ما وراء الدعوة إلى حوار الأديان
حامد بن عبدالله العلي
لو قيل لهؤلاء الداعين ، أو المدَّعيـن ، لمّا يسمى حوار الأديـان : تعانوا نفتح حـوارا بينكم وبين شعوبكـم ، إذ هذه الشعـوب المسحوقة تعاني من شتّى أصنـاف الظلم ، والقهر ، والفقر ، وتُعامـل كقطعـان الغنـم ، فلا يُؤخذ رأيها حتى في قضاياها المصـيريّة ، إلاّ في شكليات مثيرة للسخرية تُسمّى مجالس الشورى ، أو الشعب ، أو الأمّة ..إلخ
ويُعبث بثرواتـها ، بل بكرامتـها ، ولا يُسمـح لأحـد أن يتدخـل في مساءلة السلطة ، ولا يتجرأ أن ينتقدها ، كأنَّ القائمين عليها ملائكة نزلوا من السماء ! ولا يجرؤ مفكـّر أن يطالب بحقوق المسحوقيـن ، أو إصلاح النظام السياسي ، أو الأمني أو القضائي ـ وقد امتلأت السجون ببسبب فساد النظـام بالمظلومين حتى خيار الناس ، من علماء ، ومجاهدين ـ ولا يُقـبل إخضاع السلطة لنظام يجعلها محاسبة أمام شعبها في مؤسسات قوتها مستمدة من نظام الدولة ، أو مساءلة القائمين على الحكم عما يفعلوه من نهب ، وسلب ، وظلم ، وكنز أموال يحسدهم عليها قارون ..إلـخ
فستكون المطالبة بهذا الحوار ، من أعظم الإجرام في الأرض ، لايُقبل من المطالب به صرف ، ولاعـدل !
فليت شعري ، ما معنى أن يُمنع الحــوار عن هذه القضايا المصيرية داخل بلادنا ، ويحُظـر طـرح هذه القضايا للنقاش لإنقاذ شعوبنا من بؤسـها ، ويأسها ، ويُجعـل هذا كلُّه حرماً حراماً، وحجراً محجوراَ ،
بينما فجأة يصحو الضمير لتخليص الإنسانية ، خارج أوطننا ، بحوار مع الأديان الأخرى !
ثـمّ تنطلق في حالة من التجلّي الإنساني المفاجىء ، تلك الدعوة إلى حوار الأديان!
لاسيما هنـا جزيرة العرب ، والنفـط !!
فوالله ما تذكرنـا هذه الصحوة إلاّ بصحوة ضميـر البابا بعد ألف عام !!
حينـما اصدر الباب السابق ، وثيقة تبرئة اليهود من ” دم المسيح ” ، متجاهلا النص الإنجيلي ، الذي أعلن فيه اليهود منذ حوالي ألفي عام أن دم المسيح ” دمه علينا وعلى أولادنا ” ( متى 27-25)
كما تذكرنـا بصحوة الكنيسة الكاثوليكية عندما عاقبت ـ ولم تقبل حوارا هنا ـ المطران كابة تشي الفلسطيني و” جمدت ” نشاطه الكنسي ، والوطني ، نتيجة لطلب “اسرائيل” ، بعد اتهامه بالتعاون مع المقاومة الفلسطينية !
والعجيب من تناقضات هذه القضية أمران :
أحدهـما : أنَّ الداعين يزعمون الحاجة إلى هذا الحوار لتخفيف وطأت الحروب ، بينما المتحاورون من هؤلاء البابوات ، يزعمون أنهم لايُسمح لهم ـ وفق النظام العلماني ـ بالتدخل بالسياسة ! ثـمَّ هذه الحروب التي طــمَّ الغـرب علينا دمارها ـ نحن المسلمين ، كلُّها أصـلا من سياسة الغرب ،
فلعمري .. ما فائدة حوارنا مع هؤلاء البابوات إذن ؟!
