الاتحاد – سيد الحجار/
أثار تراجع أسعار الإيجارات في أبوظبي، جدلاً استثمارياً وقانونياً بين ملاك الفلل ومستثمري عقارات سكنية، الذين بحثوا عن الثراء في “تقسيم” الفلل وتأجيرها شققاً واستديوهات، ولكنهم تضرروا بعد أن تراجعت عوائد الإيجار عن قيمة العقد المبرم مع المالك.
ورفض ملاك فلل مطالبات مستثمرين بتعديل شروط عقد الاستثمار وتخفيض السعر، مما دفع ببعض المستثمرين اللجوء إلى القضاء، لفسخ العقد أو تعديله، وتجنب المزيد من الخسائر، الأمر الذي أفسد “شهر العسل” بين الطرفين والمنفعة التي كانا يحققانها.
وقال عادل جمعة “مستثمر” إنه تحمل خسائر مالية ضخمة نتيجة انخفاض الإيجارات، موضحاً أنه وقع قبل عامين عقد استثمار فيلا لمدة 4 سنوات بسعر 800 ألف درهم سنوياً، ورغم أنه حقق أرباحاً طفيفة خلال العام الماضي، إلا أن دخل الفيلا لم يزد خلال هذا العام عن 600 ألف درهم.
وقال “طالبت المالك بتعديل العقد نتيجة انخفاض أسعار الإيجارات، إلا أن المالك رفض التعديل، كما رفض استرداد الفيلا وإلغاء العقد، وهو ما دفعني للتقدم بدعوى قضائية للفصل في الخلاف”.
وكان الملاك يوقعون عقود “استثمار” مختلفة الآجال، تصل إلى 5 سنوات، لفيلا مقابل أجر سنوي، دون التدخل بالإيجار، فيما يقوم المستثمرون بتقسيم الفيلا إلى شقق ووحدات سكنية، بشكل طغى عليه المخالفة لتعليمات بلدية أبوظبي، ويؤجرونها بسعر يفوق قيمة العقد، لتحقيق الربح.
جمعة واحد من بين عشرات المستثمرين الذين يحاولون تفادي الخسائر.
وأكد عدد من المستثمرين لـ “الاتحاد” أنهم تقدموا بشكاوى ودعاوى قضائية لمطالبة الملاك بتعديل العقود وفق الأسعار الجديدة للإيجارات أو قبولهم استرداد الفلل والبنايات السكنية المؤجرة.
والأمر لم يتوقف عند تراجع الإيجار، إذ إن الحملة الأخيرة التي نظمتها بلدية أبوظبي لمنع مخالفات تقسيم الفلل، أضرت بالمستثمرين.
كما أدى انصراف الباحثين عن سكن عن الوحدات السكنية داخل فلل في ظل توفر معروض في البنايات إلى تراجع إيرادات مستثمري العقارات.
الرأي القانوني
وقانونياً، لا يحق المطالبة بتغيير أو إلغاء عقد إلا لأسباب جوهرية أو طارئة.
وقال سامي مصطفى محروس المستشار بمكتب المحروس للمحاماة والاستشارات القانونية إن “العقد شريعة المتعاقدين، وبالتالي لا يحق للمستثمر المطالبة بتغيير العقود لمجرد التراجع الطفيف في أسعار الإيجارات”.
وأضاف محروس أن المطالبة بتغيير العقود ربما تكون سليمة في حالة وجود ظروف طارئة وقاهرة خارجة عن إرادة الجميع”، مؤكدا أن التراجع الطفيف في الإيجارات لا يعد بأي حال من الأحوال “ظرفاً قاهراً”.
وأوضح محروس أن احتمال زيادة الإيجارات كان وارداً بقوة إبان توقيع العقود.
وزاد “لو حدث وارتفعت الأسعار ما كان أي مستثمر سيقبل مطالبة المالك بتعديل العقد وفق الأسعار الجديدة”.
وأيده بالرأي محمد ياسين منصور المستشار القانوني، الذي قال إن أسعار الإيجارات لم تشهد تراجعاً ملحوظاً في أبوظبي بما يدفع المستثمرين للمطالبة بتعديل العقود. وأوضح أن الإيجارات شهدت استقراراً بأغلب المناطق أو تباطؤاً في معدل الارتفاع السنوي.
