كيف بلغت الدينوصورات هذا الحد

قد يقف معظم الناس بصورة مريحة تحت ذقن تيرانوصورس ركس Tyrannosaurus rex معروض في أحد المتاحف، أو يمشون تحت القفص الصدري لبراكيوصورس Brachiosaurus من دون أن ترتطم به رؤوسهم. فالتيرانوصورس يماثل في حجمه أضخم فيل إفريقي معروف. والبراكيوصورس مثل الصوروپودات (عظائيات الأرجل) الكبيرة الأخرى، كان أضخم بكثير من أي حيوان أرضي على قيد الحياة في الوقت الحاضر. لقد اعتدنا على منظر الحجم العملاق للدينوصورات ونسينا إلى حد ما تصوّر الكيفية التي وصلت بها تلك الحيوانات إلى هذا الحد من الضخامة. وكم من الوقت استغرق هذا النمو، وما هو طول المدة التي عاشتها بالفعل؟ هل تكشف طريقة نموها عن أسلوب تشكل أجسامها؟

حتى وقت قريب، لم تكن لدينا طريقة لتقدير عمر دينوصور. ولأنّ الدينوصورات كانت من الزواحف، افترض علماء الأحافير (المستحاثات) بصورة عامة، أنّها نمت كما تنمو الزواحف في الوقت الحاضر، أي بصورة بطيئة نوعا ما. وهكذا ذهب التصوّر إلى أنّ الدينوصورات الضخمة ينبغي أن تكون قد بلغت بالفعل أعمارا طويلة، إنّما لم يعرف أحد مقدار هذه الأعمار، لعدم وجود زواحف حية يصل حجمها إلى حجم يقترب من أي دينوصور.

نظرة إجمالية/ نموسريع لحجم كبير(**)
• حتى وقت قريب، لم نكن نملك وسيلة لتقدير عمر الدينوصورات ولا لفهم الكيفية التي نمت فيها هذه الحيوانات.
• من الثابت أنّ هذه المعلومة متضمنة في عظام الحيوانات؛ إذ إنّ الكثير منها يحتوي على حلقات نمو شبيهة بحلقات النمو في الأشجار.
• باستعمال هذه الحلقات وبنى أخرى داخل العظام، أكّد العلماء حديثا بأن الدينوصورات نمت بسرعة لبلوغ حجمها الكامل ـ تماما بالطريقة نفسها التي تنمو فيها الطيور والثدييات في الوقت الحاضر، وليس على الإطلاق كنمو الزواحف الحية الأبطأ.
• يقتضي هذا النمو السريع أن تتمتّع هذه المخلوقات القديمة بمعدل استقلاب (أيض) مرتفع يضاهي معدّل استقلاب الحيوانات ذات الدم الحار وأكثر من معدّل استقلاب الزواحف ذات الدم البارد.

ويمكن الرجوع في هذا الشأن إلى عالم الأحافير الإنكليزي السير ، الذي أطلق في عام 1842 اسم دينوصوريا(1) (العظايا المخيفة)، عندما كان يصنّف مجموعة صغيرة وغير معروفة جيدا من زواحف نادرة ضخمة جدا؛ فهي ليست فقط كبيرة، كما قال، وإنما كانت كذلك حيوانات أرضية لا تشبه الإكتيوصورات (زواحف سَمكية الشكل) والبلسيوصورات (زواحف شبيهة بالعظائيات) البحرية السابحة والمعروفة منذ مطلع عام 1800، فهي تتميّز بوركين يتصلان بخمس فقرات (من العمود الفقري) وليس بفقرتين فقط مثل الزواحف الحية. أمّا أطرافها فتقع تحت جسمها ولا تمتد إلى الخارج من جانبي أجسامها. ويتابع <أوين> القول إنّه على الرغم من هذه الفروق، فإنّ الملامح التشريحية لعظامها ـ أشكالها ومفاصلها والتصاقاتها العضلية ـ تدلّ على أنها من الزواحف. وهكذا، فقد كان لها حتما فيزيولوجية تميّز الزواحف، أي إنّها كانت على نحو نموذجي من ذوات الدم البارد وذات استقلاب (أيض) بطيء. ظلت هذه الصورة عن الدينوصورات قائمة ومقبولة حتى الستينيات من القرن العشرين، حيث كانت توصف بأنها حيوانات بليدة وبطيئة الحركة، ولا بد أن تكون قد نمت ببطء لتبلغ حجما كبيرا في نوع من دفيئة ملائمة، حيث تزدهر فيها وتسود حيوانات عملاقة.


