هل النظام المصرفى التقليدى هو النظام الربوى الذى ترفضه الأديان السماوية كلها خاصة الإسلام بما فيه المسيحية وبالكيفية التى وردت فى القرآن ؟ وهل الصيغ المصرفية الاسلامية التى طبقت هى الصيغ الاسلامية الوحيدة و الصحيحة ولا مجال لتطويرها وتوسيعها ؟ وهل هى صيغ تمويل ام صيغ بيوع فقط ؟ وهل يمكن توسيع دائرة الاجتهاد واعتماد فقه المصلحة العامة حتى نؤكد ان الشريعة الاسلامية تفى بحق الانسانية المتجددة لتحقق كمالاتها ولنؤكد انها صالحة لكل زمان ومكان وانها جاءت بالاحكام المحققة لهذه المصالح فى كل ما يجد من وقائع .
يجدر بى اولا ان اؤكد للقارئ الكريم اننى لست عالما محيطا وموسوعيا ولا متخصصا فى علوم الدين والشريعة ولا فى الشأن المصرفى بالذات ولكن يمكننى القول اننى املك الفهم العام والجرأة لأقول واكتب ما اعتقده صوابا يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب والله وحده هو المتعال العليم الخبير والمحيط بكل شئ سبحانه .. اضافة لتلك الجرأة الفكرية والصحفية فلدى والحمد لله تلك الخلفية الاقتصادية بحكم دراستى فى كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم ثم العمل التجارى والعمل العام والعمل الصحفى وتجوالى فى كل بلدان العالم تقريبا وكلها مدخلات فكرية وعملية تؤهلنى لأسهم برأيي في هذه القضية التى باتت تشغل كل المجتمع الاقتصادى والسياسي وهاهى تطرق ابواب الحاضر والمستقبلبشدة … هذا من باب التحدث بنعمة الله ولدى عدة مدخلات فى اللقاءات والندوات التى عقدت فى اروقة بنك السودان وغيره وكلها اثارت جدلا بين مؤيد ومعارض .

لابد من الاقرار والتسليم اولا بأنى مؤمن ايمانا كاملا بحرمة الربا كما جاء فى القرآن والسنة النبوية ولأنه استغلال وممارسة لا إنسانية غير اخلاقية حيث يستغل صاحب المال (الغنى ) حاجة المحتاج والفقير والمسكين فيضاعف له اصل الدين حتى يعجز عن الوفاء لدرجة ان القانون الرومانى فى قمة تطبيقه اجاز للدائن ان يسترق مدينه اذا تعدد الدائنون جاز للدائن اقتسام جثة المدين حتى جاء الاسلام بالمبدأ السامى (وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة ) ولنا فى قصة اليهودى المرابى (شيلوك) فى رائعة شيكسبير (تاجر البندقية) مثل واضح حين طالب ذلك اليهودى المرابى من القاضى ان ينفذ له شرط اخذ رطل لحم من جسد المدين عندما عجز هذا عن السداد حتى اوقف اليهودى الجشع ذلك القاضى الحصيف ووافق على امضاء الشرط ولكن الزمه بعدم نزول اى قطرة دم عندما يقطع اللحم لانه لم يرد فى الشرط فبهت اليهودى وعجز عن اتمام شرطه ونجا المدين .. ولعل هذا احد اسباب كراهية الاوربيين لليهود لممارستهم الربا والاستغلال فحبسوهم فى (الجيتو)زمانا حتى فكروا في أن يتخلصوا منهم ورموهم عندنا فى فلسطين .. بل لعلى لا اتجاوز الحقيقة ان قلت ان قيام البنوك فى اوربا قبل اكثر من مائتى عام قد حجمت الممارسات الربوية اليهودية نفسها ، فمن المعروف ان نشأة البنوك قد تطورت من مجرد وضع بعض التجار الاوربيين المسافرين لاموالهم (التى كانت فى شكل قطع فضية او معدنية يصعب حملها فى التسفار ) كامانة عند اصحاب الدكاكين فيأتون بها ويضعونها فى (بنك) الدكان وهو عبارة عن المنضدة الخشبية المعروفة التى يقف خلفها التاجر ومن ثم تطورت الفكرة عندما كثرت الاموال فسميت تلك الظاهرة بالبنك ( banque ) ولما لاحظ التجار الذين يحتفظون بتلك الودائع لمدد طويلة ان صاحب الوديعة عادة لا يستغل منها غير جزء يسير ولحاجته الشخصية نبتت فكرة استغلال الجزء الاكبر الباقى وتحفيز اصحاب الودائع باعطائهم نسبة مئوية بسيطة نظير استغلال التجار لتلك الاموال فى توسيع تجارتهم والتمتع بأرباح جيدة الامر الذى ساهم فى التوسع التجارى وقد تزامن مع ذلك تمليك صاحب المال ايصالات تثبت لهم حقوقهم المالية فسميت بذلك بنكنوت banque notes)) وبتطور الطباعة تحولت الى نقود ورقية بدلا عن النقود المعدنية ثقيلة الحمل هكذا نشأت البنوك وتطورت مثل ما حدث لنظام التأمين البحرى فى الموانى الاوربية وكذلك الشيكات السياحية لاحقا عندما نشأت البنوك المركزية من بعد تطور النظام المصرفى برمته عبر السنين بطبيعة الحال مثله مثل التطور الذى حدث فى كافة مؤسسات الدول الوطنية الاوربية وصارت البنوك المركزية هى التى تضع السياسات النقدية والائتمائية وتصدر العملات الورقية وتحدد نسب الفوائد مثلما صارت وزارات المالية تضع السياسات المالية من ضرائب وغيرها .
ومن المعروف ان تلك الدول الاوربية كدول مسيحية تحرم الربا usury)) ولكن لا تعتبر الفائدة المصرفية هى الربا الا اذا زادت نسبة الفائدة عن ما يحدده البنك المركزى من فوائد الائتمان المصرفى بشكل مبالغ بل تخضع البنوك للرقابة الصارمة وبهذا يمكن القول بأن نشأة البنوك وتطورها بتلك الكيفية صارت ضد ممارسات اليهود الربوية البشعة حيث كانوا يأخذون اموالا مضاعفة نظير ديونهم على الآخرين ويشترطون شروطا تعجيزية وقاسية مثلما ذكرنا فى قصة تاجر البندقية.

