مرة اخرى يكذّب علم الآثار في اسرائيل اسطورة “أرض الميعاد” وخطأ إسقاط جغرافية التوراة على فلسطين. فبعد تحقيق مجلة “التايم” (تاريخ 5/12/95) بعنوان “هل التوراة حقيقة ام خيال”، جاءت مجلة “لو نوفيل اوبسرفاتور” الفرنسية (عدد 18- 24/7/2002) تنشر تحقيقاً على امتداد عشر صفحات بعنوان: “الطوفان، ابراهيم، موسى، الخروج: التوراة، الحقيقة والاسطورة الاكتشافات الجديدة لعلم الآثار “، كتبه: “فيكتور سيجيلمان، جان لوك بوتيه، صوفيا لوران”. اضافة الى نحو سبعة كتب نشرت في فرنسا منذ 1998 حول المضمون نفسه وملخصه: إن علم الآثار في فلسطين لم يؤكد ما جاء في اسفار التوراة، وبالتالي فان “ارض الميعاد” الكنعانية التي تفيض “لبناً وعسلاً” (والحقيقة لباناً وعسلاً)، ليست في فلسطين، وعليه فالاسطورة الصهيونية عن ارض الاجداد باطلة.


من ناحية اخرى فقد سبق للدكتور كمال الصليبي، ان كان رائداً في هذا المجال عبر كتابه “التوراة جاءت من جزيرة العرب” (عام 1985) ولكاتب هذا المقال، كتاب “التوراة العربية واورشليم اليمنية” (عام 1994). واذا كان يحق لنا بتأييد من “علم الآثار الاسرائىلي” ان نسخر من الذين تهجموا علينا، من الجهلة وبعض مدرسي التاريخ (او باعة التاريخ المستورد على العربات)، خصوصاً في الجامعة اللبنانية، فاننا ندعوهم وقد كانوا تلامذة لاساتذتهم في الغرب، ان يشمّروا عن سواعدهم، وان يعيدوا النظر بكل التاريخ القديم الذي نقلوه ونشروه استناداً الى جغرافية التوراة في فلسطين ومحيطها، وان يعيد “علماء الآثار” اذا وجدوا، النظر في ما يدرسون خصوصاً ان سادتهم جعلوا التوراة مفتاحاً لاثريات بلاد الشام ومصر. “فالكنيسة القريبة تشفي”، اذا كان الناذر مؤمناً.


اسرائيل فلنكشتاين: الاثريات لم تؤيد التوراة”
في مقابلة مع “اسرائيل فلنكشتاين (مدير كلية الآثار في تل ابيب)، جاء “ان الحفريات الاثرية سيطر عليها نص التوراة، الذي كان يعتبر مقدساً، وكان ينتظر ان تصدق الحفريات وتؤكد الروايات التوراتية. وحتى عام ،1960 لم يكن اي عالم آثار يشك في التاريخية المقدسة لرحلات الآباء (اي انبياء التكوين والخروج) . وكان المهم العثور على موجودات اثرية تؤكد النص. لكن منذ ذلك الحين والاثريات وسط معمعة. بعد ذلك جرّب علم الآثار معرفة وفق اية مقاييس يتطابق الشاهدان: النص والاثر.


“معظم الباحثين درسوا تاريخ العبرانيين والاسرائيليين استناداً الى التواتر السردي للنص: مرحلة الآباء. الوصول الى مصر، ثم الخروج وغزو بلاد الكنعان لا الارض الموعودة) ثم الاستقرار وانشاء مملكتي اسرائيل واليهودية. اننا اليوم نسير الطريق بالعكس. من الاكثر حداثة حتى الاقدم. لقد جاهرنا لرؤية تاريخ قدماء العبريين يعيشون في اسرائيل منطلقين من وجهة نظر هؤلاء الذين كتبوا هذا التاريخ القديم في مرحلة متأخرة. لقد مكنتنا الحفريات من معرفة شروط حياة الناس في تلك العصور. انطلاقاً من ذلك يمكننا ان نجرب فهم لماذا وكيف كتبوا هذا القسم او ذاك من النص التوراتي”. لقد كتب النص اولاً وتقريباً قرابة نهاية مملكة يهوذا، وتحت حكم يوشيا اي في القرن السابع ق.م. واكمل اثناء النفي في بابل والعودة الى اسرائيل تحت حكم الثور، اي في القرن السادس. وبعدها فان قسماً كبيراً من التوراة كان اسطورياً دعائياً. وما كتب ايام يوشيا كان لدعم توسع مملكته. وليس معنى عدم مطابقة الاثريات المحيطة في مصر وآشور مع نص التوراة، ان النص مبتدع كلياً. ذلك ان التاريخ دائماً ما ينفع في الايديولوجيا. وكان على كاتب النص ان يستند الى اساطير مبنية حول ابطال سابقين انتقلت اخبارهم شفاهاً من جيل الى جيل.


“لقد اراد يوشيا ان يمدّ مجال سيطرة “اليهودية”، حيث مملكة اسرائيل لم تكن موجودة، وتأثير امبراطورية الآشوريين الى تراجع ومصر في انشغال داخلي. لذلك اسند طموحه وامنيته عبر تعظيم امجاد داوود وسليمان اللذين لم يكونا كما تصورهما النصوص. فالاكتشافات الاثرية الاخيرة تعلمنا ان داوود وسليمان كانا غالباً ملوكاً صغاراً على مدينة اورشيلم، التي كانت في حينه (القرن 9-10) قبل الميلاد) مدينة بائسة مشيدة على منحدر، محاطة بالقرى، والشعب كان قليلاً، وبالمجموع امياً منعزلاً وغير مستقر.


“اننا نعلم الآن، ان الاستيلاء على بلاد الكنعان لم يكن بالوصف البطولي لنص التوراة، ولكن عبر هجرة طويلة متعبة لعشائر سامية، تمت خلال قرن لانشاء ما يعرف بارض الميعاد. ان عظام الجمال التي عثر عليها الاثريون لا تتطابق مع وصف الجمال التي كانت مع قافلة ابراهيم كما جاء في النص، بل هي تعود لجمال استخدمت بعد عدة قرون، ايام الآشوريين.


“ان الاوساط المتدنية تجهل علم الآثار، ولا يهمها البحث، بقدر تصديق ما هو امامها في النص. وابحاثنا صفعت بشدة مشايخ الصهيونية الذين انشأوا اسرائيل والذين يريدوننا كما “ايغال يادين” ان نحمل لهم ما يؤكد النص لا العكس”.


فيكتور سيجلمان: علم الآثار ضد اسرائيل، ولكن!
اما فيكتور سيجلمان، وان كان اكثر جرأة من فلنكشتاين، الا انه صهيوني بامتياز شديد. اذ كما حمل الشعب الفلسطيني وزر التفسير الصهيوني الغربي للتوراة يريد تحميله ايضاً وزر سقوط الوهم التوراتي وتجلياته في النفي والاقتلاع. يقول: “بالنسبة للفلسطيني، فان شرعية وجود دولة اسرائيل هو المطروح، وليس فقط الاراضي التي احتلت عام .1967 فبعد المؤرخين الجدد، جاء دور الاثريين الجدد في اسرائيل، الذين وضعوا النص التوراتي محل الشك خصوصاً حول تاريخية الآباء والانبياء وحول معبد سليمان. وعليه ان الايديولوجيا الصهيونية التي اسس اليهود دولتهم على ارض الاجداد بناء عليها لم تعد بالحسبان. ان علماء الآثار لم يعثروا على اي اثر لخراب معبد، ولا مملكة متألقة لسليمان ولا اي شيء آخر. والنص التوراتي الذي ليست له قاعدة مادية حقيقية، ليس سوى اختراع ادبي. لكن ذلك لا يبدل ابداً ارتباط الشعب اليهودي بهذه البقعة المسماة ارض اسرائىل، وبالعربية فلسطين.


“سواء كان الاجداد حقيقة ام خيالاً، فان قوة الاسطورة الوطنية ليست في حاجة الى اثبات كي تنمّي ديناميكية الانبعاث الوطني للشعب. ان شرعية اسرائيل دولية من الامم المتحدة، مثل شرعية دولة فلسطين المقبلة. فاستخدام علم الآثار لاثبات غياب الرابط التاريخي بين اليهود وبلاد اجدادهم، بهدف تلبية تطلعات الشعب الفلسطيني، مسألة لا طائل منها وخطيرة…”.


لا اثر لابراهيم
اما محرر التحقيق جان لوك بوتييه، فيرى “ان لا اثر قدم لابراهيم. فاثبات وجود ابراهيم مسألة ميئوس منها حسب ابحاث اسرائيل فلنكشتاين. لانه مع ابراهيم يترك النص التوراتي الاسطورة عن الطوفان والجنة، ليلقي بنفسه في الجغرافيا التاريخية. من الممكن متابعة رحلة ابراهيم من اور الكلدان في العراق (والحقيقة انه في النص العبري للتوراة رحل من اور قاصديم، وهي منطقة يافع السفلى او بلاد بني قاصد في جنوب اليمن) نحو مصر، ثم عاد من مصر الى حبرون في ارض كنعان. وهكذا فان ابراهيم هو البداية في تاريخ اسرائيل، وعبر التضحية باسحق، فانه لعب دوراً في الوعد بارض الميعاد، وفي تكملة سلسلة النسب والارتباط بالاله. لقد درست كل اثريات منطقة اور (في العراق) وماري واوغاريت (في سوريا) في المرحلة نفسها لهجرة ابراهيم. ولكن لا اثر له!.


وفي الوقت نفسه، فان ضريح الآباء في حبرون (مدينة الخليل) حيث يتقاتل اليوم المسلمون واليهود، هو مكان احتفالي تقليدي منذ زمن متأخر. ان ابراهيم شخصية تقريرية، فهو الذي قطع بين تعدّد الآلهة وارتبط بإله واحد في التوراة، واستناداً الى هذه المسألة ترتبط اليوم الاديان الثلاثة”.


وتحت عنوان “الحوار بين المؤرخ والمؤمن، اسطورة فعلية”، يرى الكاتب نفسه، ان التوراة ليست كتاب تاريخ. فالطوفان اسطورة، وابراهيم خرافة، وموسى والفرعون كانا اقل واقعية ومملكة اسرائيل لم تبدأ مع دامود وسليمان، فما هي التوراة اذن؟ انها مكتبة يتبدل هيكلها”. ثم يعرض الكاتب لما نشر من نقد للتوراة في القرون الثلاثة حتى بداية القرن العشرين في اوروبا، حيث بدأت اعمال الاثريات عام 1890 على يد قسيس فرنسي. لكنه، وان انكر التارخ في التوراة، الا ان لم يهمل المشروع الصهيوني المبني على طرد الشعب الفلسطيني، استناداً الى “حق تاريخي”، لذلك يلجأ الى الفرنسي ارنست رينان ليقول: “ان التوراة يمكن ان تتضمن تاريخاً”.


لا اثر لأريما التي دمرها يشوع
يرد في النص التوراتي، ان خليفة موسى يشوع بن نون، هاجم ملوك الكنعان (بالعشرات كانوا، ولم يتطرق احد لمعنى كلمة ملك في النص) وقلاعهم، ومن ضمنها أريماالتي تلفظ سريانياً وعبرياً (يريخو)، فيقول جان لوك بوتييه: “اهتزت وتهدمت اسوار وحصون أريما تحت وقع اصوات ابواق يشوع. انها الصورة الاكثر انتشاراً من مرويات التوراة. لقد ذهب علماء الآثار بحثاً عن اثر الحصون تلك. ولكن للاسف لا شيء. وبكل بساطة، فان هذه المدينة (مدينة أريما في الضفة الفلسطينية) لم تكن موجودة في القرن الثامن قبل المسيح!”.


في حين ان صوفيا لوران تؤكد ان النصوص المصرية (نصوص بلاد القبط) الاثرية لم تؤكد وللاسف نصوص التوراة وان معظم الباحثين يؤكدون انه من العبث البحث عن قصة موسى والفرعون التي لسنا على يقين من حدوثها، والتي اذا حدثت فانها كانت تخص قلة من الناس”. كما ان الكاتبة نفسها تلخص الجهود المضنية للتحقق من حدوث مسألة “الطوفان الضائع”، فما سُمّي بسفينة نوح في ارمينيا لم يكن صحيحاً، كما ان ورود اخبار الطوفان في الاثريات العراقية، دفع علماء اميركيين للبحث عن طوفان في البحر الاسود وهكذا.