وأضاف أن المستثمر ربما لم يحقق الأرباح الخيالية التي كان يسعى لتحقيقها، إلا أنه لا يمكن تجاهل الأرباح التي حققها هؤلاء من وراء الإيجارات طوال السنوات السابقة.
وأوضح ياسين أن قانون الإيجارات في أبوظبي ينظم في الأساس العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ولا توجد بنود تخص المستثمرين.
عقود إيجار وليست عقود استثمار
وأكد الدكتور حسين غنايم المستشار القانوني أنه رغم أن العقد الذي يوقع لمدة زمنية معينة يمتد للسنة المذكورة بالعقد، إلا أنه يجدد سنوياً، وبالتالي فإن المستثمر الذي لا يرغب في تجديد العقد يجب أن يبلغ بذلك قبل 3 أشهر من نهاية السنة الإيجارية.
وأضاف أنه في حالة تراخي المستثمر عن المطالبة بعدم التجديد أو تغيير العقد قبل المدة المحددة فإنه لا يحق له المطالبة بعد ذلك بعدم التجديد.
وأوضح غنايم أن العقود الموقعة بين مستثمري الفلل والملاك لا يمكن اعتبارها عقود استثمار، موضحا أن عقود الاستثمار تكون بهدف استثمار قطعة أرض فضاء وليس بنايات أو فلل.
وبالتالي، فإن مستثمري الفلل والبنايات هم في الأساس مستأجرين وليس مستثمرين، وهو ما يعني إمكانية استفادتهم من المطالبة بإلغاء العقد او تعديله قبل 3 أشهر من نهاية السنة الإيجارية.
وقال “ليست العبرة بالتسمية التي يطلقها الأفراد على العقد ولكن بطبيعة العقد، وبالتالي فإنه حتى في حالة اتفاق الطرفين على إطلاق مصطلح عقد استثمار فيما يتعلق بالفلل التي يتم استئجارها بغرض إعادة التأجير، فإن العقد هو “عقد إيجار”.
وينص قانون تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجرين والمستأجرين في إمارة أبوظبي على سريان عقد الإيجار إلى نهاية المدة المحددة فيه ويتجدد لمدة أو مدد أخرى مماثلة ما لم يعلم أحد الطرفين الطرف الآخر برغبته كتابة في إخلاء العين المؤجرة أو تعديل شروط العقد وذلك قبل انتهاء المدة السارية بشرط الإخطار قبل نهاية العقد بشهرين بالنسبة للأماكن المؤجرة للسكن وثلاثة شهور للأماكن المؤجرة لغير السكن.
وأكد عدد من الخبراء القانونين عدم أحقية المستثمرين بالمطالبة بتعديل العقود، موضحين أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن المستثمرين هم من بادر بالمطالبة بتوقيع عقود لسنوات طويلة سعياً وراء تحقيق المزيد من الأرباح.
وقال متعاملون إن المستثمرين كانوا بمثابة حلقة ليس لها داعي بين المالك والمستأجر، مشيرين إلى أن الفترة الأخيرة بدأت تشهد تعاملاً مباشراً بين المالك والمستأجر أو بين المالك وشركة الوساطة العقارية.
وأدت الأزمة المالية وبداية تسليم المشروعات العقارية في أبوظبي إلى استقرار أسعار الإيجارات بأغلب المناطق، وشهدت بعض الأماكن تراجعاً بمتوسط 10% داخل جزيرة أبوظبي، و20% في بعض المدن خارج العاصمة لاسيما بمدينة محمد بن زايد وخليفة “أ”.
ومن جانبه، أكد مبارك العامري رئيس مجموعة الصمود العقارية أن مستثمري الإيجارات أسهموا في اشتعال الأسعار خلال العام الماضي وذلك عبر التأجير من المالك ثم القيام بعد ذلك بعرض هذه الوحدات للإيجار بأسعار مرتفعة جدا.
وقال إن السوق العقارية في أبوظبي شهدت ظهور عدد كبير من المستثمرين يعملون بصورة غير رسمية، ودون أي تراخيص، حيث يستأجر المستثمر الوحدات السكنية تحت زعم السكن ليقوم بعد ذلك بتأجيرها.