أوضحت في المقال اعلاه كيف ان نشأة البنوك في اوروبا جاءت مقيدة للمرابين اليهود الذين يستغلون حاجة الآخرين فيفرضون عليهم الفوائد الربوية اضعافاً مضاعفة مع شروط مجحفة بشعة وغير إنسانية في حين ان البنوك التي نشأت تدريجياً كما شرحت تحدد نسبة بسيطة للفوائد خاصة بعد قيام البنوك المركزية التي تسيطر على السياسة النقدية (الفوائد والائتمان المصرفي وحركة النقد وطباعة البنكنوت… الخ).

والآن نناقش موقف الشريعة الإسلامية من المصارف التقليدية ولحسن الحظ وقع بين يدي مؤخراً بحث جيد في هذا الخصوص أعده قبل بضع سنوات المستشار القانوني الدكتور السعودي إبراهيم بن عبد الله الناصر يقول فيه : (قبل الحكم على أي تعامل بأنه نوع من الربا المحرم يجب علينا أولاً معرفة ماهو الربا المحرم).
فالى البحث الذي أنشره على حلقات فهو قد عرض الفكرة عرضاً جيداً وبذلك نفتح النقاش حول هذا الموضوع المهم:
موقف الشريعة الإسلامية من المصارف
يمكن القول انه لن تكون هناك قوة إسلامية بدون قوة اقتصادية ولن تكون هناك قوة اقتصادية بدون بنوك ولن تكون هناك بنوك بلا فوائد، ان وظيفة الجهاز المصرفي في الاقتصاد يشبه إلى حد كبير وظيفة القلب بالنسبة لجسم الإنسان تماماً، فكما القلب يتولى ضخ الدم في عروق جسم الإنسان كذلك يقوم البنك بتسيير النقود في عروق الحياة الاقتصادية لأي بلد لتعيش وتزدهر، لكن هناك من يحاول تعطيل هذا الجهاز عن القيام بوظيفته خوفاً من ان تكون أعماله مشبوهة بالربا الذي ورد تحريمه في القرآن الكريم.
والسؤال الذي لم نعثر له على جواب حتى الآن هو: كيف ينظر فقهاء المسلمين إلى الظاهرة الاقتصادية للفائدة ولماذا يعتبر القرض بفائدة محرم في نظرهم؟ لمعرفة موقف الشريعة الإسلامية من المصارف يجب ان نستعرض ما يلي:-
أولاً: مفهوم الربا في القرآن الكريم.
ثانياً: مفهوم الربا في السنة النبوية.
ثالثاً: موقف أهل العلم وكبار رجال الفتوى في الإسلام من المصارف.
رابعاً: طبيعة أعمال المصارف.
خامساً: خلاصة البحث.
أولاً: مفهوم الربا في القرآن الكريم:
جاءت آيات القرآن الكريم تحذر من الربا وتوصي الدائن بالصدقة على مدينه وهكذا فقد قال الله سبحانه وتعالى : (وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) الروم 39، وقال تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) البقرة 275-276 (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون) البقرة 278-280 وقال تعالى (يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا اضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون) آل عمران 130، (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً، وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذاباً اليما) النساء 160-161 هذه الآيات الكريمة تبين لنا الربا المحرم في القرآن الكريم وأسباب التحريم على النحو التالي:
السبب الأول: ان المدين محتاج للصدقة عملاً بظروف الدين ولذلك فهو مظلوم بأخذ الربا منه.
السبب الثاني: ان الدائن ينفرد وحده بالمنفعة من الربا ويستغل أبشع استغلال ظروف ذلك المحتاج للصدقة ولذلك فهو ظالم قد استحق الوعيد الكبير ان لم يذر الربا مع مدينه عملاً بقوله تعالى: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله).
