كفت دمعة مكسورة سقطت من عينها.. وأزاحت وجهها للجهة الأخرى كي لا أشاهد تساقط باقي الدموع..
أخذت نفسا عميقا وقالت بصوت متقطع: أنا لا أفهم بسهولة، لا أعرف شيئا، الإنجليزية لغة صعبة وأنا لا أستطيع حفظ كلمة airport المدرسة تقول أنها ليست مستعدة لتعليمي الحروف.. عليّ أن أعود للصف الأول مرة أخرى، كي أستطيع حفظ الحروف..
ضممتها بعطف وحب، قبلتها على جبينها وقلت: أمي يا غالية لو كنتي لا تستطيعين الفهم بسهولة لما أصبحت أنا اليوم صحفية!..
سأغضب إن عدتي لقول هذه الجمل مرة أخرى يا أمي، لا تضعي هذه الأفكار في رأسك، إنها لغة جديدة وأنا أثق بأنك تستطيعين التغلب على الموضوع.. لا بأس بالأمر عودي سنة دراسية للخلف.. عودي للصف الأول وإبدائي من جديد… وسأكون معكي دوما كما كنتي معي,
حينها فقط أشرق وجهها الغالي..
(( كرمى لتلك الدمعة .. كرمى لفرحها اليوم .. كرمى لسعادتي بنجاحها .. لها هذا الموضوع )) ..
كان حادث سيارة.. بلمح البصر خطف رفيق عمرها، غفا في غيبوبة الموت لأسبوعين قبل وفاته، وكانت هي.. تلج لغرفة العناية الفائقة وتقف بجواره.. تمسك يده.. وتقبل رأسه المحاط بالأجهزة.. كانت تترجاه أن يكون أكثر قوة.. أن لا يستسلم.. فمازال الأبناء صغارا.. ومازال المشوار طويلا.. تخضب رأسه بدموعها وهي تشم رائحته.. تطلب منه أن ينهض وتسر له في أذنه أنه تحتاجه بقوة.. كانت تريد أن ينهض ليحدثها.. ليكفكف دمعاتها.. ليشاركها القرار .. تريده أن يخبرها عن النخلة التي آتت أكلها في فناء الدار.. عن الأرض التي يخطط لشرائها.. عن البيت الذي يحلم بتوسعته.. كانت تحلم أن تراه يفتح عينيه لتخبره كم تحب عيناه العسليتان… أرادته أن ينطق ليخبرها أي شيء.. أي شيء..
هو ابن عمها وشريك عمرها كان متزوجا قبلها، ربت أبناءه الأيتام حتى كبروا، قضت عشرون عاما من الصبر والأمل معه قبل أن يرحل منذ عدة سنوات تاركا لها عائلة كبيرة من الأبناء والبنات، وأبناؤه من زوجة سابقة توفيت وربتهم هي ليكبروا وصاروا ينازعونها ليبعوا منزلا يضمها هي وإخوتهم الأيتام ..
كان عليها أن تكون الأب والأم وباقي الأهل لأن الأهل جميعا يعيشون بعيدا في مدينة أخرى، وكان عليها أيضا أن تبحث عن استقرارهم النفسي أكثر من الاستقرار المادي ليس لتوفر المادة، لكن لإيمانها الحقيقي بأن الإنسان الحقيقي لا تزنه الأموال.
هي أم من ذوات القلوب المرهفة تستقبل ضيوفها بابتسامة وتودعهم بدعاء ، ربت في أبنائها من المعاني الكثير، وأهدتهم للحياة بقلوب قوية ورغبة في التميز.
ودعت التعليم قبل خمسة عشر عاما مع أنها لم تدرس سوى لصف واحد فقط، لكنها صارت تحرص على قراءة الصحف والمجلات، تتابع الأخبار وتملك حصيلة لغوية كبيرة من المعلومات، والأهم من ذلك أنها تحرص على أن تصنع من بناتها الست خليطا عجيبا من الأنوثة والقوة هي تدرك أن المرأة اليوم لها دور أكبر من تربية الصغار وأن فتاة اليوم صارت متعلمة ومثقفة.
الأولاد أيضا يعكسون نجاح أمهم، خاصة وأن تربية الأولاد أصعب كثيرا من البنات فهم دوما لهم آراء خاصة ورغبة بالانطلاق ويملكون مسحة عناد لا تخفى على أحد، خاصة وإن كانوا عصبة من سبعة أولاد أشقاء متقاربون في العمر.
