سياسة تجاهل ضعف العملة … د. بدر الدين عبدالرحيم إبراهيم
تراجعت قيمة الدولار الأمريكي بصورة كبيرة وغير متوقعة لدى الكثيرين في السنوات الماضية حتى وصل اليورو في الأسواق حوالي 5ر1 دولار. ونظرا لارتباط الاقتصاد الأمريكي الذي يشكل نحو 40% من الاقتصاد العالمي، فإن انخفاض قيمة الدولار يمثل عنصراً مهماً ومؤثراً ليس في الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل أيضا في الاقتصادات العالمية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالعملة الأمريكية والتجارة الخارجية وغيرها. وتتزايد الضغوط يوما بعد يوم على الصادرات الأوروبية نتيجة لارتفاع أسعارها في الأسواق العالمية المرتبطة بالدولار. مما أدى ذلك إلى بذل بعض الجهود الأوروبية لحض الولايات المتحدة الأمريكية على عدم الارتهان الى سياسة الدولار الضعيف لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية. إلا أن ذلك لم يتعد التصريحات الرسمية من هنا وهناك نظرا لأن تأثيره، وإن كان كبيرا، لم يصل بعد الى حد الأزمة. وعلى الرغم من أن الصادرات الأوروبية تحسنت بفعل المنافسة الناتجة عن انخفاض الدولار في الأسواق العالمية، إلا أن ارتفاع سعر صرف اليورو الذي بلغ نحو 13%، لم يتجاوز تأثيره في أسعار الصادرات الأوروبية نحو4% حسب آخر بيانات أصدرت أخيراً. ولكن إذا ظل الدولار في انخفاض متواصل فإن الصادرات الأوروبية وبارتفاع أسعارها سوف لن تكون في الوضع المنافس عالميا. مما سيؤدي حتما الى تراجعها.
وبدأ الارتباط التاريخي لعملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار يضعف نظرا للموجات التضخمية التي بدأت تضرب اقتصاداتها. علما أن دولة الكويت قررت فك ارتباطها بالدولار في العام الجاري من جانب واحد على الرغم من الاتفاق الجماعي المسبق بين دول مجلس التعاون على ابقاء ربط عملاتها بالدولار.
والواضح أنه، وبالإضافة الى المشكلات التي تواجه قيام العملة الخليجية الموحدة في موعدها المحدد سلفا لأسباب أغلبها متعلق بالاخفاق في تحقيق المتطلبات اللازمة في المدى الزمني الذي وضعته لطرح العملة الخليجية الموحدة، فإن انخفاض الدولار أصبح يشكل عبئا إضافيا خصوصا في ظل السياسات النقدية لدول مجلس التعاون التي تسعي معظمها نحو كبح جماح التضخم الذي بدأ يطل برأسه ويقوض الجهود الكبيرة المبذولة في مجال تحقيق الأهداف الاقتصادية طويلة المدى.
هنالك انقسام في مسألة الارتباط بالدولار الأمريكي بين دول مجلس التعاون التي لازالت ملتزمة بقيام الوحدة النقدية. إذ أن السعودية والبحرين لم تفكرا بعد في تغيير سياستهما النقدية بما في ذلك مسألة ربط عملاتهما بالدولار. بيد أن دولة الإمارات وقطر أكثر ميلا للارتباط بسلة عملات نظرا لمستوى التضخم العالي فيهما. وعلى الرغم من أن سياسة فك الارتباط بالدولار هي الأجدى لهاتين الدولتين، إلا أننا نلاحظ أنهما لا ترغبان في اتخاذ خطوات انفرادية في هذا الشأن والدليل تصريح الإمارات أخيراً أن قرار فك الارتباط بالدولار قرار خليجي في إشارة الى ضرورة الاتفاق الجماعي حول هذه المسألة.
ومهما يكن من أمر فإن انخفاض قيمة الدولار مع إعلان دول مجلس التعاون التمسك به حتى الآن وضعها في مأزق، خصوصاً بعد خفض الولايات المتحدة سعر الفائدة لتنشيط اقتصادها وتخطي أي ركود محتمل. مما جعل دول التعاون تفكر حاليا في رفع قيمة عملاتها تجاه الدولار، وربما ربطها بسلة عملات بعد قيام الاتحاد النقدي مستقبلا. ولكننا لازلنا نرى أن سياسة إعادة التقييم ليست السياسة المثلى لأنها من المتوقع ألا تخفض معدلات التضخم السائدة حاليا بالصورة التي يتوقعها الكثيرون، مع تأثيراتها السالبة في الأهداف المستقبلية خصوصاً في جذب السياحة وزيادة الصناعة التصديرية. والملاحظ أن الاقتصاد الأمريكي لا زال يغض الطرف عن تدهور قيمة عملته في وجود عجوزات كبيرة في موازنته الاقتصادية الداخلية والخارجية لأنه ظل يعتمد على هذا الانخفاض في معالجتها وفي تجنب حدوث الركود الاقتصادي. ولكن لابد أن يكون لهذا الاتجاه نهاية محتومة لأنه وعلى المدى البعيد فإن سياسة الدولار الضعيف سوف تكون ضارة بالاقتصاد والكل يطالب الاقتصاد الأمريكي باتخاذ سياسات اقتصادية جادة لحل مشكلاتها الاقتصادية بصورة جذرية بدلا من انتهاج سياسة تجاهل ضعف العملة لأنها لن تستمر طويلا في معالجة القضايا الاقتصادية.
يتبادر الى ذهني سؤال ملح : لماذا هذا التشبث والتمسك بالدولار …
أليس من مبدأ الامان لاقتصاد الدولة ان تكون تسعيرة الدرهم بناء على سعر سلة عملات متنوعة .. ولنا في اوروبا .. دليل واضح ….
مشكور ومضوعك لازم يتثبت للاستفاده
لك جزيل الشكر على نقل المقال عزيزي أرباب