السبب الثالث: ان أخذ الربا هو مجرد تنمية أموال الدائن في أموال المدينين واستغلال لحاجاتهم من غير تجارة ينتفع بها الطرفان ولذلك شجب الله سبحانه وتعالى هذه التنمية الظالمة فقال تعالى: (وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربوا عند الله). ثم أكد ذلك بإعلان حرمتها بشدة فقال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) مشيراً إلى العمل التجاري الذي ينتفع به الطرفان في كلمة البيع وإلى فقدان ذلك في الذي ينتفع به طرف واحد.
السبب الرابع: قوله سبحانه وتعالى في أكلة الربا: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، ذلك بأنهم قالوا انما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) البقرة، وذلك لأن هؤلاء قد استحلوا الأرباح فاتوها من غير طريق التجارة وهو طريق استغلال ظروف المحتاجين للصدقة الذين قلما يستطيعون وفاء ديونهم وما تراكم عليها من ربا للمرابين، ولذلك فإن هذه المغامرة في استغلال حاجة غير القادر ومضاعفة الربا عليه كلما حل الأجل وعجز عن الوفاء، تجعل من هؤلاء المستغلين عند عجز المدين عن الوفاء كالذي يتخبطه الشيطان من المس لأنه قد فقد رأس ماله إلى جانب فقده لأرباحه الاستغلالية بعد ان انتظر هذه الاضعاف المضاعفة بفارغ الصبر وقد جرى كثير من المفسرين على ان القيام في هذه الآية هو القيام للبعث ولكن لم لا يكون المراد القيام في الدنيا والقيام للبعث والحساب معاً؟.

يقول الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده: (قال ابن عطية في تفسيره: المراد تشبيه المرابي في الدنيا بالمتخبط المصروع كما يقال عمن يسرع بحركات مختلفة، قد جن أقول: وهذا هو المتبادر ولكن ذهب جمهور المفسرين إلى خلافه وقالوا ان المراد بالقيام هو القيام من القبر عند البعث وان الله تعالى جعل من علامة الذين يأكلون الربا يوم القيامة انهم يبعثون كالمصروعين، ورووا في ذلك عن ابن عباس وابن مسعود: (وبعد ان وهن هذا الرأي من جهة ضعف نقله قال: (أما ما قاله ابن عطية فهو ظاهر في نفسه، فإن أولئك الذين فتنهم المال، واستعبدهم حتى ضربت نفوسهم بجمعه، وجعلوه لذاته، وتركوا لأجله الكسب الطبيعي تخرج نفوسهم عن الاعتدال، الذي عليه أكثر الناس ويظهر ذلك في حركاتهم وبين تخبط الممسوس، فإن التخبط من الخبط، وهو ضرب غير منتظم وكخبط العشواء وبهذا يمكن الجمع بين ما قاله بن عطية، وما قاله الجمهور، ومضى الشيخ محمد عبده قائلاً: ذلك انه إذا كان ما شنع به على المرابين، من خروج حركاتهم عن النظام المألوف وأثر اضطراب نفوسهم، وتغير أخلاقهم، كان لا بد ان يبعثوا عليه فإن المرء يبعث على ما مات عليه، لأنه يموت على ما عاش عليه، وهناك تظهر صفات النفس الخسيسة في أقبح مظاهرها كما تتجلى صفات النفس الزكية في أبهى مجاليها.
السبب الخامس: ان الربا زيادة طارئة في الدين تفرض على المحتاج للصدقة وتشترط عليه بعد حلول أجل الدين وعجز المدين عن الوفاء، تلك هي زيادة بعقد جديد مستقل عن العقد الأول ولا يقابلها في هذا العقد الجديد غير تأجيل الاستيفاء من المدين أي نفع مادي للمدين وهذا هو أكل أموال الناس بالباطل من غير تجارة ولا رضاء، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا ان تكون تجارة عن تراضٍ منكم) النساء 38، ولذلك كان هذا ظلماً صريحا وقد حرمه الله في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون). واستحق الدائن عليه الوعيد الكبير من الله سبحانه وتعالى حيث قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) البقرة 278-279.

ثانياً: مفهوم الربا في السنة النبوية

لم يرد تعيين الأموال الربوية في القرآن الكريم، وانما ورد تعيينها في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه محمد بن أبي حنيفة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: (الذهب بالذهب، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، والفضة بالفضة، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا والحنطة بالحنطة مثلاً بمثل يداً بيد، والفضل ربا والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا والشعير بالشعير، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا والتمر بالتمر، مثلاً بمثل، يداً بيد، والفضل ربا، فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كانت يداً بيد) (يراجع في تفسير هذا الحديث الشريف كتاب المبسوط للسرخسي – الجزء الثاني عشر صفحة 110-111).
وقد ظهر منذ البداية، في السنين الأولى من الصدر الأول من الإسلام، تياران متعارضان في أمر الربا، المتشددون فيه يوسعون دائرته حتى تطغى على كثير من ضروب التعامل والمضيقون منه يحصرونه في دائرة محدودة لا يجاوزها.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ان آية الربا من آخر ما نزل من القرآن الكريم، وان النبي صلى الله عليه وسلم قبض قبل ان يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة.
فالربا والريبة أو الربا وشائبة الربا، هذا هو ما دعا المتشددين وهم في هذه الحيرة من أمر الربا، ان يوسعوا في أبوابه حتى يتقوا، لا هو بالذات فحسب بل هو وريبته أي الربا وشائبة الربا، وعمر نفسه هو الذي يقول: إنا والله ما ندري لعلنا نأمركم بأمور لا تصلح لكم، ولعلنا ننهاكم عن أمور تصلح لكم وانه كان من آخر القرآن الكريم نزولاً آيات الربا، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يبينه لنا فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم، ثم يقول: لقد خفت ان نكون قد زدنا في الربا عشرة اضعافه بمخافته، أو يقول: تركنا تسعة أعشار الحلال مخافة الربا: (يراجع المحلي لابن حزم الجزء التاسع صفحة 519 مسألة الربا رقم –148).
ويعارض هذا التيار من التشدد في الربا تيار آخر يتلطف فيه ويحصره في دائرة ضيقة وعلى رأس من يمثلون هذا التيار عبد الله بن عباس ومعه طائفة من الصحابة، يقصرون الربا على الذي كان معروفاً منه في الجاهلية ونزل فيه القرآن لكن ما لبث التيار الأول ان جرف التيار المعارض، وقامت الكثرة الغالبة في الفقهاء يساندونه ويؤيدونه حتى كانت له الغلبة في الفقه الإسلامي.
على ان فريقاً من الفقهاء وعلى رأسهم ابن رشد وابن القيم، حاولوا ان يكسروا من حدة تطرف المتشددين في الربا، فميزوا بين ربا النسيئة وجعلوه هو الربا الجلي او الربا القطعي وهو حرام لذاته وبين ربا الفضل وجعلوه رباً خفيفاً أو ربا غير قطعي وهو حرام أيضاً لكن لا لذاته بل لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة فتحريمه هو إذن من باب سد الذرائع.
ثم تأكد هذا الاتجاه باتجاه أكثر منه تضييقاً لمنطقة الربا، فجعل كلا من ربا الفضل وربا النسيئة الواردين في الحديث الشريف محرمين لا لذاتهما بل سداً للذرائع، وربا الجاهلية هو وحده المحرم لذاته.
فنحن إذن نواجه – إذا أضفنا اتجاه بن عباس – اتجاهات ثلاثة متدرجة في التضييق من منطقة الربا، اقلها تضييقاً لهذه المنطقة هو اتجاه ابن رشد وابن القيم الذي يميز ما بين ربا الفضل وربا النسيئة فالأول هو ربا خفي والثاني هو الربا الجلي، ثم يتلوه في التضييق الاتجاه الثاني، وهو الذي يميز ما بين الوارد في الحديث الشريف والربا الوارد في القرآن الكريم، فالثاني دون الأول هو الربا الجلي، وأشد الاتجاهات تضييقاً لمنطقة الربا هو الاتجاه الثالث الذي كان عبد الله بن عباس يتزعمه، وهو لا يعتمد إلا بالربا الوارد في القرآن الكريم وهو ربا الجاهلية، فهو وحده الذي يحرمه ولا يحرم غيره من ضروب الربا فضلاً كان أو نسيئة.

نواصل البحث حول موقف الشريعة الإسلامية من المصارف وقد تحدثنا في المقال الأول أنه لا حرج على من تنفيذ نظام مصرفي مزدوج (الصيغ الإسلامية الشائعة والنظام المصرفي التقليدي الذى يعمل بنظام الفائدة) لأنه في نظرنا غير الربا الوارد في القرآن والسنة. ثم بدأت أنشر في البحث القيم الذي أعده د. إبراهيم بن عبد الله الناصر الذي إبتدر بحثه قائلا: (قبل الحكم على أي تعامل بأنه نوع من الربا المحرم يجب علينا أولاً معرفة ما هو الربا) وتحدثنا في الحلقة الماضية عن مفهوم الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية ثم موقف أهل العلم من المصارف ونواصل اليوم حول الإتجاه الذي يميز ما بين ربا النسيئة (الجلى) وربا الفضل (الخفي).
يقول ابن رشد في بداية المجتهد الجزء الثاني صفحة 106 (واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع وفي ما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك. فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون فكانوا يقولون: أنظرني أزدك وهذا هو الذي عناه الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع: (إلا وأن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب)، والثاني ضع وتعجل، وهو مختلف فيه. أما ابن القيم فعنده أن ربا النسيئة محرم لذاته تحريم مقاصد، وهو الذي نزل فيه القرآن الكريم وكانت عليه العرب في الجاهلية، وهو الربا الذي لا شك فيه كما يقول أحمد بن حنبل. أما ربا الفضل فهو محرم أيضاً، ولكن تحريم وسائل من باب سد الذرائع لا تحريم مقاصد كما حرم ربا النسيئة ووجه ذلك أن بيع خمسة دنانير بسته نسيئة غير جائز، وهذا هو ربا النسيئة وكذلك هو غير جائز بيعاً حالاً وهذا هو ربا الفضل، ذلك أننا لو أجزناه حالاً وحرمناه نسيئة لاتخذ الناس الحال ذريعة إلى النسيئة ولباع رجل من آخر خمسة دنانير في ستة بزعم أن البيع حال، ويتواضعان على أجل يقبض البائع عند حلوله ستة الدنانير، فيكون قد باع الخمسة في السنة نسيئة واتخذ ذريعة له في ذلك صورة لبيع الحال ويكون ربا الفضل ذريعة إلى ربا النسيئة، فحرم تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد كما قدمنا.

نتيجة التمييز بين ربا النسيئة وربا الفضل:

يترتب على التمييز بين ربا النسيئة وربا الفضل نتيجة هامة، ذلك أنه لما كان ربا النسيئة محرماً لذاته تحريم المقاصد، وكان ربا الفضل محرماً بإعتباره وسيلة تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد، فإن درجة التحريم في ربا النسيئة أشد منها في ربا الفضل ومن ثم لا يجوز ربا النسيئة إلا لضرورة ملجئة، كالضرورة التي تبيح أكل الميته والدم أما ربا الفضل فيجوز للحاجه، ولا يخفى أن الحاجه أدنى من الضرورة، فكلما إقتضت الحاجة للتعامل بربا الفضل جاز ذلك. ومن ثم تضيق منطقة هذا الربا إذا قامت الحاجة إلى إباحته في بعض صوره بحيث يتبين في هذه الصور أنه لا يمكن إتخاذه ذريعة لربا النسيئة فينتفى سبب التحريم.
الإتجاه الذي يميز ما بين الربا الوارد في القرآن الكريم (وهو الربا الجلي) والربا الوارد في الحديث (وهو الربا الخفي):

وهذا الإتجاه يقسم الربا إلى ثلاثة أنواع:

الأول: ربا الجاهلية وهو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم وخصيصته الأولى هي أن يقول صاحب الدين للمدين عند حلول أجل الدين: أما أن تقضي وإما أن تربي.
الثاني: ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف وهو أوسع كثيراً في مداه من ربا الجاهلية بل ويختلف عنه إختلافاً بيناً في كثير من الصور فهو بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون والجنس بجنسه نسيئة لا فوراً ولو من غير تفاضل وهذا عند الحنفيه أما عند الشافعيه فهو بيع الطعام بالطعام أو الثمن بالثمن نسيئة لا فوراً ولو من غير تفاضل.
الثالث: ربا الفضل الوارد في الحديث الشريف وهو بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلاً عند الحنفيه، أو بيع الطعام أو الثمن بجنسه متفاضلاً عند الشافعيه.
الإتجاه الذي لا يحرم إلا ربا الجاهلية الوارد في القرآن الكريم وحده (لا ربا إلا في النسيئة):
يستدل أصحاب هذا الإتجاه وعلى رأسهم ابن عباس بحديث رواه ابن عباس نفسه عن أسامه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا ربا إلا في النسيئة) فهم لا يحرمون ربا الفضل ولا يحرمون إلا ربا النسيئة، أنظر في ذلك مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري من 177 إلى 202 الجزء الثالث.
وقد ذكر السبكي في تكملة المجموع (أن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعبد الله بن الزبير وأسامه بن زيد وابن الأرقم والبراء بن عازب وروى عن معاوية ما يحتمل موافقتهم، ولف لفهم كثير من التابعين مثل عطاء، وطاووس، وجابر بن زيد وسعيد بن جبير، وعكرمة وفقهاء الأمصار أن هذه الطائفة رأت أن الربا لا يكون إلا في النسيئة وكانوا يجيزون ربا النقد (السبكي تكملة المجموع الجزء العاشر 26).
وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه (صحبت ابن عباس حتى مات فوالله ما رجع عن الصرف أي قوله بجواز التفاضل في بيع الذهب بالذهب والفضه بالفضه مع القبض، وقصر الربا على ربا النسيئة وهو ربا القرآن الكريم ويقول سعيد سألت ابن عباس أيضاً قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف فلم ير فيه بأساً) أنظر مجلة (المسلمون) العدد الثالث من السنة الثانية صفحة 16-17.
وقال الشافعي رحمه الله في كتاب إختلاف الحديث (كان ابن عباس لا يرى في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يداً بيد بأساً ويراه في النسيئة وكذلك عامة أصحابه) تكملة المجموع الجزء العاشر صفحة 33.
حقيقة لا تحتاج إلى دليل:
من خلال دراسة مفهوم الربا في السنة المطهرة، يتضح لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الربا المحرم الذي لا شك فيه هو الربا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع والتي هي آخر مرة خاطب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته حيث قال: (إلا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب) ونحن نعرف أن ربا الجاهلية بإتفاق العلماء هو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم وخصيصته هي أن يقول صاحب الدين للمدين عند حلول أجل الدين أما أن تقضى وإما أن تربى. فإن لم يقضى زاد المدين المال وزاد الدائن الأجل.
أما ربا الفضل الذي عرفه السيد قطب بأنه: (هو أن يبيع الرجل الشئ من نوعه مع زيادة. كبيع الذهب بالذهب. والدراهم بالدراهم. والقمح بالقمح. والشعير بالشعير… وهكذا) فهو محرم أيضاً، ولكن تحريم وسائل من باب سد الذرائع لا تحريم مقاصد كما حرم ربا النسيئة وما حرم سداً للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة وقال ابن القيم (والذي يقضي منه العجب مبالغتهم في ربا الفضل أعظم مبالغة ( ابن القيم – أعلام الموقعين الجزء الثاني صفحة 161) (وانظر أيضاً أعلام الموقعين السر في تحريم ربا النساء صفحة 157) (وانظر تفسير آيات الربا سيد قطب صفحة 23).
ويؤكد هذا الرأي ما قال به ابن حجر الهيثمي حيث قال (كان الربا يتم بأن يدفع الرجل ماله لغيره إلى أجل على أن يأخذ منه كل شهر مقداراً معيناً ورأس المال باقٍ بحاله، فإذا حل الأجل طالبه برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زاد في الحق والأجل). أنظر الزواجر الجزء الثاني صفحة 180، وروى مثل ذلك أيضاً الإمام فخر الدين الرازي. أنظر مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير الجزء الثاني صفحة 351.
أما الدليل على أن الربا يتخذ صورة التضعيف فهو ما أكده قول الله سبحانه وتعالى (يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة)، وقد ورد في سبب نزولها (إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف وفي السن (العمر) يكون للرجل فضل دين فيأتيه الدائن إذا حل الأجل فيقول له تقضي أو تزيدني. فإن كان عنده شئ يقضيه قضى وإلا حوله إلى السن التي فوق ذلك إن كانت إبنة مخاض يجعلها إبنة لبون ثم حقه ثم جذعه ثم رباعياً وهكذا إلى فوق، وفي العين يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القادم فإن لم يكن عنده أضعفها أيضاً فتكون فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة، يضاعفها له كل سنة أو يقضيه) أنظر تفسير الطبري الجزء السابع صفحة 305 تحقيق محمود شاكر، وانظر أسباب النزول لجلال الدين السيوطي صفحة 43.
