ملاحظة: هذه القصة قرأتها في كتاب (أصدقاء على الورق) للكاتب المصري عبد الوهاب مطاوع -رحمه الله- وعنوانها الأصلي “أدب الحياة”
لم أشعر يوماً بالملل وأنا أعيد قراءتها. وأحببت أن تشاركوني قراءتها. (بتصرف)

في بيتنا رجل!

أنا سيدة من أسرة كبيرة يشغل معظم أفرادها مراكز كبيرة، وصل بعضهم إلى كرسي الوزارة.
حين كنت في السادسة عشر من عمري أرادت أمي أن تزوّجني لرجل رأته مع أبي وأعجبتها وسامته وشخصيته، وحاولت إقناعي بهِ بكل الطرق الممكنة فزادني ذلك إصراراً على الرفض لأني متفوقة في دراستي وراغبة في استكمالها لكن أمي مضت في الإجراءات.

جاء هو مع أمه لزيارتنا زيارة تمهيدية قبل الخطبة فرفضتُ أن أدخل الصالون لأسلّم عليهم، وأصررت على ذلك وأمي تحاول إقناعي إلى أن استجبت لها وقررت بيني وبين نفسي أن أجعله يخرج من بيتنا ولا يفكر في العودة إليه! ودخلت الصالون لرؤيته… ولا أعرف ماذا جرى لي حتى الآن؟! دخلت وأنا إنسانة وغادرت الصالون بعد عدّة دقائق من الحديث معه وأنا إنسانة أخرى. إن أمي تقول لي إن ما حدث هو النصيب، وأنا أقول : لا … بل هو الحب!

لقد رأيت رجلاً – بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ- ثقافة لباقة وأفقاً واسعاً، وسامة شخصية وأصلاً طيباً عريقاً، فأحببته من الدقائق الأولى وأحبّني وتمت خطبتنا، ونسيت من أجله طموحي ودراستي وكل الدنيا.

عندما تزوّجنا كان مرتّبه صغيرا وكان يملك قطعة أرض صغيرة وكانت وقتها ذات شأن والمستقبل أمامه مشرق، فعشنا بهذا المرتب أجمل أيام عمرنا، ورزقنا الله بطفلتين آية في الجمال ولم يزد المرتب كثيراً ليواجه متطلبات الحياة الجديدة، وإيراد الأرض محدود للغاية فقرر زوجي أن يحقق أمل حياته وأن يكمل تعليمه ما بعد العالي على نفقته فباع جزءاً من قطعة الأرض وسافر إلى أوربا بثمنها ليكمل تعليمه، وبعد عامين من سفره سافرنا إليه أنا والبنتان. فعشنا معاً أجمل سنين العمر، ورأينا ما لم نره واستمعنا بالحياة هناك مدّة أربع سنوات كاملة كانت كلها رحلة من الهناء رغم قلّة المورد.

وعدنا بعد كفاحٍ مجيد استطاع خلاله رجلي الحبيب أن يحقق ما يتمناه وأن يحصل على الدكتوراة التي اغترب من أجلها، لكننا وجدنا الدنيا بعد عودتنا مختلفة عنها حين سافرنا، واكتشف زوجي أنه فقد وظيفته لأن المؤسسة التي كان يعمل بها قد حُلّتْ وأنه قد تحوّل إلى موظف بمصلحة حكومية لا علاقة لها بدراسته، وكنت قد أنجبت بنتاً أخرى وأصبح عدد أفراد أسرتي خمسة.

على الرغم من دخلنا المحدود إلاّ أنني والحمد لله سعيدة لأن في حياتي أشياء أخرى كثيرة أجمل من النقود، فعندي زوج بالدنيا كلّها ويجمعنا معاً الحب والألفة والمودّة وأشياء أخرى خاصة بنا صغيرة وجميلة لا تعوّضني عنها نقود الدنيا، وعندي ثلاث بنات هن آية في الجمال كبراهن على أبواب الجامعة.

