جنون البورصة في الإمارات…إدمان وقلق فحزن فاكتئاب
يشعر الداخل إلى مركز دبي المالي العالمي بوطأة الهم والتوتر الذي يسيطر على المكان. الجميع يتحدث على الهاتف، العيون مسمرة على اللوحة الالكترونية، ازدحام على شبابيك الشركات التي تتداول أسهمها في البورصة. تدور النقاشات همسا، أخبار تمتزج فيها الإشاعة مع الحقيقة، وتتحول المعلومة التي يتوق الجميع إلى التقاطها إلى هدف، والتحقق من مصداقيتها هم آخر، والمراهنة بجنى العمر أو بجزء منه هم كبير.
يشير الواقع الصحي العالمي إلى أن المضاربين في البورصة هم الأكثر تعرضا للإصابة بأمراض القلب ضغط الدم والقولون العصبي والأرق والقلق المستمر. ورغم أن أحدا من الذين التقينا في المركز المالي لم يشر إلى انهيار مضارب أو مستثمر كما يفضلون أن يسموا، إلا أن الكثيرين اقروا أنهم أصبحوا مدمنين على هذا «العمل»، وبعضهم ظهر عليهم القلق والخيبة.
أمضى أكرم حلوم 43 سنة حتى الآن في الأسواق المالية المحلية والعربية والعالمية،«كان الناس يسمونها في البداية سوق السهام، ولم يكن الناس يعرفون الكثير عن طبيعة هذه الأعمال، على عكس الحال في هذه الأيام».
يتحدث أكرم ببرودة أعصاب وبابتسامة عريضة لا تفارق ثغره رغم الضجة والتشنج الذي كان يسود مركز بورصة دبي في ذلك اليوم إثر الانخفاض الحاد للأسعار «أول الأسهم اشتريتها في الستينات من بنك دبي الوطني، جنيت منها أرباحا وفيرة» يقول أكرم. ويضيف «تستلزم المضاربة في البورصة توفر عدد من الشروط كبرودة الأعصاب، عدم الاستدانة، ومعرفة جيدة بوضع السوق وحال كل شركة ومستقبلها».
لم يخسر أكرم أبدا في البورصة «اشتريت أسهما في إحدى المصارف، ما لبثت أن انخفضت بشدة، لم أتأثر أبدا انتظرت 13 سنة قبل أن أحقق أرباحا منها. كان لدي أيضا أسهما اشتريتها بسبعمائة روبية (العملة الهندية التي كانت تستخدم أيضا في الإمارات قبل صك العملة الوطنية)، نسيت أمرها سنوات لتصير 50 مليونا. في الحقيقة افرح كثيرا عندما تهبط أسعار الأسهم، لأنني أكون شبه متأكد أنها سترتفع، وسأجني أرباحا» ينصح أكرم المضاربين في السوق المالي ألا ينساقوا في متاهات الديون لان ذلك سيؤثر على صحتهم.
* خسارة بحدود
بدأت سلفانا وهي روسية تأتي إلى مقر بورصة دبي منذ ثلاثة أشهر، تملك الكثير من الاستثمارات في دبي بحسب ما قالت، وإحداها في السوق المالي لا تبدو سعيدة أبدا تجلس على الأرض، وتنظر بعينين ذابلتين إلى اللوحة الالكترونية التي تظهر عليها أسعار الأسهم.
«خسرت الكثير في اليومين الماضيين، وهذا أمر مخيب جدا. لقد أغرتني الارباح التي يجنيها المستثمرون في هذه السوق، فدخلتها، لا بد انه الطالع السيئ لم اربح شيئا بعد»، تقول سلفانا.
لم تشاهد احداً من المضاربين ينهار عند الخسارة، ولكنها تتحدث عن حالات من الجنون يصاب بها البعض عندما ترتفع الأسعار ويجنون أرباحاً كبيرة. تقر سلفانا أن المضاربة بالأسهم يصير نوعا من الإدمان لا يمكن ردعه إلا برسم حدود للربح والخسارة.
محمد عبدالله يعمل في الأساس بتجارة العقارات، ولكن إغراءات جني الأرباح قادته إلى السوق المالي لا يبدو متفائلا من حالة السوق في ذلك اليوم، يقول «إن عملية ارتفاع وهبوط الأسهم غير مبنية على المنطق التجاري، ما يحصل جنوني» ويضيف « في الأشهر الأربعة الماضية حققت الأسهم أرباحا جيدة ، ولكن منذ أيام بدأت بالهبوط رغم كل المؤشرات الايجابية، وبدأت معها الخسائر».
