بسم الله الرحمن الرحيم

نثر الريحان في الذبّ عن الصحابي أبي سفيان
– رضي الله عنه –

إن ممّا اتفقت عليه الأمة المحمدية جمعاء , أن من أوجب الواجبات عليها : الذبّ عن أعراض صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم ,

فهم أولياء الرحمن و سكان الجنان , أفضل الأمم بعد الأنبياء و خير من اتبع الرسل من الأوفياء , طيب الله قلوبهم , ورفع الله من أقدارهم ,

مناقبهم مسطورة في كتاب الله الجليل و من قبله في التوراة و الإنجيل , لا يزدريهم إلا من جهل قدر التوحيد , و لا ينتقصهم إلا مستخف بشرائع رب العبيد .

و إن من ألئك البررة الكبار , و الأتقياء الأخيار . الذي نالته أكثر ألسنة الفجار من الروافض الأشرار و أتباعهم من المفكرين الجهال , جهل فضائله و مناقبه أكثر الناس ,

و هذا مما لا يضره حتما , بل هي من كراماته العجيبة التي شاركه فيها إخوانه أصحاب الولاية و أهل الديانة و الهداية

{وذلك فضل الله يؤتيه من ياشاء }

صاحب الشرف و الفخر , ورفيع النسب و القدر هو :

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة

أبو سفيان القرشي الأموي و الد معاوية له صحبة مشهور باسمه وكنيته, و كان يكنى أيضا أبا حنظلة.
وأمه صفية بنت حزن الهلالية عمة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم,

و لد قبل الفيل بعشر سنين وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين. وهو والد معاوية.
سيد البطحاء و أبو الأمراء

كان من أشراف قريش في الجاهلية ومن دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم.

قيل لأبي سفيان بن حرب : ما بلغ بم من الشرف ما ترى ؟ قال : ” ما خصمت رجلا إلا جعلت بيني و بينه للصلح موضعا ” كانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب و كان لا يحبسها إلا رئيس , فإذا حميت الحرب اجتمعت قريش فوضعت الراية بيد الرئيس

وكان ربعة دحداحا ذا هامة عظيمة.
و كان يقال : كان أفضل قريش في الجاهلية رأيا ثلاثة : عتبة , أبو جهل , و أبو سفيان

أسلم عام فتح مكة بمرّ الظهران قبل فتحها
– قال النووي – رحمه الله – : (وإسلام أبي سفيان سنة ثمانية يوم الفتح مشهور لا خلاف فيه ) (1)
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( ثم استقر إيمانه و قوي يقينه ) (2)
و قد خرج إلى مكة بعد أن أسلم فنزل بها ثم رجع إلى المدينة فمات بها
قال المدائني : مات سنة أربع وثلاثين فعاش ثلاثا وتسعين سنة, وقيل مات وهو ابن ثمان وثمانين
و صلّى عليه عثمان رضي الله عنه ودفن بالبقيع (3)

فضائل أبي سفيان – رضي الله عنه –:

1 – فضيلة عظيمة وهي رؤيته لرسول الله صلى الله عليه و سلم :

و يالها من منقبة حازها هذا الصحابي الجليل – فوالله – لو لم يكن له سواها لكفته في وجوب تعظيمه و توقيره فكيف إذا انضافت إليها فضائل أخر

ومّما يجب التنبيه عليه : هو أن هذه من المسائل المهمة التي تغافل عنها كثير من الناس و هي أن فضل مشاهدة النبي صلى الله عليه و سلم و مجالسته تكفي في علو رتبة من نالها و لو لم تثبت في حقه فضائل خاصة , و هذه بلا شك قد لحقت بأبي سفيان رضي الله عنه فكفاه فخرا بها و كفاه علوّا بإدراكها.