وصل البراكيوصورس، وهو أحد أضخم الدينوصورات، إلى مرحلة البلوغ في أقل من 20 سنة، ووصل الميكروراپتور Microraptor بمدة أقل من ذلك بكثير. تمكّن العلماء من تحديد عمر الحيوانات المنقرضة بفحص حلقات النمو السنوية في العظام القديمة وحساب معدلات نمو النسج العظمية في الحيوانات الحية.

ومع ذلك فإنّ أي دليل على أعمار الدينوصورات، وعلى الكيفية التي كبرت فيها هذه الحيوانات، كان دائما مُثبتا داخل عظامها نفسها. ومع أنّ علماء الأحافير كانوا قد عرفوا لسنين عديدة أن عظام الدينوصورات تحتوي على حلقات نمو تشبه حلقات النمو الدائرية التي نراها في الأشجار، فإنهم لم يبدؤوا إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين فقط باستخدام حلقات النمو وبِنى أخرى داخل العظام لفهم الكيفية التي نمت فيها هذه الحيوانات المنقرضة.

العظام تروي لنا الحكاية(***)
كانت حلقات النمو في عظام الدينوصورات سنوية كحلقات النمو في الأشجار. غير أنها ليست من البساطة بما يكفي لتسمح بتفسيرها. فالشجرة تحتفظ بكامل سجل نموها تقريبا في داخل جذعها. فإذا قطع هذا الجذع يكون بالإمكان أن تُحصى حلقات النمو واحدة فواحدة، من مركز الجذع إلى لحائه، وطبقته الخارجية فقط هي التي تصنع الخشب الجديد، وداخله يتألّف في الواقع من الخشب الميت. وعلى العكس يكون مركز العظم مكانا ناشطا، إذ تجوّف خلايا تدعى الخلايا الناقضة للعظم osteoclasts مركز العظم الطويل، كعظم الفخذ أو عظم الساق (الظنبوب)، بقضمها العظم الموجود متيحة إعادة تدوير مغذياته. وهذا المركز، أو ما يعرف بتجويف نقي العظم، هو أيضا المصنع الذي ينتج خلايا الدم الحُمر (انظر الإطار في الصفحة 54).

لإنجاز هذه المهام، ينمو كامل العظم باستمرار ويتغير طوال حياة الحيوان. ومع نمو العظم يتوضّع نسيج جديد في قسمه الخارجي، ويحدث النمو أيضا في العظام الطويلة في نهايتي أجسامها. وخلال ذلك، تقوم الخلايا الناقضة للعظم في تجويف النقي بقضم العظم الذي كان قد توضّع بصورة مبكّرة من حياتها، وتقوم خلايا أخرى بتشكيل نسيج عظمي ثانوي على كامل محيط تجويف النقي أو تجتاح قشرة (الطبقة الخارجية) العظم المتبقي لتعيد تشكيله.

إن هذا النشاط في مركز العظم غالبا ما يزيل سجل النمو خلال المراحل الأولى من حياة الفرد؛ ومن ثم يصعب أن نجد ـ عند قطع عظم دينوصور ـ سجلا كاملا للنمو، فقط، من خلال تعداد حلقاته. وهكذا يمكن أن نعيد بناء التاريخ المبكر للعظم بطرائق مختلفة. وإحدى هذه الطرائق هي استخدام عظام أفراد أصغر عمرا للحصول على السجل المفقود. تحتوي العظام الفتية على النسج التي كانت قد قضمت في عظام الأكبر عمرا. وبفحص هذه النسج وتعداد حلقات النمو، يمكن بصورة تقريبية تقدير عدد السنين المفقودة في العظام الأكبر عمرا. وعندما لا تتوافر لدينا عظام لأفراد فتية يمكننا بعملية حساب تراجعي retrocalculate تقدير عدد حلقات النمو بفحص المسافات بين حلقات النمو التي بقيت مصانة.