لقد بين أهل اللغة والتفسير أن (المضاعف) تفيد إعطاء مثل الشئ مرات (والضعف) إعطاء المثل مرة لذلك ورد قوله تعالى في القرآن الكريم (إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تكُ حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً) سورة النساء 39، أنظر المسير في علم التفسير لإبن الجوزي.
ثالثاً: موقف أهل العلم وكبار رجال الفتوى في الإسلام من المصارف:
إن إستعراض مجمل الأحكام المسلم بها لدى أهل العلم وكبار رجال الفتوى في الإسلام يبين لنا مايلي:
1/ إن الربا محرم تحريماً (قطعياً) لا شك فيه.
2/ إن الربا المجمع على تحريمه بلا شك هو ربا (النسيئة) الذي كان في الجاهلية وقد بينه الإمام أحمد لما مثل عن الربا (الذي لا شك فيه) فقد بينه وميزه عن غيره بأن وصفه بأنه (أخذ الزيادة في مقابل التأجيل) فقال: (هو أن يكون له دين فيقول للمدين إذا حل الدين إما أن تقض وإما أن تربي فإن لم يقض زاد المدين المال وزاد الدائن الأجل). أنظر الجزء الرابع من فتاوي الشيخ رشيد رضا صفحة 1343.
ويقول بن القيم رحمه الله عن ربا النسيئة (هو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاد في المال حتى تصير المائه عنده آلافاً مؤلفه وفي الغالب لا يقبل ذلك إلا معدوم محتاج فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستفرق جميع موجوداته. (إبن القيم أعلام الموقعين الجزء الثاني صفحة 154).
3/ أما ربا الفضل فقد حرم سداً للذريعة، وما كان كذلك فيجوز (للمصلحة) كما قال به العلامة بن القيم وقال السيد رشيد رضا في فتواه (واعلم أن الزيادة الأولى في الدين المؤجل هي من ربا الفضل) وإن كانت لأجل التأخير، لكن (ربا النسيئة) المعروف هو ما يكون بعد حلول الأجل لأجل الإنساء (أي التأخير) أنظر فتاوي الشيخ رشيد رضا الجزء الثاني الصفحات (607-608) ومعنى ذلك ان النص عند عقد الدين على الزيادة على أصل الدين في مقابل الأجل المحدد في العقد وطلب المدين تأجيله في مقابل حلول أجل الدين وذلك لأجل الإنساء فقط أي التأخير فقط للدين القديم فهذا ربا لا شك فيه ولا تجوز إباحته حال من الأحوال.
4/ قال ابن القيم رحمه الله في موضوع المصلحة في كتاب زاد المعاد تحت عنوان حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في بيع الرجل ما ليس عنده (الشرائع مبناها مصالح العباد وعدم الحجر عليهم فيما لابد لهم منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به فتناول رحمة الله (الضرورات) أولاً في قوله فيما لابد لهم منه ثم تناول الحاجات وهي مادون الضرورات في قوله (ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه في المصلحة أيضاً (أن كل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج، وهو منتف شرعاً) وهذا أيضاً في موضوع الحاجات التي هي دون الضرورات).
وقال الإمام موفق الدين بن قدامه في المغنى (إن ما فيه مصلحة من غير ضرر بأحد فهو جائز وأن الشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها وإنما يرد بمشروعيتها). أنظر المغنى الجزء الرابع الصفحة 360.
وقال ابن حزم رحمه الله (المفسدة إذا عارضتها مصلحة راجحة، قدمت المصلحة والغي إعتبار المفسدة) ومن ذلك أيضاً القاعدة الشرعية في مختلف المذاهب وهي أن المفسدة إذا عارضتها مصلحة أو حاجة راجحة أبيح المحرم.
5/ إن الحكمة في تحريم الربا هي (إزالة الظلم والجشع) بنص القرآن الكريم والمحافظة على فضيلة التراحم والتعاون، وأن لا يستغل الغني حاجة أخيه الفقير، وهذا هو المراد بقوله تعالى (وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) وقال الشيخ رشيد رضا رحمه الله في ذلك (ولا يخفى أن المعاملة التي ينتفع ويرحم فيها الآخذ والمعطى والتي لولاها فاتتها المنفعة معاً لا تدخل في هذا التعليل (لا تظلمون ولا تظلمون) لأنها ضد الظلم، وأن المعاملة التي يقصد بها (الإتجار) لا (القرض للحاجة) هي من قسم (البيع) لا من قسم إستغلال حاجة المحتاج. أنظر فتاوي الشيخ رشيد رضا صفحة 850 من الجزء الرابع شرحاً لذلك فيقول (وليس في أخذ الربح من صندوق التوفير والمصارف ظلم لأحد ولا قسوة على محتاج حتى في دار الإسلام).
إن المصارف هي مؤسسات تجارية حديثة لم تكن معروفة في عهد نزول أحكام الربا في الشريعة الإسلامية ولذلك تخضع المصارف لأحكام الشريعة على طريق القياس فإذا كان الشبه كاملاً من غير أي فارق بينها وبين ما قد حرمته الشريعة من الربا القطعي فهي محرمة أيضاً قطعاً أما إذا إختلفت المصارف عن الربا القطعي ولو في بعض الوجوه فليست محرمة تحريماً قطعياً وإنما يجب النظر فيها على أساس مصالح الناس في معاشهم فإن كان معاشهم لا يتم إلا بها فهي جائزة من غير ريب دفعاً للحرج الواجب دفعه عملاً بنص القرآن الكريم.