– قال الإمام أحمد – رحمه الله – :
( فأدناهم صحبة هو أفضل من القرن الذي لم يروه و لو لقوا الله بجميع الأعمال … و من رآه بعينه و آمن به و لو ساعة أفضل بصحبته من التابعين و لو عملوا كل أعمال الخير ) (4)

– قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح و قاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد و قاتلوا وكلا وعد الله الحسنى }

قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في ” تفسيره 6/552 ” : ( { وكلا وعد الله الحسنى } و إنما نبه بهذا لئلا يُهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر فيتوهم عندهم ذمه فلهذا عطف بمدح الآخر و الثناء عليه مع تفضيل الأول عليه )
فموتوا بغيظكم يا زمرة الضلال , فأبو سفيان من الموعودين بالحسنى من رب العالمين ولا يشك في هذا من عرف للصحب قدرا.

2 – من أعظم فضائله : قرابته من النبي صلى الله عليه و سلم :

و العجب لا ينقضي من خفاء هذه الفضيلة على جمهور الأمة ,لأن أبا سفيان يعدّ من قرابة النبي صلى الله عليه و سلم بلا ريب و لا مرية,فيجتمع مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جدّه : ( عبد مناف ) و هذا يعتبر من المباحث المهمة التي لم يفرّط فيها أهل الحديث في مصنفاتهم لعظم هذه المنقبة , فحمدا لله على تكريمه لصحابة نبيه صلى الله عليه و سلم

– قال أبو عبد الله الحاكم – رحمه الله – في ” معرفة علوم الحديث 492 – 495 ” : ( بعد أن ذكرت الخلفاء الأربعة أذكر قوما يخفى على أكثر الناس ما يجمعهم و رسول الله صلى الله عليه و سلم من النسب ….)
– ثم قال – رحمه الله – : ( و أنا أستعين بالله عز و جل على تلخيص نسب النبي صلى الله عليه و سلم بأبي هو و أمي ثم الدلالة على جماعة من الصحابة و التابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين يلقون رسول الله صلى الله عليه و سلم في نسبه و الإشارة إلى الجد الذي يلقون رسول الله صلى الله عليه و سلم )
– ثم قال – رحمه الله – : ( و أما سعيد بن العاص الأكبر فإنه يجمعه و رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد مناف فإنه سعيد من العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف )

– قال السخاوي – رحمه الله – في ” استجلاب ارتقاء الغرف 1/284 ” : ( خاطب العباس رضي الله عنه النبي صلى الله عليه و سلم في أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بقوله : إنّه ابن عمّيّ .. و هو كذلك فإنّ عبد شمس هو أخو هاشم و المطّلب )
– قال الحافظ – رحمه الله – : ( و يؤيد هذا ما في آخر الرواية الثالثة حيث قال : ” و إن كان لابد لأن يربني بنو عمي أحب إلي من أن يربني غيرهم ” فإن بني عمه هم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف لأنهم من بني عبد المطلب ابن عم أمية جد مروان بن الحجم بن أبي العاص ) (5)

– ثم قال السخاوي – رحمه الله – بعدما ذكر أباسفيان و بعض الصحابة ” 1 /287 ” : ( و هؤلاء ممن يشملهم اسم القرابة بل قيل في العترة : – وهي بالمثناة – إنهم الأقربون و الأبعدون معا )
– روى البخاري في صحيحه(3503) عن عروة قال : ” ذهب عبد الله بن الزبير من أناس من بني زهرة إلى عائشة و كانت أرق شيء عليهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه و سلم ”

– قال الحافظ – رحمه الله – ” الفتح 9 / 630 ” : ( أنهم إخوة قصيّ بن كلاب بن مرة و هو جد والد جد النبي صلى الله عليه و سلم )
قال تعالى : { إلا المودة في القربى } قال ابن عباس : ” أن حفظوني في قرابتي ” (6)
– قال محب الدين الطبري – رحمه الله – في ” الرياض النضرة 1/ 209 ” :

( بيان فصيلة اجتماعهم في نسب رسول الله صلى الله عليه و سلم )
– قال الذهبي – رحمه الله – في ” السير رقم 23 ” في ترجمة أم حبيبة رضي الله عنها :

