د. محمد أل عباس – أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد – أبها 07/12/1426هـ

إنها لوحة رائعة أبدعتها أياد ماهرة وتجلت فيها عبقرية فذة. عندما تتأملها فكأنما ترى لوحة من الفن التجريدي الرفيع أو قطعة ألماس ذات أبعاد أخاذة. ماذا أقول عنها إنها قوس قزح البيانات المالية تتيه بالعقل الحائر في التحولات اللانهائية من حزم الضوء المبهر إلى تجليات ألوانه. إنها السيمفونية التي تذهل كل متعامل بالأوراق المالية على تنوعها, وعلى كل مستثمر أو مقرض أن يطرب لسماعها و يتعلم فنونها. إنها مسرحية من الأدب المحاسبي لا يُمل من روايتها و ترديد أناشيد فصولها. إنها قائمة التدفق النقدي عروس القوائم المالية وأجملها. وعلى رغم هذا الجمال وسحر البيان قلما تُقرأ من المتعاملين في أ سوق الأسهم وقلما يُدرك ما فيها من تفصيلات تُدهش من يطلب الإفصاح ويسال عن الشفافية.

هذه الفرضية تم استقراؤها من الاهتمام الزائد عن الحد برقم الأرباح المعلن في قائمة الدخل وعدم الحديث عن التدفقات النقدية وقدرة الشركة على الاستمرار في خلق هذه التدفقات من أنشطتها الرئيسة بالذات. ومع قبول الاهتمام برقم الأرباح لابد من التسليم بقدرة الإدارة على التلاعب به عن طريق العديد من أساليب إدارة الأرباح وتمهيد الدخل وقد يغالى فيه بعمليات البيع بالأجل أو عمليات بيع وهمية ـ إذا لم يستطع المراجع الخارجي اكتشافها – أو رسملة العديد من المصروفات والفوائد. وعلى الرغم من كل هذه التحفظات على رقم الأرباح كثيرا ما يعتمده المحللون للتنبؤ بالعديد من القضايا التي تتعلق بالشركات وأسعار أسهمها.

لا شك أنه من المهم أن تحقق الشركة أرباحا. لكن درجة هذه الأهمية تختلف من مدير إلى موظف في الشركة إلى مساهم أو مقرض. وإذا كانت الإدارة تهتم برقم الأرباح لارتباطه بهيكل المكافآت, فإن القضية تختلف بالنسبة إلى الشرائح الأخرى, فالمهم ليس أن تحقق أرباحا وتعلن عنها فحسب بل في قدرتك على أن توزعها, ولن تستطيع توزيعها إلا إذا حققت تدفقات نقدية كافية. في الشركات المساهمة تعتبر الأرباح المتراكمة غير الموزعة مؤشرا غير جيد على قدرة الإدارة على خلق النقد الكافي لتوزيع مثل هذه الأرباح. قد تقوم الشركة ببيع أحد أصولها لتحقيق تدفقات نقدية لمواجهة التزامات آنية لكن المهم أن تكون التدفقات النقدية دائمة Stream وهذا لن يتحقق إلا من العمليات الأساسية للشركة, فالمقياس الحقيقي للتدفقات ليس بيع الأصول أو الحصول على قروض إنما في القدرة على تحويل مخزون الشركة (ومخزون خدمات الأصول) إلى تدفقات نقدية. قائمة التدفق النقدي تقدم معلومات عن هذا التشريح.

عندما تواجه الشركة قرارات توسعية و ترغب في الاقتراض لمواجهة مثل هذه المشاريع تواجه عادة أسئلة عنيفة حول القدرة على دفع الأقساط المستحقة في الأوقات المناسبة. فإذا أظهرت قوائمها المالية تضخما في رقم الأرباح المحتجزة مع عدم القدرة على خلق النقد لتوزيع جزء منها ولفترات طويلة فإن البنك المقرض سوف يفرض تكاليف كبيرة على الشركة لإقراضها. لأن عجز الشركة عن دفع المستحقات للمساهمين على شكل توزيعات أرباح قد يشير إلى عدم قدرتها على دفع مستحقات البنك أو على الأقل سوف تواجه قرارات صعبة في إدارة النقدية.