قراءة في عظم دينوصور(****)
تحتوي عظام الدينوصورات على حلقات نمو شبيهة نوعا ما بالحلقات السنوية لنمو الأشجار، مع أنّ تفسيرها أكثر تعقيدا. فقشرة العظم مكونة من معادن (مثل فسفات الكالسيوم) ومن پروتينات (مثل الكولاجين)، حملتها إليها الأوعية الدموية. وتدعى الأقنية الوعائية التي تحوي الأوعية الدموية الأوستيونات osteons. عندما تبدأ بترسيب العظم على طول محيطها على شكل طبقات متمركزة. ويكون النمو في عظم الفخذ، وفي أي عظام طويلة أخرى، متمركزا بالضبط تحت غشاء خارجي هو السمحاق periosteum. وفي غضون ذلك تقوم الخلايا الناقضة للعظم بقضم الهامش الداخلي للعظم. وقد تغزو زمر ثانوية من الأوستيونات العظم الموجود فتقضمه وتُوضِّع مكانه عظما جديدا. وبسبب كل هذا النشاط لا يستطيع الباحثون أن يدرسوا ببساطة شريحة في عظم دينوصور ويحدّدوا عمر الحيوان، ولكن يمكنهم الوصول إلى هذه المعلومة بإنجاز تحاليل متنوعة لحلقات النمو وملامح أخرى.

حلقات النمو
يمكن رؤية حلقات النمو السنوية في الرسم التخطيطي (a)، في الصورة المأخوذة لداخل عظم فخذ ترودون، وهو دينوصور لاحم صغير. أصبحت هذه الحلقات (الأسهم في الصورة (b)) أكثر تقاربا نحو خارج العظم، الذي كان قد توضّع في آخر مرحلة من النمو عندما أبطأ الحيوان نموه كما يحصل لنا جميعا مع تقدّم العمر.

حاولنا مؤخرا القيام بعملية حساب تراجعي على أكثر الدينوصورات شهرة وهو التيرانوصورس ركس. إن بحوزة متحف الروكيز في جامعة ولاية مونتانا اثنا عشر نموذجا من هيكل هذا الحيوان اللاحم العملاق، تتميّز سبعة منها بعظام أطرافها الخلفية، وهي محفوظة إلى حد ما حفظا جيدا سمح بصنع مقاطع رقيقة، وهي شرائح العظم التي تكون رقيقة بصورة كافية لفحصها تحت المجهر.

كشفت هذه الشرائح المجهرية لأطراف التيرانوصورس ركس عن وجود أربع إلى ثماني حلقات نمو محفوظة. أمّا الحلقات الأخرى القريبة من المركز فكانت غير واضحة بسبب نمو النسيج العظمي الثانوي. ومما يلفت الانتباه أيضا هو اتساع تجويف نقي العظم في هذه الدينوصورات نتيجة لقضم ثلثي قشرة العظم الأصلية. وقد لاحظنا أن المسافة بين حلقات النمو عند بعض الأفراد قد أصبحت فجأة صغيرة جدا نحو السطح الأبعد للعظم. وكنا قد رأينا ذلك من قبل في دينوصورات أخرى، مثل الدينوصور العاشب البطّي المنقار (المسمى مياصورا Maiasaura). وهذا يعني نهاية النمو النشط، وبصورة أساسية الحد الذي بلغ فيه الحيوان حجمه الكامل.

قدرت حساباتنا التراجعية أنّ التيرانوصورس استغرق 15 إلى 18 سنة ليبلغ كامل حجمه، حيث يصل ارتفاع وركه ثلاثة أمتار (عشر أقدام) وطوله 11 مترا ووزنه 5000 إلى 8000 كيلوغرام (خمسة إلى ثمانية أطنان). (سررنا بمعرفة أنّ تقديراتنا تماثلت تقريبا مع تقديرات وزملائه [من جامعة ولاية فلوريدا]، التي تمت في الوقت نفسه تقريبا). وإذا كان هذا يبدو بمثابة نمو سريع، فإنه كذلك؛ على الأقل بالنسبة إلى أحد الزواحف. فقد تبيّن أنّ الدينوصورات نمت بصورة أسرع بكثير من نمو الزواحف الأخرى الحية أو المنقرضة.

وعلى سبيل المثال، رسم <إريكسون> و [من جامعة أيوا] مخططا لنمو التمساح الضخم المسمى داينوسوكس Deinosuchus الذي عاش خلال الدور الكريتاسي، ما قبل نحو 75 مليون إلى 80 مليون سنة (انظر الشكل في هذه الصفحة). فقد بلغت هذه الزواحف العملاقة أطوالا تراوحت بين 10 و11 مترا. وبفحص حلقات النمو في درع بشرة العنق، حدّد <إريكسون> و<بروشو> أنّ مثل هذا الحيوان يتطلّب نحو 50 سنة ليبلغ هذا الطول ـ أي ثلاث مرات الزمن الذي يتطلّبه تيرانوصورس ركس لبلوغ الحجم نفسه. ويبدو أنّّ أكثر الحيوانات تشابها مع التيرانوصورس هو الفيل الإفريقي الذي يبلغ كتلة الوزن نفسها تقريبا (5000 إلى 6500 كيلوغرام) خلال 25 إلى 35 سنة. وعليه فإن التيرانوصورس وصل إلى حجم البالغ أسرع بكثير مما وصله أي فيل.


