بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ من محاسن شريعتناالغرّاء ( الشريعة الإسلامية ): صلاة الاستخارة، التي جعلها الله لعباده المؤمنين
إلا أنّ كثيراً من الناس قد زهد فيها، إمّا جهلاً بفضلها وأهميتها،وإمّا نتيجة لبعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت بين الناس ممّا لا دليل عليه من كتابولا سنّة، وهذا ما أردت التنبيه إليه في هذه العجالة، فمن هذه المفاهيم:
1- اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة إنّما تُشرع عند الترددبين أمرين، وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: (( إذا همّ أحدكم بالأمر..)). ولم يقل ( إذا تردد )، والهمّ مرتبة تسبق العزم، كما قال الناظم مبيّناً مراتب القصد:
مراتب القصد خمس: (هاجس) ذكروا فـ (خاطر)، فـ (حديث النفس) فاستمعا
يليه ( همّ ) فـ ( عزم ) كلها، رُفعتْ سوى الأخير ففيه الأخذ قــدوقعا
فإذا أراد المسلم أن يقوم بعمل، وليس أمامه سوى خيار واحد فقطقد همّ بفعله، فليستخر الله على الفعل ثم ليقدم عليه، فإن كان قد همّ بتركه فليستخرعلى الترك، أمّا إن كان أمامه عدّة خيارات، فعليه أوّلاً ـ بعد أن يستشير من يثق بهمن أهل العلم والاختصاص ـ أن يحدّد خياراً واحداً فقط من هذه الخيارات، فإذا همّبفعله، قدّم بين يدي ذلك الاستخارة.
2- اعتقاد بعضالناس أنّالاستخارة لا تشرع إلا في أمور معيّنة، كالزواج والسفر ونحو ذلك، أو في الأمورالكبيرة ذات الشأن العظيم، وهذا اعتقاد غير صحيح، لقول الراوي في الحديث: (( كانيعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها.. )).
ولم يقل: في بعض الأمور أو فيالأمور الكبيرة، وهذا الاعتقاد جعل كثيراً من الناس يزهدون في صلاة الاستخارة فيأمور قد يرونها صغيرة أو حقيرة أو ليست ذات بال؛ ويكون لها أثر كبير في حياتهم.
3- اعتقاد بعض الناس أنّ صلاة الاستخارة لا بدّ لها من ركعتينخاصّتين، وهذا غير صحيح، لقوله في الحديث: (( فليركع ركعتين من غير الفريضة.. )).
فقوله: ‘من غير الفريضة’ عامّ فيشمل تحيّة المسجد والسنن الرواتب وصلاةالضحى وسنّة الوضوء وغير ذلك من النوافل، فبالإمكان جعل إحدى هذه النوافل ـ مع بقاءنيتها ـ للاستخارة، وهذه إحدى صور تداخل العبادات، وذلك حين تكون إحدى العبادتينغير مقصودة لذاتها كصلاة الاستخارة، فتجزيء عنها غيرها من النوافل المقصودة.
4- اعتقاد بعض الناس أنّه لا بد من انشراح الصدر للفعل بعدالاستخارة، وهذا لا دليل عليه، لأنّ حقيقة الاستخارة تفويض الأمر لله، حتّى وإن كانالعبد كارهاً لهذا الأمر، والله عز وجل يقول: (( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاًوَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْوَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (البقرة:216) .
وهذاالاعتقاد جعل كثيراً من الناس في حيرة وتردد حتى بعد الاستخارة، وربّما كرّرالاستخارة مرّات فلا يزداد إلا حيرة وتردّداً، لا سيما إذا لم يكن منشرح الصدرللفعل الذي استخار له، والاستخارة إنّما شرعت لإزالة مثل هذا التردد والاضطرابوالحيرة.
5- اعتقاد بعض الناس أنّه لا بدّ أن يرى رؤيا بعدالاستخارة تدله على الصواب، وربّما توقّف عن الإقدام على العمل بعد الاستخارةانتظاراً للرؤيا، وهذا الاعتقاد لا دليل عليه، بل الواجب على العبد بعد الاستخارةأن يبادر إلى العمل مفوّضاً الأمر إلى الله كما سبق، فإن رأى رؤيا صالحة تبيّن لهالصواب، فذلك نور على نور، وإلا فلا ينبغي له انتظار ذلك.
هذه بعض المفاهيمالخاطئة حول صلاة الاستخارة، والتي قد تصدر أحياناً من بعض المنتسبين للعلم، ممّايؤصّل هذه المفاهيم في نفوس الناس، وسبب ذلك التقليد الجامد، وعدم تدبّر النصوصالشرعية كما ينبغي، ولست بهذا أزكي نفسي، فالخطأ واقع من الجميع.
هذا ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليراجع كتابي: ( سرّالنجاح ومفتاح الخير والبركة والفلاح )، وهو كتيّب صغير الحجم، ففيه المزيد منالمسائل المهمة، والشواهد الواقعية الدالة على أهمية هذه الصلاة، وفهم أسرارهاومراميها، والله تعالى أعلم.
الشيخ: د . محمد بن عبدالعزيزالمسند