سعود كابلي
معهد الأبحاث الإعلامية للشرق الأوسط “ميمري” مؤسسة تهدف إلى مراقبة الإعلام في الشرق الأوسط، وطبقاً لموقعه الإلكتروني فإن هدف المعهد هو: “اكتشاف الشرق الأوسط من خلال إعلامه، ميمري تمد جسور اللغة التي تفرق بين الغرب والشرق الأوسط وذلك من خلال توفير ترجمة للإعلام العربي والإيراني والتركي والإسرائيلي، كذلك تقوم بتحليل التوجهات السياسية والأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والدينية في الشرق الأوسط” ومن هذا المنطلق فالمعهد يعمل “لإثراء الحوار القائم حول سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط”. وتقوم ميمري بترجمة مقالاتها إلى عدة لغات منها الألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والروسية، إضافة إلى اللغة الإنجليزية، وتملك فروعاً في كل من لندن وبرلين والقدس وطوكيو، إضافة إلى مقرها الرئيس في واشنطن، وتعد أبرز المجالات التي تركز ميمري عليها هي الجهاد والإرهاب وعلاقة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وتوثيق معاداة السامية ومراقبة المواقع الإلكترونية الإسلامية.
تأسست ميمري في عام 1998 وحظيت بالمزيد من الاهتمام بعد أحداث 11 سبتمبر نظراً للاهتمام المتزايد من الرأي العام والإعلام الغربي بالشرق الأوسط. مؤسس ميمري هو العقيد إيغال كرمون وهو ضابط استخبارات سابق بقوات الدفاع الإسرائيلي من عام 1968 إلى عام 1988 ثم عمل بعد ذلك لكل من رئيسي الوزراء إسحاق شامير وإسحاق رابين كمستشار أمني لشؤون مكافحة الإرهاب من عام 1988 إلى عام 1993، وهو يجيد اللغة العربية بطلاقة شأنه في ذلك شأن رئيس قسم الأدب واللغة العربية بالجامعة العبرية وعميد كلية الإنسانيات البروفيسور مناحيم ميلسون والذي كان سابقاً مقدماً بالجيش الإسرائيلي والمسؤول العسكري عن الإدارة المدنية في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الأولى ورئيس مجلس إدارة ميمري. شارك في تأسيس المعهد مديرة مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد هدسون (أحد معاقل المحافظين الجدد) الدكتورة ميراف ورمسر وهي متزوجة من مستشار نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني لشؤون الشرق الأوسط دافيد ورمسر ومعروف عنها تشددها للفكر الصهيوني. وتضم قائمة شخصيات المعهد الرئيسة ستيفن ستالينسكي رئيسه الحالي ونمرود رفاعيلي وهو محلله الأول وصاحب خبرة مهنية طويلة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
يتلخص عمل ميمري في الغالب في ترجمة مقالات صحفية، ومذ عام 2004 تقوم بترجمة برامج تلفزيونية. وطبقاً لستيفن ستالينسكي فإن ميمري تقوم بتقديم ملخصات عن الإعلام الشرق الأوسطي إلى الكونجرس الأمريكي وإف.بي.آي، كذلك فإن العديد من الجهات الإعلامية والكتاب الغربيين يقومون بالاقتباس منها مثل النيويورك تايمز، الواشنطن تايمز ووال ستريت جورنال، وهي حظيت بمزيد من الاهتمام لدى الصحف والإعلاميين المؤيدين لإسرائيل أمثال الويكلي ستاندرد والكاتب توماس فريدمان وستيفن شوارتز، هذا بالإضافة إلى اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية في تقريرها عن المملكة العربية السعودية في عام 2003.
وقد وجه العديد من الأشخاص النقد إلى ميمري وذلك لتحيزها المبطن إلى إسرائيل وإلى ما يخدم مصالح الدولة العبرية ويعد أبرز الذين انتقدوها محرر صفحة الشرق الأوسط في صحيفة الجارديان البريطانية الصحفي براين ويتكر وذلك في مقال له بتاريخ 12 أغسطس 2002، وطبقاً للمقال فإن “القصص التي تختارها ميمري للترجمة تتبع نمطاً محدداً، إما أنها تعكس صورة سيئة عن الشخصية العربية أو أنها تقوم بطريقة ما بتدعيم الأجندة السياسية الإسرائيلية” وهو يتساءل إذا كانت ميمري تسعى لفضح التطرف في إعلام الشرق الأوسط، فلماذا لا تنشر “المقالات المتطرفة في الإعلام العبري أيضا؟ً”. وأضاف أنه في ذلك العام سجلت ميمري نقطتين لصالح “البروباجندا” الموجهة ضد السعودية وذلك من خلال ترجمة مقال لأحد الكتاب نشر في صحيفة الرياض وفيها يدعي كاتب المقال أن اليهود يقومون بشرب دماء الأطفال المسلمين والمسيحيين في أحد احتفالاتهم الدينية، وهو يقول إن هذا المقال اعتمد على ادعاءات تعود إلى القرون الوسطى وينم عن “جهل معظم العرب بمن فيهم المثقفون باليهودية وإسرائيل” أكثر مما ينم عن افتراء منظم ضد الدولة العبرية، وقد ادعت ميمري أن صحيفة الرياض مملوكة للحكومة السعودية، بينما في الواقع هي مملوكة للقطاع الخاص. النقطة الثانية طبقاً للمقال كانت حينما قامت ميمري بترجمة قصيدة الدكتور غازي القصيبي “الشهداء” والتي نشرتها صحيفة الحياة وقامت ميمري بإرسال مقتطفات مترجمة منها إلى الإعلام الغربي ووصفتها بأنها “تمجد الانتحاريين” ويضيف ويتكر أن معنى القصيدة يظل محل جدال ونقاش ولكن “تحليل ميمري لها تم اقتباسه في الإعلام الغربي بدون أدنى تساؤل” أو تمحيص. وهو في ذلك يؤكد أن هذه “المواقف المتضمنة المملكة العربية السعودية لا يجب النظر إليها على أنها مواقف منفردة، ولكنها جزء من بناء قضية ضد المملكة ودفع الولايات المتحدة لمعاملتها على أنها عدو عوضاً عن حليف، وهي جزء من حملة تقوم بها إسرائيل والمحافظون الجدد” ضد السعودية، ويضيف أن الخطر يكمن في أن العديد من أعضاء الكونجرس “الذين لا يستطيعون قراءة اللغة العربية ويتلقون رسائل ميمري الإلكترونية قد تتولد لديهم فكرة أن هذه الأمثلة المتطرفة” التي تنشرها ميمري “هي انعكاس لسياسات الحكومات العربية… وللأسف فإنه اعتماداً على هذه التعميمات غير الصحيحة يتم اليوم بناء السياسة الخارجية الأمريكية، وفيما يخص علاقة الغرب بالعالم العربي فإن اللغة هي العائق المسبب للجهل والذي يسهم في نمو عدم التفهم، كل ما يتطلبه الأمر هو مجموعة من الإسرائيليين للاستفادة من هذا العائق لخدمة مصالحهم ولتغيير نظرة الغرب إلى العالم العربي للأسوأ”.
إن الأمثلة التي ذكرت في مقال ويتكر حول السعودية قديمة بعض الشيء وعلى صفحات المعهد الإلكترونية (MEMRI: Saudi Arabia) الآن العديد من الأمثلة الأخرى تخص السعودية عوضاً عن باقي دول المنطقة. ومن الواضح الآن أن ما تقوم به ميمري هو التأثير في الرأي العام الغربي ورسم صورة سيئة عن العرب والمسلمين وهذه الصورة يتم اقتباسها من قبل الإعلام الغربي والعالمي مما يخدم مصلحة إسرائيل وأجندتها السياسية. وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لدينا نحن أجندة سياسية نود الدفاع عنها؟ وهل لدينا مراكز بحث متخصصة في هذا المجال أو غيره؟ ولماذا لا نقوم بمحاكاتهم ورد الصاع صاعين؟ هل نملك المال والقدرة لهذا العمل؟ هل بإمكاننا فضح التطرف الإسرائيلي في الإعلام الغربي؟ أم إنه لا يوجد لديهم ما نستطيع فضحه؟!
بإمكاننا مقاضاة ميمري استناداً إلى قوانين حفظ الملكية الفكرية، حيث إنها تقوم بترجمة مواد إعلامية تملك حقوقها مؤسساتها الناشرة، وللعجب فإن ميمري تفرض حقوقا فكرية على ما تقوم بترجمته رغم عدم تملكها للمادة في الأساس، وعلى مبدأ من لا يملك أعطى من لا يستحق!
لقد كان لحملة تصحيح الصورة السعودية التي نفذتها شركة كورفيس للعلاقات العامة لصالح المملكة إبان أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والتي أشرف عليها في حينه السفير عادل الجبير أثر بالغ وللأسف لم يتح الوقت الكافي لتحليلها والحكم عليها، ولكن بالتأكيد فإنه يمكن اعتبار هذه الحملة نواة للعمل يمكن البناء عليها. لقد أوضح براين ويتكر في نهاية مقاله أنه “ليس من الصعب رؤية ما يمكن للعرب فعله لمجابهة هذا الأمر، بإمكان مجموعة من شركات الإعلام العربية التجمع ونشر ترجمات صحيحة لمقالاتهم تعكس المواد الحقيقية لصحفها وهذا الأمر في متناول يدها. ولكن كالعادة فإنهم سيفضلون الجلوس إلى الخلف وإلقاء اللوم والشكوى من مؤامرات عملاء المخابرات الإسرائيلية”.