تُبيّن حلقات النمو أن الدينوصورات الكبيرة كانت في الواقع فتية جدا عندما بلغت أحجامها الضخمة. وقد نمت إلى حجم البلوغ أسرع بكثير مما فعلت الزواحف الحالية.

وبيّن بحث لاحق أنّ هذا التيرانوصورس ليس حيوانا استثنائيا بين الدينوصورات ما عدا أنّه نما بصورة أبطأ قليلا (بالنسبة إلى حجمه) من نمو أي دينوصور ضخم آخر. ولقد وجد [الذي يعمل حاليا في جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا] أن الحيوان العاشب ماسّوسپونديليس Massospondylus استغرق نحو 15 سنة ليبلغ طول مترين إلى ثلاثة أمتار. ووجد <إريكسون> و [من معهد علم الأحافير في موسكو] أنّ الزاحف القرني الصغير المسمّى پسيتّاكوصورس Psittacosaurus، قد وصل مرحلة البلوغ بعد 13 إلى 15 سنة. ولقد قدّرنا أن ّمنقاري البط المسمّى مياصورا Maiasaura قد وصل مرحلة البلوغ بعد سبع إلى ثماني سنوات، حيث وصل طوله في هذه المدة سبعة أمتار. أمّا الصوروپودات (زاحفيات الأرجل) العملاقة (أنماط «برونتوصور»)، فإنها تتفوّق على جميع الحيوانات الأخرى. ومع ذلك اكتشف [من جامعة بون في ألمانيا] أنّ الزاحف جاننسكيا Janenschia وصل مرحلة البلوغ في نحو 11 سنة، مع أن نموه استمر بالفعل بعد ذلك. ولقد حددت وزملاؤها [من جامعة باريس السابعة] أنّ الزاحف لاپّارنتوصورس Lapparentosaurus وصل كامل حجمه قبل بلوغه العشرين سنة من عمره. ووجدت [من متحف العلوم في مينيسوتا] أنّ الزاحف أپّاتوصورس Apatosaurus (وهو معروف باسم برونتوصورس Brontosaurus) قد وصل إلى مرحلة البلوغ خلال ثماني إلى عشر سنوات، وأنّ وزنه كان يزداد سنويا نحو 5500 كغ(2).

داخل إحدى عظام دينوصور(*****)
لماذا كان نمو الدينوصورات أقرب إلى نمو الفيلة منه إلى نمو التماسيح العملاقة؟ وما أهمية هذا النمو بالنسبة إلى المظاهر الأخرى لبيولوجيتها؟ للإجابة عن هذين السؤالين، علينا أن نتفحص داخل أحد عظام دينوصور لنرى نوع النسج التي حُفظت.

إن نسيج عظم طويل نموذجي لدينوصور هو بصورة أساسية من نمط يدعى ليفي-صفائحي: هو ليفي إلى أبعد الحدود أو «محبوك» البنية، ويتشكل حول ضُمام مؤلف من ألياف كولاجينية غير مرتبة ترتيبا جيدا ومزودة بأوعية دموية كثيرة. وخلافا لما كنا نتوقعه في الزواحف المألوفة، فإن هذا النسيج العظمي هو النوع نفسه السائد في عظام الطيور الكبيرة والثدييات الكبيرة التي تنمو إلى حجمها الأقصى بصورة أسرع مما تبلغه الزواحف النموذجية. ومن ناحية أخرى، يتألف عظم التمساح في معظمه من نسيج صفائحي-متمنطق zonal ـ فهو عظم متراص، شديد التمعدن، يحتوي على ألياف مرتبة ترتيبا أكثر انتظاما وعلى أقنية وعائية أصغر وأكثر تباعدا. إضافة إلى ذلك، فإن المسافات الفاصلة بين حلقات النمو في عظام التمساح تكون أضيق من مثيلاتها في عظام الدينوصور، وهذا دليل آخر على أنّ عظام التمساح تنمو بصورة أبطأ (انظر الإطار في الصفحة المقابلة).

