ما بين ارتفاعات صاروخية وارتدادات بنفس القوة ناحية الهبوط في الجلسة الواحدة تبعث مسارات الأسواق الإماراتية خصوصا في دبي على حيرة المتعاملين وصغار المستثمرين بشكل خاص، والذين يتكبدون خسائر في مثل هذه الحالات من التذبذبات واسعة النطاق.

ربما ما حدث في تعاملات الثلاثاء الماضي دليل على ذلك فقد تقلبت سوق دبي في مسارها خلال الجلسة أكثر من مرة بين هبوط في البداية أعقبه صعود صاروخي ما لبث أن ارتد إلى هبوط سريع وبنسبة كبيرة حولت المكاسب إلى خسائر بنسبة 2.2%.

الأسواق في قبضة المضاربين

يقول المحللون إن هذه طبيعة الأسواق التي تسقط في قبضة المضاربين الذين يجدون في التذبذبات واسعة النطاق فرصة لتحقيق مكاسب خيالية حيث يشترون كميات كبيرة مطلع الجلسة سرعان ما تدفع السوق إلى الصعود بقوة عندها يتخلصون من الكميات التي اشتروها بأسعار أقل بالبيع بأسعار أعلى مما يضغط على المؤشر نحو التراجع.

هكذا يفسر المحلل المالي زهير الكسواني ما يجرى في السوق مضيفا أن كثافة البيع تأتي ممن يسمون بـ ” المتداولين اليوميين ” والذين يشكلون أكثر من 90% من السوق وهؤلاء اعتادوا على الشراء في بداية الجلسة والبيع قرب نهايتها.

هؤلاء أيضاً كما يقول المحلل المالي حمود عبدالله، مدير الإمارات للوساطة، يتعاملون على المكشوف حيث يحصلون على تسهيلات من مكاتب الوساطة خصوصاً محدودة النشاط تتيح لهم التعامل على المكشوف مما يجبرهم على الشراء والبيع بذات الجلسة مكتفين بهامش محدود من المكاسب يومياً هم السبب في حركات الصعود السريعة والهبوط الأسرع والأكثر حدة.

وعادة ما يركز هؤلاء على مجموعة معينة من الأسهم تعرف باسهم المضاربات التي تتميز بسرعة الدوران، وغالباً ما تكون أسعارها منخفضة القيمة السوقية.

اتفاقات شفهية

في فترات تراجع الأسواق طيلة العام الماضي شددت هيئة الأوراق المالية بالتعاون مع إدارة سوقي دبي وأبوظبي الماليين من رقابتها على شركات الوساطة التي أفرطت في تسهيلات التعامل على المكشوف أملاً في تعويض خسائرها ونجحت الرقابة إلى حد كبير في الحد من الظاهرة.

ولكن مع عودة الزخم للسوق، عاد المتداولون اليوميون من جديد وكشفت التعاملات المكشوفة عن وجهها حيث تشهد أحجام التداول قفزة غير معهودة في تاريخ الأسواق لم تحدث حتى في ذروة نشاطها عامي 2004 و2005.

وارتفع متوسط التداول اليومي إلى أكثر من 4 مليارات درهم مقارنة مع أقل من نصف مليار يومياً حتى الشهور التسعة الأولى من العام الحالي. وفي حين يعتبر البعض هذا الأمر سيولة جديدة يجمع محللون على أنها “أموال مدورة فقط بفعل المتداولين اليوميين أو المضاربين الذين ينقلون نفس الأموال من سهم على أخر في ذات الجلسة دون إدخال أموال جديدة.

طبقا لمدير شركة وساطة – يرفض الكشف عن اسمه – فإن نشاط السوق غير المعهود يدفع شركات الوساطة الصغيرة إلى إبرام اتفاقيات شفهية “مع المتداولين اليومين لتحقيق مصالح الطرفين خصوصاً وأن كلاهما تكبد خسائر باهظة في الماضي.

فمن جانب تتمكن مكاتب الوساطة من تحقيق عمولات جيدة من ارتفاع حجم تعاملاتها تعوض بها خسائرها التي تكبدتها على مدى عامين، وفي ذات الوقت يتمكن المتداولون اليوميون ممن لا تتوفر لديهم السيولة الكافية من الاستفادة من فترة صعود الأسواق أملاً أيضاً في التعويض.

وتكمن خطورة مثل هذه الاتفاقيات في أنها تخلق تداولات مصطنعة تظهر في شكل قفزة في أحجام التداولات التي بلغت في أحد الأيام أكثر من 13 مليار درهم، منها 10 مليارات درهم لسوق دبي، الأمر الذي قد يوحي بأن السوق منتعشة وتستقطب سيولة ضخمة في حين أنها في الأساس أموال مدورة وليست سيولة جديدة.

والخطورة الأكبر تظهر في فترات الهبوط الحادة حيث يضطر مدراء شركات الوساطة إلى الضغط على المتداولين على المكشوف بالبيع لتغطية مراكزهم وسداد التزاماتهم، وفي حال عدم الانصياع يقوم الوسيط من تلقاء نفسه ببيع الأسهم طبقاً لأوامر البيع الموقعة مسبقاً من قبل المتداول طبقاً للاتفاق المبرم بينهما.

وكانت هذه الظاهرة سبباً جوهرياً للهبوط الحاد الذي مرت به الأسواق العام الماضي، وبسببها تكبدت شريحة كبيرة من المضاربين والمتداولين اليوميين ومكاتب الوساطة خسائر باهظة بسبب استمرار تراجع الأسواق.

أعين الرقابة

” يتعين على الأسواق أن تحكم قبضتها ورقابتها على عمل مكاتب الوساطة ذلك أن التعاملات على المكشوف ستضر السوق ككل “هكذا يقول حمود عبدالله مضيفاً أن الحسابات المكشوفة في تزايد مستمر وهى التي تساهم في رفع أحجام التداولات وأسعار أسهم منتقاة بشكل غير مبرر.

والسؤال هنا هو: “هل تتدخل الجهات الرقابية قبل وقوع أزمة شبيهة بما حدث في السابق؟

طبقاً لمسؤول في سوق دبي فإن أعين الرقابة ليست غامضة عن شركات الوساطة التي تخالف القانون حيث وقعت السوق منذ أكثر من عام ونصف العام اتفاقاً مع إدارة المراجعة المالية بديوان حاكم دبي على التفتيش الدوري على أعمال مكاتب الوساطة وتوقع بالفعل عقوبات لكن لا يعلن عنها.

ويضيف “تقوم لجان التفتيش بزيارات مفاجئة وتطلع على دفاتر شركات الوساطة للوقوف على مدى التزامها بقواعد قوانين عمل الأسواق، كما أن إدارة السوق تشدد في تعاميم عدة على ضرورة وقف أية تعاملات على المكشوف”.

هذه هي الردود الرسمية لكن في قاعات التداول يبدو الأمر مختلف تماماً وهو ما يجمع عليه كافة المتعاملين مع مكاتب الوساطة بما فيهم المتداولون اليوميون الذين لا يترددون في الاعتراف بحصولهم على تسهيلات من مكاتب الوساطة بالتعامل على المكشوف وبمبالغ كبيرة.

ويقول أحدهم: “مقابل رهن أسهم بما قيمته مليون سهم أحصل على تسهيلات بالتعامل يومياً بما قيمته 5 أضعاف وأحيانا 10 أضعاف، وغالباً ما ألتزم بتسوية مركزي المالي مع الوسيط بنهاية تعاملات اليوم بحيث أحصل في اليوم التالي على نفس التسهيلات”.

يضيف: “المشكلة التي تواجهني عندما يهبط السوق فجأة وبنسب كبيرة غير متوقعة يصعب معها التعويض غير أن في فترات النشاط الحالية يتفهم الوسيط، ويترك لي يومين إلى 3 أيام لحين تحين فرصة للبيع بمستويات سعرية جيدة تعوض الخسائر”.

منقول

9 thoughts on “يوميات المتداولون…. في أسواق الإمارات

Comments are closed.