نعم انبياء التوراة حقيقة تاريخية


وهكذا، اذا لم يجد العلماء اثاراً في فلسطين تدلّ على الاحداث التاريخية في التوراة، لجأوا الى اعتبارها اساطير وخرافات دونما طرح السؤال البسيط: هل نبحث في المكان الخطأ؟ ان مشكلة الفكر الغربي، الوالد الشرعي للفكر الصهيوني، انه امضى القرون الثلاثة الماضية ليؤكد قصة ارض الميعاد، وليخضع كل ابحاثه الاثرية والتاريخية لمصلحة التفسير التوراتي، وينفي وجود الشعب الفلسطيني، نراه اليوم وقد فشل في دعم ركائز التفسير الصهيوني، يلجأ الى نفي وجود الانبياء والى جعل التوراة اسطورة دونما خجل أيضاً!


لكن الحقيقة ان مسرح التوراة كان هناك في اليمن. فمن ابناء نوح حسب التوراة أزال وحضرموت. وآزال اسم صنعاء عاصمة اليمن حتى القرن السادس ميلادي او مدينة سام. كما ان ابرهيم رحل من حاران في يافع السفلى (اور قاصديم في التوراة) جنوب اليمن التي كانت تسمى بلاد بني قاصد، الى مصر، ولم يسأل الفكر الغربي (الذي يتجاهل العلاقة بين العربية والسريانية والعبرية)، ان التوراة تتحدث عن (مصرايم) المسقطة اليوم على دولة مصر التي كان اسمها التاريخي قبل الاسلام، بلاد القبط – الغبط، وان هذا الاسم (إيجبت) هو السائد في اليونانية واللغات الاوروبية المشتقة من اللاتينية. ويجهل ان مصرايم – مصر في القاموس العربي هي الحاجز والقلعة.وان مخلاف السمول اليمني يسمى تاريخياً مصر اليمن، وهو يقع جنوب صنعاء. ثم ارتحل ابرهيم الى حبرون ودفن في مغارة المكيفلة. وما زالت مدينة حبرون باسمها السرياني في منطقة الواحدي شمال عدن وقربها قرية المقيبلة وهي المكيفلة سريانياً. وان ابرهيم تغرب في جرار وهي تقع جنوب غرب صنعاء. كما ان حصن اريما ما زال باسمه السرياني (يراخ) جنوب غرب صنعاء. وهكذا مئات الاسماء الكنعانية الواردة في التوراة، والتي ثبتناها في كتابنا “التوراة العربية واورشليم اليمنية”.


خلاصة
ان الفكر العربي يلام تاريخياً واثاراً، ولا يلام الفكر الغربي. فمسرح انبياء التوراة كان في اليمن، وفراعنة يوسف وموسى كانا الوليد بن الريان والريان بن الوليد بشهادة المؤرخ اليمني الهمداني في “كتاب الاكليل”، واليهود عشائر عربية نسبة للبني هود “الوارد ذكره في سورة هود، والذي كان في الاحقاف شمال حضرموت


__________________


منقول عن الكاتب فرج الله صالح ديب

9 thoughts on “هلموا يا اهل الجزيرة التوراة جاءت من جزيرة العرب

  1. نداء السراة
    اختطاف جغرافيا الأنبياء

    السراة : سلسلة جبال السراة

    تأليف: جمعية التجديد الثقافية

    http://www.4shared.com/file/12760099…7b/__-___.html

    الناشر:

    ماذا يحدث عندما تغيب حضارة عريقة؟ ماذا يحدث عندما يخطف تاريخ حقبة؟ ماذا يحدث عندما يسلب تراث أمة؟ ماذا يحدث عندما تنتهك قدسية الإنسان؟ ماذا يحدث لو كل ذلك حدث؟ هل تموت الحقيقة؟ أم تتوارى عن الأنظار، لتعود ولو بعد حين، كعودة أصحاب الكهف إلى المدينة؟ فترى، عل يحتمل سكان المدينة أصحاب الكهف بالمدينة؟ أم ما زال الظلام بالمدينة؟ وترى، هل تقبل بلاد وادي النيل بعودة حضارة القبط الغربية؟ أم ما زالت مصر بالمدينة؟ وهل يعود الأقباط المغربون لديارهم على ضفاف النيل؟ أما مازال المصريون بالمدينة؟ وهل تقبل نجد بعودة موطن آباء الخليل إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟ أم مازال ذكراهم حبيس أور الكلدانية؟ وهل تقبل الحجاز بعودة إبراهيم وبنيه إسحاق ويعقوب؟ أم ما زال ريح ذكراهم رهين القبط وحاران الشامية؟ وهل تقبل جبال عسير بعودة مصر يوسف؟ أم ستبقى رهينة بصحراء التيه اليهودية؟ وهل ستقبل وديان الجزيرة بنهر فراتها؟ أم سيبقى سجين ضفاف أحواض عراقية؟ وهل ستقبل قيعان تهامة بيم الكليم؟ أم سيبقى حبيس حروف التوراة السبعونية؟ وهل.. وهل.. فهل هناك من يسمع نداء لجبال السراة لتعود الحقيقة إلى المدينة؟ فهل تحتمل عودتها المدنية؟ أم ما زال الظلام بالمدينة؟

    هذا الكتاب صدر عن جمعية التجديد الثقافية في مملكة البحرين الشقيقة يبحث في التحريف الذي وقع في التوراة “السبعونيّة” وآثار هذا التحريف على الأمّة العربيّة والإسلاميّة والعالم أجمع .

    يذهب هذا البحث إلى أن التحريف في التوراة بدأ قبل ولادة نبي الله عيسى (ع) بثمانية قرون عندما ترجمت التوراة من اللغة السريانيّة إلى اللغة الفينيقيّة “اليونانيّة”، فيما عرف بالتوراة ” السبعونيّة”، وتمّ في هذا التحريف تغيير جغرافيا الأنبياء (ع) فنقل الأنبياء إبراهيم وبنوه (ع) من أرض السراة في الجزيرة العربيّة إلى العراق وبلاد الشام وبلاد وادي النيل، ومُسح شعبُ الأقباط العريق الموحد من خارطة بلاد وادي النيل ليسمى مكانه شعب آخر عرف بالفراعنة ووسم بالشرك والوثنيّة، علمًا بأنّه ليس هناك في التاريخ إلا فرعون واحد هو قابوس بن مصعب وهو شيخ عربي عاش في أرض السراة بمنطقة تسمى “مصر”، وقد هلك فرعون وآل فرعون بنص القرآن الكريم (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) (يونس:90)، (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (البقرة:50)، ولم يسمِ القرآن الكريم أحدًا قبله ولا بعده بهذا الإسم، فكبير القوم في مصر في عهد نبيّ الله يوسف (ع) سماه القرآن ملكًا ولم يسمه فرعونًا علمًا أنَّ زمانه يبعد عن زمان موسى (ع) بـ 150 إلى 200 سنة تقريبًا: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ) (يوسف:43)، (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) (يوسف:50)، (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ) (يوسف:72) ( مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (يوسف:76)، وما نسب إلى رسول الله (ص) أنَّه سمى بلاد وادي النيل مصر فلأنَّه (ص) كان يتعاطى بشكل طبيعي ومنطقي مع ما تعارف عليه أهل زمانه من أسماء البلدان.

    تتوافق الفترة الزمنيّة التي عاش فيها موسى (ع) مع حكم الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة لبلاد وادي النيل ويمتد حكمها بين 1500 إلى 1200 ق.م ولا تجد اسمًا من أسماء ملوك هاتين الأسرتين يحمل اسم فرعون. أمّا كيف بدأ هذا التحريف وما هي دوافعه وأهدافه فيقول الكتاب: ” في القرن الرابع ق.م. أقام الإسكندر الأكبر مملكة عظمى بعد أن سيطر على ممالك: القبط وبابل وغرب الهند وفارس، فهيمنت اللغة اليونانيّة على الممالك التي دخلت تحت حكم الإغريق، وبعد وفاة الإسكندر الأكبر بحين طلب الملك بطليموس الثاني (246-285 ق .م) من كهنة اليهود ترجمة التوراة من اللغة السريانية إلى اللغة الإغريقيّة “اليونانية” لأهداف سياسيّة واقتصاديّة كان يطمح في تحقيقها. ويورد الكتاب نصًا لوثيقة غربية قديمة لكاتب يهودي يعود تاريخها إلى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وتعرف برسالة أريستيس Letter of Aristeas, تقول: أن وجهاء اليهود شكلوا فريقًا لتلبية طلب الملك اليوناني. يتكون من 70 إلى 80 كاهنًا يهوديًا للقيام بهذه المهمة الأولى من نوعها في تاريخ اليهود، وأنجزوا مهمتهم في سبعين يومًا وعرفت هذه بالتوراة ” السبعونيّة Septuagint يرمز لها ب LXX ..

    في التوراة ” السبعونيّة” تمَّ تحريف الأسماء والأماكن وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (النساء:46)، ( وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ) (المائدة:41) (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (البقرة:79) وكان من تحريفهم أن حددوا أرضًا موعودة لليهود يطالبون بها العالَم، تمتد من النيل إلى الفرات، وحذفوا اسم مصر ومصريين واستبدلوهما بالقبط والأقباط, وكسد إلى كلد, وكوث إلى أور, وحوران أو حرّان إلى حاران..الخ. ونقلوا الأنبياء الكرام إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وأبناء يعقوب من الجزيرة العربيّة إلى العراق والشام والقبط “وادي النيل، وأخفوا هوية ملك القبط أيام يوسف (ع) “الريان بن الوليد” ونقلوه من الجزيرة العربيّة إلى بلاد وادي النيل، في حين أنَّ ملوك وادي النيل أقباط موحدون. واستفادوا من عادة “التيمُّن” المعروفة قديمًا عند النّاس بأن يسمى الأشخاص والأماكن والأنهار بأسماء الأشخاص والأماكن والأنهار المقدسة تيمنًا وتباركًا فسموا النهر الجاري في العراق بالفرات تيمنًا بنهر الفرات الأصل في الجزيرة العربية، وأضفوا على الأرض التي يحكمها بطليموس صفة التقديس عندما نقلوا إليها أنبياء الله إبراهيم ويعقوب ويوسف (ع).

    ومع مرور الزمن أصبح هذا التزوير مع الأسف حقائق لدى الشعوب، وأصبح من المسلمات، خصوصًا بعد أن نفذت الإسرائيليات إلى التراث الإسلامي والمسيحي على السواء. ففي الغرب وبعد أن ترجمت التوراة إلى اللغات الغربيّة انتشرت أفكار ومسميات التوراة في الكتب والكنائس والمحافل. فوقع انفصام ثقافي ترسخ مع تعاقب الأجيال بين ما يفهمه الإنسان الشرقي وما يفهمه الإنسان الغربي، فالغربي يسمي بلاد وادي النيل ” إيجيبت” وشعبها ” إيجبشن” والشرقيون يسمونها مصر وشعبها بالمصريين.

    بعد ذلك يرسم الكاتب جغرافيا جديدة لأماكن تواجد الأنبياء فيقول: إنَّ إبراهيم (ع) ولد في حوران النجدية التي تقع على مسافة 300كم إلى الجنوب من مكة لا أور العراقية كما تزعم التوراة، ثم هاجر (ع) برفقة لوط (ع) بعد تكسيره الأصنام إلى وادي عرفة وسكن أرض نمرة في المكان الذي يعرف اليوم بمسجد نمرة لا إلى حوران الشاميّة كما تزعم التوراة. كانت أرض نمرة حينذاك حقلاً زراعيًا لشخص يسمى عفرون بن صوحر فتحور هذا الإسم إلى خبرون أو حبرون باللسان السرياني. كما حور اسم وادي عرفة إلى عربة. وأسقط الاسمان حبرون وعربة على مناطق بأرض فلسطين لاحقًا. والأرض المباركة هي مكة وليست حوران كما تقول التوراة.

    ولُقب إبراهيم (ع) بعد أن عبر إلى وادي عرفة بالعابر أو العبري وتلك تسمية يطلقونها على كلّ عابر يعبر إليهم من الجهة الغربية التي تضّم قمم جبال السُّراة، واشتغل (ع) بالرعي والتجارة مع الأسواق المجاورة لمكة والمعروفة في ذلك الوقت بالأمصار وقد عرفت لاحقًا بالأسواق, كسوق عكاظ وسوق ذو المجاز ومجنة وغيرها. واشترى من هناك جارية تسمى ” هاجر” وتزوجها لاحقًا.