رابعاً: طبيعة أعمال المصارف:
بعد دراسة مفهوم الربا المحرم في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وموقف أهل العلم وكبار رجال الفتوى في الإسلام من المصارف سوف نحاول هنا دراسة طبيعة أعمال المصارف لنرى هل هي تقع ضمن الأعمال الربوية التي ورد تحريمها في القرآن الكريم تحريماً قطعياً لا شك فيه أم أنها تختلف عنها تمام الأختلاف وبالتالي ينظر إليها ضمن حدود القواعد العامة للشريعة وبالتالي عدم الحجر على العباد فيما لابد لهم منه ولا تتم مصالحهم في معاشهم إلا به وذلك طبقاً لما قال به شيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله حيث قالهو فضل الحلول على الأجل، وفضل العين على الدين) (بدائع الضائع للأسكاني الجزء الخامس صفحة 183)، ويقول أيضاً صاحب البدائع نفسه الجزء الخامس صفحة 187 لا مساواة بين النقد والنسيئة، لأن العين خير من الدين، والمعجل أكثر قيمة من المؤجل وقد عبر بعض الفقهاء عن القيمة المالية للزمن بقولهم (يزاد على الثمن لأجل الأجل) أو بأن (الثمن المؤجل أنقص في المالية من الحال) أنظر في ذلك المبسوط للسرخي الجزء الثاني عشر صفحة 11 والجزء الثاني والعشرين صفحة 45، وتبيان الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي الجزء الرابع صفحة 432، (فقه الشافعي) والقوانين الفقهية لإبن جزي صفحة 290، وبلغة المسالك الجزء 79، والدسوقي على الشرح الكبير الجزء الثالث صفحة 165، والموافقات للشاطبي الجزء الرابع صفحة 41-42، وحاشية الزرقاني على خليل الجزء الخامس صفحة 176 (فقه مالكي) وفتاوي بن تيمية الجزء 29 صفحة 413، 499، 525 (فقه حنبلي).

لاكن سؤالي هنا في حالة ان البنك المركزي يقوم بتحديد نسبة الفائدة وهو الجهة المكلفة من الحكومة ما الحكم في الفائدة المضاعفة التي يفرضها البنك على المقترضيين ؟

منقول من صحيفة السوداني بقلم محجوب عروة

ارباب

10 thoughts on “نشأة الربا وشرعية دور البنوك والمصارف الاسلامية في الربا

  1. جزاك الله خير اخوي الكريم ارباب على نقل هذا المقال وفتح موضوع بهذا الخصوص.امور مهمة جدا وموضوع جيد للنقاش .والى عودة للموضوع لاحقا.

Comments are closed.