والأعجب من هذا ، أنَّ هذه الجيوش الغربية عندما تحتل بلادنا ، تأتي حملات التنصيـر مع الغزاة ، فهؤلاء يقتلون ، وهؤلاء يشربون من دماءنـا ، ثم يقولون لنـا إنه ” حوار الأديان” !!
والأمر الثاني : أنَّ أمريكا ، والكيان الصهيوني ـ وهما الراعيان الخبيثان لهذه الدعوة المشبوهـة ـ نراهما يقاطعان أيَّ مؤتمر يُخشى فيه التطرق لعنصرية اليهود ، وإجرامهم ، كما أعلن مؤخـرا عن مقاطعة أمريكا والصهاينة ، مؤتمر ديربان في جنوب أفريقيا أول عام 2009م !
فهنـا لايقبلان الحوار ، كما لايقبل الصهاينة بحوار عن خرافة الهولوكست !!
بينما نطالب نحن بفتح بلادنا ، لمؤتمرات ظاهرها حوار ثقافي ، وحقيقتها قبول إهانة مذلِّـة من جهات دينيـّة تشتمنا ، وتمعن في تشويه ديننا ، وتحتل دولهُــا ، بلادَنـا ، وتقتل أبناءنا ، وتنهب ثرواتنا ، بتحريض ، ودعم لامحدود ، من الذين يحضرون تلك المؤتمرات المشبوهـة ، من قساوسة ، وحاخامات ، أو من بعضهـم !!
هذا .. وإنَّ أمــر هذه المؤتمرات لـم يعد يخفـى على أحـد ، فهـو كما قال أحد المفكرين : ” تخفي وراء مظاهر التسامح ، و الرحابة الفكرية البرّاقة ، دعوة عنصرية لفرض ثقافات ، و قيم ، و توجهات الغرب ، على الثقافات الأخرى ، و بالذات على الإسلام بوصفه دينا ، و عقيدة ، و ثقافة ..فإن دعوة التعددية تسوي بين جميع الأطراف الداخلة فيها فلا يصبح هناك حق أو باطل , أو جيد أو رديء..بل الكل سواء طالما أنه دخل في سياق التعددية…و المحصلة النهائية مرة أخرى هي علمنة الإسلام أي نزع القداسة و المنزلة الإلهية عنه…”… مجلــة البيان الأعــداد 100 و 134
فهي دعوات هدفها التمهيد لهذا كلِّه ، ولفتح الطريـق أمـام مشاريع التنصيـر ، الذي يمـرّ عـبر ما يسـمّى التوفيق بين الأديان ، أو الدعوة إلى وحـدة الأديان ،
وهذه الدعوة هي أخـطر ما يراد من شعار حوار الأديان .
وهـي دعوة تنشط وراءها الحركة الصهيونية ، وما يدور في فلكها من الدوائر الماسونية .
وهي دعوة شيطانية يقصد بها : وضـع معان جديدة مناقضة لمعاني القرآن : للكفر ، والإلحاد ، والشرك ، والإيمان ، والإسلام ، والاعتدال ..إلخ وذلك بحجة منع هذه الأسماء الشرعية ، والأحكام المرعية ، من التفريق بين أصحاب الديانات ! ولئلا يوصف اليهود ، والنصارى ، بما وصفهم الله به في القرآن ، بل ليوصفوا بالإيمـان فيؤدي ذلك إلى إزالة العداوة ، فنسخ الجهاد !
كما يقصد بها إيجاد معاني واحـدة بين الأديان ، للسلام ، وحقوق الإنسان ، والمرأة ، والديمقراطية والتعددية ، والحرية ، والسلام العالمي ..إلـخ ، تناقض أحكام القرآن ، وتخالف ما فيه من البيان .
يقول الدكتور المصلح محمد محمد حسين رحمه الله : ‘أما التوفيق بين الأديان -بين المسيحية والإسلام على وجه الخصوص – فقد بدأ في العصر الحديث ، باتفاق قسيس إنجليزي اسمه (إسحاق تيلور ) مع الشيخ محمد عبده ،وبعض صحبه في أثناء نفيه بدمشق 1883م على التوحيد بين الدِّينيْن.
ثم ظهرت الدعوة من جديد في السنوات الأخيرة ، حين قام جماعة من المعروفين بميولهم الصهيونية ، بعقد مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانية في بيروت 1953م، ثم في الإسكندرية 1954م، وقد كثرت الأقاويل في أهداف هذه الجماعة, وفي مصادر تمويلها, وأصدر الحاج أمين الحسيني بياناً أثبت فيه صلة القائمين على هذه الدعوة بالصهيونية العالمية’الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصـر: 2/319-320.
ولاريب ،، لن نجـد ، مهما وصفنا حقيقة مؤتمرات حوار الأديان المشبوهة ، أبلــغ مما ذكره الدكتور محمد عماره الذي خَبـَر حقيقتها ، بعدما انخـدع بها برهة من الزمـن ، حتـى تبين له بعد ذلك ، كم فيهـا من سموم تختفي وراء شعاراتها الخدّاعة.
قال الدكتور محمد عمارة في مقدمة مؤلفـه : ” مأزق المسيحيـة والعلمانية فـي أوربا ” ( ص 5-14) : ( مع كلذلك، فتجربتي مع الحوارات الدينية –وخاصة مع ممثلي النصرانية الغربية- تجربة سلبية،لا تبعث على رجاء آمال تُذكر من وراء هذه الحوارات التي تُقام لها الكثير من اللجانوالمؤسسات، وتُعقد لها الكثير من المؤتمرات والندوات واللقاءات ، ويُنفق عليهاالكثير من الأموال.
وذلك أن كل هذه الحوارات التي دارت وتدور بين علماءالإسلام ومفكريه وبين ممثلي كنائس النصرانية الغربية، قد افتقدت ولا تزال مفتقدةلأول وأبسط وأهم شرط من شروط أي حوار من الحوارات ؛ وهو شرط الاعتراف المتبادلوالقبول المشترك بين أطراف الحوار، فالحوار إنما يدور بين “الذات” وبين “الآخر”؛ومن ثم بين “الآخر” وبين “الذات”، ففيه إرسال وفيه استقبال، على أمل التفاعل بينالطرفين، فإذا دار الحوار –كما هو حاله الآن- بين طرف يعترف بالآخر، وآخر لا يعترفبمن “يحاوره”، كان حواراً مع “الذات”، وليس مع “الآخر”، ووقف عند “الإرسال” دون”الاستقبال”، ومن ثم يكون شبيهاً –في النتائج- بحوار الطرشان..!!
موقفالآخرين من الإسلام ، والمسلمين ، هو موقف الإنكار، وعدم الاعتراف ، أو القبول، فلاالإسلام في عرفهم دين سماوي، ولا رسوله صادق في رسالته، ولا كتابه وحي من السماء،حتى لتصل المفارقة في عالم الإسلام إلى حيث تعترف الأكثرية المسلمة بالأقليات غيرالمسلمة، على حين لا تعترف الأقليات بالأغلبية!
فكيف يكون ، وكيف يثمر حوارديني بين طرفين ، أحدهما يعترف بالآخر، ويقبل به طرفاً في إطار الدين السماوي، بينماالطرف الآخر يصنفنا كمجرد “واقع”، وليس كدين، بالمعنى السماوي لمصطلح الدين؟!
ذلك هو الشرط الأول ، والضروري المفقود، وذلك هو السر في عقم كل الحواراتالدينية التي تمت وتتم رغم ما بُذل ويُبذل فيها من جهود، وأنفق ويُنفق عليها منأموال، ورُصد ويُرصد لها من إمكانات!