    افترق لوط (ع) عن إبراهيم (ع) بسبب شحة المراعي غير المملوكة بعرفة نتيجة لازدحام المنطقة بالسكان فانتقل لوط (ع) إلى أقرب منطقة غير مملوكة بالقرب من مكة، أمّا إبراهيم فبقي في مكانه ودعا الله أن يرزقه قطعة أرض فسيحة في محل إقامته بعرفة يستقر ويرعى فيها غنمه. فرزقه الله أرضًا مدَّ بصره وبها جدول ماء، وهذه المنطقة تعرف اليوم بوادي عردة وهو أحد حدود وادي عرفة.

    علَّم الله تعالى إبراهيم (ع) مكان الكعبة وكان بوادٍ مهجور بسبب خلوه من المياه. وكان يبعد 10 كم تقريبًا عن مضارب خيام إبراهيم (ع) بعرفة، فسكن إبراهيم وزوجته وابنهما إسماعيل(ع) بطن الوادي. وبعد أن نبع الماء تحت أقدام إسماعيل (ع). زّم إبراهيم البئر وتملكه وجعله مشاعًا لكل النَّاس, وسمي البئر بئر سبع أو شبع والذي يعرف اليوم ببئر زمزم وسمي بطن الوادي باسم البئر في ذلك الزمان حتى استعاد اسمه العريق لاحقًا وصار يعرف بمكة.

    لمّا كبر إسماعيل (ع) رأى إبراهيم (ع) في المنام أنَّه يذبحه ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102) وبعد موافقة إسماعيل (ع) على الذبح أخذه أبوه إلى وادي منى المحاذي لوادي عرفة لتنفيذ الرؤيا الإلهية. هذه الحادثة العظيمة تركت معالم الجمرات الثلاث ومذبح منى وهي من شعائر الحج عند المسلمين.

    كان لقاء إبراهيم (ع) بالملائكة الكرام (ع) الذين جاءوا لعذاب قوم لوط (ع) في مكان يعرف اليوم بمسجد الخيف بالجزيرة العربيّة بالقرب من الجمرات الثلاث وبشروه بإسحاق (ع).

    لمّا بنى إبراهيم (ع) البيت بمعونة إسماعيل (ع) أذَّن بالحجّ وأخذ يذّكر ويعلم المقيمين والوافدين للتجارة علوم التوحيد إذ كانوا مقيمين على عبادة الكواكب والشمس، فآمن به النّاس وعُرف هؤلاء المؤمنون برسالة إبراهيم (ع) بالحنفاء وبقوا حتِّى مبعث محمّد (ص).

    تحول بطن الوادي بمكة إلى مِصْر تجاري وتحولت إليه خطوط القوافل المجاورة لوجود الماء، سكن يعقوب(ع) وأبناؤه قرب خطوط القوافل بالقرب من مكة. والجبّ الذي رمي فيه يوسف (ع) يقع بالقرب من مكة على طريق السيَّارة وحُمل إلى قرية مصر التي تقع قرب مكة وبيع هناك بثمن بخس ( دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) ليتخلصوا من تكاليف النقل.

    اشترى زعيمُ القرية الريّان بن الوليد بن ثروان بن أراشة يوسفَ (ع)، وبعد السجن أصبح يوسف عزيزًا على قرية “مصر” القرآن الواقعة في الجزيرة العربيّة وأسس نظام التخزين لينقذ مصر وما جاورها من القحط، ( فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) فكان يحفظ الحبوب للإنسان والعلف للحيوان “فِي سُنْبُلِهِ”، فوفر الغذاء وحافظ على الحيوان، كما أقام شركة تكافلية انتشر نظامها في الأمصار بعد أن حقق نجاحات تجارية بسبب النظام التكافلي التجاري الجديد. ولمّا التحق به أبوه يعقوب (ع) وإخوته وأهاليهم وكان عددهم سبعين نفسًا عملوا بالتجارة وكونوا النواة الأولى لبني إسرائيل. ولمّا توفي يعقوب ويوسف (ع) نُقِلا إلى مكة حيث دفن أجدادهم إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وهاجر وسارة “ع”.

    تولى حكم مصر القرآن فيما بعد قابوس بن مصعب بن معاوية بن نمير بن السلواس بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاوذ بن سام بن نوح، وعُرف بين الناس بفرعون حيث طغى هذا اللقب على اسمه. اضطهد فرعون بني إسرائيل واستغلهم لمنافعه الخاصة فبعث الله موسى (ع) وهو ابن حفيد أخ يوسف “لآوي” لاستنقاذهم مما كانوا فيه وليرجعهم إلى الأرض المقدسة “مكة” لخدمة الرب والعمل على هداية الناس، فآمن جمع من بني إسرائيل بموسى ويقدرون بمائه وخمسين نفسًا، ولمّا خرجوا معه من مصر تبعهم فرعون “قابوس” وجنوده فأغرقهم الله في أحد الأنهار القريبة من مصر ويدعى بيم ساف أو سوف حوالي سنة 1300 ق.م. (فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (لأعراف:136)

    توجه موسى مع بني إسرائيل إلى مكة ولما رفضوا منازلة العمالقة الجبارين دخلوا في التيه أربعين سنة (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) (المائدة: 21/ 22)، فالأرض المقدسة مكة المشرفة.

    بعد عهد داوود (ع) أخذت الحركة التجارية تنشط بالأمصار العربية وأخذ بنو إسرائيل يحققون أرباحًا كبيرة على حساب النظام الاقتصادي الدولي القائم مما أدى إلى رفع أسعار البضائع المصدرة والمستوردة المارّة بمصرهم, فأثار ذلك حفيظة ملوك الدول المجاورة فهاجمهم شيشانق ملك القبط حوالى سنة 941 ق.م ثمَّ غزاهم ملك أشور نبوخت نصر وأزاحهم من المواقع الاستراتيجية في الأمصار التجارية وهدم معبد داوود (ع) وسباهم إلى بابليون بالجزيرة العربية لا بابل العراقية.

    عمد بنو إسرائيل في السبي ببابل إلى جمع المدونات الإسرائيلية الموروثة وأعادوا ترتيب محتوياتها وأضافوا إليها ما يخدم أغراضهم السياسيّة والإجتماعيّة والإقتصاديّة، كأن جوزوا لأنفسهم ظلم من ليس منهم كقوله تعالى: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75)، اكتمل جمع التوراة في أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الثالث ق.م. وبذلك أصبح لليهود كتابٌ مقّدسٌ ” التوراة” وأدخلوا تحريفات في هذه ” التوراة” من ضمنها أنَّهم اعتبروا أرضي جبال سراة عسير والتي تبلغ 550 كم طولا و200كم عرضًا والتي تمتد من الطائف إلى اليمن حقًا إلهيًا لأسباط بني إسرائيل، وكان هذا هو التحريف الأوّل للتوراة.

    وبعد العودة من السبي استوطن بنو إسرائيل الأمصار التجارية المهمة كمكة وخيبر وتيماء ويثرب وشبوة ومأرب ومنوف بالقبط وغزة بالشام وغيرها من الأمصار الاستراتيجية وذلك لممارسة مهنة التجارة فأسقطوا أسماء تيمنيَّة توراتية على الأرض التي سكنوها ولكنهم فشلوا في السيطرة على أمصار عسير. وكان التحريف الثاني هي التحريفات التي أدخلوها في التوراة ” السبعونيّة”.

    ويجب التفريق بين بني إسرائيل واليهود. بنو إسرائيل سلالة نسب كما نقول بني هاشم وبني العباس، أمّا اليهوديّة فهي دين يدخل فيه العربي والفارسي والتركي والهندي والروسي وغيرهم تمامًا كالإسلام والمسيحية دين تعتنقه أمم مختلفة ولغات مختلفة، فكيف تورث الله أرضًا لسلالة دون غيرها من خلقه؟ علمًا بأن إبراهيم (ع) سأل الله أن يرزقه أرضًا فسيحة في محل إقامته بعرفة يستقر ويرعى فيها غنمه. فرزقه الله هذه الأرض، هذه الكلمة مططها اليهود فجعلوا المنطقة كلّها من الفرات إلى النيل إرثًا لهم وأجازوا لأنفسهم احتلال بلاد الآخرين وطرد أهلها وهدم المنازل على رؤوس ساكنيها بحجة أنّهم شعب الله المختار وأنَّ هذه الأرض إرث لهم.

    ويدفع الكتاب الضيم الذي وصمت به حضارة بلاد وادي النيل واتهامها بالوثنيّة فيقول: إن هرمز هو إدريس عليه السلام حمل رسالة التوحيد إلى بلاد القبط بلاد “وادي النيل”، وساهم عليه السلام في إقامة حضارة موحدة، فالحضارة في وادي النيل حضارة موحدة وليست حضارة وثنية وملوكها أقباط وليسوا فراعنة، إذ أنَّ فرعون لقب أطلق على فرعون موسى لم يتعداه إلى غيره وأن اسمه الحقيقي هو قابوس وكان ملكًا على مصرًا في الجزيرة العربية لا “مصر” وادي النيل، فاسم جمهورية مصر العربية العريق كان دوما “إكيبتوا” كما يلفظها اللسان القبطي، و إجيبت Egypt كما يلفظها اللسان اللاتيني وهي مملكة القبط، وعندما فتحها المسلمون سنة 20 هجرية سموها مصر لأنّ الأموال كانت تجبى إليها. أمّا مصر التي وردت في القرآن والتوراة قبل تحريفها فتقع في الجزيرة العربية.

  2. مراجع

    كتاب جغرافية التوراة مصر وبنو إسرائيل في عسير
    زياد منى
    الطبعة الأولى
    منشوارت رياض الريس
    1994م


    الرابط


    كتاب مثير للجدل يتحدث حول أصل التوارة ويستدل الكاتب حول تشابة بعض أسماء الأماكن في فلسطين وجزيرة العرب وخصوصا(عسير)…………وأن التوارة أصلها من هناك………..


    وكتاب الحلقة المفقودة في سلسلة الحضارات القديمة للجزيرة العربية


    لدكتور علي سكيف





    وكتاب «جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة» للباحث في علم الآثار/ أحمد عيد، قدم له الأستاذ الدكتور/ أحمد الصاوي عالم الآثار المصري والأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، طبع لأول مرة في فبراير عام 1996م عن مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر بالقاهرة.. والكتاب دراسة بحثية موثقة مرجعيتها النقوش والمخطوطات وأسماء الأماكن في شبة الجزيرة العربية وتحديداً اليمن، ومقارنة بالأسماء في مصر مع الرجوع للتوراة.. وهنا يحاول المؤلف من خلال النقوش الفرعونية إثبات أن أصل الفراعنة هم العماليق بعد أن نزحوا من اليمن إلى شمال الجزيرة «اليمامة» وإلى مصر في عملية انتقال وهجرة عادية، لا دخل للحروب أو الغزوات بها.. وأنهم نقلوا معهم أسماء الأماكن التي كانوا يسكنونها في اليمن.. وكذلك معتقداتهم سواء الديانات السماوية أو الوثنية.

    يمكنكم تحميل هذا الكتاب من الرابط التالي

    http://www.ziddu.com/download/382663…egbat.pdf.html









    الكتاب لا ينفع معه التلخيص أو المراجعة السريعة، كما يحدث في مراجعات الكتب العادية، وليس من خيار لمن يريد أن يتعرف على ما جاء فيه إلا أن يقرأه، وعلى من يقرؤه أن يتمتع بقدر جيد من الجلد والتحمل، فهو لن يقرأ ديوان شعر ، لكنه سيرى بأم عينه كيف يتهاوى هرم من الأساطير والأكاذيب تحت مطارق التحقيق العلمي بالجهد المضني والعمل المرهق عبر الغوص في التاريخ والجغرافيا والأدب، وهذا في حد ذاته متعة لا حد لها لأي قارئ جاد يسعى لأن يتعلم كيف يمكن الوصول إلى الحقيقة.