الطيور المبكرة(******)
هل تمدّنا رؤى جديدة حول الخطى السريعة التي تنمو بها الدينوصورات المنقرضة بأي معلومة جديدة عن تطور الطيور التي تُمثّل الدينوصورات الحية؟ لماذا تكون الطيور مثلا أصغر بكثير من الدينوصورات المنقرضة؟ هل غيّرت معدلات نموها بطريقة ما؟ لقد بدأنا النظر في هذه المسألة بفحص النسج العظمية للطائر كونفوسيوسورنيس Confuciusornis، وهو طائر قديم عثر عليه في الكريتاسي المبكر (ما قبل 125 مليون سنة) في الصين ويظهر في شجرة نسب فصيلة الطيور بعد وقت قصير من ظهور الأركيوپتريكس :Archaeopteryx الطائر الأول المعروف. إنّ نمط الجزء الداخلي للنسج العظمية للطائر كونفوسيوسورنيس الذي له حجم الغراب، هو ليفي- صفائحي سريع النمو (مثل نسج الدينوصورات الأخرى)، ولكن يصبح النسيج باتجاه الخارج من نمط نمو أبطأ، وهذه هي إشارة إلى أنّ معدل النمو انخفض بعد دفعة نمو فتية قصيرة الأمد. ولقد قارنّا هذه النسج بنسج الزاحف ترودون Troodon، وهو دينوصور صغير يشبه الطيور الجارحة، طوله 5.1 م تقريبا، قام بدراسته <D .J. فاريشيا> [من جامعة ولاية مونتانا]. تدلّ نسج الترودون على نمو إجمالي أسرع.
وكما يبيّن الطائر كونفوسيوسورنيس، فإنّ أنواع هذه الطيور القديمة، لكي يصبح حجمها صغيرا، اختصرت دفعة نموها الفتية التي كانت سريعة جدا عند الدينوصورات الأخرى، وهذا أدّى بالطيور لأن تصبح بأحجام صغيرة. وكان لهذا التصغير في الحجم تأثير مهمّ في الحركة، لأن الريش الذي كان موجودا على الأطراف الأمامية لأقرب أقرباء الدينوصورات من الطيور ربّما ساعد على الأرجح هذه الحيوانات الصغيرة على أن تصبح حيوانات طائرة. فالحيوانات الصغيرة تستطيع أن تصفّق بأجنحتها بصورة أسرع مما تفعله الحيوانات الكبيرة، وفي حيوان أصغر ستكون الحمولة الجناحية (نسبة وزن الحيوان إلى مساحة جناحيه، أو ما على وحدة المساحة من الجناحين أن تحمله) أصغر نسبيا، ومن ثم سيكون أكثر فائدة من الناحية التحريكية الهوائية.
غير أنّ الطيور تصل في الوقت الحاضر حجمها الكامل بسرعة، وعادة ما يتم في أسابيع وحتى في أشهر. فما الذي تغيّر؟ يبدو أنّه بعد بطء مبكر في تطورها، سرّعت الطيور على مرّ الزمن معدّل نموها من جديد ـ إلى معدلات هي غالبا ما تكون أسرع من معدلات الدينوصورات المنقرضة. ومنذ بضع سنوات، درست <A. شينسامي-توران> [وهي في الوقت الحاضر في جامعة كيب تاون] مع زملائها نسيج العظم لطيور مبكرة تقع على مسافة أبعد قليلا في شجرة النسب التطورية للطيور من مواقع الأركيوپتريكس والكونفوسيوسورنيس. كانت تشتمل هذه الطيور، التي عثر عليها في الكريتاسي المتأخر، على مجموعة إنانتيورنيتين البدائية، إضافة إلى أجناس مثل پاتاگوپتريس Patagopteryx العاجز عن الطيران، وهسپرورنيس Hesperornis الغطاس وإكتيورنيس Ichthyornis الشبيه بطائر النورس (انظر الإطار في الصفحتين 58 و59). فقد نمت هذه الطيور أيضا بصورة أبطأ من نمو الدينوصورات، ولكن أشكالها كانت أقرب إلى الطيور الحية وكان لها نسج عظمية دلت إلى حد ما على نمو أكثر سرعة من نمو الطيور التي ظهرت أبكر منها.
وبالقرب من الحدود بين الكريتاسي والحُقْب الثالث، أي ما قبل نحو 65 مليون سنة، تزايدت زيادة كبيرة معدلات النمو لدرجة أن الطيور الحية كافة ـ بما فيها النعامة ـ بلغت حجما كاملا في أقل من سنة (سبعة أيام في حالة العصفور الدوري). هذا وإنّ فحصا دقيقا لطيور تعود إلى الحقب الثالث المبكر سوف يبين لنا فيما إذا كانت مجموعات الطيور الحية قد اكتسبت عادتها في النمو السريع للوصول إلى حجم البلوغ على نحو تدريجي أو على نحو مفاجئ نسبيا.