أما السبب الثاني لعزوفي عن المشاركةفي الحوارات الدينية –التي أُدعى إليها- فهو معرفتي بالمقاصد الحقيقية للآخرين منوراء الحوار الديني مع المسلمين، فهم يريدون التعرّف على الإسلام، وهذا حقهم إن لميكن واجبهم، لكن لا ليتعايشوا معه وفقاً لسنة التعددية في الملل والشرائع، وإنماليحذفوه ويطووا صفحته بتنصير المسلمين!
وهم لا يريدون الحوار مع المسلمين، بحثاً عن القواسم المشتركة حول القضايا الحياتية التي يمكن الاتفاق على حلولإيمانية لمشكلاتها، وإنما ليكرسوا –أو على الأقل يصمتوا- عن المظالم التي يكتويالمسلمون بنارها، والتي صنعتها وتصنعها الدوائر الاستعمارية التي كثيراً ما استخدمتهذا الآخر الديني في فرض هذه المظالم وتكريسها في عالم الإسلام.
فحرمانكثير من الشعوب الإسلامية من حقها الفطري ، والطبيعي في تقرير المصير واغتصاب الأرض،والسيادة في القدس ، وفلسطين ، والبوسنة والهرسك ، وكوسوفا والسنجق ، وكشمير ، والفلبين..إلخ .. إلخ .. كلها أمور مسكوت عنها في مؤتمرات الحوار الديني.
بل إن وثائقمؤتمرات التدبير لتنصير المسلمين التي تتسابق في ميادينها كلّ الكنائس الغربية،تعترف –هذه الوثائق- بأنَّ الحوار الديني –بالنسبة لهم- لا يعني التخلي عن “الجهودالقسرية ، والواعية ، والمتعمدة ، والتكتيكية لجذب الناس من مجتمع ديني ما إلى آخر” بلربما كان الحوار مرحلة من مراحل التنصير!
وإذا كانت النصرانية الغربيةتتوزعها كنيستان كبريان، الكاثوليكية، والبروتستانتية الإنجيلية، فإن فاتيكانالكاثوليكية –الذي أقام مؤسسات للحوار مع المسلمين، ودعا إلى كثير من مؤتمرات هذاالحوار- هو الذي رفع شعار: “إفريقيا نصرانية سنة 2000م”، فلما أزف الموعد، ولميتحقق الوعد، مد أجل هذا الطمع إلى 2025م!!
وهو الذي عقد مع الكيانالصهيوني المغتصب للقدس وفلسطين معاهدة في 30-12-1993م تحدثت عن العلاقة الفريدةبين الكاثوليكية وبين الشعب اليهودي، واعترفت بالأمر الواقع للاغتصاب، وأخذتكنائسها في القدس المحتلة تسجل نفسها وفقاً للقانون الإسرائيلي الذي ضم المدينة إلىإسرائيل سنة 1967م!!
بل لقد ألزمت هذه المعاهدة كل الكنائس الكاثوليكية بماجاء فيها، أي أنها دعت وتدعو كل الملتزمين بسلطة الفاتيكان الدينية –حتى ولو كانوامواطنين في وطن العروبة وعالم الإسلام- إلى خيانة قضاياهم الوطنية والقومية!
وباسم هذه الكاثوليكية أعلن بابا الفاتيكان أن القدس هي الوطن الروحيلليهودية، وشعار الدولة اليهودية، بل وطلب الغفران من اليهود، وذلك بعد أن ظلتكنيسته قروناً متطاولة تبيع صكوك الغفران !
أما الكنيسة البروتستانتيةالإنجيلية الغربية، فإنها هي التي فكرت ودبرت وقررت في وثائق مؤتمر كولورادو سنة 1978م:
“إن الإسلام هو الدين الوحيد ، الذي تناقض مصادره الأصلية أسسالنصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسقة اجتماعياً ،وسياسياً، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مخططة تخطيطاً يفوق قدرة البشر، ونحنبحاجة إلى مئات المراكز تؤسس حول العالم بواسطة النصارى، للتركيز على الإسلام ليسفقط لخلق فهم أفضل للإسلام وللتعامل النصراني مع الإسلام، وإنما لتوصيل ذلك الفهمإلى المنصِّرين من أجل اختراق الإسلام في صدق ودها!!”
