يوم اقتنع أبو الدرداء -رضي الله عنه- بالاسلام دينا ، وبايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذا الديـن ، كان تاجر ناجحا من تجار المدينة ، ولكنه بعد الايمان بربـه
يقول : ” أسلمت مع النبـي -صلى اللـه عليه وسلم- وأنا تاجر ، وأردت أن تجتمع لي العبـادة والتجارة فلم يجتمعا ، فرفضـت التجارة وأقبلت على العبادة ، وما يسرنـي اليوم أن أبيع وأشتري فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، حتى لو يكون حانوتي على باب
المسجد ، ألا اني لا أقول لكم أن اللـه حرم البيع ، ولكني أحـب أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله

بعض المواقف والفوائد من أقوال أبي الدرداء رضي الله عنه:

1- الصبر على الأذى وكلام الناس:

قال أبو الدرداء رضي الله عنه:

أدركت الناس ورقاً لا شوك فيه ، فأصبحوا شوكاً لا ورق فيه ، إن نقدتهم نقدوك وإن تركتهم لم يتركوك ” قالوا : وكيف نصنع ؟ قال : ” تقرضهم من عرضك ليوم فقرك ” .

وقال أيضاً : ” إن قارضت الناس قارضوك ، وإن تركتهم لم يتركوك ، وإن هربت منهم أدركوك ” قال الرجل فكيف نصنع ؟ قال : ” أقرض من عرضك ليوم فقرك ” .

وقال أيضاً : ” هب عرضك لله عز وجل فمن سبك أو شتمك أو قاتلك فدعه لله ، وإذا أسأت فأستغفر الله ” .

2- الرفق:

ومن اللطائف في حياته أنه كان له جمل يقال له [ دمون ] فكان إذا أعاره من أحد قال له : لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطيق أكثر من ذلك ، فلما كان عند انقضاء هلاكه [ أي الجمل ] قال : “دمون لا تخاصمني عند ربي فإني كنت لا أحمل عليك إلا طاقتك “

هكذا كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سلاماً ورفقاً في الحياة بالناس والطيور والدواب ، كيف لا يكونون كذلك وهم قد صحبوا من جعله الله رحمة للعالمين .

3- خوفه الشديد من المعاصي:

عن جبير بن نفير أنه قال : دخلت على أبي الدرداء منزله بحمص فإذا هو قائم يصلي في مسجده فلما جلس يتشهد جعل يتعوذ بالله من النفاق ، فلما انصرف قلت له : غفر الله يا أبا الدرداء ، أما أنت والنفاق ما شأنك وشأن النفاق ؟ فقال اللهم غفراً – ثلاثاً – لا يأمن البلاء من يأمن النفاق ، والله إن الرجل ليفتن عن ساعة واحدة فيقلب عن دينه . فكان شديد الخوف من النفاق كثير التحذير منه .



تقول أم الدرداء – زوجته – : كان أبو الدرداء إذا مات الرجل على الحال الصالحة قلت : هنيئاً له ، يا ليتني بدله ، قال : وما تعلمين يا حمقاء أن الرجل يصبح مؤمناً ويمسي فاسقاً ؟ قلت : وكيف ذلك ؟ قال : يسل إيمانه ولا يشعر ، لأنا لهذا بالموت أغبط مني بالبقاء في الصلاة والصيام .
ولذلك كان – رضي الله عنه – يحذر من أن يأمن الإنسان النفاق فلا يهتم ولا يستعيذ بالله منه فقد كان يقول : استعيذوا بالله من خشوع النفاق ، قيل وما خشوع النفاق ؟ قال : أن ترى الجسد خاشعاً والقلب ليس بخاشع.


4- شدة تمسكه بسنة النبي صلى الله عليه وسلم:


كان الصحابة – رضي الله عنهم – حريصين على التأسي بنبيهم عليه الصلاة والسلام في كل شيء ، وكان أبو الدرداء إحدى الصور الدالة على ذلك فكان – كما تقول عنه زوجته أم الدرداء – إذا حدث حديثاً يتبسم في حديثه ، فقلت : إني أخشى أن يحمقك الناس ، فقال ما سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يحدث حديثاً إلا تبسم في حديثه .



وكان يمتثل في سلوكه ما سمعه من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد روت أم الدرداء قالت : كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله يدعو لهم في الصلاة ، قالت أم الدرداء : فقلت له في ذلك فقال : إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان ولك بمثل ، أفلا أرغب أن تدعو لي الملائكة .


5- بعض أقواله في الرقائق والمواعظ:


أبصر رجلاً في جنازة وهو يقول : من هذا ؟ فقال أبو الدرداء هذا أنت هذا أنت ، يقول الله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون } .



وخرج مرة في جنازة فرأى أهل الميت يبكون عليه ، فقال : مساكين موتى غداً يبكون على ميت اليوم .


وقال أيضاً : ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده . كفى بالموت واعظاً ، كفى بالدهر مفرقاً ، اليوم في الدور ، وغداً في القبور .


ودخل عليه حبيب بن مسلمة يعوده في موته ، فقال : ما أراه إلا الفراق فجزاك الله من معلم خيراً ، فعظني بشي ينفعني الله به ، قال : يا حبيب بن مسلمة اتق دعوة المظلوم .


وعن أبي مسلم الخولاني أن أبا الدرداء مرض مرضه الذي مات فيه فكثر عليه العواد في منزله فأخرجوه إلى كنيسة النصارى فجعل الناس يعودونه أرسالاً فجاء أبو إدريس إلى أبي الدرداء وهو يجود بنفسه فتخطى الناس حتى جلس عند رأسه ، فقال أبو إدريس : الله أكبر ، فجعل يكبر ، فرفع أبو الدرداء رأسه فقال : إن الله إذا قضى قضاء أحب أن نرضى به . ثم قال : ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ؟ ثم قضى .


وعن أبي عمران الجوني أن أبا الدرداء لما نزل به الموت دعا أم الدرداء ضمها إليه وبكى وقال : يا أم الدرداء قد ترين ما نزل بي من الموت ، إنه والله قد نزل بي أمر لم ينزل بي قط أمر أشد منه ، فإن كان لي عند الله خير فهو أهون ما بعده ، وإن تكن الأخرى فوالله ما هو فيها بعده إلا كحلاب ناقة ، ثم بكى وقال : يا أم الدرداء اعملي لمثل مصرعي هذا ، يا أم الدرداء اعملي لمثل ساعتي هذه ، ثم دعا ابنه بلالاً فقال : ويحك يا بلال اعمل لساعة الموت اعمل لمصرع أبيك واذكر به صرعتك وساعتك ، فكأن قد ، ثم قبض .



وهكذا كان أبو الدرداء يتحرى الفرص المواتية لاستجماع القلوب على الموعظة فيذكرها تذكيراً يربطها بربها عن طريق الإيمان باليوم الآخر .

(منقول من مقالات الدكتور الحكمي)



7 thoughts on “وقـفـات مع أبي الدرداء رضي الله عنه … حكم وعبر … يرجى الدخول للفائده …

  1. اكثر ماشدّ انتباهي من مواقفه رضي الله عنه :

    ومن اللطائف في حياته أنه كان له جمل يقال له [ دمون ] فكان إذا أعاره من أحد قال له : لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا فإنه لا يطيق أكثر من ذلك ، فلما كان عند انقضاء هلاكه [ أي الجمل ] قال : “دمون لا تخاصمني عند ربي فإني كنت لا أحمل عليك إلا طاقتك “

    سبحان الله … يخشى ان يخاصمه الجمل عند الله عزوجل …

Comments are closed.