ينصح عبدالله من يود الدخول في مضاربات سوق الأسهم أن يكون صبورا ويحافظ على هدوءه رغم صعوبة ذلك. وبرأيه الناس التي تخسر هي التي لا تعرف بالسوق، ومن ينهار هو الذي بنى هاناته على أموال استدانتها.
* قلق وتوتر ودين
احدى السيدات تعمل مدرسة وقد استدانت من احد المصارف خمسين ألف درهم واشترت أسهما في إحدى الشركات العقارية. لا تعرف شيئاً عن سوق الأسهم ولا المضاربة ولا تعرف عدد الأسهم التي اشترت، كل ما تعرفه هوان الأسهم التي اشترت ووفق ما أكده لها العميل ستربح وستتضاعف في اقل من شهر.
لم تربح بعد فلسا واحدا، وتراجع سعر السهم نحو نقطتين حتى الآن، تقول بتوتر «لن أبيع سأنتظر، الخسارة واحدة إن كانت صغيرة أو كبيرة، وكل واحد يأخذ نصيبه. لم أكن اعرف أن هذا الاستثمار سيسبب لي كل هذا القلق والتوتر».
* إدمان على الأسهم
هند احمد فضلت الاستثمار في السوق المالي على العمل بشهادة هندسة الديكور التي تحمل «لان الربح أحلى وأسرع» تقول «أنا مدمنة على الأسهم، راسي يشتغل فيها كل الوقت، لست متوترة ولكنني أعيش في حال ترقب دائم خسرت مرة واحدة منذ أن دخلت السوق قبل سنتين تقريبا، الأمر كان عاديا، ولكن التحدي الكبير في كيفية تعويض الخسائر».
لم تشهد هند انهيار احد من المضاربين جراء خسارة ما. تقول « نربح أو نخسر الأموال على الورق، وهذا ما يجعل وطأة الصدمة اقل، ولكم من دون شك الشعور بالربح أجمل بكثير. وتعتبر أن النساء أكثر صبراً من الرجال واقل تهوراً.
* توتر عصبي يهدد الصحة
تضع هذه الأجواء المشحونة صحة الإنسان على المحك، تبين دراسة شكلت جزءاً من أطروحة دكتوراه لطبيب نفسي، أوائل التسعينات من القرن الماضي، أن أكثر من 60 في حالات الاكتئاب في الإمارات سببها الخسارة المالية، ويلاحظ طبيب آخر انتشاراً لافتاً لأمراض داخلية مرتبطة بالقلق والتوتر العصبي، كارتفاع ضغط الدم، والقولون العصبي، والقلب، والأرق، في الإمارات.
يلاحظ الدكتور سليمان النيال اختصاصي الأمراض الباطنية انتشارا لافتا للأمراض المرتبطة مباشرة بالحال العصبية للمريض، مثل تقرحات المعدة، وارتفاع ضغط الدم، ومرض القولون العصبي.
ولا يربط الدكتور النيال انتشار هذه الأمراض مباشرة بالضغوط النفسية التي يمر بها الإنسان الذي يستثمر في البورصة، لأن طبيعة الحياة في دبي المرتكزة على العمل هي السبب الأساسي لانتشار تلك الأمراض» ويضيف «من الصعب أن نسأل المريض ما إذا كان يعمل في المضاربة بالأسهم، ولكننا ننصحه بالهدوء والابتعاد عن التوتر كجزء من العلاج».
ويوضح أن مرض القولون العصبي مرتبط مباشرة بارتفاع نسبة التوتر، إذ ان 40% من زوار عيادات أطباء الأمراض الداخلية يعانون من آلام شديدة في المعدة وانتفاخ وصعوبة في التبرز، وتسارع في ضربات القلب، وزيادة «الأسيد» في المعدة، والتبول المتكرر.
* «مهنة» غير صحية
يؤكد الدكتور النيال أن الصدمة الكبيرة التي قد يصاب بها الإنسان تؤدي إلى إصابة المريض بالسكري أو جلطات القلب أو النزف الدماغي ، وقد تؤدي أحيانا إلى الوفاة، ويلفت إلى أن الواقع الصحي العالمي للذين يضاربون في البورصة يشير إلى انتشار لافت لأمراض القلب وضغط الدم والقولون العصبي والأرق والقلق المستمر.