( و هي من بنات عمّ الرسول صلى الله عليه و سلم ليس في أزواجه من هي أقرب نسبا إليه منها .. )
– قال العلامة محب الدين الخطيب – رحمه الله – :

( منقبة عظمى … كان أبو سفيان من أول من يمت إلى النبي صلى الله عليه و سلم بالمودة في القربى و أحد المخاطبين في آية الشورى { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى } و قد تبودلت هذه المودة في القربى بين النبي صلى الله عليه و سلم و أبي سفيان قبل إسلام أبي سفيان فأهدى النبي صلى الله عليه و سلم إليه تمر عجوة و أرسله إليه مع عمرو بن أمية بن خويلد الضمري فقبل أبو سفيان الهدية و أهدى إلى النبي صلى الله عليه و سلم في مقابل ذلك أدما ) (7)

3 – أبو سفيان هو صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكرم بها من فضيلة :

فضيلة كبيرة من فضائله النيرة و منقبة نادرة من مناقبة الخيرة مصاهرته لرسول الله صلى الله عليه و سلم
– روى مسلم في صحيحة (2501 ) حديث ابن عباس – رضي الله عنهما : ” أن أباسفيان قال للنبي صلى الله عليه و سلم : يانبي الله ثلاث أعطنيهنّ قال : نعم قال : عندي أحسن العرب و أجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوَجكها قال : نعم قال : معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال : نعم قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتلا المسلمين قال : نعم ”
فجعل الإمام النووي عليه ( باب فضائل أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنه ) ( شرح النووي 15/62 )
– قال العلامة صديق حسن خان – رحمه الله – في ” السراج الوهاج 7/ 202 ” :
( فيه فضيلة ظاهرة لأبي سفيان )

و الحديث ظاهر الإشكال عند أهل العلم لأن النبي صلى الله عليه و سلم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها قبل إسلامه إتفاقا , وقد وُجه الحديث بأكثر من توجيه و لعل أفضل التوجيهات توجيه الحافظ ابن كثير – رحمه الله – حيث قال في ” الفصول من سيرة الرسول311 /312 ” :
( و الصحيح في هذا أن أباسفيان لما رأى صهر رسول الله صلى الله عليه و سلم له شرفا أحب أن يزوجه ابنته الأخرى و هي عزّة و استعان على ذلك بأختها أم حبيبة كما أخرجا في الصحيحين عن أم حبيبة …. و يكون قد و قع الوهم من بعض الرواة )

– قال تعالى : { عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودّة } (8)
– قال ابن عباس – رضي الله عنهما – : ( كانت المودة التي جعل الله بينهم تزويج النبي صلى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين ) ” الدر المنثور 6/305 “
قال مجاهد : ” مصاهرة النبي صلى الله عليه و سلم إلى أبي سفيان بن حرب ” ” تاريخ دمشق 25/303 “
– قال ابن كثير – رحمه الله – في ” تفسيره 6/ 627″: ( قال مقاتل ابن حيان: إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب, فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه ….. و قال ابن شهاب وهو من أنزل الله فيه: {عسى الله أن يجعل بينكم..}
– قال قوام السنة الأصبهاني – رحمه الله – في ” الحجة في بيان المحجة (2/570) ” :
( قال أهل التفسير: نزل قوله تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} في أبي سفيان )

و قد جاء في بعض الآثار – الله أعلم بصحتها – ما يثبت أن مصاهرة النبي صلى الله عليه و سلم تحرم النار على الرجل وبوب عليها بعض أهل العلم منهم :
الإمام الهيثمي-رحمه الله – في ” مجمع البحرين 7/21 ” حيث قال :
(باب فضل أصهار رسول الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه )
– وأيضا محب الدين الطبري – رحمه الله – في ” الرياض النضرة 2/114 ” :
( مصاهرته صلى الله عليه و سلم و المصاهرة إليه موجبة للجنة محرمة على النار ).

4 – فضيلة ظاهرة لأبي سفيان كونه قرشيا :

ولفشوّ الجهل بمذاهب أهل السنة تجد كثيرا من الناس لا يدرك أن من الفضائل المسطّرة في كتب أئمة الإسلام كون الصحابي من قريش , فتكون منقبة بمفردها, و أكرم بها و أنعم من فضيلة كبيرة و كيف لا وقد جاء مدحها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم
– قال البخاري رحمه الله : ( باب مناقب قريش )
ثم ساق حديث “3504 ” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله رصلى الله عليه و سلم :
” قريش و الأنصار و جهينة و أسلم و أشجع و غفار مواليّ ليس لهم مولى دون الله و رسوله ”
– قال الترمذي رحمه الله : ( باب فضل الأنصار و قريش )
ثم ساق حديث ” 3905″ عن محمد بن سعد عن أبيه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” من يرد هوان قريش أهانه الله ”
و ساق أيضا حديث “3908 “عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
” اللهم أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا ”
فيا لها من منقبة عظيمة يسعد بها أهل الإيمان , و يدخل فيها كل من كان قرشيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم , و لا نشك طرفة عين أن أباسفيان رضي الله عنه ممن حاز هذا الفضل و من دخل في دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم على من أراد هوانه , فهو رضي الله عنه ممن أصابهم النوال و الخير و البركة.

5 – تشريف داره المبارك :

قال النبي صلى الله عليه و سلم يوم الفتح : ” من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ” رواه مسلم
قال ثابت البناني: ” إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوذي وهو بمكة فدخل دار أبي سفيان أمن ” (9).

6 – إكرام رسول الله صلى الله عليه و سلم له بالعطيّة :

– قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – في ” الإستيعاب 1204 ” : (أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية,قال: “والله إنك لكريم فداك أبي وأمي والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت ولقد سالمتك فنعم المسالم أنت جزاك الله خيرا ).

7 – تولية رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي سفيان رضي الله عنه في حياته :

قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – في نفس المصدر السالف :
(واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران فمات صلى الله عليه وسلم وهو وال عليها)
– قال شيخ الإسلام- رحمه الله – في” المجموع 4/454 ” : ( و قد استعمل النبي صلى الله عليه و سلم أباسفيان بن حرب أبا معاوية على نجران نائبا له و توفي النبي صلى الله عليه و سلم و أبو سفيان عامله على نجران )

– قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في ” التهذيب 3004 ” : (ولاه صدقات الطائف)
و ذكره ابن القيم – رحمه الله – من أمرائه صلى الله عليه و سلم كما في “زاد المعاد 1/137 ”
– و ذكر ابن كثير – رحمه الله – أن تأميره في زمن النبي صلى الله عليه و سلم يعتبر محفوظا كما في ” البداية و النهاية 5/292 “
و ذكره القسطلاني – رحمه الله – أيضا من أمراء النبي صلى الله عليه و سلم كما في ” المواهب اللادنية 2/155 “
– قال ابن عساكر – رحمه الله – في ” تاريخه رقم 2931 ” :
( و استعمله النبي صلى الله عليه و سلم على إجلاء اليهود كما قال أبو علي , وذكر ابن المسيب أن النبي صلى الله عليه و سلم جعله على سبي حنين )
– قال الحافظ – رحمه الله – في ” الإصابة 4066 ” : (وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم وجّهه إلى مناة فهدمها)
– قال العلامة العراقي – رحمه الله – في ” ألفيته بيت 985 ” :
كذلك قد ولّى أباسفيانا …… صخر بن حرب بعد ذا نجرانا.

8 – وكان كاتبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

ذكره ابن سيد الناس – رحمه الله – في ” عيون الأثر 2/395 “من كتّاب النبي صلى الله عليه و سلم
و كذلك العلامة العراقي – رحمه الله – فقال في ” ألفيته بيت 790 ” :
حذيفة بريدة أبانا ……….. ابن سعيد و أباسفيانا.
و ذكره القسطلاني – رحمه الله – ضمن كتاب النبي صلى الله عليه و سلم كما في ” المواهب 2/128 “

9 – جهاده و عظيم شجاعته يوم اليرموك و يوم الطائف :

روى بن سعد بإسناد صححه الحافظ في (الإصابة3/334) :
عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: “فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل يقول: “يا نصر الله اقترب” قال: “فنظرت فإذا هو أبو سفيان”.

10- تحريضة للمؤمنين على الجهاد في سبيل الله :

– قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – ” الإستيعاب 1204 ” :
(قال يوم اليرموك: الله الله فإنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار المشركين اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك )
قال ابن الأثير – رحمه الله – ” أسد الغابة 5968 ” :
(وشهد اليرموك وكان هو قاص جيش المسلمين يحرضهم ويحثهم على القتال )
– قال الإمام الذهبي – رحمه الله – ” السير13 ” : ( فإن صح هذا عنه فإنه يغبط بذلك)

11 – دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان :

– قال الحافظ – رحمه الله – ” الإصابة 4066 ” : (رمي يوم الطائف وقيل يوم اليرموك ففقئت عينه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :”هذه عيني أصيبت في سبيل الله” قال:«إن شئت دعوت فردت عليك وإن شئت فالجنة» قال: “الجنة”.)
– قال العلامة محبّ الدين الخطيب – طيّب الله ثراه – ” المنتقى 265- 266 تعليق 3 ” :

( و جاهد مع النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة حنين و في فتح الطائف و في جهاد الطائف أصيبت عين أبي سفيان بسهم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن شئت دعوت لك فرد الله عليك عينك و إن شئت صبرت و لك الجنة فقال أبوسفيان و هو في ذلك الألم الشديد الذي لا يمكن أن يشعر به على حقيقته إلا من أصيب بمثله : بل أختار الجنة قلت : و هذه عدة له و عده بها النبي صلى الله عليه و سلم في أكمل العبادات و هو الجهاد فأبو سفيان في الجنة و أنف كل من يسوؤه ذلك في الحضيض …) رحمة الله عليه من عالم صادع بالحق , غيور على أعراض الصحب الكرام

12 – مكانتة الجليلة عندالخلفاء :

– قال الإمام الذهبي – رحمه الله – ” سير أعلام النبلاء رقم 13 ” :
(كان عمر يحترمه وذلك لأنه كان كبير بني أمية, كانت له منزلة كبيرة في خلافة بن عمه عثمان).

13 – أول من قاتل زمن الردّة :

– قال أبوهريرة – رضي الله عنه – :
( أول من قاتل أهل الردّة على إقامة دين أبو سفيان بن حرب ) ” الدر المنثور 6/305 “
– قال ابن أبي حاتم – رحمه الله – في” تفسيره 7/482 ” : ( عن ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل أبا سفيان صخر بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا فقاتله فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين … ).

14 – روايته الأحاديث :

قال ابن أبي حاتم في ” الجرح و التعديل رقم 1869 ” : ” باب تسمية من روي عنه العلم ممن اسمه صخر ”
ثم قال : ( روى عنه ابن عباس سمعت أبي يقول ذلك )
قال الإمام المزّي – رحمه الله – ” تهذيب الكمال 2862 ” :
(روى عنه المسيب بن حزن والد سعيد … روى له الجماعة سوى ابن ماجه حديث هرقل )
– قال الحافظ – رحمه الله – ” الإصابة4066 ” :
( روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ابن عباس وقيس بن حازم وابنه معاوية ).

15 – فضيلة تفرد بها :

و هي أن أم المؤمنين أم حبيبة الصحابية الجلية زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم تعدّ من بناته و كذلك كاتب الوحي و الصحابي الكبير معاوية رضي الله عنه و أيضا ابنه العظيم يزيد و كذلك زوجته الطاهرة هند بنت عتبة فرضي الله عن بيت الصحبة

المطاعن في أبي سفيان :

– ماكان منه قبل الإسلام :

قال سيد قطب : ( أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه و المسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ و الذي لم يسلم إلا و قد تقررت غلبة الإسلام فهو إسلام الشفة و اللسان لا إيمان القلب و الوجدان و ما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل .. و لقد ظلت العصبية الجاهلية تسيطر على فؤاده و قد كان أبو سفيان يحقد على الإسلام و المسلمين فما تعرض فرصة للفتنة إلا انتهزها..) (10)

و أستسمح القراء عذرا عن نقل مثل هذا الكلام السافل الذي يدل دلالة و اضحة على سوء المعتقد في أولياء الله و قد يطير لب العاقل عندما يلحظ أن هذا كلام خرج ممن ينتسب ظلما وزورا لأهل السنة فنعوذ بالله من الذل و الخذلان , و نستجير به سبحانه من الفضيحة و الخسران.

و قد نزّهت أنظار أهل السنة من قبيح طعونات الرافضة في هذا الصحابي الجليل و ذلك أن كلامهم يمجه مجانين البشر , و إنما اكتفيت بكلام من يعد رمزا من رموز الأمة و شهيد من شهدائها كما يزعم الغوغاء من الناس.

و الذي جعلهم يلهجون بجاهلية هذا الصحابي الكبير لأنهم أيقنوا بأن حسن إسلامه لم يترك لزبالة ألسنتهم منفذا إلا ما ظفروا به من الواهيات و الموضوعات التي لم تصح في حق هذا الولي الكبير
قال الإمام ابن الأثير – رحمه الله – في ” أسد الغابة 6/139 ” بعدما ذكر بعض الواهيات عنه :
( ونُقل عنه من هذا الجنس أشياء كثيرة لا تثبت )
ومن أمثلة ذلك ما نُسب إليه – رضي الله عنه – أنه كسر ثنية النبي صلى الله عليه و سلم وقد ردّ شيخ الإسلام هذه الفرية و أثبت خلاف ذلك راجع كلامه في ” المنقى ص279 “

فأبو سفيان رضي الله عنه بشر لم تكتب له العصمة كغير من الصحابة و هذا هو مذهب أهل الإسلام و إنما اختلفوا عن سائر الناس بعظيم المغفرة التي وعدهم بها رب العزة و الجلال , وما أروع ما سطرته أنامل شيخ الإسلام عندما رقم قاعدة عظيمة القدر لا يخرج عنها واحد من الصحابة لا ينبغي أن نهمل ذكرها هنا – مع طولها – و إن اشتهرت بين أهل العلم و طلبته

– قال – شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله – مخبرا عن مذهب أهل السنة في الصحب الأطهار :

( ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم , منها ما هو كذب , ومنها ما قد زيد فيه و نقص و غير عن وجهه الصحيح , و الصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مخطئون , وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم و صغائره , بل تجوز عليه الذنوب في الجملة و لهم من السوابق و الفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر , حتى أنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم , لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم و قد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” أنهم خير القرون , و أن المد من أحدهم إذا تصدق به كان كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم , ثم إن كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه , أو أتى بحسنات تمحوه , أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم الذين هم أحق الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه , فإذا كان هذا في الذنوب المحققة , فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين : إن أصابوا , فلهم أجران , و إن أخطأوا فلهم أجر واحد , و الخطأ مغفور ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم و محاسنهم من الإيمان بالله و رسوله , و الجهاد في سبيله و الهجرة و النصرة و العلم النافع و العمل الصالح و من نظر في سيرة القوم بعلم و بصيرة وما منّ الله عليهم به من الفضائل , علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لاكان و لا يكون مثلهم و أنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم و أكرمها على الله تعالى . )انتهى. (11)

– فرحمه الله و غفر ذنبه – فوالله – و كأن الملك نطق على لسان شيخ الإسلام بهذه الدرر الغالية لو أن الأمة فهمتها غاية الفهم لارتاحت من متاعب الرافضة و أهل الجهل من المفكرين

و على هذا فكل لبيب ينظر إلى أبي سفيان بمنظار هذه القاعدة النورانية ( و لا عطر بعد عروس )
و أما ما كان منه رضي الله عنه في الجاهلية فلولا أن أقواما من أفجر خلق الله اقتحموا هذه الفترة تفتيشا وطعنا لما ألجأنا أنفسنا لذكرها لأنها أوضح من أن تذكر و أبين من أن تنشر

– قال قوام السنة الأصبهاني – رحمه الله – : ( قتال أبي سفيان كان قبل إسلامه, وإسلامه قد هدم ما كان قبله قال الله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}وقال النبي صلى الله علييه وسلم: ” الإسلام يجب ما قبله ” ..{فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} ) الحجة في بيان المحجة (2/570)
– قال شيخ الإسلام – رحمه الله – : ( فصفوان و عكرمة و أبوسفيان كانوا مقدّمين للكفار يوم أحد رؤوس الأحزاب في غزوة الخندق ومع هذا كان أبو سفيان و صفوان وعكرمة من أحسن الناس إسلام ) منهاج السنة 4/429

– قال العلامة أحمد بن حجر آل بوطامي – رحمه الله – ” العقائد السلفية 2 / 303 ” :
( فعلم من هذه الآية أن من أسلم في يوم فتح مكة أو أسلم من بعده فهو من الذين شملتهم الآية كلها و لا سيما في ختامها { وكلاّ و عد الله الحسنى } أي الجنة , فلا مسوغ لمن يتكلم في معاوية أو في أبيه أبي سفيان ممن أسلموا يوم الفتح و بعده لأن الآية صريحة في ثناء الله عليهم مع تفاوت الدرجات
و أبو سفيان رضي الله عنه و إن كان قد حارب رسول الله صلى الله عليه و سلم و قاد الأحزاب و أصر على شركه و كفره حتى يوم الفتح لكنه بعدما أسلم حسن إسلامه حتى و لاه النبي صلى الله عليه و سلم نجران و حارب في الفتوحات التي كانت أيام أبي بكر و عمر رضي الله عنم و تزوج النبي صلى الله عليه و سلم ابنته أم حبيبة رضي الله عنها ..)

– قال العلامة محمود شاكر- رحمه الله – :
( أئمتنا من أهل هذا الدين لم يطعنوا فيهم و ارتضاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم و ارتضى إسلامهم و أما ما كان من شأن الجاهلية فقل رجل و امرأة من المسلمين لم يكن له في الجاهلية مثل ما فعل أبوسفيان أو شبيه بما يروى عن هند إن صح …) (12)

ومن الباطل الذي تعلق به الروافض ماجاء في “صحيح البخاري ” أن هندا وصفت أباسفيان بالشحّ لما سألت النبي صلى الله عليه و سلم و هذا من عجيب خبث الطوية
قال القرطبي – رحمه الله – ” الفتح 9/ 630 ” :
( لم ترد هند و صف أبي سفيان بالشح في جميع أحواله و إنما و صفت حالها معه .. و هذا لا يستلزم البخل مطلقا ).

الخاتمة :
فهذا الذي نقلته لكم يدل دلالة واضحة أن أباسفيان صحابي جليل من خيرة الصحب الأكارم لا يجوز لواحد من بني آدم أن ينتقصه بعشر كلمة , و أن من الواجبات على المؤمنين أن يدفعوا عنه و عن سائر إخوانه من أولياء الرحمن هذه الحرب القذرة التي شبّ ضرامها على أعراضهم الزكية ,

و لولا أن الضروة ألجأتني لما كان لمثلي أن يكتب عن أهل الجنان , و لكن كيف الحيلة في زمن أشعلت فيه

نيران الأحقاد على خير الأمم بعد الأنبياء و مع ذلك لن أبالي و قد قال تعالى {و إن جندنا لهم الغالبون } مع أني اليوم أقل القوم , و كم فينا معاشر أهل الحق من بطل همام , و نحرير إمام , يشق بذهنه الشعر , و يثقب بثاقب فكره الدرر , كم أقعدوا المخالفين على عجز الإفحام , و ألجموا المعاندين بلجام الإلزام ) ( 13)
و الله أسأل أن ينفعني بما نقلت و أن يحشرني في زمرة الأطهار و جماعة المهاجرين و الأنصار

{ و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}
و الحمد لله رب العالمين
مساء يوم الإثنين 18 / ربيع الأول / سنة 1430 من هجرته صلى الله عليه و سلم

كتبه : أبو معاذ محمد مرابط الجزائري.
………………………………………….. …………………
الهامش :
– (1) تهذب الأسماء و اللغات
– (2) المنتظم رقم 261
– (3) انظر ترجمته في : ( الإصابة: 4066 ) و ( الاستيعاب رقم 1204 و في الكنى175 ) و ( سير أعلام النبلاء رقم 13 ) و (أسد الغابة رقم 2486 و 5968)و(تهذيب الكمال 2862 وفي الكنى) و (تاريخ دمشق رقم 2931) و (المنتظم لابن الجوزي رقم 261)
– (4) ” شرح أصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة للالكائي 1/180 “
– (5) ” فتح الباري 8/417 ” كتاب التفسير و هذا بإشارة من محقق ” استجلاب ارتقاء الغرف “
– (6) رواه ابن أبي عاصم في السنة برقم 1545 و قال المحقق الشيخ الدكتور باسم الجوابرة – وفقه الله – : ( إسناده حسن )
– (7) المنتقى ص 265- 266 تعليق 3
– (8) الممتحنة 7
– (9) ” تهذيب الكمال 2862 ”
– (10) انظر الكتاب العجاب “مطاعن سيد قطب في صحابة رسول الله ضلى الله عليه و سلم ” للعلامة الكبير الشيخ ربيع بن هادي – حفظه الله ومتع بصحته – ص 12
– (11) راجعه مع شرح الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في ” شرح الواسطية 618 – 624 ”
– (12) المطاعن ص 18
– (13) من كلام العلامة الآلوسي في ” صب العذاب

115

12 thoughts on “نثر الريحان في الذبّ عن الصحابي أبي سفيان

  1. – قال – شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله – مخبرا عن مذهب أهل السنة في الصحب الأطهار :

    ( ويقولون : إن هذه الآثار المروية في مساويهم , منها ما هو كذب , ومنها ما قد زيد فيه و نقص و غير عن وجهه الصحيح , و الصحيح منه هم فيه معذورون : إما مجتهدون مخطئون , وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم و صغائره , بل تجوز عليه الذنوب في الجملة و لهم من السوابق و الفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر , حتى أنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم , لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم و قد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” أنهم خير القرون , و أن المد من أحدهم إذا تصدق به كان كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم , ثم إن كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه , أو أتى بحسنات تمحوه , أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه و سلم الذين هم أحق الناس بشفاعته أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه , فإذا كان هذا في الذنوب المحققة , فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين : إن أصابوا , فلهم أجران , و إن أخطأوا فلهم أجر واحد , و الخطأ مغفور ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم و محاسنهم من الإيمان بالله و رسوله , و الجهاد في سبيله و الهجرة و النصرة و العلم النافع و العمل الصالح و من نظر في سيرة القوم بعلم و بصيرة وما منّ الله عليهم به من الفضائل , علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لاكان و لا يكون مثلهم و أنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم و أكرمها على الله تعالى . )انتهى.

    راجعه مع شرح الشيخ ابن العثيمين رحمه الله في ” شرح الواسطية 618 –

Comments are closed.