حديث إن الدنيا خضرة حلوة
ولمسلم من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الله واتقوا النساء
——————————————————————————–
هذا الحديث متناسب مع ما قبله، الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث يصور الدنيا في نظر الناس، فهي محببة إلى النفوس، الدنيا المراد بها متع الدنيا وما في هذه الحياة من زخرف ومن زينة، وجماع ذلك المال الذي يتوصل به إلى سائر الحظوظ والمتع.
الدنيا حلوة خضرة، حلوة المذاق، ولهذا يطلب الناس منافع الدنيا، ويتفاخرون ويتكاثرون فيها اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فهي حلوة خضرة، حلوة لذيذة مستلذة، فوصفها بالحلاوة كناية عن لذتها، فهي شهوات، الأموال بأنواعها كما في آية آل عمران زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ هذه كلها مستطابة ومستلذة للنفوس، تفرح بنيلها وتطلب الاستكثار منها.
وهي أيضا خضرة، هذا كناية عن بهجتها وزينتها، فتجد من أوتي من هذه الحظوظ تجده يتمتع بالنظر إلى ما أوتي من بساتين وحروث وأملاك، يتمتع بما أوتي من الخيل، من بهيمة الأنعام، من الإبل، يتمتع بالنظر إليها متعة، فهو يلذها، فهو يجدها يعني مناظر خلابة، الدنيا حلوة خضرة، وقد جاء في هذا الحديث إن هذا المال حلو خضر، المال نفس الشيء، وهو يشمل أنواع المال من الذهب والفضة وسائر المتمولات، ما يتموله الناس.
وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون مستخلفكم فيها: يعني جعلكم تخلفون من قبلكم، فهذه الدنيا لا تبقى وقفا على جيل معين، بل لا بد أن تنتقل الدنيا، أن تنتقل هذه الأموال وهذه المشتهيات، لا بد أن تنتقل من شخص إلى شخص أو إلى أشخاص، ومن جيل إلى جيل، فكل جيل يخلف من قبله، فتنتقل هذه الأمور انتقالا عاما وخاصا، فتنتقل بموجب الأحكام الكونية والقدرية، ينتقل المال من المورث إلى الوارث، وتنتقل في المجتمع الواحد ينتقل ما فيه من مظاهر الحياة ومن متع الحياة إلى من بعده.
وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون الله جعل العباد خلائف، يخلف بعضهم بعضا، فلا تدوم هذه الدنيا لأحد، لا تدوم، قائمة على التجدد والانقراض، انقراض وتجدد، ينقرض جيل ويتجدد جيل بعده إلى أن يأتي أجل الدنيا، فناظر كيف تعملون، فالله أخرج العباد لهذه الحياة وجعلهم خلائف لينظر أعمالهم موجودة مرئية له -سبحانه وتعالى-، وإلا فهو -سبحانه وتعالى- قبل أن يخلق الدنيا وقبل أن يخلق السماوات والأرض يعلم ما سيعمل العباد، يعلم أعمالهم، لكن يعلم أنهم سيوجدون، ويعلم أنهم سيعملون ما يعملون من خير وشر وطاعة ومعصية، لكن قضى بحكمته أن يخرجهم إلى الوجود لتظهر أعمالهم أيضا واقعا عمليا ظاهرا كما قال -سبحانه وتعالى-: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
فناظر كيف تعملون، إذن الله يبتلي العباد بهذه الدنيا وما فيها من حظوظ ومن شهوات ليختبر حالهم، وتظهر بذلك حقائقهم، يتميز المطيع من العاصي، فناظر كيف تعملون.
ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء اللفظ الموجود عندكم “ألا فاتقوا الله” لكن الموجود في صحيح مسلم “فاتقوا الدنيا” فقد يكون هذا تصحيفا، وقد تكون رواية، لكن الموجود في صحيح مسلم واللفظ المشهور: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء وهذا هو المناسب للسياق، ألا فاتقوا الدنيا، أما تقوى الله فهي المعنى الجامع، الوصية بتقوى الله هي وصيته تعالى للأولين والآخرين، وهي وصية نبيه لأمته، لكن في نصوص ومواضع أخرى، أما هذا الحديث ففيه الأمر باتقاء الدنيا، ألا فاتقوا الدنيا، اتقوا الدنيا: يعني توقوا شر هذه الدنيا، احذروا الاغترار بها، احذروا فتنتها، وذلك بأن تعملوا فيها بطاعة الله، لا يحملنكم حب الدنيا على معصية الله وتعطيل فرائضه، احذروها.
والله -تعالى- قد حذر من فتنة الدنيا في آيات يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ وصوّر حقيقة هذه الدنيا وضرب لها الأمثال إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ الآية وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا وفي الآية الأخرى اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
فالإنسان مبتلى بهذه الدنيا، فعليه أن يحذر من الاغترار بها، عليه أن يعمل فيها بطاعة الله، يعمل فيما أوتي منها بطاعة الله، فلا يحمله حب المال وحب الجاه على طلب ذلك بمعصية الله، ولا يحمله حب المال على أن يمنع ما أوجب الله عليه من الحقوق.
ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، وتخصيص النساء بالذكر لعظم الفتنة بهن كما دل عليه الحديث المتقدم، فكأن المعنى: اتقوا فتن الدنيا وشهوات الدنيا كلها، فتنة المال، وفتنة الولد، وفتنة الجاه، واتقوا فتنة النساء، لأن فتنة النساء هي أعظم فتنة من هذه الشهوات، هذه الشهوات كلها فتن، مَن انساق فيها مع هواه وشهوته دون أن ينضبط بشرع الله كان ما أوتي منها شرا عليه، ومَن استقام فيها على طاعة الله، ووقف في هذه الدنيا عند حدود الله نجا من شرور هذه الفتن.
وبعد الوصية باتقاء فتنة الدنيا أو فتن الدنيا خص النساء بقوله: واتقوا النساء وهذا معلل بالحديث المتقدم، فكأن المعنى: اتقوا النساء، لأنها أضر الفتن، لأنها أضر الفتن على الرجال، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، نعم والله أعلم، بعده.
هذا الموضوع للباحث عن سعادة الدارين. اسأل الله ان نكون منهم.
اسأل الله ان نكون منهم
تسلم ع الموضوع القيم
آمين
شكرا على المرور والدال على الخير كفاعله
اسأل الله ان نكون منهم
شوووووووووووووكرن للموضووع