ولقد سلك هذا المخطط ـ في سبيل تحقيق الاختراق للإسلام، وتنصير المسلمين ـ كل السبل اللا أخلاقية- التي لاتليق بأهل أي دين من الأديان- فتحدثت مقررات هذا المؤتمر عن العمل على اجتذابالكنائس الشرقية الوطنية إلى خيانة شعوبها، والضلوع في مخطط اختراق الإسلاموالثقافة الإسلامية للشعوب التي هي جزء وطني أصيل فيها، فقالت وثائق هذه المقررات:
“لقد وطّدنا العزم على العمل بالاعتماد المتبادل مع كل النصارى ، والكنائسالموجودة في العالم الإسلامي، إنّ النصارى البروتستانت في الشرق الأوسط ، وإفريقياوآسيا، منهمكون بصورة عميقة ، ومؤثرة في عملية تنصير المسلمين. ، ويجب أن تخرج الكنائسالقومية من عزلتها، وتقتحم بعزم جديد ثقافات ، ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلىتنصيرهم، وعلى المواطنين النصارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبيةالعمل معاً، بروح تامة من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصيرالمسلمين.”
فهم يريدون تحويل الأقليات الدينية في بلادنا إلى شركاء في هذاالنشاط التنصيري، المعادي لشعوبهم ، وأمتهم!
كذلك قررت “بروتوكولات” هذاالمؤتمر تدريب وتوظيف العمالة المدنية الأجنبية التي تعمل في البلاد الإسلاميةلمحاربة الإسلام وتنصير المسلمين، وفي ذلك قالوا:
“إنه على الرغم من وجودمنصرين بروتستانت من أمريكا الشمالية ، في الخارج أكثر من أي وقت مضى، فإن عددالأمريكيين الفنيين الذين يعيشون فيما وراء البحار يفوق عدد المنصرين بأكثر من 100إلى 1، وهؤلاء يمكنهم أيضاً أن يعملوا مع المنصرين جنباً إلى جنب لتنصير العالمالإسلامي، وخاصة في البلاد التي تمنع حكوماتها التنصير العلني !”
كذلك دعتقرارات مؤتمر كولورادو إلى التركيز على أبناء المسلمين الذين يدرسون أو يعملون فيالبلاد الغربية، مستغلين عزلتهم عن المناخ الإسلامي لتحويلهم إلى “مزارع ومشاتلللنصرانية”، وذلك لإعادة غرسهم وغرس النصرانية في بلادهم عندما يعودون إليها، وعنذلك قالوا:
“يتزايد باطراد عدد المسلمين الذين يسافرون إلى الغرب؛ ولأنهميفتقرون إلى الدعم التقليدي الذي توفره المجتمعات الإسلامية، ويعيشون نمطاً منالحياة مختلفاً –في ظل الثقافة العلمانية والمادية- فإن عقيدة الغالبية العظمى منهمتتعرض للتأثر.
وإذا كانت “تربة” المسلمين في بلادهم هي بالنسبة للتنصير” أرض صلبة، ووعرة” فإن بالإمكان إيجاد مزارع خصبة بين المسلمين المشتتين خارجبلادهم، حيث يتم الزرع والسقي لعمل فعال عندما يعاد زرعهم ثانية في تربة أوطانهمكمنصّريـن!”