للتغلب على هذه الإشكالية تقوم بعض الشركات بالتخلص من رقم الأرباح المحتجزة عن طريق توزيع منح على شكل أسهم ـ رسملة الأرباح – بدلا من توزيع الأرباح نقدا وذلك لتخفيف وطأة تراكم الأرباح وإخفاء عدم القدرة على التوزيع النقدي ولتقنع الشركاء المحتملين بعدم وجود مشاكل كبيرة في إدارة النقدية. المشكلة أن هذا المنح قد يؤثر في التوزيعات المستقبلية فيشكل عامل ضغط كبيرا على ربحية السهم ـ لازدياد عدد الأسهم المستحقة للتوزيعات – وإذا أخذنا في الحسبان عدم قدرة الشركة على خلق النقد لتوزيع أرباح فإن منح أسهم مجانية مؤشر غير جيد ولا معنى لارتفاع أسعار الشركات التي تعلن عن مثل هذه الخطوة ـ في المدى البعيد على الأقل.

الأخطر عندي ليس مجرد عدم قدرة السوق على قراءة وفهم قائمة التدفق النقدي بل إن تجهل الشركات نفسها أهمية هذه القائمة. أن قائمة التدفق النقدي تعد بمثابة بوصلة أعمال الشركة التي تحدد اتجاهاتها. قد تقع إدارة الشركة فريسة سهلة لمشكلة فقدان الرؤية فبدلا من أن تكون شركة زراعية مثلا فإنها توجه معظم نقديتها إلى عمليات استثمارية في سوق الأسهم كعامل جذاب ومربح لاستغلال النقد المتاح وهي بذلك تتحول من شركة زراعة إلى مؤسسة مالية. إن فقدان البوصلة يعد مؤشرا خطيرا حول مدى إنتاجية الأصول وصدق تقييمها المعلن في القوائم المالية. لذا لابد من أن تتخذ هيئة المحاسبين القانونيين وهيئة السوق المالية خطوات أوسع في التعريف بهذه القائمة وتعد دورات تدريبية أكثر على عمليات إعدادها وقراءتها. يطول الحديث عن قائمة التدفق النقدي وتبقى دليلا على أن من البيان لسحرا.

مقال رائع انظرو الى مثل هذه الثغرات المحاسبية في قوائم الشركات وان من الشركات في سوقنا الكثير الذي يتغير نشاطه الى المتاجرة في اسواق الاسهم وعدم التركيز على نشاط الشركة ولجميع الاخوان دعونا نجعلها مسابقة تعليمية ما هيه الشركات التي في سوقنا وينطبق عليها مقال الدكتور اعلاه ؟

ارباب

6 thoughts on “قائمة التدفق النقدي ومنح الأسهم والارباح الفصلية ( ثغرات محاسبية )

  1. شكرا على المجهود الذي تبذله في خدمة هذا المنتدى
    وجزاك الله خيرا

    ———————————————————————————————————

    جديد المنتدى الرياضي (شارك معنا الحوار)

  2. الاخ ارباب
    شكرا على هذا المجهود الرائع
    الذي يساهم بفعالية في زيادة الوعي الثقافي و الاستثماري لدى اعضاء المنتدى

  3. أشكر الاخ أرباب على هذه المقالة القيمة و الهامة من ناحية تثقيف كافة المستثمرين و ملاك الاسهم , و الحقيقة أنه قلما راجعت البيانات المالية للشركات رغم علمي بأهميتها و لكن عندما يحاول أي شخص التدقيق في البيانات المالية فانه يتوه في الارقام و المصطلحات و يكتفي أخيرا” بمراجعة ربحية السهم , لذا أرجو من السادة المختصين بهذه الأمور وضع زاوية ثابتة تكون مرجعا” لكل المستثمرين.
    و شكرا” مرة ثانية على جهدك