في الأربعينيات من القرن الماضي، أدرك [من جامعة تورينو بإيطاليا] أنّ نمط النسيج المتوضّع في عظم ما بأي مكان محدّد وفي أي زمن خلال نموه يرتبط بصورة رئيسية بالسرعة التي كان ينمو فيها النسيج في ذلك المكان. فالنسيج الليفي-الصفائحي يعكس محليا نموا سريعا بغض النظر عن مكان توضّعه أو زمنه، في حين يشير النسيج الصفائحي-المتمنطق إلى نمو أبطأ. ويمكن للحيوان أن يُوضّع كلا من نمطي هذين النسيجين في أزمنة مختلفة بحسب ما تسمح به استراتيجية نموه. فنمط النسيج الذي يسود خلال حياة الحيوان يقدم الدليل الأفضل على معدل نموه.

هناك فرق واحد بين الدينوصورات وبين التماسيح من ناحية، وبينها وبين الزواحف الأخرى من ناحية أخرى، وهو أنّ الدينوصورات تُوضّع نسيجا ليفيا صفائحيا خلال كل مدة نموها إلى الحجم البالغ، في حين أنّ الزواحف الأخرى تغيّره بسرعة إلى نسيج صفائحي متمنطق. نستنتج من هذا أن الدينوصورات كانت تحافظ على نمو سريع حتى مرحلة البلوغ، لأنه لا يوجد أي تفسير جيد آخر لاستمرار النسيج الليفي-الصفائحي وهيمنته.

خمّن <إريكسون> و<روجرز> و [من جامعة ستانفورد] سرعة نمو الدينوصورات بطريقة مختلفة. فقد رسموا، باستخدام قيم تقديرية لكتلة الجسم عند الدينوصورات، خطا بيانيا لكتلة الحيوانات بالمقابلة مع الزمن لاشتقاق منحنيات نمو لتشكيلة من أنواعها، وقارنوا هذه المنحنيات بمنحنيات النمو لمجموعات أخرى من الفقاريات. فوجدوا أن الدينوصورات كافة نمت بصورة أسرع من الزواحف الحية كافة، وأنّ الكثير من الدينوصورات نما بمعدلات نمو مكافئة لمعدلات نمو الجرابيات الحية، وأنّ الدينوصورات الأضخم نمت بمعدلات نمو مكافئة لمعدلات نمو الطيور التي تصل مرحلة البلوغ بسرعة وإلى معدلات نمو الثدييات الكبرى. ولقد عزّزنا نتائجهم المتعلّقة بكتلة الجسم مع دراساتنا الخاصة باستخدام طول الحيوانات.

إنّ مثل هذه الاكتشافات لم تكن، إلى حد ما، غير متوقعة. فمنذ عدة سنوات بيّن [من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس] أنّ الأنواع الأكبر في أي مجموعة من الفقاريات (أسماك، برمائيات الخ….) تنمو بمعدلات نمو أعلى بصورة مطلقة من معدلات نمو الأنواع الأصغر. ومع أنّ الأنواع الأكبر تصل الحجم البالغ في زمن أطول، فإنّها تنمو بصورة أسرع لبلوغ ذلك الحجم. والذي كان مدهشا أنّ هذه الدينوصورات قد نمت بالسرعة نفسها التي نمت بها الأنواع الأكبر من الفقاريات.