بل إنّ بروتوكولات هذا المؤتمر التنصيري لتبلغ قمة اللا أخلاقيةعندما تقرر أن صناعة الكوارث في العالم الإسلامي هي السبيل لإفقاد المسلمين توازنهمالذي يسهل عملية تحولهم عن الإسلام إلى النصرانية! فتقول هذه البروتوكولات:
” لكي يكون هناك تحول إلى النصرانية، فلابد من وجود أزمات ومشاكل وعواملتدفع الناس، أفراداً وجماعات، خارج حالة التوازن التي اعتادوها. وقد تأتي هذهالأمور على شكل عوامل طبيعية، كالفقر والمرض والكوارث والحروب، وقد تكون معنوية،كالتفرقة العنصرية، أو الوضع الاجتماعي المتدني. وفي غياب مثل هذه الأوضاع المهيئة،فلن تكون هناك تحولات كبيرة إلى النصرانية..
إن تقديم العون لذوي الحاجةقد أصبح عملاً مهماً في عملية التنصير! وإن إحدى معجزات عصرنا أن احتياجات كثير منالمجتمعات الإسلامية قد بدلت موقف حكوماتها التي كانت تناهض العمل التنصيري ؛فأصبحت أكثر تقبلا للنصاري !!”
فهم –رغم مسوح رجال الدين- يسعون إلى صنعالكوارث في بلادنا، ليختل توازن المسلمين، وذلك حتى يبيعوا إسلامهم لقاء مأوى أوكسرة خبز أو جرعة دواء! وفيما حدث ويحدث لضحايا المجاعات والحروب الأهلية والتطهيرالعرقي –في البلاد الإسلامية- التطبيق العملي لهذا الذي قررته البروتوكولات، فهليمكن أن يكون هناك حوار حقيقي ومثمر مع هؤلاء؟!
تلك بعض من الأسباب التيجعلتني متحفظاً على دعوات ، ومؤتمرات ، وندوات الحوار بين الإسلام ، والنصرانية الغربية،وهي أسباب دعمتها وأكدتها “تجارب حوارية” مارستها في لقاء تـم في “قبرص” أواخرسبعينيات القرن العشرين، ووجدت يومها أن الكنيسة الأمريكية –التي ترعى هذا الحواروتنفق عليه- قد اتخذت من إحدى القلاع التي بناها الصليبيون إبان حروبهم ضدالمسلمين، “قاعدة” ومقراً لإدارة هذا الحوار ؟!
ومؤتمر آخر للحوار حضرته فيعمّان –بإطار المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية- مع الكنيسة الكاثوليكية فيالثمانينيات وفيه حاولنا –عبثاً- انتزاع كلمة منهم تناصر قضايانا العادلة في القدسوفلسطين، فذهبت جهودنا أدراج الرياح! على حين كانوا يدعوننا إلى “علمنة” العالمالإسلامي لطي صفحة الإسلام كمنهاج للحياة الدنيا، تمهيداً لطي صفحته –بالتنصير- كمنهاج للحياة الآخرة!
ومنذ ذلك التاريخ عزمت على الإعراض عن حضور “مسارح”هذا “الحوار”! . انتهى ما قالـه الدكتور عمارة .
وبعد هذا كله ، تبين أن الدعوة إلى حوار الأديان ، لو كان الدافع لها نية صالحة ، لجعـلت في إطار دعوتهم إلى الهدى ، وجدالهم بالتي هي أحسن ، لإدخالهم في الإسلام ، فإنَّ هذا هو الحوار الذي دعا إلى القرآن ، وفعله نبينا صلى الله عليه وسلم .
أما أن يُرفع شعارا ، تحت وطأة الضغط السياسي الغربي ، وعلى بلادنا جيوش إحتلالـه ، ليغطي تحتــه مشاريع هدم الإسلام ، وهضم حقوق المسلمين ، وإزالة معالم الدين ، فهذه و الله الطامة الكبرى ، والمصيبة العظمى .
