إن التاريخ في الهند كما يدعي الهندي راناجيت جوها مؤسس جماعة التابع سنة 1982 كتب عن طريق وجهة نظر المستعمِر والنخب، ولذلك فجماعة التابع تهدف إلى إعادة التأريخ الهندي من وجهة نظر التابع، والتابع مصطلح يشمل كل الجماعات المظلومة والمقموعة مثل الفلاحين وعمّال المصانع والنساء. وهكذا فإن تاريخ التابع هو تاريخ من الأسفل، وإعطاء الصوت لأولئك المقصيين عن التدوين التاريخي. وقد بدأت هذه الجماعة في تحدي التأريخ الوطني للهند عندما وجدت بأن روايات النخب الرسمية التأريخية أهملت كفاحات الفقراء والفلاحين. وهذه الجماعة تستعمل الملفات المهملة للحكومة الاستعمارية، والخطابات الشفهية والمصادر المتجاهلة في الذاكرة الشعبية العامة من أجل تشييد التاريخ الهندي.
إذا فالحاجة ملحة جدا إلى تأريخ جديد للهند، وهذا ما سيقوم به راناجيت جوها وجماعته. وإما المهمة من وجهة نظر الفلسطيني إدوارد سعيد فهي صعبة، ولا تكمن صعوبتها في عدم توافر المواد الأساسية لتحقيق هذه المهمة، وإنما لأسباب وعناصر نظرية. إن إدوارد سعيد يرى بأن مهمة دراسات التابع هي كتابة تاريخ جديد للهند يكون أكثر أصالة من التاريخ الاستعماري والنخبوي السابق، لكن المشكلة من وجهة نظره تتجلى في الكيفية التي يمكن عن طريقها التحقق من صحة التاريخ الجديد الذي سيشكّل، وكيف يمكن التحقّق من كفاءة المواد التأريخية التي سوف تعتمد لتقويض التأريخ السابق. ويتضمن المصطلح بذلك دلالات ثقافية وسياسية. وهكذا فالمصطلح يناقض النخب أو الجماعات التي تمتلك القوة وتنفي بقية الجماعات المستضعفة من الأقليات واللاجئين والمنفيين، وهذا يجعلها غير بارزة في التاريخ، من هنا فإن إدوارد سعيد في قراءته لدراسات التابع يسعى إلى نقلها نقلة جريئة، من الإقليمية إلى الكونية.
إن مصطلح التابع مأخوذ من استعمال جرامشي له في دفاتر السجن، ولقد أظهر جرامشي أنه حيث يكون التاريخ تكون الطبقة، ولذلك فإن جوهر ما هو تاريخي لا يتحقق إلا بعد التفاعل الثقافي الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وبين الطبقات النخبوية والمهيمنة والسائدة والطبقات التابعة، أو مثلما يرى جرامشي بأن جوهر التاريخ يتحقق عبر الطبقة التي تشكل أغلبية الناس، تلك المحكومة بصورة قسرية وأيدولوجية من الأعلى.
هل استقلال الهند كان بسبب مقاومة الاستعمار البريطاني أم أن الاستقلال قد تحقق نتيجة كفاح قيادة مختزلة بغاندي ونهرو؟، وبالنسبة لجوها فإن المفقود هنا هو الدور الأساسي للجماعات العريضة في الهند، تلك التي يطلق عليها جماعة التابع مثل الفلاحين والفقراء المدنيين الذين بدؤوا خلال القرن التاسع عشر، وقبله بمقاومة الحكم البريطاني. إذن فإن واحداً من الأهداف الأساسية والمهمة لدراسات التابع تتجلى في إعادة كتابة التاريخ الهندي الكولونيالي من وجهة نظر خاصة ومفصولة عن التاريخ العام؛ لأنه يحاول استخدام مصادر مهملة وغير تقليدية تتجلى في الذاكرة الجماهيرية والخطابات الشفاهية، أو تلك المصادر التي لم تكن حاضرة في أرشيفات المستعمِرين.
