القيامة ، ينادى الله سبحانه وتعالى :” يا أهل الجنة .. هل رضيتم ؟ فيقولون : ” وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة “. فيقول الله تبارك وتعالى : ” بقى شيء يا أهل الجنة ؟ فيقولون : وما هو يا رب ؟ فيقول أرضى عنكم ، فلا أسخط عليكم بعدها أبداً

    ” وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وأزواج مطهرة ورضوان من الله أكبر “

  2. وجدت هذا الموضوع وانا في اشد حالات اليأس الوظيفي

    فعلا

    فشعرت براحة غريبة منه

    ان ما اصابني لم يكن ليخطأني

    وما أخطأني لم يكن ليصيبني

    تحصل واحد عنده زوجة واولاد وسياره اخر موديل وبيت ورصيد بالبنك — وغير راضي

    وهنا الفرق بين الطموح والرضا

    جزاكم الله كل خير

  3. الله اكبر الله اكبر الله اكبر

    والحمدالله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات والارض وما بينهما

    سبحان الله وبحمده

    سبحان الله والحمدالله ولا اله الا الله والله اكبر

    اللهم صلي وسلم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

    اللهم ارضنا بما قسمت لنا وارض عنا واغفر لنا فانه لايغفر الذنوب الا انت

    اللهم اغفر لكاتب هذا الموضوع واجزه عنا خير الجزاء واجعله وايانا من المرضيين والمرضي علينا انك انت السميع العليم المجيب الدعوات

    مشكوووووووووووور ياخي على الموضوع

Comments are closed.