    لقد اعتمد الباحث في مراجعه التي سيتعرف إليها القارئ أثناء قراءته للكتاب، واتبع منهجا محددا في توخي هدفه، رآه يسهل عليه الوصول إلى قارئه وإن كان غاية في الجهد على الباحث، شرحه في مقدمة الكتاب على التالي: “…إن تقنيات البحث التي سوف يستخدمها هذا الكتاب تقوم على الأساس التالي: سنعرض النص التوراتي بلغته الأصلية مع ترجمة أمينة إلى أقصى حد ممكن، وخصوصا للقصائد والمراثي التي كتبها أنبياء وشعراء اليهودية، ممهدين السبيل أمام وصف الهمداني للمواضع ذاتها وبالأسماء ذاتها. وأخيرا سوف نستخدم توصيف شعراء الجاهلية للأماكن نفسها”.في نهاية المقدمة التي وضعها للجزء الأول، يقول الربيعي مؤكدا ومتأكدا: ” ان الأساطير التي نسجها المستشرقون الأوروبيون، منذ مطلع القرن الماضي عن فلسطين التوراتية قد أدت في النهاية إلى بزوغ فلسطين أخرى لا وجود لها في شرق وغربي نهر الأردن”، ثم ليعلن أن “استرداد فلسطين من أسر المخيالية الاستشراقية وتحرير صورتها نهائيا من هيمنة السرد الغربي هما الهدف الحقيقي لهذا الكتاب”.ويتساءل الربيعي مندهشا ومعه الحق كله، قائلا: “إنه لأمر مدهش حقا أن يكون لدى العرب وثيقة تاريخية دامغة عمرها الحقيقي أكثر من ألف عام، تسرد وتصف لهم الحق التاريخي في أرضهم من دون أن يعلموا بذلك، بل وأن يستمر بعضهم في تصديقه الأوهام والمختلقات والأكاذيب القائلة إن أحداث وقصص ومرويات التوراة دارت في فلسطين”. ترى هل سبب ذلك هو الجهل وحده؟ حسنا، لم يعد الجهل بعد الآن مبررا ليستمر تصديق تلك الأكاذيب، فأنا أشهد أن فاضل الربيعي قد بلغ (بالتشديد على اللام).


    يبقى أن نقول، نحن الذين تهمهم فلسطين ويهمهم أن تكون عربية، “إن استرداد فلسطين من أسر المخيالية الاستشراقية وتحرير صورتها من السرد الغربي” يعني نسف كل المزاعم والأساطير التي قامت عليها كل الأفعال والأعمال السياسية والعسكرية والاقتصادية التي وقعت في القرن الماضي وسمحت وبررت وأدت بالفعل إلى قيام (دولة إسرائيل).



    يعرض الدكتور فاضل الربيعي دراسة تاريخية قام بها يؤكد من خلالها زيف الادعاءات الإسرائيلية في القدس .هذه الدراسة نشرها حديثا بعد البحث والتحقيق على مستوى التاريخ والشعر الجاهلي في كتاب من جزأين تحت عنوان “فلسطين المتخيلة” أرض التوراة في اليمن القديم.


    يرد الدكتور على ادعاء الإسرائيليين أنهم اكتشفوا آثارا تؤكد وجود مملكة إسرائيل القديمة بأن القدس ليست أورشليم, والتوراة بنصها العبري لا تقول على الإطلاق أن القدس أورشليم أو أن المسرح التاريخي للأحداث الواردة في أسباط التوراة هو في فلسطين, التوراة لم تذكر فلسطين أو الفلسطينيين ولم تقل أن القدس هي أورشليم. ولذلك كل ما يدعيه الإسرائيليون المعاصرون عن وجود آثار لحضارة أو مملكة إسرائيلية في فلسطين هو أمر باطل كليا.الغريب أن التوراة تتحدث عن جغرافية فيها أسماء مثل عدن, حضرموت, أوزال ( اسم صنعاء القديمة).. كما أن جميع المواقع والأماكن الواردة في النصوص التوراتية موجودة في جغرافية اليمن وليس في فلسطين. ورد اسم القدس في سورة “قدش” أو” قدس” وهذا الاسم الوارد في التوراة هو لثلاثة أماكن أو مواضع كل منها جبل وجبل شامخ, بينما لا تقع القدس العربية لا فوق جبل ولا قرب جبل.


    كما أن التوراة لا تقول أن جبل “قدش” هو أورشليم على الإطلاق, والمثير للاهتمام أن نصوص التوراة تتحدث عن ثلاثة أماكن باسم “قدس” أو “قدش” (السين والشين في العبرية, حرف واحد ) ولا يوجد على وجه الأرض أي جغرافية تحتوي ثلاثة جبال تحمل اسم “قدس” أو “قدش” إلا جغرافية اليمن وأطراف الجزيرة العربية وحتى اليوم لا يزال جبل قدس المبارك يطل شامخا على بعد 80 كيلومترا من مدينة “تعز” اليمنية.


    أما فيما يخص الأدلة العلمية التي تؤكد هذه النظرية فيقول الدكتور فاضل الربيعي : اكتشفت وثيقة خطيرة هي كتاب “صفة جزيرة العرب” للهمذاني ولاحظت أن كل الأسماء الواردة في النصوص التوراتية سجلها الهمذاني ووصفها بنفس التسلسل وبنفس الأسماء وهو يصف أرض اليمن, وفضلا عن ذلك أوردت أبياتا من الشعر الجاهلي عن كل موضع ورد في التوراة بنفس الاسم وبنفس الوصف وهذا أمر لا يقبل أن يقع بمجرد المصادفة وإذا ما قمنا بقراءة عربية للتوراة متصادمة مع القراءة الإستشراقية الاستعمارية, فسوف نكتشف ببساطة الحقيقة التالية. إن القدس ليست أورشليم (ما يسمى بمدينة سليمان و داوود) وهي لا تقع فوق جبل وليست قرب جبل. والغريب أكثر أن “سفر صموئيل” الأول والثاني يتحدث عن استيلاء داود على مدينة أورشليم ويقول أن أورشليم هي بيت “بوس” ولا توجد مدينة بهذا الاسم كانت تدعى بيت بوس ثم سميت أورشليم, إلا بيت بوس اليمنية في سلسلة جبل حمير و قد وصفها الهمذاني وصفا دقيقا ووصف حتى مناخها في الصيف. حيث قال شربت ماءا باردا في حيزران (جوان) من بيت بوس, أي أنها مدينة في أعلى جبل وهو ما يتطابق مع وصف التوراة للجغرافية المتنازع عليها.


    أما عن رأي علماء التاريخ اليمنيين في هذه النظرية فقد أكد الدكتور فاضل الربيعي أنه أرسل بالكتاب قبل نشره إلى عالمين يمنيين كبيرين من علماء الآثار والتاريخ هما العلامة الدكتور حسين العمري والدكتور حسين عبد الله وهما عالمان يدرسان في جامعة السربون بفرنسا وقد أرسلا موافقتهما الخطية وصادقا على ما جاء في الكتاب. وقد أشارت دار النشر في مقدمة الكتاب إلى موافقة هذين العالمين على نظرية الكتاب.


    وفي تعليقه عن إمكانية أن تبرر هذه النظرية مطامع الإسرائيليين في أرض العرب وبالأخص اليمن أجاب الدكتور أن اليهود المعاصرون جماعة بشرية لا علاقة لهم بقبيلة بني إسرائيل, فهؤلاء أوروبيون ,بينما قبيلة بني إسرائيل قبيلة عربية بائدة , ولذلك نقول لهم , نعم أنتم يهود ولكنكم لستم من بني إسرائيل, وليس لكم حق تاريخي في أرض العرب بمجرد أنكم إعتنقتم ديانة عربية.واليهودية دين عربي قديم, مثلها مثل المسيحية فموسى لم يولد في استراليا,ولا داود ولد في الدانمارك, ولا سليمان مواطن بلجيكي,هؤلاء أنبياؤنا وينتسبون إلى تاريخ العرب وثقافتهم وأديانهم, ولذلك نكرر القول بأن التوراة الراهنة هي نتاج مخيلة إستشراقية إستعمارية, سعت بكل وسائل التزوير إلى أن تقرأ النص التوراتي بطريقة تعسفية وترغم الجغرافيا والتاريخ فيها على أن يتطابقا مع جغرافيا وتاريخ فلسطين التاريخية ..


    هؤلاء إذن طارئون جاؤوا في موجة استعمارية لاغتصاب الأرض والتاريخ والثقافة.


    إن نصوص التوراة تتحدث عن أورشليم بالتلازم مع ذكر جبل صهيون وتقول بعض روايات التوراة, وأنا قمت بإعادة ترجمتها من العبرية أن داود الملك استولى على أورشليم بعد أن عبر جبل صهيون, ولا يوجد في طول فلسطين وعرضها,جبل يدعى جبل صهيون يؤدي إلى القدس, بينما نجد جبل صهيون في سلسلة جبال اليمن المؤدية إلى نجران, وقد ورد ذكر هذا الجبل بالاسم “صهيون” في شعر الأعشى, وهو يحذر أساقفة نجران المسيحيين عام 524 ميلادي من هجوم تنظمه اليمن بقيادة الملك اليهودي نونواس الحميري وأنه سيأتيهم من جبل صهيون ليدخل نجران, والغريب أيضا أ ن هذا الحادث هو حادث تاريخي صحيح سجله القرآن الكريم في سورة “البروج” آية الأخدود وغيها قال تعالى “قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود”,وهذه الآية الكريمة تتحدث عن الاضطهاد الذي قام به الملك اليهودي اليمني


    لنصارى نجران بعد أن أجتاحها من السلسلة الجبلية المسماة صهيون . وهذه الواقعة تكررت في التاريخ عدة مرات, ذلك أن الدولة اليمنية المركزية كانت تتنازع دائما مع نجران وتعتبرها متمردة عليها.والتوراة تشير في نصوص كثيرة إلى حروب داود بالاستيلاء على مدينة “ربة” وهي ربة نجران وهذا يدلل أن المسرح التاريخي للتوراة لا علاقة له بفلسطين.






    قصة حب في اورشليم ملحمة عشق عربية نقلت إلى التوراة


  3. على الرغم من ذلك فقد برز من بين هذه البعثات من وقف موقفاً رافضاً للربط بين الآثار و التوراة : الألماني البرشت ألت و غوردون تشايلد و كاثلين كانيون التي يشهد لها دورها في حقل الآثار الفلسطينية ، حيث عملت ما بين 1952 إلى 1958 و من 1960 إلى 1961 في البحث و التنقيب في أريحا و القدس و خرجت باستنتاجاتٍ جريئة نقضت الفرضيات القائمة على المدلولات التوراتية غير العلمية و لم يلبث جميع الذين خالفوها في البداية أن أعلنوا صواب و موضوعية اكتشافها .
    فمن اكتشافاتها أن سور أريحا المكتشف يعود إلى العصر البرونزي القديم ، و أن أريحا لم تكن مسوّرة خلال العصر البرونزي الأخير ، أي زمن يشوع بن نون ، و أن ما حسب المنقبون من أسوارٍ و أبراج تعود إلى عهد داوود ، أو من قوس اعتقد روبنسون أنه يعود إلى عهد داوود أيضاً ، هو خطأ ، بل إن جميع هذه المنشآت تعود إلى القرن الثاني الميلادي ، أي العصر الروماني . و نفت أن تكون الأحجار من بقايا الهيكل .
    بالإضافة إلى ذلك فقد أثار التساؤلات في الآونة الأخيرة مجموعة من علماء التاريخ المعاصرين و الباحثين الذين يتمتعون بمصداقية عالية في المنطقة و في العالم أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
    1. توماس ل. طومسون : لقد أصدر طومسون ، و هو أستاذ علم الآثار في جامعة “ماركويت” في ميلواكي في الولايات المتحدة الأمريكية ، كتابه الأول : ” التاريخ القديم للشعب (الإسرائيلي)” عام 1992 . و في كتابه هذه دعا صراحة إلى “نقض تاريخانية التوراة” أي عدم الاعتماد على التوراة ككتاب لتاريخ المنطقة و الحضارات و إلى اعتماد الحفريات الأركيولوجية و ثروة الآثار الكتابية القديمة كمصادر لإعادة كتابة تاريخ المنطقة .
    و في دراسته المنشورة في مجلة “الكرمل” الفلسطينية 2001 تحت عنوان “هل نستطيع كتابة تاريخ فلسطين القديم ؟” دعا إلى بلورة استقلالية المناهج التاريخية و الأركيولوجية عن المجازات اللاهوتية من أجل كتابة علميّة للتاريخ .


    2. كيث وايتلام : و هو يعمل أستاذاً للدراسات الدينية في جامعة “ستيرلينغ” في سكوتلاندا ، أصدر كتابه “اختراع (إسرائيل) و حجب فلسطين” سنة 1996 في كلّ من نيويورك و لندن في نفس الوقت . و وايتلام يتفق مع طومسون في كثير من الاستنتاجات و يشير إلى أن هناك عمليّة طمس ممنهجة لكثير من الدلالات التاريخية للمكتشفات الأثرية و محاولة لتفسيرها بطريقة مغلوطة في أغلب الأحيان .
    و يركّز وايتلام على البعد السياسي من وراء محاولات الطمس و التفسير المغلوط للتاريخ ، حيث يذكر “أن تاريخ (إسرائيل) المخترَع في حقل الدراسات التوراتية كان و ما زال صياغة لغوية و أيديولوجية لما كان ينبغي أن تكون الممالك اليهودية عليه ، و ليس ما كانت عليه في الواقع” . و هو يرى أن (إسرائيل) الدراسات التوراتية القديمة كانت و ما زالت مصدر شرعية تاريخية للأيديولوجية الصهيونية و دليل استمرارية زمنية و عقارية للدولة اليهودية في فلسطين .