  4. الاخ أرباب الله إكثر من أمثالك وشكرا جزيلا على مواضيعك المنييره والمعلومات المهمه لقراء هذا المنتدى والتثبيت ضروري ومهم

  5. احذر! القوائم المالية ربع السنوية قد تكون مضللة

    د. محمد أل عباس – أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد – أبها 24/10/1426هـ

    لا يلتزم معدو القوائم المالية بالثبات, بمعنى أن تختلف طرق القياس والعرض والإفصاح من فترة مالية إلى أخرى أو من شركة إلى شركة. وعدم الثبات له درجات منها ما قد يصل إلى جعل القوائم المالية ككل مضللة ومنها ما دون ذلك. وله أيضا, أي عدم الثبات, أسباب منها تعمد تضليل القارئ ومنها ما هو لظروف النشر.

    بداية أود أن أشير إلى أن عنوان المقال يجب أن يقرأ بحذر فكلمة (قد) تعني الاحتمال, ومعنى ذلك أن التضليل قد يطول بعض الحالات وليس كلها. إن الهدف الرئيس من القوائم المالية عموما هو إيصال معلومة واضحة حول الوضع المالي ونتائج الأعمال عن فترة مالية مضت. قد يصاحب هذه القوائم عرض مقارن مع فترات مالية مماثلة وسابقة بسنة أو بعدة سنوات لأنه ما زال يعتقد أن هذه المقارنات تقدم معلومات تساعد متخذي القرار. وعلى الرغم من ذلك تبقى محدودية هذه المعلومات تتأثر بمعياريتها, بمعنى أن القوائم المالية محكومة بالمعايير المحاسبية GAAP التي تنظم عمليتي القياس والإفصاح عن المعلومات الواردة بها. و بالطبع فإن هذه المعايير تحد من حرية المحاسبين على إبراز المعلومات وقد تحد أيضا، وهو الأهم، من تلاعبهم. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تفيد المعيارية في جعل القوائم المالية للشركات قابلة للمقارنة.

    إن المعايير تلزم المحاسبين, عند إعداد القوائم المالية, بأساليب وطرق معينة تقوم على إعدادها ومتابعة تنفيذها هيئات المحاسبة والمراجعة. كما تقتضي هذه المعايير الثباتConsistency في اتباع الطرق والسياسات المحاسبية من فترة إلى أخرى والإفصاح عن تأثير الخروج عن أو التعديل في هذه السياسات على القوائم المالية وخاصة رقمي الأرباح والتدفقات النقدية. بدون مثل هذا الثبات تفقد القوائم المالية خاصيتي إمكانية المقارنة ومتابعة أثر التطورات الاقتصادية على مستوى المنشأة Micro- وعلى مستوى الاقتصاد ككل Macro- . بعد ذلك يأتي دور مراجع الحسابات ليضفي الثقة بتوقيعه، كطرف محايد ومستقل، على أن القوائم المالية قد أعدت وفقا للمعايير المحاسبية الصادرة بشأنها ويكون بذلك مسؤولا متضامنا مع الإدارة على أن هذه القوائم خالية من الأخطاء الجوهرية التي قد تضلل مستخدميها.

    يتضح مما سبق أن المشكلة تظهر عندما لا يلتزم معدو القوائم المالية بالثبات, بمعنى أن تختلف طرق القياس والعرض والإفصاح من فترة مالية إلى أخرى أو من شركة إلى شركة. وعدم الثبات له درجات منها ما قد يصل إلى جعل القوائم المالية ككل مضللة ومنها ما دون ذلك. وله أيضا, أي عدم الثبات, أسباب منها تعمد تضليل القارئ ومنها ما هو لظروف النشر على صفحات الصحف. يظهر دور مراجع الحسابات عندما يمس عدم الثبات السياسات المحاسبية التي تجعل القوائم المالية مضللة وللأسف يختفي عند ظروف النشر, وخاصة نشر القوائم المالية ربع السنوية. من ذلك اختصار بنود القوائم المالية بدمجها تحت أرقام إجمالية دون التفاصيل وقد يكون لهذا الأمر ما يسوغه في أرقام الأصول الثابتة مثلا ولكن في رقم الأرباح قد يكون مثل هذا الإجراء مضللا لأسوأ أن يكون هذا التضليل متعمدا. ربما لا تظهر هذه المشكلة مع الربع الأول ولكنها تتفاقم حتى الربع الثالث. فمن خلال قراءات لعدد من القوائم المالية ربع السنوية لبعض الشركات لوحظ أن مصادر رقم الأرباح التي تم رصدها في الربع الأول تم إخفاؤها في الربع الثالث فيظهر رقم الأرباح في هذا الربع إجماليا دون توضيح لبعض مصادره. ولقد تم رصد تأثر العديد من المحللين بهذه المعلومة، حيث تمت المقارنات مع شركات مثيلة أو مع سنوات سابقة دون الإشارة إلى مثل هذا التصرف وتفصيلاته.

