الْخُطْبَةُ الأُولَى
الحمدُ للهِ الَّذِي أَعْلَى مَرَاتبَ العلماءِ وجعلَهُمْ ورثةَ الأنبياءِ، وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ ، الملكُ العليمُ الخبيرُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ البشيرُ النَّذِيرُ أمرَهُ مولاهُ بطلبِ الزِّيادةِ مِنَ العلمِ فقالَ تعالَى : )وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً[([1]) اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ: فأوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِِ تعالَى، يقولُ الحقُّ عزَّ وجلَّ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُو العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ( ([8]). وناهيكَ بِهذا شرفاً وفضلاً ونبلاً ، وهنيئاً للعلماءِ هذِهِ الشهادةُ العظيمةُ، وهنيئاً لَهُمْ شهادةُ اللهِ بأنَّهمْ أشدُّ النَّاسِ خشيةً لهُ، قالَ تعالَى : ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ (([9]).
عبادَ اللهِ: هَا هوَ الحبيبُ المصطفَى صلى الله عليه وسلم يصوِّرُ مكانةَ العلمِ والعلماءِ فيقولُ صلى الله عليه وسلم :« إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ»([10]). ويقدِّمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم العلماءَ فِي إمامةِ المسلمينَ بأعظمِ أركانِ الدِّينِ وهذا التَّقديمُ يدلُّ علَى عُلوِّ شأنِهِمْ، ورفعةِ قدرِهمْ، قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :« يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»([11]).
وجعلَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم العلمَ النَّافعَ دائمَ الثَّوابِ مستمرَ الأجرِ ولوْ بعدَ موتِ صاحبِهِ، قالَ صلى الله عليه وسلم: « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»([12]). وأخبرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ إذَا أرادَ بعبدٍ خيراً رزقَهُ العلمَ النَّافعَ فقالَ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ»([13]).
إنَّ هذهِ الآياتِ والأحاديثَ تدفعُنَا وتحفِّزُ هممَنَا لطلبِ العلمِ النَّافعِ
لنَا ولأبنائِنَا كمَا كانَ أجدادُنَا مِنَ العلماءِ السَّابقِينَ الَّذينَ كانَ لهمُ
السَّبقُ فِي كلِّ ميادينِ العلمِ والمعرفةِ فِي شتَّى العلومِ، فكانَ منهمُ الإمامُ مالكُ بنُ أنسٍ، والشَّافعيُّ وأبُو حنيفةَ ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، والبخاريُّ ومسلمٌ فِي علومِ الشريعةِ، وابنُ سينَا وابنُ النَّفِيسِ فِي الطبِّ، والخوارزميُّ وجابرُ بنُ حيَّانَ فِي الرياضياتِ، ومئاتُ العلماءِ الَّذينَ برعُوا فِي كلِّ العلومِ، وملأُوا أطباقَ الأرضِ نوراً وعلماً نفعَ اللهُ بهِ النَّاسَ أجمعينَ، فيَا أبناءَنَا ارفعُوا رؤوسَكُم فخرًا واعتزازاًً بأجدادِكُمْ ، وكونُوا مثلَهُمْ، فإنَّ التَّشبهَ بالعلماءِ فلاحٌ.
عبادَ اللهِ : لئنْ كانَتْ هذهِ درجةُ العلمِ والعلماءِ فحريٌّ بنَا أنْ نُجلَّهُمْ ونعرفَ قدرَهُمْ ومنْزلتَهُمْ، يقولُ سيدُ العلماءِ وإمامُ الأنبياءِ صلى الله عليه وسلم:« لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا حقَّهُ »[14]
وإنَّ مِنْ حقِّ العلماءِ علينَا احترامَهُمْ والتواضعَ لهمْ ولينَ القولِ والجانبِ لهمْ، وكذلكَ أهلُ العلمِ منْ أئمةَ وخطباءَ ووعاظٍ .
اللهمَّ ارفَعْ مكانةَ مَنْ أجلَّ العلماءَ واحترمَهُمْ وعرفَ حقَّهُمْ وأَكْرِمْهُ فِي الدَّاريْنِ يَا ربَّ العالمينَ.
أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ فاستغفرُوهُ.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ العليمِ الحكيمِ القائلِ :] وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ[([15]) وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ : فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واحرصُوا علَى العلمِ والتعلمِ ففِي ذلكَ الخيرُ العظيمُ، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:« أَلاَ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلاَّ ذِكْرَ اللَّهِ وَمَا وَالاَهُ ، وَعَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً »[16] وليحرصِ المتعلِّمُ علَى شكرِ أستاذِهِ ومَنْ علَّمَهُ أوْ أسهمَ فِي تعليمِهِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ »[17]
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ
تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[([18]) ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه وسلم :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »([19]) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ ، ونَسألُك الجَنَّةَ ومَا قَرَّبَ إِليهَا مِنْ قَولٍ أَوْ عَملٍ، ونَعوذُ بِك مِنَ النَّار ومَا قَرَّبَ إِليها مِنْ قَولٍ أوْ عَملٍ ، ونَسألُك مِمَّا سَألَك بِه سيدُنا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعوذُ بِك مِمَّا تَعوذَ مِنه سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم اللهم إنَّا نسألك مِنَ النعمةِ تمامَهَا، ومِنَ العصمةِ دَوامَهَا ومِنَ الرحمةِ شُمُولَهَا، ومِنَ العافيةِ حُصُولَهَا، ومِنَ الإحسانِ أَتَمَّهُ، ومِنَ الإنعامِ أَعَمَّهُ، ومِنَ الفضلِ أَعْذَبَهُ، ومِنَ اللُّطفِ أقربَهُ، ومِنَ العملِ أصلَحَهُ، ومِنَ العلمِ أنفَعَهُ، ومِنَ الرزقِ أوسَعَهُ، اللهمَّ كُنْ لنَا ولاَ تكنْ علينَا، اللهمَّ اختِمْ بالسعادةِ آجالَنا، وحقِّقْ بالزيادةِ أعمالَنَا، واقْرِنْ بالعافيَةِ غُدُوَّنا وآصالَنَا، ومُنَّ علينَا بإصلاحِ عيوبِنَا، واجعلِ التَّقْوَى زادَنا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اسقِنَا الغيثَ ولاَ تجعَلْنَا مِنَ القانطينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ .
عبادَ اللهِ :] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[([20])
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.
جزاك الله خير أخوي