ولاريـب أنَّ من أوجب الواجبات على علماء الإسلام ، فضح هذه المؤامرات ، وكشف هذه المخططات ، والعمل على توعية الأمّـة من خطرها ، واستبدالها بمؤتمرات تحضُّ المسلمين على التمسك بدينهم ، والإعتزاز بهويتهم ، وجهاد عدوهم ، وطرد المحتلين من بلادهم ، ورد هذه الهجمـة الشرسة على مقدسات الإسلام ،
هذه الهجمـة التي دخنهـا من تحت قدمي بابا النصارى الدجّال نفسه ، الذي يدعي الحوار ، وهو لايدع مناسبة إلاّ ويطعن في الإسلام ،
كما تنطلق من حاخامات الصهيونية الذين يفتون بأنَّ الفلسطينيين أفاعي يجب قتلها ، ثم يمدّون أيديهم بالملطّخة بدماءنا ، يطلبون حوارا زائفا ، لـه مقاصد أخبث من خَبَـث ضمائرهم المتعفّنة.
وختاما ننقل هنا كلاما مهما يبين إجماع علماء المسلمين ، على أنَّ من كذب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الشاملة للثقلين ، الناسخة لكل الأديان السابقة ، فهو كافر ودينه باطل ، ومن يشكّ في كفـره فهو مثله ، هــذا مع أنَّ كفرة بني إسرائيل ، قـد كفروا بربهم ، وحرفوا دينهم ، ثم زادوا على ذلك تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم عندما بعثه الله رحمة للعالمين ، فازدادوا كفرا إلى كفرهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” أن الذي يدين به المسلمون ، من أن محمداً صلى الله عليه وسلم بُعث إلى الثقلين : الإنس والجن, أهل الكتاب وغيرهم, وأن من لم يؤمن به فهو كافر ، مستحق لعذاب الله مستحق للجهاد, وهو مما أجمع عليه أهل الإيمان بالله ورسوله، لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بذلك ، وذكره الله في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم أيضا في الحكمة المنزلة عليه ، من غير الكتاب ، فإنه تعالى أنزل عليه الكتاب ، والحكمة ، ولم يبتدع المسلمون شيئاً من ذلك من تلقاء أنفسهم ، كما ابتدعت النصارى كثيراً من دينهم , بل أكثر دينهم , وبدلوا دين المسيح وغيّروه, ولهذا كان كفر النصارى لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم مثل كفر اليهود لما بعث المسيح عليه السلام”
فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء حول الدعوة إلى وحدة الأديان
:” إن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم ، فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام ؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد فترضى بالكفر بالله عز وجل، وتبطل صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان؛ وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا ، محرمة قطعًا ، بجميع أدلة التشريع في الإسلام ، من قرآن ، وسنة ، وإجماع” .. “ومما يجب أن يعلم أن دعوة الكفار بعامة ن وأهل الكتاب بخاصة إلى الإسلام ، واجبة على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة ، ولكن ذلك لا يكون إلاّ بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن ، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام ، وذلك للوصول إلى قناعته بالإسلام ودخولهم فيه ، أو إقامة الحجة عليهم ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ، قال الله تعالى : ((قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ))
أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم ، ونقض عرى الإسلام ،ومعاقد الإيمان ، فهذا باطل يأباه الله ،ورسوله ، والمؤمنون ، والله المستعان على ما يصفون ، قال تعالى : ((واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) .. فتاوى وبيانات مهمة للجنة الدائمة للفتوى بالسعودية ـ دار عالم الفوائد الطبعة الأولى 1421هـ
قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: “قد يُسمع ما بين حين وآخر كلمة “الأديان الثلاثة”، حتى يظن السامع أنه لا فرق بين هذه الأديان الثلاثة؛ كما أنه لا فرق بين المذاهب الأربعة! ولكن هذا خطأ عظيم، إنه لا يمكن أن يحاول التقارب بين اليهود والنصارى والمسلمين إلاّ كمن يحاول أن يجمع بين الماء والنار”. ( خطبة يوم الجمعة، 15/1/1420هـ. نقلاً عن رسالة “دعوة التقريب بين الأديان” 1/32 ) .
والله أعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصيـر .