نحن ويــــــن والتقدم ويـــــــن ؟!

يحكى .. أن رجلاً ، اشترى أرضاً بجانب أحد المزارعين .. مضت الأيام .. وبعد حصاد المحصول ، لاحظ الرجل أن فاكهة المزارع الآخر ، أكثر جودة وألذ من فاكهته ، فقدم إليه يسأله عن السبب .. فرحب به المزارع .. وابتسم وقال له :

– فاكهتي !؟ كل ما في الأمر أني أهتم بها واعمل على الحصول على أفضل النتائج !! هذا كل مافي الأمر .. ولكن أنت جاري وصاحبي ، وأتمنى لك الخير .. انتظرني قليلاً ..

خرج المزارع وعاد إلى ذلك الرجل ، وهو يحمل شتلات لأشجار الفاكهة .. وقال له :

– هذه الشتلات من أفضل أشجار الفاكهة ، خذها وازرعها في بستانك ، لكي تحصل على فاكهة مثل التي لدي !

فرح الرجل .. وأخذ يشكره وخرج مسرعاً ليزرع تلك الشتلات .. زرعها في أرضه .. ومضت الأيام .. وبعد انتهاء موسم الزراعة .. لاحظ أن محصول الفاكهة .. لا يزال أقل جودة من فاكهة ذلك المزارع !!

عاد الرجل إلى ذلك المزارع ، ليستفسر عن السبب .. فقال له المزارع :

– لا أعلم .. ولكن انتظر قليلاَ ..

خرج المزارع وعاد إلى ذلك الرجل ، وهو أيضاً يحمل شتلات لأشجار الفاكهة .. وطلب منها أن يزرعها بدل تلك ..

فعل الرجل مثل ما قال له المزارع .. واستمر الحال على ما هو عليه لفترة طويلة .. والرجل لا يزال يزرع من شتلات ذلك المزارع .. حتى بدأت أشجار مزرعة الرجل تضعف وتموت وفاكهته صارت أقل جودة .. في حين أن المزارع صارت أشجاره أكبر وزادت أعدادها وأصبحت فاكهته ألذ!!

حينها .. قدم المزارع للرجل .. وعرض عليه شراء الأرض .. فقال له الرجل : سأبيعها لك بشرط ! ما سر فشلي في الزراعة ؟!

رد عليه المزارع وهو يبتسم : لا يوجد سبب !! لكنك زرعت الشتلات .. ونسيت الاهتمام بها والعناية بأرضك !!
__________________________________________________ ____

قد يتساءل القارئ عن وجه الشبه بين حالنا الآن وهذه القصة .. ولكن لو تمعنت أخي الكريم في تلك القصة .. لوجدت أنه حال ذلك الرجل هو حالنا الآن !!

للأسف .. عندما يتحدث البعض عن حالنا .. تراه قد يصفنا بالتخلف أو الرجعية أو الجهل .. ولكن .. ما أود قوله هو .. أننا لسنا متخلفين !! نعم !! لسنا متخلفين ولكن البعض قد التبس عليه الأمر .. وظن أننا كذلك !!

دعونا نستعرض ما لدينا في مجال العلم.. لدينا المدارس والجامعات .. وأحدث وسائل التعليم والكتب العلمية .. والمناهج الحديثة التي تتعلق بمختلف مجالات العلوم والصادرة من أشهر الجامعات .. ولدينا الكفاءات التعليمية وكل ماهو حديث في مجال التعليم !! والميزانيات الضخمة والمشاريع المستقبلية وما إلى ذلك ..

ولكن !! الحال !! لا يزال كما هو .. إذن ؟! لماذا ؟!!

السبب يعود إلى سرعة التقدم العلمي في العالم .. فنحن نتقدم .. نعم نتقدم ..ولكن ببطء شديد .. والدول الأجنبية أيضاً تتقدم.. ولكن بسرعة هائلة .. لذلك اتسعت فجوة التقدم العلمي من بيننا وبينهم .. وآل الحال إلى ما هو عليه الآن ..

