ملاحظة: أبطال قصصي حقيقيين

سارة، مريم وسيف

لطفاً اضغط على النشيد قبل أن تبدأ في القراءة

تم منح هذه القصه وسام التميز

.. الاداره ..



9 thoughts on ““لسوف أعود” قصة من تأليفي

  1. – السلام عليكم.
    – “… … … …”.
    – الحمد لله بخير.
    – “… … … …”.
    -لا داعي للشكر هذا واجبي.
    – “… … … …”.
    – لحظة أسجل اسم الطفلة.
    أمسكت بقلم على مكتبي وأخذت ورقة صغيرة ودونت.
    – الطفلة نورة خالد. ما اسم معلمتها؟
    – “… … … …”.
    – المعلمة أسماء. حسناً لن أذهب قبل وصولك اطمئني. ابنتك ستظل معي. لا داعي للقلق.
    ** ** ** **
    قبل أن ينتهي وقت انصراف الأطفال بدقائق ذهبت إلى صف المعلمة أسماء. استفسرت عن الطفلة نورة خالد.
    – نورة. نورة.
    نادت المعلمة عليها. كانت نورة منهمكة في تلوين لوحة حملت وروداً كبيرة. رفعت رأسها. ملامحها جميلة وزيها الوردي زادها براءة. شعرها القصير يحمل أشرطةً ملونةً مرتبةً بعناية.
    – ملامحها ليست غريبة علي.
    – طبيعي ألاّ تكون غريبة لأنها تحضر كل يوم إلى الروضة.
    هكذا ردت المعلمة أسماء.

    ** ** ** **
    ذهب الجميع ولم يبقَ سواي ومعي الطفلة نورة إلى جانب عاملات النظافة. تأخرت والدتها قليلاً، وما هي إلا لحظات حتى سمعت صوت محرّك السيارة. من النافذة شاهدت سيدة بعباءتها السوداء تنزل منها. دخلت الروضة. ركضت نورة نحو والدتها. حضنتها. رفعت النقاب عن وجهها وطبعت الأم قبلةً على جبينها.

    إليكِ أعود يا أمي غداً أرتاحُ من سفري

    ويبدأ عهدي الثاني ويزهو الغصنُ بالزهر
    رحبت بها، ومدّت يدها لتسلم عليّ. كان صوتها مألوفاً. دققت في قسمات وجهها.
    – معلمتي ألم تعرفيني؟!
    – سارة. هل أنتِ سارة؟!!
    سلمت عليها بحرارة مرة أخرى. جلست معي قليلاً تحدثني أخبارها. لقد تزوجت من قريب لها تحت إصرار جدها، ونورة ابنتها البكر. أخبرتني أيضاً أنها منذ أسبوع تمكنت من الحصول على رخصة القيادة، وبالأمس ألحت ابنتها عليها أن تأتي لتأخذها في سيارتها الجديدة.
    – هل أنتِ سعيدة يا سارة؟
    – ما الداعي لهذا السؤال؟
    – أرغب في الاطمئنان عليكِ.
    – الحمد لله رب العالمين. إن نورة نعمة كبيرة رزقني إيّاها الخالق. لقد فرحت بها كثيراً.
    – هل أنتِ من اختار اسمها؟
    – نعم سميتها نورة على أمي.
    – رحمها الله.
    – كانت طيبة وحريصة على مصلحتي.
    ودعت سارة وتبادلت معها أرقام هواتفنا النقالة. قبل أن تصعد إلى السيارة طلبت منها أن تنتبه إلى نفسها أثناء القيادة. انطلقت السيارة وأنا أتذكر الأم التي خرجت بلا رجعة، والابنة التي ظلت وحيدة إلاّ من ذكريات وكلمات تردّدها دائما في إذاعة المدرسة كلّما سنحت لها الفرصة.
    ** ** ** **
  2. في اليوم التالي وبعد انتهاء الطابور سمعت صوت بكاء ينطلق من إحدى الغرف. لابد أنه أحد الأطفال. لم أهتم ودخلت غرفتي. جلست أمام الحاسوب لأطبع جدول المعلمات الغائبات. نظرت إلى الورقة، وقلت في نفسي: “غريبة! منال غائبة اليوم. يجب علي أن أوزع تلاميذها على بقية الفصول”.
    ** ** ** **
    بعد أن انتهيت من توزيع الأطفال جلست أقرأ الجريدة، وفوجئت بإحدى المعلمات تقول إن أحد أطفال المعلمة منال يرفض الدخول إلى الفصل، ويبكي بشدة فخرجت معها. حين اقتربنا من الفصل وجدت طفلاً يحضن العمود ويبكي. اقتربت منه. لقد كان سيف! لابد أنه افتقد معلمته منال. حاولت أن أهدئه لكن جميع محاولاتي باءت بالفشل. جلبتُ له المرطبات والحلوى ثم الألعاب بلا فائدة!! فجأة تذكرت تعلقه الشديد بمعلمته. ليتها موجودة. قلت له: هل تريد الذهاب إلى معلمتك منال يا سيف؟
    هزّ رأسه يالإيجاب وهو يبكي، فأكملت ما بدأت: هيّا بنا نحدثها بواسطة هاتفي، ونطلب منها المجيء.


