الإثنين 20 محرم 1429هـ – 28 يناير2008م
لماذا تذوب مكاسب سوق الأسهم بهذه السرعة؟
د. عبدالعزيز حمد العويشق
انخفض مؤشر الأسهم السعودية في الأسبوع الماضي 2183نقطة أي بنسبة حوالي 19%، ملغياً بذلك مكاسب المؤشر خلال شهرين. ومع أن التصحيح كان متوقعاً، إلا أنه لم يكن في حسبان معظم المتعاملين في السوق أن يتم ذوبان السوق خلال تلك الأيام القليلة، بل جاءت سرعة الانهيار مخالفة لتوقعات التحليل الفني والتحليل الأساسي، مما يدعو إلى البحث في أسبابه. ولم تختلف معظم أسواق دول مجلس التعاون كثيراً عن وضع سوق الأسهم السعودية الأسبوع الماضي.
وتهدد مثل هذه التقلبات الحادة إن استمرت إلى تحويل السوق – أكثر مما هو عليه – إلى حلقة مضاربة أو مقامرة، بانسحاب المستثمرين وتزايد المضاربين، مما يشكل خطراً على صحة السوق وهزيمة للأهداف التي وجد من أجلها.
فماذا حدث؟ تناول المحللون أسباباً كثيرة، لكن أكثر الأسباب ذكراً كان توقعات الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وعلى الطلب على البترول وبالتالي على الاقتصاد السعودي. ولكن هذا ليس خبراً جديداً، إذ ان توقعات الركود كانت في الأخبار لأسابيع على الأقل. بل كانت الأخبار في الأسبوع الماضي مشجعة نتيجة الإعلان عن خطة حكومية لتخفيض ضريبة الدخل على الأفراد والأسر بهدف تشجيع الاستهلاك وتحفيز الاقتصاد لتفادي الركود الاقتصادي أو تخفيف حدته.
ومما يزيد الأمر حيرة أن المؤشر الرئيسي للسوق الأمريكية، وهو مؤشر داو جونز، قد ارتفع خلال الأسبوع الماضي بقيمة ستمائة وثماني (608) نقاط، من (12099) في إغلاق يوم الجمعة 18يناير، إلى (12707) في إغلاق يوم الجمعة 25يناير 2008م، أي بزيادة خمسة في المائة (5%) خلال ذلك الأسبوع. قارن هذه الزيادة بانخفاض المؤشر السعودي 19% تقريباً خلال نفس الأسبوع!
فلماذا تكون ردة فعل السوق السعودية حادة بهذا الشكل على نفس الأخبار، ويكون هرب المتعاملين بهذه النسب الخيالية، في حين إن سوق المال الأمريكية – وهي المعنية بالأمر أكثر – تتحرك انخفاضاً وصعوداً بشكل أقل حدة؟
لعل هناك أسباباً كثيرة، لكن أقربها للتفسير سببان هما عدم توفر المعلومات لدى المستثمر في السوق المحلية، وعدم توافر الثقة في قدرة السوق المحلية على معالجة الانهيار. وهذان العاملان يجعلان السوق مرتعاً خصباً للشائعات أو التحليلات التي قد تبدأ بحسن نية، أو قد يبدأها بعض المضاربين بقصد تحقيق مكاسب سريعة، منتهزين فرصة غياب المعلومات الحقيقية وغياب هيئة سوق المال عن الواجهة.
ويتكرر كثيراً أنه يجب أن يُترك لآلية السوق العمل والتصحيح صعوداً وهبوطاً، ولكن هذا تفريط واضح. فنادراً ما تستطيع أكثر الأسواق نضجاً على تصحيح نفسها بنفسها، دون تدخل من الجهات الأخرى الفاعلة في الاقتصاد. ونرى بشكل يومي في الأسواق العالمية أن المسؤولين يتدخلون بشكل سريع لتفادي أي تصحيح حاد، خاصة في حالة احتمال وجود ظاهرة هلع مرتبطة بأخبار تتعلق بالاقتصاد الوطني.
ولنأخذ مثال السوق الأمريكية مرة أخرى. فمنذ شهر يوليو الماضي، نرى المسؤولين (من الرئيس جورج بوش فما دون) يسعون إلى طمأنة الأسواق حال بدء السوق في النزول ووجود احتمال تصحيح حاد. والطمأنة لا تتم فقط بالحديث – مع أنه في غاية الأهمية – بل في اتخاذ تدابير سريعة للمحافظة على ثقة المستثمرين في السوق، سواء في السياسة المالية أو النقدية، حيث أعلن البنك المركزي الأمريكي أكثر من مرة استعداده لضخ مبالغ كبيرة لاستعادة التوازن، وأعلن المسؤولون الأسبوع الماضي – كما أسلفت – عن تدابير في السياسة المالية لتحفيز الاقتصاد.
وبالطبع فإن التدخل المطلوب يجب أن ينسجم مع الظروف الموضوعية لكل سوق. ولدى هيئة سوق المال فرصة كبيرة ومسؤولية أكبر، كل يوم، في شرح تطورات السوق المحلية وتوفير المعلومات أولاً بأول (in real time) عن تحركات السوق والشراء والبيع. وعليها ألا تكتفي بوضع القواعد، بل يجب كسب ثقة جميع المتعاملين في السوق وطمأنتهم بأن اللاعبين الرئيسيين في السوق يتقيدون بتلك القواعد. وتوفر هذه المعلومات يحد ولا يلغي من دور الإشاعات.
وتبقى القضية التي لا تقل أهمية، وهي أن توضح هيئة سوق المال خطتها لمعالجة أي نزول او صعود حاد غير مبررين للسوق، وهو ما يتطلب تضافر جهود عدة جهات حكومية لتوضح ما هي الآليات التي تنوي اتخاذها لمعالجة ذلك. وهي خطة حتى الآن غير معروفة.
* نقلا عن جريدة “الرياض” السعودية.