إذاًَ؟ أين الخلل ؟!

..الخلل هو اتباعنا لأسلوب الرجل في القصة .. فنحن استوردنا تلك المناهج العلمية من الغرب .. وهذا الأمر ليس خاطئ !! ولكن أخطأنا في استيراد كل شيء !! بدعوى التحضر ومواكبة التقدم ! ونسينا الاهتمام بأنفسنا وبتقدمنا نحن !

الغرب ! مستعد لتقديم ما نطلبه !! فلو لاحظتم .. أنهم يقدمون لنا المناهج .. والمستشارين .. والخبرات العلمية .. والإدارة .. وبعض الجامعات فتحت لها فروعاًَ لنا .. وأيضاً تولت إدارة بعض المؤسسات التعليمية .. ولكن لماذا يقومون بكل ذلك ؟!

أيهمهم تقدمنا لهذا الحد ؟! لا .. بل هم كالمزارع .. يريدوننا أن نكون تابعين لهم .. فإن هم أحسنوا .. أحسنا معهم .. وإن أساؤوا .. أسأنا .. ولا يريدون منا أن نزرع ونبدأ في تحسين أمورنا بأنفسنا .. بل يريدون منا .. أن نأخذ نتائج ما توصلوا إليه .. وبينما نحن منشغلون في تطبيقها ..يمر الوقت ويهم منشغلون في العمل على تحسين ما توصلوا إليها وتحقيق المزيد من التقدم ..

تكمن المشكلة في أمرين .. الأمر الأول هو مشكلة العلوم العربية !! فنحن لا نملك مناهج خاصة للعلوم .. وأغلب ما يتم تدريسه في الجامعات أو المدارس .. هو خلاصة لبحوث أجنبية أو تعريب لمناهج أخرى ! أيضاً .. الاتجاه إلى جعل لغة التعليم هي اللغة الإنجليزية .. قد يظن البعض أنها إحدى إيجابيات نظام التعليم !! ولكن وللأسف .. سيتم اكتشاف سلبياتها وفشل هذه الخطوة عما قريب .. كما حدث في ماليزيا بعد إلغاء تدريس مناهج العلوم باللغة الإنجليزية ..

الأمر الآخر .. هو موقفنا من العلم !! فنحن .. لم نكلف أنفسنا عناء البحث أو التعديل أو العمل على تطوير هذه العلوم بأنفسنا ! بل ننتظر ذلك من المصادر العلمية الأجنبية ..!! أيضاً .. الخطوة التي يسعى إليها الغرب الآن .. هو أن يجعلنا نقلل من اهتمامنا بالعلوم الأدبية والتاريخ والتربية الإسلامية واللغة العربية .. وما إلى ذلك من العلوم التي تحتاج إلى حفظ وتلقين !! وحجتهم من هذا الأمر .. أنهم لا يريدون من أبنائنا التعود على الحفظ والتلقين والاهتمام بهذه الأمور .. ولكنهم يريدون منهم أن تكون لهم نظرة على هذه الأمور وأن يهتموا بفهم العلوم الرياضية ..

النقطة التي تخفى على الكثير .. أن هدفهم من كل ما سبق .. هو إخفاء وإزالة أي أثر للهوية الإسلامية والعربية من أنفس الأجيال التعليمية القادمة ..

وأيضاً .. لو كانت مناهجنا القديمة “فاشلة” والتي ألفناها بأنفسنا فيما سبق .. واستبدلت الآن بمناهج أجنبية .. لما رأيت جموع العلماء العرب الآن .. ولما وجدت الغرب يتسابق لضم وتقديم المنح العلمية للمتميزين من أبناء وطننا العربي ..

خلاصة الموضوع .. تقدمنا .. لا يقاس بعدد الجامعات والمؤسسات العلمية أو بحجم الشهادات والعلوم الغربية التي نملكها ..

تقدمنا يقاس .. بدورنا في البحث وتطوير ما نملك من هذه العلوم ..

آسف على الإطالة ..

ودمتم ..