مدينة بصعيد مصر ، تقع على الشاطىء الشرقى للنيل جنوبى القاهرة بنحو 350 ميلا لعبت دورها فى القرون الاولى للهجرة بوصفها محطة مرور للتجارة الواردة اليها من ميناء عيذاب على البحر الاحمر لتحمل بالسفن النيلية إلى الفسطاط ثم إلى موانئ مصر الشمالية . وتحولت قوص منذ عهد الخلافة الفاطمية إلى قاعدة لإقليم عرف ” بالاعمال القوصية ” فغدت احدى اربع ولايات ضمنها مصر فى ذلك الوقت ، كانت قوص أهمها جميعا وتضم عدة كور صغيرة ويحكم واليها جميع بلاد الصعيد فضلا عن الاشمونين .
واهتم الخلفاء الفاطميون بغرس الاشجار بأراضيها بهدف الحصول على الأخشاب اللازمة لصناعة السفن فنهضت الزراعة حولها وكثرت مراعيها وحازت شهرة فى ذلك ، كما نشطت تجارتها الداخلية وعمرت أسواقها .
وكانت قوص زمن الخليفة الامر باحكام الله احدى المدن التى حوت دارا لسك العملة واهتم بها الوزراء فقلدوها كبار رجال الدولة . وللأمراء المقربين فمنحها جهرام الارمنى زمن الخليفة الحافظ لدين الله ، لاخيه “الباساك” الذى ثار عليه المسلمون من أهلها وقتلوه ومثلوا بجثته بسبب تعسفه وجوره . ومنحها طلائع بن رزيك لشاور فى أوائل عهد الخليفة العاضد ليبعده عن القاهرة وبلغ من أهميتها حينئذ ان قيل لابن رزيك “اصرف شاور عن قوص يتم لك الامر فبعث رجاله إلى قوص فطردوا شاورا منها . وظلت قوص فى ذلك العصر محطة استقبال للحجاج القادمين من مصر والمغرب والمركز الرئيسى لمرور التجارة وخاصة بعد التغيرات التى احدثتها الحروب الصليبية فى طريق التجارة بين الشرق والغرب كما انها كانت محطة هامة لتوزيع البريد ، اذ يخرج اليها خط من قلعة الجبل ومنها يتفرع إلى فرعين احدهما إلى بلاد النوبة مارا بأسوان والاخر يذهب إلى ميناء عيذاب . ومنذ اواخر عهد الخلافة الفاطمية واوائل عهد الايوبيين حازت قوص مكانة كبيرة بالنسبة للمدن المصرية ، ولهذا قصدها اسد الدين شيركوه فى حملته الثانية سنة 562 هـ / 1166 م للاستيلاء عليها كما قصدها احد الثوار فى اسوان ويدعى كنز الدولة رافعا لواء الثورة ضد صلاح الدين سنة 570 هـ / 1174 م لكن جيشا ايوبيا هزمه وقضى على حركته . وفى الشطر الاول من عصر المماليك ، حافظت قوص على مكانتها باعتبارها أهم مدن صعيد مصر ، واحدى ثلاث مدن تحوى دارا لسك العملة ، واتخذ منها بعض تجار الكارم ، وهم المشتغلون بتجارة التوابل والبهار والفلفل والبخور والقرنفل مركزا لنشاطهم فغدت قوص سوقا تجاريا واسعا لمنتجات افريقية الوسطى واليمن والهند والحبشة كما كون فيها تجار الكارمية نقابة لانفسهم وضعوا عليها رئيس لهم واشرفت هذه النقابة على تجارة التوابل والبخور والعاج واحتكرتها احيانا . كما غدت قوص مركزا علميا اسلاميا كبيرا ومحط رجال العلماء والدارسين ، وحوت ست مدارس كبيرة ، كان لها الفضل فى تخرج عدد كبير من العلماء والفقهاء والائمة وكانت تستقبل مشاهير العلماء ورءوس التصوف فى مصر .
