يترك التطور الحضري عدة آثار سلبية على البيئة نتيجة استنزاف الموارد الطبيعية، وارتفاع معدلات استهلاك الطاقة اللازمة لأعمال البناء، إضافة إلى أخطار الزحف العمراني على بعض المواطن الأصيلة للأحياء الطبيعية بمختلف تكويناتها .
ولم يعد إيجاد آلية تنظيمية لأعمال البناء تراعي في طياتها متطلبات الاستدامة البيئية ترفاً، بل أصبح ضرورة ملحة لضمان توفير مصادر الطاقة والموارد الطبيعية على المدى الطويل، بما يلبي الاحتاجات المتزايدة للسكان، من هنا قررت بلدية أبوظبي بدءاً من مطلع العام المقبل تطبيق كودات البناء على المباني كافة في الإمارة، بما فيها تلك التي لا تزال قيد الإنجاز .
تم اختيار الكود الأمريكي للبناء، لأنه كود متكامل ويمكن تبنيه وتطويره لإنجاز كود محلي خاص بإمارة أبوظبي، ويحصل في الوقت نفسه على دعم من منظمة (icc) صاحبة الكود، في حين لا تسمح بقية الكودات بهذه الامتيازات، وتقوم منظمة (icc) بتدريب المهندسين على استعمال الكود، الذي يوحد النظم في دوائر تراخيص البناء، ويراعي احتياجات المعاقين، ويقلل من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 50% على الأقل، مقارنة بالكود السابق، ويعتبر أكثر أماناً للعوامل الطبيعية كالزلازل والرياح الشديدة، ويهتم بالبيئة الصحية الداخلية .
ويرى خبراء واستشاريون في قطاع المقاولات أن هذه الكودات تراعي البيئة وتحافظ على الطاقة بطريقة أفضل من السابق، من خلال تحسين مواصفات الزجاج، ومواد العزل في تمديدات المكيفات وأجهزة التبريد والتكييف في المباني، كما تعالج المشكلات التي تنتج عن زيادة عدد السكان من خلال تأمين المرافق الخدمية كمواقف السيارات داخل البنايات، وتأخذ كل الاحتياطات أثناء عملية البناء وتركيب موصلات الغاز، ويزيد الأمان في الأبنية من خلال زيادة كاميرات المراقبة بنسبة 50% على الأقل .
“الخليج” التقت عدداً من المهندسين والخبراء العاملين في قطاع المقاولات والاستشارات الهندسية للوقوف على آرائهم، والاطلاع على وجهات نظرهم في تطبيق الكود الجديد بإمارة أبوظبي .
وقال المهندس تامر نزهة ويعمل في إحدى شركات المقاولات بالإمارة، إن كود العزل المستخدم ضمن الكودات الجديدة المطبقة في إمارة أبوظبي قد تطور، وصار يراعي البيئة، ويحافظ على الطاقة بطريقة أفضل من السابق، حيث أشار إلى أن مواصفات الزجاج في الإكساء الخارجي للمباني السكنية قد تغيرت سماكتها من 6 مم في الطبقتين الداخلية والخارجية ويفصل بينها فراغ عازل يصل إلى 12 ميلليمتراً، إلى سماكة 18 ميلليمترا في الفراغ العازل، للحفاظ على الطاقة داخل المكان، وعزل الضوضاء القادمة من الخارج، وصارت الطبقة الخارجية للزجاج مزودة بطبقة عاكسة تفلتر حرارة أشعة الشمس، وتسمح بدخول الضوء إلى الغرفة .
وأشار المهندس نزهة إلى أن العزل زاد أيضاً في تمديدات المكيفات وأجهزة التبريد والتكييف في المباني، وتم استخدام نوع من الصوف الصخري زادت كثافته مع طبقة الألمنيوم لزيادة عكس أشعة الشمس، ويتوضع بين الاسمنت وإكساء الألمنيوم وصارت الكثافة 50 كيلوغراماً لكل سنتيمتر مربع، والسماكة 50 ميلليمتراً، وأوضح أن هذه الطريقة صارت ملزمة، في حين لم تكن هناك مادة معينة ملزمة من قبل، للحفاظ على طاقة استهلاك الكهرباء للتكييف، وجعل المبنى مكيفاً ذاتياً ويصبح صديقاً للبيئة .
من جهته قال المهندس وائل السكاف ويعمل في إحدى شركات كيماويات البناء إن تطبيق كودات البناء الحديثة يختلف حسب أهمية واستراتيجية المشاريع التي يتم تنفيذها، ريثما يتم تطبيق كود أبوظبي الموحد بشكل كامل، وأوضح أن الاتجاه حالياً لاستخدام مواد صديقة للبيئة، كما أوضح أنه تم القيام بإجراءات أخرى كإلزام كل الأبراج التي يتم تشييدها بكراج سيارات تحت الأرض للتخفيف من أزمة المواقف، وبالتالي يلزم عمل نظام عزل فعال لحماية البناء من تسرب الماء، وأوضح أن الشركة عملت على تطبيق نظام عزل جديد من مادة ال “بي في سي”، عوضاً عن نظام البيتومين القديم، مشيراً إلى أن مادة ال “بي في سي” غير عضوية ولا تتحلل مع الزمن، عكس المواد البيتومينية، مما يقدم إضافة فنية وجدوى اقتصادية للمشروع .
وأوضح المهندس وائل أن أحدث الكودات تشترط مواد عزل للأسطح من نوعية ممتازة ذات جدوى اقتصادية على المدى الطويل، حيث أوضح أن الشركة تقوم بتطبيق نظامي (بي في س) و(تي بي أو) الصديقين للبيئة اللذين يمكن إعادة تدويرهما، الأمر الذي يحد من استهلاك الموارد، إضافة إلى تميزهما بخاصية عكس أشعة الشمس ومقاومة للأشعة فوق البنفسجية مما ينعكس إيجاباً في التخفيف من الحرارة والتقليل من استخدام الطاقة الكهربائية، مشيرا إلى أن الشركة قدمت نظاماً جديداً لطلاء الأرضيات يعكس الإضاءة مما يخفف من استخدام الإنارة داخل الأبنية .
وبيّن المهندس المدني مناف السمارة أن كود البناء المستخدم حالياً يراعي كل الاحتياطات وعوامل الأمان أثناء عملية البناء، كما يدقق على المواد التي تستخدم في عملية البناء من البحص الذي يستخدم بمقاسات محددة، ومن مصادر بعينها، وأنواع محددة من الرمل، إضافة إلى اختبار الحديد المستخدم .
وأوضح السمرة أن استخدام الكود في الوقت الحالي ليس إلزامياً لوجود عدة نسخ منه كنسخة ،2002 و،2005 و،2008 تحمل بعض الاختلافات فيما بينها، لكنه أوضح ان هذه الاختلافات لا تؤثر في جوهر عملية البناء، فمثلاً معاملات تخفيض المقاومة بالنسبة للعناصر الإنشائية تختلف بين كود ال 1999 وكود ال 2005 .
وضرب مثالاً بتصعيد الحمولات حيث أوضح أن البناء المصمم للسكن يختلف عن المصمم ليكون صالة أفراح، فبفرض إنه يوجد حمل مقداره 400 كيلوغرام على المتر المربع الواحد، ومثله حمل ميت يمثل الأشياء التي لا تتحرك كالبلاط الذي يتراوح سماكته بين 5-20 سم، يجعل تصعيد الحمولات مختلفاً بين المنزل الذي يتميز بوجود حمل حي منخفض فيها، مقارنة بقاعة الحفلات .
وأشار إلى أن كود ال1999 يفترض أن يقوم المهندس بحساباته بضرب الحمل الحي في 4 .1 و7 .،1 بينما صارت في كود ال 2002 تضرب في 2 .1 و6 .1 ، الأمر الذي زاد التصعيد من 40% و70% إلى 20% و60%، مما وفر في تجهيزات البناء من حديد ومواد أولية، وأشار إلى أن معامل تخفيض المقاومة كان 85 .0 في كود ال ،1999 أما بكود ال ،2008 فصار 75 .0 الأمر الذي رفع من عامل الأمان في المرحلة التصميمية .