«لا اعتقد أن المضاربة في البورصة مهنة صحية باستثناء الذي يشتري الأسهم للربح البعيد المدى باعتباره شيئاً عاديا» يقول النيال، ويضيف «هناك أشخاص لا يحتملون المجازفة أيا كان نوعها، فينعكس ذلك على صحتهم والبعض يكون أصلا يعاني من مرض ما فيزيد التوتر من شدته، خصوصا لدى كبار السن الذين تجاوزوا الخمسين من العمر».
ويقدم الدكتور النيال مجموعة من النصائح للمضاربين في البورصة أولها الابتعاد عن الديون، تحديد نسبة للمضاربة، وتناول دواء يخفف من التوتر بعد استشارة الطبيب، وفحص ضغط الدم بشكل مستمر، مشيرا إلى أن بعض الحالات قد تكون بحاجة إلى تناول المهدئات والأدوية المضادة للاكتئاب وبالتالي طلب مساعدة طبيب نفسي.
يقول الدكتور النيال إن الذكور أكثر عرضة من الإناث للإصابة بالأمراض الناتجة عن التوتر أو الصدمات والسبب أن هرمون الاستروجين عند الإناث يشكل حماية ضد ارتفاع الضغط وأمراض أخرى. ويرى أن الإناث أكثر عقلانية من الذكور الذين يتميزون بحب المغامرة وتحقيق الربح السريع.
* حزن واكتئاب
يفرق الدكتور طلعت مطر استشاري ورئيس قسم الأمراض النفسية في مستشفى سيف بن غباش في رأس الخيمة بين الاكتئاب والتوتر كحالتين نفسيتين قد ترافق المضاربين في الأسهم، يقول إن «الاكتئاب مرتبط بالفقدان، كالمال أو الأحباء أو المكانة الاجتماعية، أما القلق فمرتبط بالشعور بالتهديد والخوف والفقدان، ممكن أن يتحول إلى حزن ثم اكتئاب.»
لم يعالج الدكتور مطر المقيم في الدولة منذ 20 سنة أي حالات اكتئاب أو قلق مرتبطة بالبورصة في دبي من دون أن يعني ذلك إنها ليست سببا في التوتر والاكتئاب، تختلف درجات تحمل الناس للقلق، فهناك المتمرسون الذين يتعاطون مع الأمر ببلادة ، يخسرون الآلاف من دون تعكر مزاجهم، يتميزون بحب المغامرة وتمرسهم على «المقامرة» إذا صح التعبير.
وهناك أشخاص اقل تحملا عصبيون بطبعهم، وقد يتحول الأمر لديهم إلى وسواس، يشغل تفكيرهم في كل وقت. وهناك من لا يتحملون أي خسارة أو حال ترقب فيسيطر القلق على حياتهم.
لا فرق بين الإناث والذكور في إصابتهم بالقلق أو التوتر لان الأمر بحسب الدكتور مطر مرتبط بشخصية الإنسان. وفي أي حال فإن القلق والاكتئاب مدخلان سالكان للإصابة وبأمراض أخرى. ويعطي مثلا والده الذي توفي بداء السكري الذي أصابه اثر خسارة مالية كبيرة ألمت به.
ويشير الدكتور مطر إلى أن بعض الحالات تستلزم وصف المهدئات أو ثنيها عن كل ما قد يوتر، اخذ إجازة لفترة معقولة. نسألهم ماذا لو ربحوا كل أموال العالم وخسروا صحتهم، نحاول أن نفهمهم أن يتصرفوا مع المال على انه وسيلة وليس غاية، ويشير إلى أن 70 في المئة من الأمراض النفسية مرتبطة بالقلق والكآبة
دبي ـ كارول ياغي
.
بسبب الاسهم زادت أهمومنا ولم تزداد فلوسنا للأسف !!!
نضع أمال…. وأحلام…. ونضرب ….ونجمع …. ونقسم ..!!
والله يعوظنا خير على عمرنا…. وعلى نياتنا !!!!
.
الصراحة يبلها نفس طويل وأهم شي عدم الاقتراض …وتحديد الهدف من الدخول في السوق …وعليك باعادة تقييم المحفظة الاستثمارية كل ثلاث شهور ….
:ar104:
موضوع جميل يستحق القراءة…..
:mmom: