ما هو مصير العوائد الناجمة عن الاكتتابات الأولية؟

د. حسين غنايم

شهدت الساحة الاقتصادية في الإمارات في الآونة الأخيرة نزعة منقطعة النظير نحو تأسيس الشركات المساهمة العامة أو زيادة رؤوس أموال الشركات القائمة أو تحويل الشركات متخذة شكلاً معيناً الى شركات مساهمة عامة. وتجلى ذلك في ضخامة المبالغ المكتتب بها حيث بلغت مئات الملايين من الدراهم في بعض الأحيان ومئات المليارات أحياناً أخرى، الأمر الذي أدى الى تحقيق فوائد “عوائد” على هذه المبالغ وصلت الى مئات الملايين من الدراهم في بعض الحالات وتجاوزت المليار في حالات أخرى، وكان ذلك نتيجة التزاحم البالغ في حجم الاكتتاب والحرص غير المعقول على بقاء الأموال المكتتب بها مودعة في البنوك بحجة أن عمليات التخصيص تحتاج وقتاً طويلاً إزاء الأعداد الهائلة للمكتتبين، في حين ان الواقع الحالي في بلد مثل السعودية وهي بلد يتجاوز الإمارات مساحة وسكاناً، يفرض وجوب إعادة المبالغ الفائضة عن الاكتتاب في فترة زمنية لا تتجاوز خمسة أيام من انتهاء عملية الاكتتاب.

وكان المفروض أن يوضع حد لهذه المشكلة وصولاً للتخفيف من آثارها السلبية البالغة خصوصاً على سحب السيولة من السوق وذلك عن طريق انتهاج سبيلين:

1 وضع سقف أعلى لعدد الأسهم المسموح بها لاكتتاب كل مكتتب مما يحد من السيولة المسحوبة من السوق، إلا أننا لم نشهد شيئاً منذ ذلك بل شهدنا في احد الاكتتابات ان أحد المكتتبين أقدم على الاكتتاب لنفسه بما يجاوز أضعاف الأسهم المطروحة للاكتتاب العام.

2 وضع حد للكرم البالغ الذي أظهرته البنوك في منح التسهيلات للمكتتبين هذا الكرم الذي تفتق أخيراً عن مشكلة أخرى تمثلت في اضطرار كثير من المكتتبين لبيع أسهمهم بأي ثمن للوفاء بالمبالغ المستحقة لهذه البنوك. ولكن الملاحظ هو ترك الحبل على الغارب مما أدى للتأثير البالغ في الأسواق المالية وهو أمر يحتاج الى دراسة خاصة نرجئ تناولها الآن، ونكرس بحثنا عن هنا مصير العوائد “الفوائد” المتحصلة من المبالغ المكتتب بها في الشركات المساهمة العامة خصوصاً انه يتم إغفال التعرض الى هذه المسألة لدى اجتماع أول جمعية عمومية تأسيسية أو لدى اجتماع الجمعية العمومية للشركة بعد انتهاء عملية الاكتتاب في زيادة رأس المال أو في تحول شركة قائمة الى شركة مساهمة عامة، فمن هو صاحب الحق في هذه العوائد؟ هل هم المؤسسون؟ أم الشركة قيد التأسيس؟ أم الشركة التي تم تحويلها الى شركة مساهمة عامة؟ ومما يحدونا الى هذا التساؤل هو الحجم الهائل لهذه الحصيلة حيث بلغت مئات الملايين من الدراهم أحياناً بل تجاوزت المليار أحياناً أخرى.

ولئن لم يشهد الواقع العملي من يدعي نظريا باستحقاق المؤسسين لهذه العوائد إلا أننا مع ذلك لا نعرف من ناحية عملية فيما اذا قيدت هذه العوائد في حساب الشركة قيد التأسيس أم لا، في حين كان المفروض ان يشير مدقق الحسابات في أول اجتماع للشركة الى مصير هذه المبالغ، ولكن الغريب ان تنبري مجموعة من القائلين لإبداء آراء بالغة الخطورة في هذا الشأن مقتضاها ان الحق في هذه العوائد “الفوائد” إنما هو معقود للشركاء في الشركة التي تحولت الى شركة مساهمة عامة وذلك انطلاقاً مما يلي:

1 إن الشركة قيد التأسيس لا تستحق شيئاً من هذه العوائد “الفوائد” نظراً لأنها لا تملك شخصية قانونية كاملة، الأمر الذي يحول بينها وبين اكتساب أي حق، خصوصاً أن هذه العوائد “الفوائد” قد استحقت قبل اكتساب الشركة قيد التأسيس للشخصية القانونية الكاملة، في حين تملك الشركة المتحولة شخصية قانونية كاملة تخولها مثل هذا الاكتساب.

2 إن الشركة المتحولة هي المسؤولة عن عمليات التأسيس وهي التي أبرمت عقوداً مع بنوك الاكتتاب وهي المسؤولة عن إعادة المبالغ التي دفعها المكتتبون فيما لو لم يتم تأسيس الشركة المكتتب في أسهمها، الأمر الذي يخول الشركة المتحولة وحدها الحصول على هذه العوائد “الفوائد” تطبيقاً لقاعدة “الغرم بالغنم”.

ولنا على هذه الأقوال الملاحظات التالية:

1 إن القول: ان الشركة قيد التأسيس لا تملك شخصية قانونية كاملة مما يحول بينها وبين اكتساب أي حق، قول تعوزه الدقة، حيث اننا هنا إزاء أهلية وجوب ولسنا إزاء أهلية أداء، مما يعني ان الشركة قيد التأسيس يمكنها اكتساب حقوق ولكن لا يمكنها مباشرة تصرفات قانونية تخرج عن اطار اجراءات التأسيس طالما لم تكتمل شخصيتها القانونية، فاكتساب الحقوق لا يحتاج الى توافر الأهلية الكاملة لمباشرة التصرفات، إذ إن الطفل في بطن أمه يمكنه هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإن المادة (72) من القانون الاتحادي رقم (8) لسنة 1984 في شأن الشركات التجارية تقرر بأن “تكون للشركة شخصيتها الاعتبارية خلال فترة التأسيس بالقدر اللازم لتأسيسها”، مما يعني قدرة الشركة على اكتساب الحقوق والتحمل بالالتزامات طالما كانت هذه الحقوق والالتزامات ذات صلة بأعمال التأسيس.

وهنا يثور التساؤل: ألم يتم إيداع المبالغ التي دفعها المكتتبون في إطار أعمال التأسيس؟ وهل أودعت هذه المبالغ باسم الشركة المتحولة أم أودعت باسم ولحساب الشركة قيد التأسيس؟ وهل العوائد “الفوائد” المتحصلة إلا نتيجة للمبالغ التي أودعها المساهمون الجدد؟ أم هي متحصلة من نشاط باشرته الشركة المتحولة؟ أسئلة تقطع الاجابات عنها بأن هذه الأموال تعتبر حقاً خالصاً للشركة قيد التأسيس، وأن هذه الشركة تمتلك شخصية قانونية تخولها اكتساب هذه الأموال.

2 إن القول ان الشركة المتحولة هي المسؤولة عن عمليات التأسيس وهي المسؤولة عن إعادة المبالغ التي دفعها المكتتبون فيما لو لم يتم تأسيس الشركة، قول بعيد عن الواقع تماماً فإن المسؤول عن أعمال التأسيس هو الشركة قيد التأسيس، فقد نصت المادة (72) سالفة الذكر على ما يلي “وتلتزم الشركة بتصرفات المؤسسين في تلك الفترة بشرط تمام تأسيسها وفقاً للقانون”.

وبمعنى آخر، فإن المؤسسين في الشركة المساهمة العامة، التي تم التحول اليها يقومون بتصرفات ذات صلة بأعمال التأسيس، وهم جماعة مختلفة عن الشركة المتحولة، لا تعمل باسم هذه الشركة الأخيرة ولا لحسابها وإنما تعمل باسم ولحساب الشركة قيد التأسيس وهم الذين يتعاقدون مع بنوك الاكتتاب وتبرم عقودهم باسم الشركة قيد التأسيس لا باسم الشركة المتحولة، وتلتزم الشركة قيد التأسيس، بكافة تصرفاتهم، ولا التزام على الشركة المتحولة بشيء من ذلك.

والغريب في الأمر ان يقلب القائلون بهذا الرأي، الأمور رأساً على عقب فيبررون اكتساب الشركة المتحولة للعوائد “الفوائد” المتحصلة، استناداً لقاعدة “الغرم بالغنم”، وذلك من منطلق ان الشركة المتحولة هي المسؤولة عن أعمال التأسيس وهو ادعاء بعيد جدا عن أرض الواقع كما أسلفنا، ويسكتون في الوقت نفسه، عن واقع عملي مشهود يتمثل في تحميل الشركة قيد التأسيس كافة مصروفات التأسيس وهو “غرم” لا يقابله أي “غنم” في نظرهم.

إن هذه المسألة على قدر كبير من الخطورة والسكوت عليها يغري القائمين على تأسيس الشركات أو على زيادة رؤوس أموالها أو على تحويلها الى شركات مساهمة عامة بجني مئات الملايين على حساب المساهمين الجدد، فلا بد من التحري عن مصير العوائد “الفوائد” المتحصلة من المبالغ المكتتب بها والتحقق مما إذا تم قيدها لحساب الشركات قيد التأسيس أم لا وذلك عن طريق إجراء مسح لهذه الشركات ومراجعة حساباتها شركة شركة، ولا بد من التصدي لتحجيم هذه المبالغ المتحصلة، وذلك عن طريق إلزام المؤسسين بإعادة فائض الأموال الزائدة عن عمليات التخصيص في أقصر مدة ممكنة بعد انتهاء عملية الاكتتاب وعن طريق الحد من الكرم الحاتمي لتسهيلات البنوك ووضع حد أقصى لعدد الأسهم التي يُمكن لأي مكتتب ان يكتتب بها

من جريدة الخليج الاقتصادي

4 thoughts on “ما هو مصير العوائد الناجمة عن الاكتتابات الأولية؟

  1. يا دكتور حسين …هذا كلام كبير، فلماذا لم تمنع وقوعه وانت الرجل الجالس في المقعد الكبير….انت صانع السياسات والقوانين…..أو أنه ينطبق على كلامك القول الشهير (كلام حق يراد به باطل ..!!)
    والله بنواياك أعلم

    والله يا خوي انني اصبحت اكثر تشاؤم في السوق المالي … إذا استمر الاعتماد

    على هذه النوعيه من الخبراء والمسؤؤلين … صدقني لن يعود السوق إلا وضعه الطبيعي

    إلأ اذا تمت اعا دت النظر .. في الهيكل الاداري للسوق المالي ولهيئة الاوراق الماليه ..

    وإلأ فان القادم اسواء للاسف …

  2. يا دكتور حسين …هذا كلام كبير، فلماذا لم تمنع وقوعه وانت الرجل الجالس في المقعد الكبير….انت صانع السياسات والقوانين…..أو أنه ينطبق على كلامك القول الشهير (كلام حق يراد به باطل ..!!)
    والله بنواياك أعلم

  3. الشي الغريب ,,,والعجيب….

    إن كاتب المقال … الاستاذ/ الدكتور .. حسين غنايم ..

    هوا المستشار القانوني .. لوزارة الاقتصاد في دولة الامارات ولسنوات طويله ..

    واعتقد إنه لازال يشغل حالياً مستشار قانوني لهيئة الاوراق الماليه ..

    واذا كان سعادة المستشار القانوني .. يطرح مثل هذه التساؤلات ولايعرف اجابتها…!!

    فماذا كان يعمل طوال هذه الفتره في وزارة الاقتصاد .. وماذا يعمل في الهيئه ..؟؟

    لا حولا ولاقوة الا بالله …

Comments are closed.