أما المهندس ياسر أحمد السعيد الذي يعمل في أحد مكاتب الاستشارات الهندسية فقال إن كود البناء بكل إصداراته يلزم بإجراءات أمان تبدأ مع بداية المشروع من قبيل السور المؤقت حول موقع العمل، واللوحة الإرشادية للسور والوقاية، وإلزام العمال باللباس الموحد وأدوات السلامة، وإلزام كل موقع بوجود نقطة طبية تحسباً لأي حادث، ووجود مهندس مسؤول عن السلامة طيلة إجراءات المشروع من البداية حتى النهاية . وأشار إلى أن فتحة الشباك يجب ألا تتجاوز 12-15 سنتيمتراً حتى لا يتمكن الطفل من إخراج رأسه من الشباك، كما أشار إلى أن ارتفاع “تصوينة” الدرج يجب أن يكون 110 سنتيمترات، لزيادة الأمان بالنسبة للأولاد، كما أوضح أن التباعد بين الشرائح الرأسية بين “تصوينة” الدرج يجب أن يكون حولي 20 سنتيمتراً حرصاً على ألا يعلق رأس أي طفل فيها .
وأكّد المهندس السعيد أن تركيب نظام الغاز حسب الكود الجديد يخضع لفحص من بيت الخبرة الذي يقدم ملاحظات قبل إرسالها إلى الدفاع المدني واعتماده للتركيب في البناء، وأشار إلى أن خط تغذية الغاز الرئيسي القادم من سطح البناء يجب أن يكون خارجياً زيادة في الأمان، كما أوضح انه يتم تركيب كواشف في المطابخ تخوفاً من تسرب الغاز، وأن على كل المواد التي تستخدم في توصيل الغاز للمنازل يجب أن تكون خاضعة لمعايير الدفاع المدني، وأن يكون كل من المورد والمقاول حاصلاً على شهادة اعتماد من الدفاع المدني .
وأشار المهندس حنا إلى المعايير الجديدة المطبقة في كود المياه حيث لفت إلى وجود عداد مياه في كل طابق، ضمن غرفة مركزية لحساب كمية استهلاك كل شقة بمفردها، في حين كانت العدادات داخل الشقق سابقاً، الأمر الذي لا يسمح بقياس كميات الاستهلاك إلا في حالة وجود أصحاب الشقة، وتسهيل عملية تحصيل الفواتير، وأوضح أن الإضاءة تم لحظها في كودات البناء أيضاً، من خلال تركيب حساسات للحركة، تعمل بمجرد دخول الغرفة، وتطفأ تلقائياً حال الخروج للمساهمة في توفير الاستهلاك، والحد من نسيان الأنوار مضاءة .
ويسهل الكود الجديد الاحتياجات المختلفة للمعاقين لتسهيل حركتهم في المباني الحكومية والمدارس ودور السينما وغيرها من المباني والمرافق والأبنية، للمساهمة بالمساواة بين أفراد المجتمع، ويعمل الكود على حماية الاستثمارات الهائلة في قطاع البناء من خلال إطالة العمر الافتراضي للمباني، من خلال متانة عالية في البناء تخفض تكلفة الصيانة، وتدعم معايير الاستدامة، كما يلحظ تحسين عمليات وإجراءات التفتيش والرقابة على البناء .

دورات تدريبية

قال الدكتور مجدي ثابت الذي يعمل استشارياً في إحدى الشركات المعنية إننا نعتمد الكود الجديد الأمريكي (ibc 2009) وخضنا عدة دورات تدريبية نظمتها البلدية لتعريف المهندسين بالكود الجديد، وأوضح أن الخرائط الزلزالية الجديدة، ستزيد من الأحمال التي ستصمم عليها المباني في أبوظبي لمقاومة أحمال الزلازل، كما أن التفاصيل الزلزالية الإنشائية ستصبح أكثر تكلفةً وتعقيداً، وأشار إلى أن النشاط الزلزالي في أبوظبي متوسط، لكنه يزداد كلما اقترب الموقع من إيران، وأكد أن هذا التعديل نتيجة لحصول تعديل على قيم الزلازل في الكود الأمريكي (ibc 2009) والذي بالتبعية أثر في كود أبوظبي المستخدم .
وأوضح الدكتور ثابت أن الكود الحالي قاصر عن تحديد أحمال الرياح التصميمية للمباني التي يتم تنفيذها، حيث إن الكود يأخذ في الاعتبار المباني المستطيلة المنتظمة الشكل، مشيراً إلى أن معظم المباني التي يتم تنفيذها لا تتمتع بهذه المثالية التي يتم التعامل معها في الكود . لذا تتم الاستعانة بوسائل معملية مساعدة لتحديد أحمال الرياح التصميمية من خلال تجربة النفق الهوائي حيث ينفذ “ماكيت” للمبنى المطلوب تنفيذه ويتم وضعه بنفق في آخره مروحة عملاقة تعرضه لقوة رياح تتناسب مع موقع البناء المقترح .

تجديد دوري

لفتت دائرة الشؤون البلدية في إمارة أبوظبي إلى أن الكود الدولي للبناء سيبدأ تطبيقه مع مطلع العام 2011 على المشاريع الحكومية والخاصة، ومن المتوقع أن تفتتح منظمة(icc) مكتباً لها في أبوظبي لخدمة الإمارة، حيث تجدد كودات البناء كل 3 سنوات، وتشمل الكودات الدولية المقدمة لاعتماد الكود الدولي للبناء، والكود الدولي للحرائق، والكود الدولي لتقليل استهلاك الطاقة، والكود الدولي للأعمال الميكانيكية، والكود الدولي لأعمال التمديدات الصحية وشبكات المياه، والكود الدولي لغاز الوقود، والكود الدولي لصيانة العقارات، والكود الدولي للصرف الصحي الخاص .
وأكدت دائرة الشؤون البلدية أن حكومة أبوظبي تبنت الكود الأمريكي للبناء لأنه كود متكامل، ويمكن تبنيه لتطوير كود محلي خاص بإمارة أبوظبي، ويحصل في الوقت نفسه على دعم من منظمة (icc) صاحبة الكود، في حين لا تسمح بقية الكودات بهذه الامتيازات، كما تقوم منظمة (icc) بتدريب المهندسين على استعمال الكود، وتتيح خدمة الدعم الفني المباشرة، ويحق لحكومة أبوظبي إبداء الملاحظات على الكود الأصلي في أمريكا، وهو امتياز للجهات الحكومية التي تستخدم هذا الكود، كما يمكن للكود الجديد دعم تقييم مواد البناء، ويساعد في خدمات اعتماد المهنيين أو اعتماد مؤسسات تخدم قطاع البناء تعتمد المهنيين الأكفاء .

توحيد المعاملات

لفتت دائرة الشؤون البلدية إلى أن الكود الجديد يسهم في توحيد المعاملات في التعاملات الرسمية، منعاً للتعديل في كل إمارة، ويوحد النظم في دوائر تراخيص البناء للسماح للمهندسين بالعمل في مختلف الإمارات، كما يراعي احتياجات المعاقين، ويقلل من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 50% على الأقل مقارنة بالكود السابق، كما أن الكود الجديد أكثر أمانا للعوامل الطبيعية كالزلازل والرياح الشديدة، ويهتم بالبيئة الصحية الداخلية، وتجديد الهواء في المبنى .
كما يعمل الكود الجديد على توفير كمية كافية من الإضاءة الصحية، ويتحكم بحجم الزجاج في الغرف حسب حجم الغرفة، وقياس الشباك وآلية فتحه، والتعامل مع التكييف، كما تحد شبكات المياه من استهلاك المياه بما يتماشى مع رؤية الإمارة في الحد من استهلاك المياه، وأضاف كود الحريق أجهزة حساسة للحرائق في غرف النوم والممرات الوصلة إلى الغرف، واستحدث كود الحريق الفتح الأوتوماتيكي للأبواب عند حدوث حريق للسماح بالخروج، وكذلك تم عمل إضافات على ناطحات السحاب لإخراج المقيمين فيها، وتسهيل وصول رجال الإطفاء، التي ستحوي ملاجئ من الحريق إلى حين وصولهم، وتوجد فيها وسائل اتصال متطورة .