الدينوصورات لم تكبر مثل الزواحف(*******)




من الداخل، تبدو عظام الدينوصورات، شبيهة جدا بعظام الطيور الكبيرة والثدييات (في الأعلى). تُوضِّع هذه الحيوانات بخلاف الزواحف (في اليسار)، نمطا لنسيج عظمي يدعى ليفي-صفائحي، الذي ينمو على هيكل من معادن وألياف كولاجينية تتوضّع في طبقات متميّزة. يخترق نسيجها العظمي عادة العديد من الأوعية الدموية، وهذا العدد الكبير من الأوعية الدموية يشير إلى توضّع سريع للنسيج، ومن ثم إلى نمو سريع. إنّ العظام المرئية للإلكة elk وللتمساح الأمريكي (جانبا) هي لأفراد بالغة تقريبا. يُلاحظ أنّ الأقنية الوعائية تُصبح نحو القسم الخارجي من العظم أقل عددا إلى حد بعيد وهي تعكس نموا بطيئا. أمّا عظام النعامة والمياصوراMaiasaura فهي لأفراد ما بعد الفقس مباشرة nearhatchling. تكون المسافات الوعائية في عظامها غزيرة، مشيرة بذلك إلى نمو سريع جدا لم يتوطّد بعد في النمط الليفي-الصفائحي.

كنا فضوليين لمعرفة متى اكتسبت الدينوصورات، خلال مسيرة تطورها، هذا السلوك في النمو السريع. ولهذا فقد رسمنا معدلات النمو التي قدرناها للصلات التي كانت على مخطط شجرة التفرّع التطوّري cladogram، أو مخطط علاقات النسب البيانية، التي بُنيت على مئات الصفات المستقلة من كافة أجزاء الهيكل. وأضفنا كذلك معدلات النمو المقدرة للبتروصورات (وهي زواحف طائرة لها صلة وثيقة بالدينوصورات، ونمت كنموها تقريبا)، وللتماسيح وأقربائها المنقرضة، وللعظائيات. إنّنا نضع الطيور بين الدينوصورات، لأن الطيور تطورت عن الدينوصورات، ولذلك فهي متضمنة تقنيا معها [انظر: «أصل الطيور وطيرانها»، مجلة العلوم، العددان 8/9(1998)، ص 10].

نمو العظم و التطور عند الطيور (********)


كان للدينوصورات بدءا من نشوئها نسج عظمية تختلف اختلافا كبيرا عن نسج الزواحف الأخرى. كانت عظامها تنمو بصورة أسرع من الطيور والثدييات الحالية. وعندما تطورت الطيور الأولى فإنّ اختزال حجم أجسامها الكبير كان نتيجة للنمو الأبطأ لعظامها. ولكن نموها ظل أسرع من الزواحف الأخرى. وهكذا عندما بدأت مجموعات الطيور الحالية بالظهور، تسرّع النمو ثانية، وبذلك وصلت الطيور ـ التي هي بحجم الحمام ـ إلى مرحلة البلوغ في أسابيع عوضا عن أشهر. ڤلطيور الحالية كلها، حتى النعامة تصل إلى حجم البلوغ في سنة، وأغلبها يصل إلى مرحلة البلوغ بصورة أسرع، إذ يصل العصفور الدوري إلى البلوغ في سبعة أيام. وعندما تطورت الطيور، خفّضت من معدّلات نموها بالضبط في الوقت الذي كان النمو في مرحلته القصوى لدى أسلافها الدينوصورات، كما خفّضت فترة مرحلتها الفتية مختزلة بذلك حجم أجسامها بصورة فعلية إلى حجم بلوغها.

وسعيا لتقدير معدلات النمو عند الدينوصورات، اتجهنا نحو الطيور الحية التي تبدي نفس النمط من النسج الموجودة في عظام الدينوصورات. فقد حقن وزملاؤه [من جامعة باريس السابعة] أفرادا من البط البرّي بمحاليل من شأنها تلوين العظام الآخذة بالنمو. وباستخدامهم ألوانا مختلفة وفي أوقات مختلفة تمكّنوا من قياس معدلات النمو أسبوعيا في الطيور المذبوحة (انظر الشكل في الصفحة 58). وباستخدام هذه المعايرات حدّدنا، من دون استثناء، أن الدينوصورات والبتروصورات نمت بمعدلات أعلى بكثير من معدّلات نمو الزواحف الأخرى. ولقد وجدنا تغيرا كبيرا بين الدينوصورات والبتروصورات عبّرت عنه اكتشافات العالِم <كاستانيت> في الطيور؛ فالحيوانات التي نمت ببطء أكثر نسبيا من غيرها كانت الطيور الأصغر ـ تماما كالأمثلة التي كان قد تنبأ بها .