وعلى الرغم من ذلك ، فقد اعتبرت قوص حينئذ منفى للخصوم السياسيين فنبى اليها بعض الامراء المماليك والخليفة العباسى المستكفى بالله والذى ظل منفيا بها حتى وفاته سنة 740هـ/1339م . غير انها تعرضت للاضمحلال منذ مطلع القرن التاسع الهجرى ( الخامس عشر الميلادى ) وخاصة بعد اهمال الطريق التجارى المعروف عيذاب – قوص ، بعد طرد الصليبيين من بلاد الشام ، وتحول التجارة إلى ميناء السويس ، وماحدث بها من وباء سنة 806 هـ / 1403 م راح ضحيته نحو سبعة عشر الفا من أهلها ، فتعطلت تجارتها وذوت بساتينها ثم جاء كشف طريق رأس الرجاء الصالح واضمحلال تجارة البحر الاحمر ، فصل الختام بالنسبة لمكانة هذه المدينة التجارية ففقدت اهميتها فى العهد التركى العثمانى واندمجت فى ولاية جرجا . وكان للثراء الواسع والأموال الطائلة من التجارة اكبر الأثر فى عمران قوص فيشير القلقشندى إلى انه كان بقوص منازل كبيرة ورباع انيقة ، ومدارس وربط وحمامات ، وحدائق بديعة وقد سكنها العلماء والتجار والاغنياء ، ومن دلائل ذلك الثراء ماعثر عليه حديثا فى هذه المدينة من تحف كثيرة خاصة ببعض ولاة ذلك الإقليم وهى مصنوعة من النحاس المكفت بالذهب والفضة ، والزجاج المموه بالمينا والخشب المدهون باللاكية والخزف تقليد البورسلين الصينى . ومما يؤسف له ان آثار قوص وعمائرها قد تطرق اليها الخراب السريع ولم يبق منها سوى المسجد الكبير الذى يرجع تاريخ بنائه إلى سنة 550هـ /1155 م فى عهد الخليفة الفائز والوزير الصالح طلائع بن رزيك ، ويعرف هذا المسجد باسم المسجد العمرى وقد كان منارا للعلم والدرس فى الصعيد ويمتاز بمنبره البديع الذى يرجع إلى العصر الفاطمى والذى يمتاز بدقة زخارفه ونقوشه وصناعته التى ليس لها نظير الا فى المنبر الموجود بدير سانت كاترين فى سيناء ، اما محراب المسجد الذى مازال باقيا فيمتاز بزخارفه البديعة وكتاباته النسخية التى ترجع إلى العصر المملوكى ، كما لا يزال يوجد بهذا المسجد ايضا كرسى السورة الذى يرجع إلى العصر المملوكى ، هذا بالاضافة إلى مرسوم صادر من الأمير يشبك بن مهدى احد امراء السلطان قايتباى باعفاء الرزق بقوص . .
وقال عن قوص الشاعر كمال الدين جعفر الادفوي (وهو من شعراء العصور الوسطى):
هي منزل الفطن الحكيم
واشرب مياهاً قد أتت
من طيب جنات النعيم
رقت وراقت فأحسها
وانشق شذا عرف الريا
حسن يفوح مع لطف النسيم
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
والله سؤالك فاجأني والحقيقة أنها حالها كحال المدن القديمة بالوطن العربي لم تأخذ نصيب من الأهتمام لأسباب مختلفة ان الأقليم قوص عانى على مر العصور منذ العصر الأيوبي قمة الأزدهار الى عصرنا الحالي بعدد من المراحل أشدها كان فترة انتشار أحد الأوبئة تقريبا بالعصر المملوكي مما قضى على عدد كبير من سكانها كذلك هجرة عدد كبير من القبائل منها الى السودان واستقرارهم بها ضمن الحملات العسكرية لمحمد علي حاكم مصر وتوسعه بأفريقيا ولاتزال قبائل واسر تحمل اسم القوصي الى يومنا هذا علاوة على القرار السياسي بتفتييت الأقليم الى عدد من المراكز منها قوص الحالية ومركز قفط ومركز نقادة ونقل عاصمة الأقليم الى قنا لتصبح هي عاصمة المحافظة وتسمى باسمها ؛ وقوص حاليا تصنف في المرتبة الثانية بعد مدينة قنا عاصمة المحافظة وبها مصانع للسكر والتكرير ومصنع للورق الوحيد بمصر لطباعة الصحف وصوامع لتخزيين الغلال وقريب منها مصنع لأسمنت.
ما شالله … ولكن السؤال
هل مازلت قوص على حالها في هذه الأيام … ياليت لو تفيدنا
بارك الله فيك اخوي وشكرا على هذا الموضوع القيم