    3. عفيف بهنسي : و هو عالم تاريخ سوريّ ، أشار في دراسته المعمّقة بعنوان “حديث الحفريات الأثرية – فلسطين لم تكن وطناً لبني إسرائيل” ، و نشرت في مجلة الكتب وجهات نظر آذار 2001 ، إلى مجموعة من الحقائق التي تثبِت أن الحفريات الأثرية المكثفة في فلسطين و الأردن و سورية و مصر للبحث عن شواهد تؤكّد ما ورد في التوراة ، بيّنت للعلماء أن التوراة تاريخ دينيّ ، و أن علم الآثار تاريخ موضوعيّ ، و ليس من علاقة بين أحداث التوراة الدينية و أحداث التاريخ الحقيقيّة التي تؤكّدها و تكشِف عنها حتى اليوم الحفريات الأثرية و التي تمّت بجهود علماء الآثار العالمييين ، و لم يستطع علماء الآثار (الإسرائيليون) و منهم سياسيّون تقديم أي دليل يؤكّد التاريخ التوراتي .
    و يصف بهنسي ما حصل بأنه “انتصار أثريّ تاريخيّ” أعقب ظهور دراسات تبيّن أن تاريخ التوراة حدث خارج (إسرائيل) حيث إن حركة التاريخ التوراتي لا تنسجم مع جغرافية المنطقة من العراق إلى الشام و حتى مصر .


    منهج د. كمال الصليبي


    4. د. كمال الصليبي : دكتور التاريخ في الجامعة الأميركية في بيروت و رئيس معهد الدراسات الملكية الدينية في عمان حالياً . لقد أصدر الدكتور الصليبي كتابه الأول حول تاريخ اليهود و فلسطين سنة 1985 بعنوان “التوراة جاءت من جزيرة العرب” ، أتبعه بثلاثة كتب أخرى حول نفس الموضوع و هي “حروب داوود” و “خفايا التوراة و أسرار شعب بني إسرائيل” و “تاريخانية إسرائيل التوراتية” و الذي صدر باللغة الإنجليزية تحت عنوان : “The Historicity of Biblical Israel” .
    لقد قام الدكتور الصليبي في كتابه الأول بتفنيد المستندات الأثرية التي اعتمد عليها دعاة مدرسة علم الآثار التوراتي في إثبات علاقتهم بالبلاد و تأكيد الروايات التوراتية ؛ ففي فصل “ما لم يكتشف في فلسطين” يكشف الصليبي التزوير الذي اعتمده أولبرايت في تحليل نتائج حفريات بئر السبع و مناجم النحاس قرب إيلات و النقش الحجري الذي عثِر عليه عام 1880 في سلوان قرب القدس و نقوش تلّ الدوير أو ما يعرَف بنقوش “لاخيش” قرب عسقلان و “النقش المؤابي” ، بالإضافة إلى كشف الخطأ في تحليل سجلات تل العمارنة و التي هي عبارة عن لوحات مسمارية تعود بتاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل
    الميلاد اكتشفت في مصر في العام 1887 .





    و الخطأ ورد حين تم تفسير الرسائل و التعامل معها على أنها تتعلق بمقاطعات موجودة في فلسطين على الرغم من عدم تطابق الأسماء فيها مع أسماء المناطق هنا ، فقام الدكتور الصليبي بإيراد ثلاثين اسماً لأماكن وردت في الرسائل و أوجد مكانها في الجزيرة العربية ، حيث ما زالت موجودة هناك منذ ذلك التاريخ مع بعض التحوير أحياناً .
    و تكمن إضافة الصليبي أنه بالاستناد إلى الدراسة اللغوية لأسماء الأماكن ، و هي ضرب من علم الآثار ، لأن أسماء الأماكن هي في الواقع آثار ، قام بربط بني إسرائيل و الروايات التوراتية عموماً ببيئتها الجغرافية الأولى في الجزء الجنوبي الغربي للجزيرة العربية ، و هو ما يعرف اليوم بمناطق عسير و السراة و جيزان و الحجاز و تهامة …
    و بالنظر إلى غياب الآثار في فلسطين و سيناء و مصر لإثبات علاقة بني إسرائيل بالمنطقة في تلك الفترة ، و التناقض الكبير بين تاريخ و آثار المنطقة هنا مع ما ورد في التوراة ، و وصول الصليبي إلى نتائج منطقية علميّة تتلاءم مع النص التوراتي العبري الأصلي ، فإن نظريته تكتسب أهمية فائقة .
    لقد قام الصليبي بإعادة دراسة تاريخ بني إسرائيل على ضوء الواقع الجغرافي الجديد ، و أعاد قراءة التوراة بناء على ذلك . و استنادًا إلى معرفته الواسعة باللغة العبرية القديمة و اللغات السامية القديمة عموماً ، فقد أجاب على الكثير من الأسئلة العالقة في تفسير التوراة و التي لم تجد لها جواباً شافياً منذ زمن بعيد .
    فعلى سبيل المثال يذكر الصليبي كلمة “تهوم” التي وردت في التوراة أكثر من ثلاثين مرة ، حيث وردت لها عدة تفسيرات متناقضة حسب وقوعها في النص ، و لم يخطر ببال المفسرين أبداً أن “تهوم” ما هي إلا “تهامة” كما يفسّرها الصليبي حيث يستقيم المعنى حينذاك في النصوص جميعها .
    و من المثير للاهتمام في أبحاث الصليبي كذلك ما يتعلّق بتاريخ فلسطين و الشعب الفلسطيني استناداً إلى منهجه الجديد ، فالفلسطينيون لم يقدُموا من جزيرة كريت من بحر إيجة ، بل هم عرب كنعانيون قدِموا من الجزيرة العربية . فهو ينسبهم إلى “فلسة” التي ما زالت تحتفظ بهذا الاسم ، و كريت ما هي إلا “كرث” و هو اسم الواقعة التي خسرها الفلسطينيون في حربهم مع العبرانيين ، الأمر الذي أجبرهم على الانسحاب و السفر عبر “البحر الكبير” الذي هو البحر الأحمر وصولاً إلى فلسطين التي بدأت تحمل اسمهم .
    و على غرار هذه الأمثال يسوق الصليبي مئات الأمثلة ، و التي تضيف معلومات جديدة و مثيرة للاهتمام و تفيد بأن تاريخنا القديم و ليس فقط تاريخ بني إسرائيل قد تعرّض لكثيرٍ من التزوير بسبب التفسير المغلوط للتوراة ، و هو ما اصطلح على تسميته بـ “الإسرائيليات” .


    5. البروفيسور زئيف هرتسوغ : أستاذ قسم الآثار و حضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب . قام هرتسوغ بنشر مقالة جريئة في ملحق جريدة “هآرتس” العبيريّة في تشرين أول عام 1999 ، قال فيها : “إن سكان العالم سيذهلون ، و ليس فقط مواطنو (إسرائيل) و الشعب اليهودي ، عند سماع الحقائق التي باتت معروفة لعلماء الآثار الذين يتولّون الحفريات منذ مدة من الزمن” .
    و يصف هرتسوغ ما حصل بأنه : “انقلاب حقيقي في نظرة علماء الآثار (الإسرائيليين) إلى التوراة باعتبارها مصدراً تاريخياً” ، و قال أيضاً : ” إن من الصعب قبول هذه الحقيقة ، و لكن من الواضح للعلماء و الباحثين اليوم أن شعب (إسرائيل) لم يقم في مصر و لم يته في الصحراء و لم يحتل الأرض من خلال حملة عسكرية و لم يستوطنها من خلال أسباطه الإثني عشر” .
    و تبدو شهادة زئيف هوتسوغ مثيرة للاهتمام و ذات أهمية بالغة ، كونها تصدر عن عالم آثار يهوديّ ، يشاركه الرأي – كما يقول هو – معظم علماء الآثار (الإسرائيليين) ، الأمر الذي يزيد من مصداقية التساؤلات المثارة حول التوراة و تاريخ بني إسرائيل و علاقته بالمنطقة عموماً .


    “تحرير التاريخ”


    إن النتيجة التي يمكن الخروج بها بعد هذا العرض هي أنه لا بد من إعادة دراسة تاريخ فلسطين القديم ، بل و الشرق القديم عموماً ، اعتماداً على نتائج الاكتشافات الأثرية و الأبحاث التاريخية التي أحدثت “انقلاباً حقيقياً” كما وصفه هيرتسوغ حين أعلن انهيار مدرسة التاريخ و الآثار التوراتية و كلّ ما أشاعته من أوهام حول مكانة و دور بني (إسرائيل) في التاريخ في العصور القديمة (البرونزي و الحديدي) ، أي بكلمات أخرى تحرير التاريخ القديم مما دخل عليه من “إسرائيليات” .
    هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فلا بد من التعامل بجديّة عالية مع ما يطرحه تيّار كامل من المؤرّخين العرب المعاصرين حول تاريخ بني إسرائيل في الجزيرة العربية و اليمن . و من هؤلاء المؤرّخين إضافة إلى الدكتور كمال الصليبي الدكتور أحمد داوود (سوريا) ، و الدكتور فرج الله صالح ديب (اليمن) في كتابه “التوراة العربية و أورشليم اليمنية” 1995 .




    رابط


    http://www.4shared.com/file/26356557/fec8b13d/


    او


    https://www.4shared.com/file/26356557/fec8b13d/


    خلاصة الكتاب تشير إلى أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين، بل في غرب شبه الجزيرة العربية، بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديدا في بلاد السراة بين الطائف وجازان على مشارف اليمن، وهكذا فإن بني إسرائيل من الشعوب العربية البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى، وقد نشأت الديانة اليهودية بين ظهرانيهم ثم انتشرت من موطنها الأصلي إلى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم. وقد يستنتج قارئ الكتاب أن يهود اليوم لا حقوق تاريخية لهم في أرض فلسطين، وحقيقة فإن الحقوق التاريخية للشعوب تزول بزوالها، فيهود اليوم ليسوا استمرارا تاريخيا لبني إسرائيل ليكون لهم شيء يسمى حقوق بني إسرائيل، وذلك بغض النظر أكانت أرض بني إسرائيل أصلا في فلسطين أو في غير فلسطين. أساس هذا الكتاب هو المقابلة اللغوية بين أسماء الأماكن المضبوطة في التوراة بالحرف العبري، وأسماء أماكن تاريخية أو حالية في جنوب الحجاز وفي بلاد عسير مأخوذة إما عن قدامى الجغرافيين العرب أو عن معاجم لغوية حديثة قام بجمعها عدد من العلماء السعوديين. بدوره يشير الكاتب إلى أن نظريته هذه جاءت عن طريق الصدفة إذ كان يبحث عن أسماء الأمكنة ذات الأصول غير العربية في غرب شبه الجزيرة العربية، وعندها فوجئ بوجود أرض التوراة كلها هناك، وذلك في منطقة بطول يصل إلى حوالي (600) كيلومتر وبعرض (200) كيلومتر، تشمل ما هو اليوم عسير والجزء الجنوبي من الحجاز، وكان أول ما تنبه له أن هذه المنطقة المشار إليها تحتوي على أسماء الأمكنة التوراتية العالقة في ذهنه وأن هذه الأسماء ما زالت موجودة في المنطقة، بل إن الخريطة التي تستخلص من نصوص التوراة في أصلها العبري تتطابق تماما مع خريطة هذه الأرض (عسير وجنوب الحجاز)، وهكذا خلص الكاتب إلى استنتاجه القائل أن اليهودية لم تولد في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية، ومسار تاريخ بني إسرائيل-كما روي في التوراة العبرية-كان في غرب شبه الجزيرة العربية. وحسب الدكتور الصليبي فإن الدراسة اللغوية لأسماء الأمكنة في الشرق الأدنى، إذا أخذت في اعتبارها التوزيع الجغرافي لهذه الأسماء، توحي بأن لغة الكتب اليهودية المقدسة، المسماة تقليديا اللغة العبرية، هي عبارة عن لهجة من لغة سامية كانت منتشرة في الأزمنة التوراتية في أنحاء مختلفة من جنوب شبه الجزيرة العربية وغربها، ومن الشام (بما فيها فلسطين)

  4. بصراحة لقد حيرني هذا الموضوع في الاول لاكن عندما راسلت بعض الشيوخ عبر النت لا احد منهم انكر هذا الموضوع ومنهم من فضل السكوت

    وعند بحت في النت وجدت مقال ل

    أبو مسلم العرابلي
    باحث إسلامي في علوم القرآن واللغة

    اليكم الرابط

    صرح سليمان قبر سليمان فهل تعرفينه يا قُُمران

    هيكل سليمان الذي يبحت عنه اليهود ليس موجود لا في القدس ولا فلسطين بل في مكان ما في الجزيرة العربية او محيطها

  5. خرافة الشعب اليهودي


    شــلومو سانــد: كيــف تــمّ اختــراع الشــعب اليــهودي

    الخروج والسبي أسطورة واليهودية انتشرت بالتبشير

    خلافاً للمؤرخين الإسرائيليين الجدد الذين انحصرت أبحاثهم بعام 1948 وما تلاه, يغطي شلومو ساند في كتابه هذا كامل التاريخ اليهودي ليس كأحداث متراكمة بل كعرض نقدي للخطاب التارخي اليهودي بمختلف مراحله وتياراته.