زواحف غير مألوفة(*********)
كشفت لنا دراسة عظام الدينوصورات عن كمٍّ كبير من المعلومات عن تطور بعض الملامح الكبرى لهذه الحيوانات. فقبل نحو 230 مليون سنة، في القسم المبكر من الدور الترياسي، افترقت السلالة التي ستعطي فيما بعد الدينوصورات والبتروصورات عن السلالة التي ستعطي التماسيح وأقرباءها. واكتسبت سلالة الدينوصورات حالا معدلات نمو مرتفعة ومديدة عزلتها عن الزواحف الأخرى. وقد يكون هذا النمو السريع قد أدى دورا في النجاح الذي تمتعت به الدينوصورات والبتروصورات في نهاية الدور الترياسي، عندما انقرض عدد كبير من أقرباء التماسيح ومجموعات بدائية أخرى متميّزة أيضا ببنية عظمية زاحفية نموذجية.



طبقات العظم المتوضعة بصورة متميّزة مبينة بالألوان الأخضر والأصفر والبرتقالي المفلور المحقونة أسبوعيا في ذكر البط البرّي. تُبيّن هذه الألوان بالضبط مقدار النمو في عظم الطائر كل أسبوع.

تعطينا أيضا معدلات نمو الدينوصورات المرتفعة فكرة أكمل عن ملامح استقلابها. فكلّما أصبح المعدل الاستقلابي أكثر ارتفاعا ـ وهو أكبر طاقة مكرسة لبناء العظم والنسج الأخرى وقضمها ـ أصبح نمو النسج أسرع. وهكذا، فإن البرهان القاطع على النمو السريع والمديد، حتى في مرحلة الفتوة المتأخرة ومرحلة ما قبل البلوغ، يتضمن ما يشير إلى أنّ الحيوانات المعنية كان لها معدلات استقلاب أساسية مرتفعة نسبيا. ولأن الدينوصورات لم تكن مثل الزواحف الحية في أسلوب نموها، وإنما كانت أكثر شبها بالطيور والثدييات، فمن المحتمل أنّ معدلاتها الاستقلابية الأساسية كانت مثل معدلات الطيور والثدييات، أكثر من أن تكون مماثلة لمعدلات الزواحف الحالية، وهذا الأمر يفترض أنها كانت ـ على ما يبدو ـ ذات دم حار (بصورة عامة) أكثر من كونها ذات دم بارد. ولكن من الصعوبة بمكان معرفة التفاصيل: مثلا معرفة درجة حرارة الجسم ومدى تغيراتها، أو ما هو مقدار ما يأخذ جسم الدينوصورات من حرارة من (أو ما يجب أن يطرحه في) الهواء الذي يحيط بها. ومن المؤكّد أن العديد من الأسئلة تبقى من دون جواب؛ إذ ربّما كانت الدينوصورات مخلوقات غير عادية إلى أبعد الحدود، أكثر مما كنا نعتقد؛ فهي ليست تماما كأي حيوان من الحيوانات الحالية، وهي بالتأكيد ليست بالزواحف المألوفة. فإذا ما قدّر لأحد أن يكتشف طائرا حيا زنته خمسة أطنان، فسوف يُحسم الكثير من هذه الأسئلة.

المؤلفون
John R. Horner – Kevin Padian – Arman De Ricqles
عملوا معا في أبحاث عظام الدينوصورات أكثر من اثنتي عشرة سنة. <هورنر> هو القيم على قسم علم الأحافير (المستحاثات) في متحف الروكيز وأستاذ كرسي علم الأحافير بجامعة ولاية مونتانا. أمّا <باديان> فهو أستاذ البيولوجيا التكاملية وقيم متحف علم الأحافير بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. وأمّا <دو ريكلس> فهو أستاذ في «كوليج دو فرانس» بپاريس، حيث يشغل كرسي البيولوجيا التاريخية والتطورية؛ ويعمل فريقه العلمي، المرتبط بالمركز الوطني للأبحاث العلمية (CNRS) في جامعة باريس السابعة، في مجال تشكّل العظام والنسج الهيكلية.

7 thoughts on “..::*” كيف بلغت الدينوصورات هذا الحد*::..

  1. مشكور يا دولار

    دوم مواضيعك حلوه

    بس يقولون الديناصورات انقرضت …
    خخخخخخخخ

    ياريال كلام جرايد

    شي ديناصورات

    تعال صوب صناعيه الشارجه

    بتحصل كم دينصور في الصناعيه ..

    خخخخخخخ

    تحياتي لك يا مبدع

  2. سبحان الله

    شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

    ^______________^

    شفت كيف

Comments are closed.