«إذا كنا غزلاناً وتوقفنا ستأكلنا الأسود وإذا كنا أسوداً وتوقفنا سنموت من الجوع». هذه العبارة وردت في كتاب «رؤيتي» للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وهي تختصر تجربة مدينة دبي المثيرة، فهذه المدينة تذكرك بالعاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس في الخمسينات، في سرعة نموها ومعالمها الجمالية، وتسهيلاتها المتعددة، حتى أصبحت اليوم النموذج الذي يسعى معظم مدن الخليج إلى تقليده، ومن يزور الدوحة، أو أبوظبي، يشعر أن دبي أصبحت هدف الجميع. لكن النهاية التي وصلت إليها بوينس آيرس لا تسر. فأرقام الجريمة والخطف وصلت إلى معدلات مخيفة. والسبب الذي يراه بعض الخبراء أن المدينة الأرجنتينية الجميلة خطط لها عمرانياً باعتبارها وحدة اقتصادية، وعالجت مشاكلها من زاوية التخطيط العمراني البحت، وتجاهلت نمط العلاقات الذي سيفرزه العمران المُصمَت، فأصبحت مدينة بلا قلب، وبدأت تفرز مشاكل تهدد وجودها.
ومن يتأمل تجربة مدينة دبي سيجد أنها بدأت تعاني من مشاكل الولع بالعمران السريع قبل الأوان، مثل انعدام الحياة الاجتماعية الوادعة، وازدحام الثقافات والسير، وتدهور البيئة، فضلاً عن أن النمو السريع وزيادة الأسعار ساهما في سرعة نشوء الفارق الطبقي بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حتى بات الموظف الذي يحصل على 500 ألف درهم سنوياً، غير قادر على الادخار، ناهيك عن العامل البسيط.
لا أحد يطالب بالعودة الى ثقافة الحارة وبيوت الطين، ولا أحد يطالب دبي بالتراجع، فدبي كانت مضطرة، وهي الآن في منتصف الطريق وليس أمامها إلا التعامل مع واقعها. لكن المثير للدهشة والاستغراب، أن بعض دول الخليج لديه موارد طبيعية، ورغم ذلك يكرر تجربة بوينوس آيرس ودبي، فقطر مثلاً بإمكانها المراهنة على الاستثمار في التعليم الجامعي، ولديها مخزونها من الغاز، من دون أن تجعل من الدوحة مدينة لسياحة الليل والفنادق فيختلط فيها الحابل بالنابل، وتضيع هويتها، وأبوظبي لديها ثروة طبيعية تمكنها من النمو بهدوء يقيها من دفع تكاليف تناقضات اجتماعية وسياسية هي في غنى عنها. إن بناء المدن باعتبارها وسيلة للسياحة ونمو الاقتصاد فحسب، ومن دون نظر إلى العلاقة بين الإنسان والمدينة ظاهرة خليجية مكلفة اجتماعياً وسياسياً في أحسن الأحوال، وخطيرة في أسوأها، واستمرارها على هذا النحو سيدخل منطقة الخليج في تناقضات مخيفة.

منقووول من صحيفة الحياة

ط§ظ„ط*ظٹط§ط© – ط£ط¶ط¹ظپ ط§ظ„ط§ظٹظ…ط§ظ† – ظ…ط¯ظ† ط§ظ„ط®ظ„ظٹط¬ ط¨ظ„ط§ ظ‚ظ„ط¨

7 thoughts on “مدن الخليج بلا قلب

Comments are closed.