كل فرد منّا يحب الآخر ويقدّره وقد أفاء الله علينا من نعمه الكثير/ فنحن والحمد لله بصحة جيدة، وبيتنا (مستور) دائماً بستر إلهي له العجب، فمعظم أفراد أسرتي كما قلت أثرياء وأخوتي كلهم في مراكز مرموقة يحبّونني ويحبّون زوجي ويحترمونه ولم يحدث خلال عشرين سنة أن غضب أحدهم منّي أو من زوجي بل يلجؤون إلينا دائماً في حل مشاكلهم مع بعضهم البعض فكنّا دائماً واسطة خير بينهم ودائماً يتم الصلح على أيدينا، وبيتنا والحمد لله رغم أنّه أقل البيوت دخلاً بالنسبة لبيوتهم هو مرفأهم الذي يشعرون بالراحة فيه، وما من طعام أصنعه بيدي حتّى يتهافتون عليه بسعادة رغم بساطته!! و(ستره عجب) كما يقولون فكثيراً ما تحدث في حياتنا أشياء صغيرة تملؤنا سعادةً وحباً، فمثلاً قد يكون رصيدنا في الثلاجة صفراً وفجأة يأتينا الخير من حيث لا ندري! وبمجرد أن تمتلئ الثلاجة يأتي الضيوف فنقوم بالواجب وزيادة، وفرحة الدنيا لا تسعنا وأنا بأقل الأشياء أصنع سفرة رائعة، وأجيد صنع كل شيء من الخبز الإفرنجي إلى التورتات وكل أنواع الحلوى والبسكويت إلى المحشي والكشري، وكل فرد في أسرتي وأخوتي يحبّون طعامي ويستطيبونه، وأنا أصنع من الفسيخ شربات… وهكذا سيدات كثيرات يدبرن أمورهن في الحياة بلا أنين ولا شكوى.

أنا لا أملك حلقاً ذهبياً أزيّن به أذني لكني بهذه الأذن أسمع أجمل وأرق الكلمات من زوجي ومن الأهل والأبناء والأحباء، ولا أملك عقداً ذهبياً أتزين به لكن أملك قلباً ذهبياً يحب الناس ويبادلونه الحب، وليس في يدي سوار ذهبي لكن في يدي ألف بركة، وليس على نوافذ بيتي ستائر لكن (ستر ربنا) يغطّينا من كل جانب، وليست شقتي مفروشة بالسجاد ولا بالموكيت لكنها مفروشة بالحب والحنان، والدفء في قلوبنا هو زادنا، وصدّقوني والله العظيم إنني لا أتحدث عن فيلم سينمائي رأيته بل حقيقة أعيشها والحمد لله ولي طلب واحد فقط منكم أن (تمسكوا الخشب) وأنتم تقرؤون ما كتبت يداي ولا تنسوا الدعاء لي جميعاً من قلوبكم أن يديم الله علينا نعمته وأن يحفظ لي زوجي حتى آخر لحظة من عمري فليس لدي ما أخشاه سوى أن يفرّق بيننا هادم اللذات ومفرق الجماعات، ولست أرجو من دنياي سوى أعز الحبايب (زوجي).

تمت

9 thoughts on ““في بيتنا رجل!” قصة حقيقية ليست من تأليفي

  1. تسليمن على القصة الحلوه بصراحه راقية واسلوبها سلس وجذاب والله يحفظ بيوت المسلمين ويديم الود بينهم

    الله يسلمك أخوي

    تسلم على الرد

    واللهم آآآآآآآمين

  2. قصة رائعة وجميلة وشي جميل ان ترى الزوجة زوجها هو الدنيا كلها

    وان يرى الزوج زوجته هي الدنيا كلها وان كل طرف فيهم يحترم اهل

    الطرف الاخر ويرى انهم حقا هم اهله وليسو اهل الطرف الاخر …

    عزيزتي ..

    شمس الضحي..

    شكرا على هذا الاختيار وذوق الراقي

    العفو الغالية

    تسلمين على ردّج

    ووجودج أسعدني

  3. تسليمن على القصة الحلوه بصراحه راقية واسلوبها سلس وجذاب والله يحفظ بيوت المسلمين ويديم الود بينهم

  4. قصة رائعة وجميلة وشي جميل ان ترى الزوجة زوجها هو الدنيا كلها

    وان يرى الزوج زوجته هي الدنيا كلها وان كل طرف فيهم يحترم اهل

    الطرف الاخر ويرى انهم حقا هم اهله وليسو اهل الطرف الاخر …

    عزيزتي ..

    شمس الضحي..

    شكرا على هذا الاختيار وذوق الراقي

Comments are closed.