    يطرح ساند سلسلة من الأسئلة المحرّمة في اسرائيل, وبين اليهود عامة, تطول الأسس الرئيسية لبناء الرواية الصهيونية واليهودية عامة للتاريخ: هل يمكن الحديث عن «شعب» يهودي وجد واستمر آلاف السنين بينما زال الكثير من الشعوب الأخرى من الوجود؟ كيف ولماذا أصبحت التوراة كتاب تاريخ يروي نشوء «أمة» علماً بأن لا أحد يعرف بدقة متى كتب؟ هل هاجر اليهود فعلا من مصر؟ هل وجدوا أصلاً فيها ليهاجروا منها؟ إلى أي حد يمكن اعتبار حكم السلالة الأسمونية Les Hasmonéens في يهودا دولة / أمة مع العلم أن رعاياها لا يتكلمون اللغة نفسها؟ هل تمّ فعلاً نفي سكان مملكة يهودا بعد تدمير الهيكل أم أن ذلك لا يعدو كونه مجرد أسطورة مسيحية شقت طريقها الى التراث اليهودي الذي جيّرها فيما بعد لمصلحته؟ واذا لم يكن هناك نفي فمن أين أتى يهود العالم اذن؟ ثم ما الذي يجمع ثقافياً وإتنياً (بالمعنى المدني) يهود مراكش ويهود كييف مثلاً؟ واذا كان لا وجود لوحدة ثقافية بين الجماعات اليهودية المختلفة أتكون هناك «وحدة دم»؟ هل صحيح أن هناك «جيناً يهودياً» كما يدّعي الكثيرون؟ أفلا يعطي هذا لهتلر بعد موته الحق على الصعيد المفهومي؟ وأخيراً وليس آخراً هل اسرائيل دولة ديموقراطية فعلاً؟

    للاجابة على هذه الأسئلة صاغ ساند أطروحته كما يلي: «شكّل اليهود دائماً جماعات دينية مهمة اتخذت لها موطئ قدم في مختلف مناطق العالم، ولكنها لم تشكل شعباً (ethnos) من أصل واحد وفريد تنقل من ثم عبر التشّرد والنفي الدائمين» ص. 63. ثم حدّد الهدف الذي طمح إليه من خلال هذا الكتاب ألا وهو كتابة تاريخ نقدي مضاد للتاريخ اليهودي الرسمي يساهم في دمج الهويات المحلية الناشئة بوعي نقدي وكوني للماضي مستوحياً كما يقول سؤال المفكر الفرنسي مارسيل دتيان Marcel Detienne : «كيف يمكن نزع الطابع الوطني (القومي) عن التواريخ الوطنية (القومية)؟».

    أسطورة الخروج

    سهّلت حرب الـ 1967 عمليات التنقيب بشكل كبير، لكن النتائج بدأت تبرز تناقضات الايديولوجيا الصهيونية لذلك كان يؤجل الإعلان عنها أمام الجمهور العام عشرين عاماً. عام 1970 حصل تطور في علم الآثار تحت تأثير مدرسة الحوليات التاريخية في فرنسا وارتدى الطابع الاجتماعي للبحث التاريخي أهمية أكبر من الطابع السياسي ووصل هذا التحوّل الى الجامعات الإسرائيلية. هكذا بدأت تناقضات الرواية الرسمية بالبروز وهو ما يزعزع الأساطير المؤسسة ليس فقط لدولة اسرائيل بل للتاريخ اليهودي عامة. هل هاجر ابراهيم حسب التسلسل الزمني التوراتي في القرن 21 -20 ق. م.؟ الرواية التوراتية لمرحلة «الآباء» تشير الى الفيليستنيين philistins والى الآراميين وكذلك الى الوجود الكثيف للجمال. لكن جميع الشواهد الأركيولوجية والكتابات والنقوش تتفق على أن الفيليستينيين لم يظهروا في المنطقة قبل القرن الثاني عشر ق.م. أما الآرامييون فإن جميع النقوش لا تشير الى أي وجود لهم قبل القرن الحادي عشر ق.م. كذلك لم توجد الجمال كحيوانات مدجنة في المنطقة قبل بداية الألف الأول ق.م. يشير ساند الى الباحث الأميركي توماس طومسون الذي يرى أن روايات مرحلة «الآباء» هي كتابة ايديولوجية واعية بكونها كذلك وأنها كتبت بعد قرون عدة وأن الكثير من الأسماء التي وردت في سفر التكوين لم تظهر فعلا قبل القرن السابع وحتى القرن السادس ق.م. يوضح ساند في هذا الاطار أن مدينة أور كانت أهم مركز ثقافي في ذلك العصر وأن النسب الثقافي كان أكثر أهمية من الملكية «الوطنية» للأرض ولذلك نُسب ابراهيم الى بلاد الرافدين. لهذه الأسباب وغيرها يرى ساند أن اسطورة هجرة ابراهيم لا تصمد أمام البحث الدقيق وهو ما ينسف الوعد الإلهي بأرض كنعان التي هي وضعت أصلاً لتبريره. هل يكون كتبة التوراة المجهولو الهوية من مدينة أور؟ يتساءل ساند.

    ماذا عن أسطورة الخروج من مصر؟ انها أيضاً محاولة ربط الأصل نفسه بمركز ثقافي شهير (مصر) التي تجد صداها في هذه الأسطورة. إن النقوش المصرية على نصب الفرعون مرنبتاح (1235- 1224 ق.م.) أثبتت أنه كان هناك كيان ثقافي صغير في كنعان اسمه اسرائيل الى جانب جماعات أخرى ادعى المصريون أنهم دمروه. كانت كنعان تحت السيطرة المصرية في القرن الثالث عشر ق.م. «هكذا يكون موسى قد قاد العبيد المحررين من مصر الى مصر. وإذا استندنا الى رواية التوراة فإن موسى قاد في الصحراء ستمئة ألف مقاتل وعائلاتهم أي ما يقارب مليوني نسمة وذلك خلال أربعين عاماً». ص. 167. كل ذلك دون أن يترك أي أثر أركيولوجي أو نقشي. كان المصريون يشيرون بكثير من الدقة الى الأحداث التي تقع في المملكة لكن لاوجود لأي مرجع أو حتى اشارة الى أن «أبناء اسرائيل» عاشوا في مصر ثم انتفضوا وخرجوا منها في أي عصر من العصور. يضاف الى ذلك أن جبل سيناء الشهير لم «يكتشف» أحد حتى يومنا هذا مكان وجوده. إن احتلال كنعان وإبادة سكانها, حسب كتاب جوشاوا, والتي تعدّ أول مجزرة في تاريخ البشرية, لم تقع لحسن الحظ وهي إحدى الأساطير التي دحضتها الأركيولوجيا كلياً.

    الرواية التوراتية الأخرى, التي يعتبرها جميع المؤرخين الإسرائيليين حجر الزاوية في الذاكرة الوطنية والمرحلة الأكثر إشراقاً والأكثر تأثيراً في التاريخ اليهودي, دحضتها أيضاً الاكتشافات الأثرية الجديدة. انها مملكة داوود وسليمان التي يفترض أنها عاشت في القرن العاشر الميلادي. إن الحفريات التي تم القيام بها في 1970 في كل محيط المسجد الأقصى لم تثبت وجود أي أثر لهذه المملكة ولا حتى لأي أثر لسليمان الذي تجعله التوراة بمرتبة ملوك بابل وفارس نفسها. يقول ساند ان القدس في تلك المرحلة لم تكن سوى مدينة صغيرة وإن الملك سليمان لم يكن ليملك قصراً يتسع لزوجاته السبعمئة ولثلاثمئة خادم.

    يخلص ساند بعد ذلك الى القول ان الأساطير المركزية هذه حول شعب يهودي قديم واستثنائي خدمت بإخلاص تام نشوء الفكرة القومية اليهودية والمشروع الصهيوني وأعطت تبريراً لعملية الاستيطان في الأرض الفلسطينية. لكنها بدأت تتفسخ في نهاية القرن العشرين, في اسرائيل نفسها وفي العالم, وتتحول الى مجرد خرافات أدبية تفصلها عن التاريخ الفعلي هوة سحيقة يستحيل ردمها.

    الفصل الثالث يتناول بالبحث أسطورة المنفى. تقول الأسطورة إنه في العام 70 ميلادية دمّر الرومان الهيكل الثاني وطردوا اليهود. هكذا لم يبق أمام «الأمة اليهودية» الا التيه في العالم والحلم منذ ألفي سنة بأن تعود الى أرضها القديمة وتصبح شعباً حراً. الوظيفة الايديولوجية لهذه الأسطورة هي تأسيس إطار للهوية الإتنية وإنشاء ذاكرة مديدة قوامها إن الشعب – العرق المتخيل ما هو الا امتداد واستمرارمباشر لـ «شعب التوراة» اذ انه بدون نفي ليس هناك عوده.

    يرى ساند أن الرومان لم يمارسوا مطلقا الطرد المنظم لأي «شعب « وحتى الأشوريون والبابليون لم يمارسوا طرد الشعوب التي استعبدوها. المرجع الرئيسي لنظرية المنفى هو فلافيو جوزيف الذي ادعى أن عملية تدمير الهيكل راح ضحيتها مليون ومئة ألف نسمة وسبعة وتسعون ألف أسير وعشرات الآلاف من القتلى في المدن الأخرى. يردّ ساند بالقول ان عدد سكان القدس في تلك الفترة لا يمكن أن يتجاوز 60- 70 ألف نسمة وإنه لا يوجد أي أثر ولا حتى مؤشر لعملية طرد من يهودا في الوثائق الرومانية كذلك لا وجود لأي اكتشاف أركيولوجي يثبت وجود مخيمات لاجئين على الحدود. فلافيو جوزيف يفبرك أعداداً لا أساس لها فهو يقول إن عدد سكان الجليل ثلاثة ملايين نسمة في الوقت الذي تبين الأبحاث اليوم أن عدد سكان مملكة يهودا ومملكة اسرائيل مجتمعتين كان حوالى 470 ألف نسمة فقط.

    ان مصطلح المنفى كان يعني في القرنين 2 و3 ميلاديين الخضوع السياسي وليس النفي، حسب ما يؤكد البروفسور ميليكوسكي الأستاذ في جامعة بار ايلان. هذا ويرى اسرائيل يوفال الأستاذ في الجامعة العبرية أن أسطورة المنفى قد صيغت في وقت متأخر جداً وأنه مصطلح ديني مسيحي اعتبر عقاباً لليهود لصلبهم المسيح وقد تمّ ضمّه الى التراث اليهودي في القرن الرابع ميلادي. مع الهيمنة المسيحية أصبح التزاوج بين الطرد والخطيئة, التدمير والمنفى جزءاً أساسياً من تعريف اليهود في العالم. لقد أصبح المنفى مصطلحاً ميتافيزقياً ولم يعد يرتبط بالوجود الجسدي أو عدمه في أرض الميعاد وحتى في الكابال (التفسير اليهودي الصوفي والرمزي للتوراة) أصبح من علامات الوحي الالهي. لهذا لم يطرح فكرة الهجرة الى أرض الميعاد الا نفر قليل اعتبروا ممن يعيش في الوهم حتى أن تلمود بابل يمنع الهجرة الجماعية الى القدس. ص. 191.

    أخذ المؤرخون اليهود علما بتناقضات رواية الطرد بعد تدمير الهيكل فبدأوا يتحدّثون عن هجرة جزئية تمّت تحت الضغط ولم يشذ المؤرخون الصهاينة عن هذا المنحى. لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما غيّر الصهاينة تاريخ بداية عملية النفي من القرن الأول الميلادي الى القرن السابع أي بداية الفتوحات الاسلامية. تمّت هذه العملية الايديولوجية لسببين: الأول يعود الى استحالة البرهنة على طرد اليهود عند تدمير الهيكل والثاني هو تقصير مرحلة المنفى ما أمكن لإثبات حق الملكية الوطنية لأرض فلسطين. بالرغم من هذه التناقضات حافظ المؤرخون, حتى الجديون منهم. على اسطورة المنفى وذلك للحفاظ على دورها التعبوي قومياً.