طوال أربع سنوات مضت منذ توفي زوجها انشغلت بتربية الصغار ومساعدتهم على القيام بأمورهم المختلفة، لكن أصعب ما كانت تمر به يوميا كان الصباح المرير بعد أن يذهب الصغار للمدرسة وتختلي بالذات في بيت يصبح مقفرا فجأة وخال من الحركة تقريبا، هنا تبدأ بتذكر رفيقها الراحل الذي تركها مع صغار كانوا يحتاجونه كشجرة تظلهم من حر الحياة، وتذكر أيضا والدها الذي رحل قبل زوجها بثمانية أشهر، و أخوها الأكبر الذي رحل بعد زوجها بستة أشهر، كان رحيل الثلاثة الأقرب لقلبها في عام واحد تقريبا وبشكل متلاحق، هو ما ترك جرحا غائرا من الألم في قلبها، تداريه حينما يتحلق الصغار حولها، ويغلبها نزيفه بعد أن يذهب الجميع إلى أعمالهم ومدارسهم وتبدأ جدران البيت بسرد ذكريات من رحلوا وتركوها.
حين تذكر وحدتها الصباحية أشعر بحزن عميق لا أعرف كيف أصرفه عنها، إلى أن جاءتنا في نهاية الصيف المنصرم وقالت ببراءة الطفلة التي تسكنها: أود الالتحاق بالمدرسة، أود أن أتعلم وأقرأ وأكتب باللغة الإنجليزية، أريد أن أستعمل الكمبيوتر وأن أشعر أني مهمة ولم يفتني شيء من أمور الحياة.
طبعا بدا كلامها غريبا لم أكن أتوقعه، لكنها كانت جادة وتبحث فعلا عن الانتفاع بالوقت وعن التعلم الحقيقي ولديها رغبة بالانطلاق، برغم أنها تخطت الأربعون من العمر فيها الكثير من حماس الشباب ودفعة التميز، شجعتها وراقبتها وهي تلتحق بالدراسة وتبدأ من جديد كطالبة في الصف الأول تحفظ الحروف الإنجليزية وتجد في تأدية الواجب المدرسي شيئا مقدسا لا يجب التخلي عنه، أراها وأدعوا لها بالتوفيق لأني أرغب فعلا أن تتذوق طعمه للمرة الأولى في أمر شخصي يخصها بعد أن صنعت من أبناءها وبناتها ناجحون مندفعون للأمام وراغبون دوما بالتميز مثلها، وأن يهنأ بالها بالبيت الذي لا تملك ملجأ سواه، والذي صار اليوم سبب حزنها.
اليوم ..
استلمت أمي نتيجتها الدراسية الاولى ..
فرحت بالترتيب الذي حصلت عليه كطفلة حصلت على قطعة حلوى .. فرحت بالشهادة وعبارة ( ناجحة وتنقل للصف الثاني التأسيسي ) .. فرحت حتى البكاء ..
الله يطول عمرج يا أمي ويعطيج الصحة والعافية وتفرحين بعيالج كلهم .. والله يطول بعمار أمهاتكم ويرزقهن الصحة والعافية .. ويغفر لموتانا وموتى المسلمين ..
الله يطول بعمرها و يخليها لكم
وعسى ايامكم دايما فرح وسعاااده
مبروووكين مبروووكين
ياسلااااام
الله يخليلكم الوالده ان شاء الله ويوفقها ويحفظها يارب
سلمتي يالعذوب ولا هنتي
يزيدنـــي شرف الغاليــــة.. ..
و سلمـــي على خالووووه .. ..
أمج وأمي لازم يتعرفون على بعض
أعظمة الام في عطائها دون مقابل ,,, عظمتها في الصبر الجميل ,, عظمتها في تخطي المحن ,, هي ما يؤكد أننا سنظل صغارا مهما كبر بنا العمر ,, لأن وفاءنا وبرنا سيكون صغيرا جدا مقابل عطائها ,,
رسالتج بتوصل أختي
وألف شكرا
صادق يا اخويه ,,
الله يطول بعمر والديك ويعطيهم الصحة والعافية ويغفر لموتانا وموتى المسلمين
شكرا