    أمسكته بيده، فسحبها. عدت إلى أسئلتي: ما رأيك أن تنتظرها في غرفتي؟!
    كانت عيونه حمراء من شدة البكاء. مسح دموعه. ابتعدت عنه قليلاً وتوجهت ببطء ناحية غرفة مكتبي.تبعني وحين وصل رفض الدخول!

    ودادكِ لا يشاطرني به أحد من البشر

    فأنتِ النبض في قلبي وأنتِ النور في بصري

    وأنتِ اللحن في شفتي بوجهكِ ينجلي كدري

    اتصلت بمعلمته منال لكن هاتفها مغلق. هنا قررت أن أتصل بولي أمره. جلبت ملف سيف. “ها هو الرقم”. هاتفت والد سيف. يبدو من حديثه أنه مشغول. أعطاني رقم هاتف أم سيف وأنهى المكالمة بسرعة، واتصلت بها. إنّها أشد انشغالاً من زوجها!! أعطتني رقم والدتها المسؤولة عن تربية سيف!!
    ** ** ** **
    كانت صوت الجدة ودوداً وهادئاً. طلبت منها أن تأتي لتأخذ سيف نظراً لبكائه الشديد. اعتذرت بلطف فلا يوجد لديها أحد يوصلها. تجاذبت معها أطراف الحديث، وعرفت منها أن والدي سيف مشغولان دائماً وكلٌّ منهما في عمله، وأحياناً لا يلتقي بهما إلاّ قبل موعد نومه!! وفي عطلة نهاية الأسبوع يخرجان معاً للاستجمام ويتركانه عندها!!
    – وماذا عن عدم تمكنه من الكلام؟ ألم يعرضاه على طبيب؟!
    – تحت إلحاحي أخذه والده ذات يوم إلى الطبيب. أخبره أنه سليم والمسألة مسألة وقت ليس إلاّ وسيتمكن بعدها من الحديث.
    ** ** ** **
    سيف!! لقد اختفى سيف عن ناظري. أنهيت المكالمة وخرجت أبحث عنه. ناديت عليه. التفت حولي لم أجده! بحثت عنه في ساحة الألعاب. في الفصل. فتشت بقية الفصول وغرف النشاط. بحثت طويلاً وأخيراً وجدته نائماً في غرفة المدرسات، وتحت مكتب منال!!!
    ** ** ** **
    مرّ اليوم بطيئاً. بعد أن صحا سيف تركته يلعب ويتجول في الروضة كيفما شاء حتى جاءتني العاملة لتخبرني عن ورود اتصال لي من إحدى الأمهات.

    ** ** ** **
  3. وقت الاستراحة اعتدت الخروج من مكتبي لأراقب الأطفال. ها هو طفل يبكي، وهناك طفلة اتسخت يدها وملابسها بالحلوى، وغيرهم يتشاجر عند الأرجوحة. مرّت أمامي المعلمة منال وطفل صغير متعلق بطرف عباءتها ويسير خلفها.
    لماذا لا تدعينه يلعب مع بقية الأطفال؟!
    لا يرغب سيف في ذلك.
    حاولت الحديث معه لكنه اختبأ وراء معلمته. حدّثته بلطف فنظر إلي نظرات لا معنى لها. ولم يُجِب!
    – لابد أنه خجل منّي.
    – لا يا أستاذة إن سيف لم يتمكّن حتى اليوم من الكلام!
    – هل هو أبكم؟! “سألتها متعجبة”.
    – لا أظن لأنه يسمعنا جيداً، ويفهم عليّ إن طلبت منه شيء!
    – هل حاولتي التواصل مع الاختصاصية الاجتماعية لبحث حالته؟
    – أنسيتي يا أستاذة أن روضتنا بدون اختصاصية اجتماعية؟!!

    ** ** ** **

    قبل انتهاء الدوام جلست مع معلمة التربية الرياضية أسألها عن الطفل سيف.
    – سيف صاحب الأذنين الكبيرتين؟!
    قلت منزعجة: لا يجوز أن تتحدثي عنه بهذه الطريقة.
    – أكاد أجزم أنه مجنون!!!
    – إنه طفل!!
    – تخيّلي… ماذا يفعل في حصصي؟! يحبو على الأرض ويقلد صوت الكلب، وينطلق خلف الأطفال! وحين يريد الخروج من الصف يفتح النافذة ويقفز منها!!
    – هذا الطفل بحاجة إلى مزيد من الاهتمام.
    – بل يستحق خيزرانة تلسعه قليلاً ليكف عن شقاوته المزعجة.

    ** ** ** **

  4. من بعيد كنت أتابع أخبار سارة التي لم تتمكن من إكمال دراستها. تزوجت قبل تقديمها لامتحان الثانوية العامة بأسبوع. انقطعت أخبارها بعد ترقيتي إلى وظيفة وكيلة، وانتقالي للعمل إلى إحدى رياض الأطفال.
    ** ** ** **
    خمس سنوات عشتها بين أطفال الروضة. خلالها عُرِض عليّ منصب مديرة على مدارس عديدة لكني رفضت. لا أتوقع أن أجد مكاناً أجمل من روضة الأطفال التي أعمل فيها.
    ** ** ** **

Comments are closed.