يا جبريل إني أحب فلاناً

يا جبريل إني أحب فلاناً
ـ تختلف أشكال الطموح الإنساني من إنسان لآخر ويختلف هرم الحاجات الإنسانية وأولوياتها من إنسان لآخر.. فما يكون لشـخص من طموح.. ومن رغبة وسعي لتحقيق ذاته يختلف لدى الآخر.. قد يحقق الإنسان الطموح الأكبر الذي يراه هو شغله الشاغل وهاجسه.. ويكون لآخر بعيد كل البعد عن مستوى تفكيره وطموح الآخر.. وسلم الأولويات قد يصعد إنسان لأعلى السلم تاركا أولوية بالهرم كالأمان مثلا لم يحققه.
ـ مع تلك الاختلافات إلا أن أمنية ورغبة الإنسان بأن يكون محبوبا من الآخرين ومتواصلا معهم أمر مهم ومطلوب مهما اختلفت الوظائف والمستويات الاجتماعية والثقافية والعلمية.
ويتفق ويتشابه الناس بعضهم مع بعض في آلامهم وأحزانهم وهمومهم، في رغبتهم بالشكوى وبث احزانهم وهواجسهم من حيز الذات والأعماق لأقرب صديق وحبيب والى اذن مخلصة تستمع اليه.
ـ قد يجد الإنسان شكل بث همومه وترجمتها وإخراجها بشكل يتفق عليه كثيرون وبالأديان السماوية بأن يرفع الانسان يديه لله شاكيا.. متضرعا.. باكيا.. سائلا.. مقرا بذنوبه.. حامدا لنعمائه.. طالبا لحاجاته وبصلاة وذكر وأشكال طاعة.. تقربه من الله وتحل له الرحمة والسكينة.
ـ من الناس من يعرف الله بصلاة وقرآن ومسجد واستغفار متى اشتدت الهموم وسدت السبل والطرق وعجزت عن تحمله القلوب البشرية التي تكل وتمل من الاستماع لشكوى الإنسان وتكرارها.
ـ والولي الرحمن الرحيم بابه لا يسد ورحماته لا تنقطع وعطاؤه لا ينفد، ومع الله وحبه لعباده كثير ما يسأل الإنسان كيف يعلم أن الله يحبه؟؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: إذا أحب الله عبدا نادى جبريل يا جبريل إني أحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في الملأ الأعلى يأيها الملأ إن الله يحب فلانا فاحبوه فيحبه الملأ الأعلى ثم يوضع له القبول في الأرض.
قال موسى يارب وددت أني أعلم من تحب من عبادك فأحبه قال إذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك وأنا أحبه وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجبته عن ذلك وأنا ابغضه.
ـ قال داود فيما يخاطب ربه: يارب أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟؟ قال الله تعالى يا داود أحب عبادي إليّ تقي القلب نقي الكفين لا يأتي إلى أحد سوءا ولا يمشي بالنميمة تزول الجبال ولا يزول.. أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي قال يارب انك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك.

يا داود انه ليس من عبد يعين مظلوما او يمشي معه في مظلمته الا اثبت قدمه يوم تزول الاقدام تقي القلب يخشى الله في السر والعلن ويذكره في السر اكثر مما يذكره في العلن نقي الكفين لا يمد يده للحرام ابدا ولا يبطش بها ولا يمشي بالنميمة وهي من الكبائر.
تزول الجبال ولا يزول اي لو تحركت الجبال فهو ثابت على الايمان والتقوى ولا يتزحزح.

آخر جرة قلم

اتذكر يوما بكيت غبطة عندما استمعت لقصة المقداد بن الاسود وموقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم كان الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر في البحث والسؤال عن المقداد بن الاسود وذلك لما كان قبل المعركة من قلة المسلمين امام اعداد الكفار وخاف المقداد ان يكون بين المسلمين من له بشأن المعركة تحفظات.. وقبل ان يسبقه احد بالحديث هم هو بالسبق ليصوغ بكلماته القاطعة شعار المعركة، ويسهم في تشكيل ضميرها ولكنه قبل ان يحرك شفتيه، كان ابو بكر الصديق قد شرع يتكلم فاطمأن المقداد كثيرا.. وقال ابو بكر فاحسن وتلاه عمر بن الخطاب فقال واحسن ثم تقدم المقداد وقال: يا رسول الله امض لما اراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون .. بل نقول لك: اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون!!.
والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا الى برك العماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، ولنقاتلن عن يمينك وعن يسارك وبين يديك ومن خلفك حتى يفتح الله لك». انطلقت الكلمات كالرصاص المقذوف.. وتهلل وجه رسول الله واشرق فمه عن دعوة صالحة دعاها للمقداد.. وكان من اثر ما قاله المقداد بحث الرسول صلى الله عنه بعد انتهاء المعركة وانتصار المسلمين نصرا عزيزا من عند الله وامساكه بيده قائلا للمقداد رضي الله عنه «ان الله امرني بحبك وانبأني انه يحبك».
فما اروعه من فوز وحب وسعادة عندما نعلم ان الله يحب عبدا وينظر اليه نظرة رضا ورحمة ونكون ممن قال الله فيهم .. يا جبريل اني احب فلانا فاحبه .. لهي غاية وطموح كل انسان يدرك معنى انسانيته ووجوده.

alsalwa@alwatan.com.kw