وأوضح أن هؤلاء المستثمرين يمكن أن نطلق عليهم “مضاربين” ولكن في الإيجارات وليس التملك الحر.
وأوضح العامري أن الأزمة الاقتصادية الحالية أسهمت في طرد نسبة كبيرة من هؤلاء المضاربين بما يسهم في استقرار السوق خلال الفترة المقبلة. وقال إن الفترة الأخيرة بدأت تشهد تعاملاً مباشراً بين المالك والمستأجر أو بين المالك وشركة الوساطة العقارية بعد خروج بعض من هؤلاء المستثمرين من السوق.
وأكد العامري أن المشكلة الرئيسة تتمثل في غياب جهة تنظيمية للسوق العقارية في أبوظبي، موضحاً أن عقد الاستثمار يفترض أن يقتصر على الأرض الفضاء فقط.
ورأى محمد المساعدة المدير التنفيذي لشركة سيدني العقارية أن هؤلاء المستثمرين أوجدوا سوقاً سوداء لأسعار الإيجارات في أبوظبي طوال العامين الماضيين وأسهموا في رفع الأسعار بصورة غير طبيعية.
أسعار إيجارات الشقق
وذكر تقرير حديث لشركة استيكو المتخصصة في الخدمات العقارية بالإمارات أن إيجارات الشقق في أبوظبي شهدت تراجعاً طفيفاً في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام الماضي مع تزايد المعروض من الوحدات السكنية الذي أدى لاستقرار الأسعار في العاصمة.
وفيما يتعلق بالوحدات الجديدة المطروحة للسوق في أبوظبي، أشار التقرير إلى وجود 2000 وحدة جديدة من الشقق السكنية ستكون جاهزة للتأجير في جزيرة أبوظبي خلال النصف الأول من 2010 ورقم مماثل في النصف الثاني من العام نفسه.
كما توفر مشاريع مارينا سكوير وأبراج الشمس والسماء والبندر نحو 6500 شقة بنهاية الربع الثاني من 2010، بخلاف 1286 وحدة من المقرر أن يوفرها مشروع المنيرة بنهاية 2010.
وذكر التقرير أن إيجارات الفلل في جزيرة أبوظبي هبطت في الربع الأخير من العام الماضي بين 10-20% مع تزايد عدد الملاك الذين يقبلون الحصول على إيجارات أقل لتأمين مستأجرين جدد بسرعة.
وسجلت الفلل الكبيرة الفخمة المكونة من خمس غرف نوم فما فوق أكبر نسبة هبوط. وعلى نحو معاكس شهدت الفلل خارج الجزيرة في مشاريع الراحة جاردنز وساس النخيل طلباً مستمراً في أعقاب الانخفاضات الحادة في الإيجارات في وقت سابق من العام.
وقال محمد عبدالمنعم “مستثمر” إنه وقع عقد إيجار فيلا لمدة خمس سنوات العام الماضي بسعر 2.5 مليون درهم، تسدد على 5 سنوات بواقع شيك بقيمة 500 ألف درهم سنوياً، موضحاً أن الفيلا تضم 5 شقق.
وفي العام الماضي، قام عبد المنعم بتأجير الشقة بأسعار تراوحت بين 100 و 120 ألف درهم سنوياً، وهو ما ساعدني في تحقيق أرباح معقولة.
بيد أنه بعد تراجع الأسعار خلال العام الأخير، تأكدت من صعوبة تأجير الشقق بنفس الأسعار، لاسيما بعد أن أبلغني عدد من المستأجرين رغبتهم في عدم تجديد العقد بنفس السعر، بعد توفر أسعار أقل بالسوق، وهو ما دفعني لمطالبة المالك بتعديل العقد، أو على الأقل الانتظار في مطالبتي بسداد الشيك إلى حين إيجاد حل للأزمة.
وأضاف عبدالمنعم “خسائر المستثمرين تظهر بوضوح خارج أبوظبي، بعد تراجع الأسعار بمدينة محمد بن زايد وخليفة “أ” بنسب تزيد على 20%”.