توقع مطورون ومستثمرون عقاريون خروج ما بين 30% إلى 40% من المطورين العقاريين في دبي في غضون عام من الآن، في ظل تطبيق القواعد التنظيمية وحزمة القوانين والتشريعات الجديدة، والتي ستضع حدا للمضاربات في السوق، وتعمل على تنقيته من ”الدخلاء”، والشركات المضاربة التي لا تمتلك الملاءة المالية لضخ استثمارات ”حقيقية”.
وتوقعت المصادر نفسها أن يستغرق السوق نحو عام على أقل تقدير لتوفيق أوضاعه مع المتطلبات الجديدة، والنظم واللوائح الخاصة بالتنظيم العقاري في دبي، لافتين إلى أن السوق سيشهد مرحلة استقرار في الأسعار ليبدأ بعدها مرحلة انخفاض في أسعار الوحدات الخاضعة لنظام التملك الحر بنسبة لا تقل عن 10%، وذلك في غضون عام واحد، خاصة مع وجود عوامل عديدة إضافة إلى القوانين، مثل انخفاض أسعار المواد الخام وابرزها الحديد، والمتوقع أن يواصل انخفاضه ليصل إلى سقف 3500 درهم مقابل أكثر من 6000 درهم للطن قبل نحو شهرين وتحديدا في يوليو الماضي.
وقال محمد نمر الرئيس التنفيذي لشركة ماج العقارية ”إن المتتبع لسوق العقارات في الدولة خاصة في دبي سيلحظ مجموعة من المتغيرات المهمة التي بدأت تنعكس ايجابيا على السوق”. واضاف” أن تزامن هذه المتغيرات ساهم في تهدئة السوق بشكل واضح، ما يعد مؤشرا على دخوله مرحلة جديدة كليا، وتطورا طبيعيا بعد سنوات اتسمت بحالات من الفوضى، ودخول المضاربين والباحثين عن الربح السريع، وليس الاستثمار بعيد المدى”.
وكانت دبي وضعت سلسلة قوانين وقرارات أصدرها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ”رعاه الله”، كان آخرها منع بيع العقارات على الخريطة قبل تسلم المطورين أرض المشروع والحصول على الموافقات اللازمة.
وتستكمل الإمارة بهذا القانون، البنية التشريعية لتنظيم قطاع العقار الذي عانى من تبعات المضاربات وعمليات بيع عشوائية.
ويرى مسؤولون ومتعاملون في السوق أن وجود حزمة متكاملة من التشريعات سيرفع الطلب على العقارات، وسيؤدي إلى استقطاب مستثمرين جدد، سواء من المطورين العقاريين أو من المشترين للوحدات السكنية في سوق يبلغ حجم مشاريعه قيد الإنشاء حوالي 72 مليار درهم.
وكانت السوق العقارية في دبي عانت خلال السنوات الماضية من عمليات بيع عشوائية ومضاربات نتجت عن غياب منظومة تشريعية متكاملة تنظم علاقة المشتري والبائع والمطور.
ومنذ نهاية العام الماضي، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عدة قوانين لتنظيم سوق العقارات، أبرزها قانون التسجيل العقاري العام، وقانون تحديد الملكية في المناطق الحرة، وقانون حساب ضمان الثقة، وقانون الرهن العقاري.
ونص قانون ”تنظيم السجل العقاري المبدئي على منع شركات التطوير العقاري الرئيسية والفرعية من البدء في تنفيذ المشروعات أو بيع عقارات على الخريطة قبل استلامهم أرض المشروع والحصول على الموافقات اللازمة”. وأشار محمد نمر إلى أن حزمة القوانين الجديدة التي أصدرتها حكومة دبي، خاصة قانون الرهن العقاري، وقانون التسجيل المبدئي، وفرت مظلة جديدة ليصبح السوق أكثر شفافية، ووضوح عمليتي البيع والأسعار.
وقال إن وجود جهة واحدة وهي ”مؤسسة التنظيم العقاري” كمظلة للإشراف والمتابعة والرقابة على السوق، وتأسيس محكمة عقارية تخضع للنظام القضائي للفصل في المنازعات القضائية العقارية لسرعة الفصل في أي نزاع، يعطي السوق مصداقية بين المتعاملين، ليس في الداخل فقط بل في الخارج أيضا، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن نحو 70% إلى 80% من مشتري العقارات في دبي هم من خارج منطقة الشرق الأوسط.
وأكد نمر أن عمليات المضاربة ستنتهي كليا من السوق، كما ستتوفر منظومة تحفظ حقوق جميع الأطراف في المعاملة الاستثمارية العقارية، وستنتفي حالة الفوضى، خاصة أن عمليات البيع طيلة الفترة الماضية كانت تعتبر ”خارج السيطرة” نتيجة المضاربات، وتعدد الوسطاء، واستخدام أمور عديدة غير قانونية، مثل المتاجرة بالإقامات الدائمة.