    عادة ما يتم نشر القوائم المالية ربع السنوية على أقل من ربع صفحة يصحبها تأكيدات المراجع, ورأي المراجع هنا لا يعني أن القوائم المالية لا تحتوي أخطاء جوهرية ولا يعني كذلك مسؤولية المراجع عن ذلك. إن القوائم الملية ربع السنوية دوما يضاف إليها عبارة، إن الأرقام الواردة فيها القوائم المالية غير مدققة، وهذا يعني أن المراجع لم يقم بإجراءات المراجعة التفصيلية للتأكد من خلو هذه الأرقام من الأخطاء الجوهرية. والسؤال الآن هو, إذا كانت الحال هذه, ما الداعي لتقرير المراجع.

    إن المراجع يقدم من خلال تقرير رسائل إلى مستخدمي هذه القوائم وهذه الرسائل تختلف من حالة إلى حالة. إن واجب كل من يتعامل مع الشركات والمعلومات التي تقدمها من خلال قوائمها المالية أن يتعرف على هذه الرسائل ودور كل منها. من هذه الرسائل التأكيدات التي يقدمها مع القوائم ربع السنوية التي تعني بالضبط إمكانية الثقة بنظم الرقابة الداخلية للشركة التي أدت إلى ظهور هذه الأرقام، كما يعني إمكانية المقارنات بالفترات السابقة لاتسام هذه القوائم بالثبات. ولكن بالطبع تبقى مسؤولية المراجع محدودة جدا في هذا النطاق, وتبقى مسؤولية خلو هذه الأرقام من الأخطاء الجوهرية مسؤولية الإدارة.

    لا شك في أن القوائم ربع السنوية مهمة لسوق المال لأنها تمد السوق بمعلومات عن أداء الشركات أولا بأول ولكنها أيضا قد تستخدم لأغراض أخرى إذا سيء استخدامها من قبل الإدارة أو فهمها وحدودها من قبل مستخدميها. لذلك ولتجنيب السوق مثل هذه الآثار وللمحافظة على ما تقدمه هذه القوائم من معلومات مفيدة لابد من أن يعي القارئ أهمية متابعة أداء الشركة خلال الاطلاع على الفترات السابقة للسنة نفسها وأيضا مع الفترة نفسها من السنة السابقة، ولا بد أن يكون لدى الشركة تبريرات عن أسباب الاختلافات غير المتوقعة. كما ولا بد أن تدعم القوائم المالية ربع السنوية بتقرير الإدارة وتوضيحاتها ومرئياتها ومسؤوليتها عن المعلومات الواردة بهذه القوائم ولا يكتفي بمجرد النشر البارد لهذه المعلومات. كل هذا ربما لا يتحقق ما لم تتدخل هيئة سوق المال وهيئة المحاسبين القانونيين للحد من الآثار السيئة المصاحبة لهذه النقطة الحيوية.

    سوف اقوم بتثبيت الموضوع لما فيه من فائدة لجميع المساهمين في الشركات وجميع المستثمرين في الاسواق المالية ومعرفة بعض الثغرات في القوائم واعدادها ولما فيه من فائدة لقرائة مسار اي شركة

    ارباب

Comments are closed.