    من المعروف أن عدد اليهود خارج مملكة يهودا عشية تدمير الهيكل الثاني (70 م) كان أكبر من عدد اليهود في هذه المملكة فمن أين أتى هؤلاء اذن؟ يرى ساند أن يهود بابل هم النخبة التي طردت بعد تدمير الهيكل الأول وأقامت هناك حيث كانت بلاد الرافدين مركزا ثقافيا عالميا ويرجح أن تكون فلسفة التوحيد نشأت هناك. ماذا عن يهود آسيا الصغرى وأفريقيا الشمالية وباقي حوض المتوسط؟ يجيب المؤرخون اليهود أن هؤلاء هاجروا تحت الضعط والإكراه وأن هجرتهم تشبه نموذج هجرة الفينيقيين واليونان والرومان في تلك العصور.

    ساند يوجه أسئلة مدمرة فعلاً لرواية الهجرة هذه: كيف تأتى لشعب فلاحي صغير لم ينشئ امبراطورية أن ينتج هذا العدد من المهاجرين؟ اذا كان عدد المهاجرين لا يتعدى الآلاف (نخبة) كما ترى أغلبية الباحثين اليوم كيف قدر لهؤلاء أن يصبحوا عدة ملايين خلال قرنين من الزمن علماً بأن النمو الديموغرافي في ذلك العصر لم يكن سريعاً بسبب محدودية الأرض الزراعية؟ ثم ان الفينيقيين واليونان حين هاجروا لم تفرغ بلادهم من سكانها كما يدّعي المؤرخون اليهود بالنسبة ليهودا؟ كيف يفسر ذلك؟ واذا استمر الفينيقيون واليونان باستعمال لغتهم في مراكز هجرتهم فلماذا لم يكن المهاجرون اليهود يعرفون العبرية ولا الآرامية؟ لماذ اتخذ هؤلاء أسماء غير عبرية منذ الجيل الأول؟ واذا كانوا فلاحين لماذا لم ينشئوا مستوطنة عبرية – يهودية واحدة كما فعل الفينيقيون واليونان؟

    التبشير

    واضح اذن أن هناك عاملاً آخر يفسر وجود هذا العدد الكبير من اليهود خارج مملكة يهودا وأن المؤرخين اليهود لا يرغبون في الحديث عنه وهم إن أشاروا اليه وضعوه في آخر سلسلة العوامل التي تفسر الهجرة: انه التبشير والتحول (conversion) الى اليهودية. كذلك تمّ فرض اليهودية بقوة السلاح كما فعلت أول مملكة يهودية بقيادة سلالة الهسمونيين (les Hasmonéens) ذات الطابع الثقافي اليوناني الغالب والتي جمعت لأول مرة في التاريخ بين رجل الدين ورجل السياسة. Jean Hycran , مؤسس هذه السلالة, فرض اليهودية على جيرانه في الجنوب الى ما بعد بئر السبع عام 125 ق.م. وابنه Aristobule اجتاح الجليل وضمّه الى مملكة يهودا ودمّر ابنه الآخر Alexandre Jannée مدناً في الأردن الحالي وفي فلسطين لرفضها التهود.

    أما أول مملكة تحوّلت الى اليهودية حارج يهودا فهي مملكة هيدبا Adiabène التي تهوّد زعماؤها في القرن الأول ميلادي وامتدت أراضيها من كردستان الى جنوبي أرمينيا الحالية.

    من جهة أخرى كان الرومان متعددي الآلهة ومتسامحين مع الأديان الأخرى وهم سمحوا بالتبشير اليهودي طويلاً الى أن أصبح يهدّد آلهتهم فقاموا بطرد المبشرين في عام 19 ب. م. من العاصمة وتكرر ذلك مرات عدة. يقول ساند ان تسامح الرومان أدى الى أن يشكل اليهود قرابة 7- 8 بالمئة من سكان الإمبراطورية في مرحلة معينة. أدّى انتصار المسيحية في القرن الرابع الى وضع حدّ للتبشير اليهودي.

    ماذا كان مصير سكان مملكة يهودا بعد انتصار المسيحية؟ تحوّلت الأكثرية الى المسيحية، لكن بقي هناك قلة من اليهود والوثنيين الهامشيين. وعندما أتى الفتح الإسلامي استقبله اليهود «كنعمة إلهية»، كما يقول ساند وذلك لتسامح الجيش الإسلامي و«ليبراليته» تجاه المعتقدات الأخرى شرط أن تكون توحيدية. لقد ساهم ذلك في عودة عدد من اليهود الذين غادروا المنطقة بسبب البيزنطيين وهو ما يعترف به المؤرخ الصهيوني دينور. أدّى الشبه بين اليهودية والاسلام وإعفاء المتحوّلين الى الإسلام من الضرائب الى اعتناق الكثير من اليهود للإسلام، وهو ما يعتبره الكثير من اليهود خيانة وتابو الى حد كبير. على هذا ليس الفلاحون الفلسطينيون بالنسبة للكثير من المؤرخين اليهود أحفاد الفاتحين العرب بل هم يهود اعتنقوا الإسلام. دامت هذه النظرة حتى ثورة 1936 حيث بدا المؤرخون الصهاينة بالتخلي عن حلم دمج الفلسطينيين «ذوي الثقافة الشرقية الدنيا والبدائية» ليتحوّل هؤلاء بنظر متعهدي الذاكرة اليهودية الى مهاجرين عرب وفدوا بكثافة خلال القرن الـ 19 م. واستمروا بالوصول خلال القرن العشرين بسبب جاذبية الاقتصاد الصهيوني المتطور. هل من تزوير أكبر من هذا التزوير؟

    ينهي ساند هذا الفصل بالقول إن الكتب المدرسية طمست كلياً عمليات التبشير لتبيان أن كل الجماعات اليهودية خارج فلسطين هي من المنفيين مما يعطيهم الحق بالعودة، وبالأرض اضافة الى الانتماء الى شجرة العائلة اليهودية بدلا من أن يكونوا نتيجة تمازج عرقي بين جماعات انسانية مختلفة وهو ما يضعف الوحدة البيولوجية للأمة. لهذه الأسباب تم التعتيم الكامل على التبشير وتركت الأسطورة المسيحية عن المنفى تتغلغل في الساحة العامة خدمة للاستيطان.

    الفصل الرابع يخصصه الكاتب للتبشير اليهودي والأماكن التي وصل اليها وهو ما يسمّيه أماكن الصمت في الخطاب التاريخي اليهودي والصهيوني. كانت اليهودية تمارس التبشير في الأماكن التي لم تصل اليها الديانة التوحيدية كالجزيرة العربية, بلاد السلاف, جبال القوقاز, سهول الفولغا والدون, قرطاجة القديمة وحتى أسبانيا المسلمة وهي كانت تتسلل الى مناطق تعيش مرحلة انتقال من البداوة الى مجتمعات ملكية.

    انتقلت اليهودية من مملكة يهودا الى الحجاز وغيره عبر تجار سواء أثناء سفرهم أو عبر من استقر منهم في الواحات الواقعة على مفاصل الطرق التجارية، وكانت جاذبيتها تعود الى كونها تتحدّث عن خالق للكون لا حدود لقدرته ولكونها تعد بالبعث.

    في الربع الأخير من القرن الرابع الميلادي تهودت مملكة حِمْيَر التي عرفت أيضاً بمملكة سبأ واستمرت يهودية حتى الربع الأول من القرن السادس. يشير ساند الى تضارب الروايات حول من هوّد المملكة لكن التراث الاسلامي يعزو ذلك الى أبو كريب أسد. مهما يكن خاضت هذه المملكة صراعاً مع مملكة أكسوم (AXOUM) الأثيوبية الواقعة تحت النفوذ البيزنطي ليس لأسباب دينية فقط بل لأسباب سياسية وتجارية حيث كانت الأمبراطورية البيزنطية تريد السيطرة على مضائق البحرالأحمر. بعد سيطرة قصيرة لمملكة أكسوم عاد ذو نواس (العرب يسمّونه مسروك لشعره المجدّل) وفرض اليهودية في حمير وهو الذي أعمل ذبحاً بالمسيحيين. مما دعا ملك أكسوم الى التدخل بمساعدة بيزنطية فسقطت مملكة حمير عام 525 م. حاول سيف بن ذي يزن أحياءها بعد خمسين عاماً ففشل. يعتم التاريخ اليهودي على مملكة حمير لاعتناقها الاسلام.

    لقي تاريخ اليهود في شمال أفريقيا التعتيم نفسه الذي تمّ على مملكة حِمْيَر واعتبر المؤرخون اليهود أن يهود المغرب هم أحفاد اليهود المنفيين بعد تدمير الهيكل الأول أو أحفاد أحفاد اليهود الأسبان, المنفيين هم أيضاً. يعود توسّع اليهودية في أفريقيا الشمالية على ما يبدو الى من بقي من الفينيقيين (LES PUNIQUES) بعد تدمير قرطاجة في القرن الثاني ق. م. يبدو أن قسماً من هؤلاء تحول الى اليهودية بسبب قرب لغتهم القديمة من لغة التوراة، ولكون قسم منهم كان يمارس الختان. ثم إن هؤلاء رفدوا بالعبيد الآتين من يهودا بعد تدمير الهيكل. يذكر ساند أن ابن خلدون روى أن قسماً من البربر ذي أصول فينيقية والقسم الآخر من أصول كنعانية جاء من سوريا واعتنق اليهودية. هناك ما يسمّيه المؤلف الملكة – اللغز كاهينا (الكاهنة) التي تنتمي الى البربر اليهود DJERAOUA والتي قاومت الفتح الاسلامي بشراسة وردت هجوم المسلمين بقيادة حسان ابن النعمان الى أن تم قهرها بعد خمس سنوات عندما طبق الجيش الاسلامي سياسة الأرض المحروقة في مملكتها. أما يهود اسبانيا فقد أتوا من أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي كما أثبت اللغوي الاسرائيلي WEXLER والذي يؤكد أن العبرية والآرامية لم تظهرا في النصوص اليهودية في أوروبا قبل القرن العاشر الميلادي.

    مملكة الخزر

    اذا كان التاريخ الصهيوني قد أهمل مملكة حمير ومملكة كاهينا فإن مملكة الخزر اليهودية أثارت اهتماماً اكبرلأنها أكبر وأقوى ولأن هناك مصادر خارجية أكثر حولها. امتدت أرضها من كييف في الشمال الغربي حتى كريميه (Crimée) جنوباً ومن الفولغا الى جورجيا الحالية. اجتاح الخزر مملكة الساسانيين وناوشوا السكان المحاذين لهم ووصلت اختراقاتهم الى الموصل. هناك روايات متضاربة عن تحوّل الخزر الى اليهودية، لكن ساند يرجح الفرضية التاليه: هاجر مبشرون يهود من بغداد وخراسان واليونان الى بلاد الخزر لاستحالة التبشير في الأمبراطوريتين الاسلامية والبيزنطية فلجأوا الى بلاد لا تزال وثنية تشكل مجالاً خصباً لعملهم. ينقل ساند عن المسعودي أن ملك الخزر أصبح يهودياً في عهد هارون الرشيد وأن ملك بيزنطية رومانوس فرض على يهود مملكته أن يتحولوا الى المسيحية مما دفعهم للهرب الى بلاد الخزر. كذلك ربما كان الخزر قد اصطحبوا معهم في غزوهم للموصل بعض يهود هذه المنطقة.

    هل شكل اليهود أكثرية في مملكة الخزر؟ الاسطخري يرى أنهم كانوا أقلية من النخبة الحاكمة بينما يرى ياقوت الحموي استناداً الى ابن فضلان أن الخزر وملوكهم كانوا جميعاً من اليهود. أما ساند فإنه يرجح أن تكون أكبر قبيلة خزرية قد تحولت الى اليهودية بينما بقيت قبائل أخرى وثنية وتحول عدد كبير الى المسيحية والاسلام. متى تم تدمير هذه المملكة؟ يبدو أن بداية النهاية كانت على يد امارة كييف التي انطلقت منها أول مملكة روسية تعززت وتحالفت مع بيزنطية. عام 1016 هاجم الجيش البيزنطي والروسي مملكة الخزر وقضوا عليها. هاجم السلاجقة الأتراك مملكة كييف سنة 1071 وفككوها.