ولفت إلى أن تزامن استقرار السوق حاليا خاصة فيما يتعلق بالمواد الخام وأسعارها، وهبوط سعر الحديد إلى مستوى أقل من أربعة آلاف درهم، مع توقعات بأن يصل إلى ما دون ذلك، واستقرار سعر الاسمنت والمواد الأخرى، علاوة على حزمة القوانين، سيساهم في حدوث تغيير ربما يكون جذريا، حيث سيخرج المطورون ”المضاربون” والشركات التي لن تستطيع التكيف مع النظم الجديدة. وأوضح أن التقديرات تشير الى أن ما بين 30% الى 40% من شركات التطوير العقاري ستخرج من السوق كليا أو جزئيا بالتدريج، خاصة تلك التي لا تمتلك قدرات مالية، ودخلت السوق بمشروع واحد، أو مشروعات لم تظهر الى حيز الوجود، منوها الى أنه ليس من المقبول أن تدخل لا تملك القدرة على العمل في ظل المتغيرات الجديدة. واتفق رجل الأعمال عبدالله بالعبيدة مع سابقه في حاجة السوق الى نحو عام لاستيعاب الأوضاع القانونية الجديدة، خاصة أن الشركات بحاجة الى وقت حتى تستطيع التعامل مع منظومة قانونية جديدة كليا على سوق دبي والإمارات، وقال ”إن أسواق العقارات الأخرى بالدولة ستفيد من الوضع الجديد في دبي، نظرا لوجود رؤى مشتركة، ولأن دبي سعت إلى الأخذ بأفضل النظم العالمية في القطاع العقاري مستفيدة من تجارب الدول الأخرى”.
واتفق وليد عباس مدير عام شركة الحباي للمقاولات مع سابقيه في حاجة السوق إلى فترة انتقالية للتوافق مع الأوضاع الجديدة والقانونية منها بشكل خاص، مشيرا إلى أن تراجع الأسعار يلعب هو الآخر دورا مهما في استقرار السوق على المدى البعيد والمتوسط والقريب، كما اشار عباس الى أن إعادة تسعير شركات المقاولات لخدماتها مع المطورين، وبتخفيض يصل إلى 5%، مع العوامل الأخرى سيسهم في خفض أسعار العقارات مستقبلا.
ويشير محمد نمر إلى أن التقديرات تشير إلى أن الأسعار ستتراجع بنحو 10% عل أقل تقدير في سوق دبي، موضحا بأن هذا التراجع طبيعي في ظل اللوائح الجديدة، والمقومات الحاكمة للسوق في الفترة الحالية، علاوة على أن خروج المضاربين سيسهم في وجود سعر حقيقي وواقعي للوحدات العقارية بشتى أنواعها، مضيفا بأن هذا التغيير السعري سيحتاج إلى فترة عام على الأقل، خاصة أن شركات عديدة في السوق ستحتاج الى شهور لتعديل وتوفيق أوضاعها.
ولفت إلى أن شركة ماج وغيرها من الشركات الرئيسية في السوق أدركت منذ شهور حجم التغيير القادم في القطاع العقاري في دبي، وسعت إلى اجراء تعديل في نظمها ولوائحها وآليات أعمالها على مدى اكثر من ستة اشهر وهي تعمل في إعداد منظومات عمل جديدة، وما زالت تحتاج إلى وقت، وان كان بعضها قد أنجز فعليا آليات عملها الجديدة.
ويقول شريف الديب مدير التسويق في شركة النهضة للتسويق العقاري إن هناك فرقا جوهريا بين المطورين الرئيسين ورواد وصانعي السوق، وغيرهم من المطورين الصغار، والذين دخلوا السوق بالصدفة، فالفريق الأول يدرك جيدا مقومات السوق، ويمتلك مشروعات على أرض الواقع، وبعضها دخل مراحل التشغيل الكلي أوالجزئي، ومثل هذه الشركات ستظل قائمة في السوق، وتستطيع توفيق أوضاعها سريعا ان لم تكن قد وفقت أوضاعها فعلا، بينما الشركات الصغيرة، أو ما تسمى بشركات المشروع الواحد، فلا مكان لها في سوق عقارات دبي الجديدة، والذي يعمل تحت مظلة واحدة. واتفق مسؤولو الشركات الذين تحدثت اليهم ”الاتحاد” على أن هناك ضحايا في مرحلة التطوير الجديدة في القطاع العقاري، فهناك خاسرون وربما رابحون، الا أن المستثمر هو الذي سيبقى في السوق، وسيواصل مسيرة العمل، بينما المضاربون، لم يعد لهم مكان، وحتما سيخرجون بخسائر ان لم يقوموا بتعديل سياستهم الشرائية وفق آليات المرحلة الجديدة.