    نظر المؤرخون اليهود الغربيون, خاصة الأشكناز منهم, نظرة استعلاء الى مملكة الخزر لكن يهود أوروبا الشرقية وبعض المؤرخين السوفيات اهتموا بها. عام 1944 كتب أبراهام بولاك (أهم باحث في تاريخ الخزر برأي ساند) ان يهودية أوروبا الشرقية في معظمها مصدرها الأماكن التي فرض الخزر سيطرتهم عليها فرد عليه مؤرخ عنصري صهيوني: «لا أفهم لماذا يعتقد أنه يحمل لنا الفرح والفخر برد أصولنا الى الأتراك والمغول بدلاً من أصولنا اليهودية» ص.327 . منذ الخمسينيات وحتى يومنا هذا لم يكتب سطر واحد بالعبرية عن الخزر, يقول ساند. عام 1976 فجر آرثر كوستلر قنبلة كبيرة بنشره رواية بعنوان «القبيلة الثالثة عشرة» أراد من خلالها اثبات أن أجداد اليهود في أوروبا لم يأتوا من ضفاف الأردن بل من سهول الفولغا, وليس من كنعان بل من القوقاز مهد العرق الآري الذي يعتز به هتلر وهم جينياً أقرب الى الـ Huns, Ouigours, Magyars وليس لابراهيم واسحق ويعقوب. رمى كوستلر, على ما يقول, من روايته هذه الانتصار على هتلر قبل موته، لكنه لم يدرك الدور الذي يلعبه النضال ضد العنصرية واللاسامية في تدمير المخيال الصهيوني السائد ولم يدرك أيضاً الى أي حد يقوم اللغز الصهيوني بكامله على العلاقة بين ماض أسطوري وزمن إتني أزلي وفاقم الأمر كون الكتاب صدر في مرحلة استيطان واسعة بحاجة الى تبرير ايديولوجي وبغنى عن فضيحة من هذا النوع.

    انهالت الهجمات على كوستلر من كل الأوساط واعتبره الكثيرون خائناً وصرح السفير الاسرائيلي في لندن أن الكتاب «عمل لاسامي موّله الفلسطينيون». ذلك أن الرواية الصهيونية الرسمية تقول إن يهود أوروبا الشرقية جاؤوا من ألمانيا بعد اقامة قصيرة في روما إثر طردهم من أرض اسرائيل. هذه الرواية تكمل الربط بين المقاربة الجوهرانية لشعب المنفى والتيه وبين مجد الثقافة الألمانية فكيف يمكن القبول برد الأصل اليهودي الى المناطق الأكثر تخلفاً؟ لكن ليس هناك أي دليل على هجرة اليهود من ألمانيا الى الشرق وحتى القرن السابع عشر كان اليهود في أوروبا الشرقية يتكلمون لغات مصدرها اللغات السلافية واللغوي الاسرائيلي Wexler يجزم أن لغة اليهود الشرقيين اليديش Yiddish قاعدتها سلافية وألفاظها من جنوب شرق ألمانيا. كذلك أن الأسماء اليهودية في أوروبا خزرية وسلافية وليست ألمانية.

    يخلص ساند الى القول إن لا أحد له مصلحة في إحياء ذاكرة الخزر. إن الابتعاد عن التأريخ الديني لليهود وإجراء أبحاث أنتروبولوجية عن حياتهم اليومية يكشف عن غياب قاسم مشترك علماني ليهود أفريقيا وآسيا وأوروبا وبالتالي لا يسمح بالحديث عن «أمة» يهودية وهو ما تتحاشاه الرواية الرسمية لتاريخ اليهود.

    الجين اليهودي

    بعد الحرب العالمية الثانية أصبح استعمال مصطلح العرق صعبا نظرا للمجازر النازية التي ارتكبت باسمه فلجأت الإيديولوجيا الصهيونية الى الحديث عن «الجين اليهودي». تم تجنيد المختبرات العلمية ونشرت المقالات عن هذا الجين المزعوم في أهم المجلات العلمية الغربية ( The American Journal Of Genetics, Nature) . عام 2000 قامت هآرتز بنشر نتائج دراسة نشرت في مجلة علمية ألمانية تبين أن الفلسطينيين واليهود لهم الجينات نفسها. كانت تلك مرحلة أوسلو. اندلعت الانتفاضة الثانية بعد ذلك وبسحر ساحر نشرت الجريدة نفسها نتائج دراسة أخرى تبين انه لا وجود لأي شبه جيني بين الإسرائيليين اليهود وبين الفلسطينيين وأن الأشكناز واليهود الشرقيين يشبهون بعضهم كثيراً وهم قريبون جداً من الأتراك والأرمن وخاصة من الأكراد. بعد أقل من سنة برزت مشكلة جديدة ودائماً على صفحات الجريدة نفسها: إذا كان واضحاً أن الشرق الأوسط هو أصل الرجال اليهود فماذا عن النساء؟ إذ إن دراسة أجريت على تسع مجموعات نسائية يهودية أثبتت أن أصول هذه النساء ليست من الشرق الأوسط. والحل؟ لقد هاجر الرجال الى أرض اسرائيل بدون نساء واضطروا الى الزواج من نساء غير يهوديات! لكن هذا الحل بدا غير مقنع للكثيرين فخرجت أطروحة دكتوراه العام 2006 لتثبت أن 40 بالمئة من الأشكناز هم أحفاد «النساء الأربع» التي يتحدث التوراة عنها. سارعت معاريف للتذكير بأنهن ولدن في فلسطين. يذكر ساند كثيراً من هذه الدراسات «العلمية» ليبرز الاستغلال البشع للعلم من قبل الصهيونية في سبيل هدف واحد هو تبرير الاستيطان والاستيلاء على أراضي فلسطين. تلك هي إذن المقدمات لبناء دولة اسرائيل «الإتنية». لكن البيولوجيا لا يمكنها حل مشكلة الهوية كما أثبتت التجربة النازية وكان على العلمانية الصهيونية أن تلجأ الى الدين وتحوله الى قومية عنصرية وهو ما حصل فعلاً.

    عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تقسيم فلسطين والاعتراف بدولة اسرئيل فرضت في الوقت نفسه إعطاء الحقوق نفسها للفلسطينيين الذين بقوا داخل هذه الدولة. شكل الإسم الرسمي مأزقاً للدولة الناشئة: كيف تكون اسرائيل دولة يهودية, وهو مشروع الصهيونية, وتعطي حقوقاً متساوية للفلسطينيين؟ ترك بن غوريون العلماني مسألة الزواج بيد الحاخامين فصدرعام 1953 قانون يمنع الزواج المدني في إسرائيل وكان هذا دليلاً على أن «عربة اليهود العلمانية تبقى فارغة» على قول أحد الحاخامين. ثم صدر قانون العودة بداعي حماية المضطهدين لكن الحقيقة هي أن قاعدته هي الإتنية وليس الاضطهاد. ولما فتحت أبواب الهجرة وتدفق المهاجرون طرحت بشكل حاد مسألة: من هو اليهودي؟ بعد نقاشات طويلة صدر عام 1970 قانون يعرّف اليهودي كما يلي: «من كانت أمه يهودية ولم يرتبط بديانة أخرى». لكن المشكلة هي أن 30 بالمئة من المهاجرين الجدد, خاصة الروس, لم يستطيعوا إثبات يهوديتهم وهو ما يعتبره الكثيرون القنبلة الموقوتة.

    صعود الليكود الى الحكم في الثمانينيات أدى الى لبرلة liberalisation وأتننة ethnicisation الدولة فانكفأت الى المجال الأهلي ethnocommunitarisme . من جهة أخرى أدت السيطرة على الضفة والقطاع الى نشوء نظام تمييز عنصري وإرساء ديموقراطية الأسياد اليهود، وهو ما عزز الشعور بالتفوق الإتني عندهم. هذا الواقع أدى الى نشوء معارضة فلسطينية من نوع جديد تسعى الى نزع الطابع الصهيوني للدولة. وتعززت هذه المطالبة بصعود جيل فلسطيني لم يعرف النكبة وهو يمتلك الثقافتين العربية والعبرية وبدأ يطالب بالحقوق الممنوحة للإسرائيليين اليهود نفسها. هنا بدأت تطرح اشكالية يهودية الدولة ومدى توافقها مع الديموقراطية.

    جاء الرد شاملاً وقاطعاً على لسان A. B. YEHOSHUA ممثل اليسار الصهيوني: اسرائيل ستبقى إلى الأبد دولة الشعب اليهودي المشتت وليس دولة لكل مواطنيها ومن لم يقبل بذلك فما عليه إلا الرحيل. عام 1988 أصدر رئيس المحكمة العليا قراراً مفاده أن يهودية الدولة لا تمنعها من أن تكون ديموقراطية كما أن فرنسية فرنسا لا تمنعها من أن تكون ديموقراطية برغم خطأ التشبيه الواضح بين الدولتين. كذلك صدر قانون للأحزاب يمنع من الترشح للإنتخابات كل حزب لا يعترف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي مما يعني استحالة تحولها الى دولة ديموقراطية بالطرق الليبرالية الإنتخابية. يكمن الخطر هنا في أنه لا أحد يعرف كيف يحدّد معنى أن تكون الدولة يهودية.

    في بداية التسعينيات قام عالم الاجتماع في جامعة حيفا SAMMY SAMOOHA بتطبيق مفهوم «الديموقراطية الإتنية» على اسرائيل وهو مصطلح اقتبسه عن JUAN JOSÉ LINZ أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة YALE. يعدّد ساموحا أنواع الديموقراطيات كما يلي: الديموقراطية الليبرالية؛ الديموقراطية الجمهورية؛ الديموقراطية المتعددة الجماعات PLURISOCIALE ؛ الديموقراطية المتعددة الثقافات؛ ليخلص الى القول إن اسرائيل لا يمكن تصنيفها تحت أي من هذه الديموقراطيات لأنها لا تؤمن المساواة المدنية والسياسية الأساسية لجميع مواطنيها. اعتبر ساموحا أن اسرائيل تقع في أسفل الهرم بين الديموقراطيات وهي أشبه بديموقراطيات ليتوانيا, استونيا وسلوفاكيا. إنها دولة إتنوقراطية.

    فتحت آراء ساموحا هذه علبة باندورا وانهالت الهجمات عليه من كل حدب وصوب وجاء معظمها من الحائزين على أعلى جوائز الدولة. ردود الفعل هذه سعت إلى إثبات عدم التناقض بين يهودية الدولة وديموقراطيتها وهي دلت على خطر طرح المساواة بين العرب واليهود في اسرائيل، وكذلك على خطورة مفهوم اسرائيل كدولة لكل مواطنيها( 25% منهم غير يهود , 20% عرب و 5% غير عرب).

    يرى ساند أن الواقع قاس جدا بالنسبة للحقوقيين الصهاينة. لم يعد هناك في العالم أي بلد يمنع اليهود من الهجرة الى اسرائيل والهجرة المعاكسة أصبحت أقوى، وهو يوافق على وصف اسرائيل بالإتنوقراطية المحدودة الليبرالية نظراً لقوانينها ذات الطابع الديني والإتني. هذه الخاصية منعت اسرائيل من التطور والأهم من ذلك, حسب ساند, أن الأساطير التي بنيت عليها هي التي ستؤدي الى تفجيرها من الداخل. الأسطورة الأولى: ملكية الأرض التاريخية دفعت اسرائيل الى استعمار شعب آخر وخلقت لها مشكلة ديموغرافية هائلة. الأسطورة الثانية هي إتنيتها التي تمنع أي غريب من الدخول اليها، وهو ما أدى الى وضع غريب: كلما انخرط الفلسطينيون في الدولة الإسرائيلية كلما ازداد استلابهم وتعزز رفضهم لأسس هذه الدولة وذلك لاكتشافهم لحقوقهم الناقصة قياساً على الإسرائيليين اليهود. لقد ساهمت ممارسات اسرائيل العنصرية في غزة والضفة في تقوية هذا الشعور الى حد بعيد. ومع أن العولمة قد أفادت اسرائيل الى حد ما نظراً لانكفاء الجماعات الإتنية في الغرب, ومنها اليهود, على ذاتها, مما قوى تأييد هؤلاء لإسرائيل, يرى ساند أن المدى البعيد لا يبشر خيراً لإسرائيل لأن قوة المؤسسات في الغرب سوف تؤدي الى اندماج اليهود في مجتمعاته عبر الزواج المختلط وغيره.

    اعتمد هذا النص الطبعة الفرنسية:

    Comment le peuple juif fut inventé, ed. Fayard, paris, 2008,446 pages


Comments are closed.