خطاب الآخر جوها الهندي وسعيد الفلسطيني
د· علي بن تميم : الخميس 31 يناير 2008
د· علي بن تميم: إن دراسات التابع الهندية تحاول تشييد تاريخ بديل عن التأريخ الرسمي، ولأنه تاريخ جديد فهو على هذا الأساس خطاب بديل يمكن النظر إليه بوصفه ندا لخطابات الهيمنة في الغرب، ولذلك فإن جماعة التابع في عملها كما يرى راناجيت جوها الهندي تحاول قراءة قطاع عريض من الناس مميزين عن النخبة، وتسعى جاهدة إلى دراسة الأمة المطمورة المكونة من الفلاحين والفقراء والعمال، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم التابع، وهنا لا يتم التركيز على إخفاق هؤلاء البشر، وإنما تتم دراسة هذا الإخفاق الذي يشيّد فكرة المركزيات الثقافية المسؤولة عن نفي الآخرين؛ ولذلك يقول إدوارد سعيد: ”إنه ليس من المبالغة أن نقول بأن إعادة كتابة التاريخ الهندي اليوم هو ليس توسيعا لكفاح التابع والنخبة أو الهنود والحكم البريطاني فحسب، وإنما طريقة جديدة لكشف السياسات والقوة المتخفية”.
ويرى سعيد بأنه لا يوجد تاريخ للأفكار ولا يوجد سرد مهيب وجليل للأحداث، ولا يوجد قص موضوعي متحرر من التحيزات للحقائق، وإنما على العكس، فإن كتّاب التاريخ دوما خاضعون للتنافس والسعي إلى انتزاع السيطرة من الماضي الهندي، من أجل اكتساب القوة في الحاضر.
ويلاحظ سعيد بأن دراسات التابع تلمّح إلى صعوبة الحصول على مراجع لتاريخ التابع، ولذلك تتكرر القضايا التي تدور حول الغياب والفجوة والانقطاع والصمت، وهي في الواقع ترمز إلى أن الحقيقة في الكتابة التأريخية هي قبل كل شيء كتابية وليست واقعية، وبمعنى آخر فإن تاريخ التابع هو سرد مفقود من الحكاية الرسمية في الهند، ولإمساك هذا السرد المفقود أو لجعله ملحقا وموجودا في التاريخ الجديد لابد من التيقّن بأن هذه المهمّة هي مهمة معرفية صعبة للغاية، إنها تتطلّب ما يطلق عليه فوكو، معرفة جسورة لا تلين ولا تضعف، وارتباط عميق بالوثائق الجديدة وبالمصادر الممتازة، كما أنها تتطلب إعادة توظيف المصادر، وتجديد تأويل الوثائق القديمة.
ويعتقد سعيد أن تاريخ التابع والنخبة يعتمدان على بعضهما، أي أنهما متشابكان، فإذا تم الاعتقاد بأن تاريخ التابع مفصول ومستقل كليا عن النخبة فإن هذا سيؤدي إلى قمع آخر، وستتحول دراسات التابع إلى مرآة قامعة على الرغم من أنها تسعى إلى مقاومة القمع، إذا كان هناك إيمان عند جماعة دراسات التابع بالاستقلال الكلي والتميز التام فإن تأريخ التابع سوف يتحول إلى مايشبه تأريخ النخب والمستعمِرين، لكن جوها يرى بأن التابع يشكل الأغلبية المطلقة في التاريخ الهندي، ولذلك فإن التركيز عليه وحده لن يؤدي إلى الأحادية، وإنما سيقود إلى التجربة الكلية للتاريخ الهندي، خاصة وأن التابع هو المكون الأهم للأمة الهندية، ولن يقود التركيزعلى التابع إلى تشييد تاريخ جزئي للهند، لكن التاريخ الجزئي هذا ينتج عن التركيز على حفنة قليلة جدا من القياديين المحليين أو ينتج عن الاكتفاء بالتأريخات الكولونيالية
خطاب الآخر الهوية فيما بعد الحداثة
الخميس 10 يناير 2008
د· علي بن تميم:
ترفض أطروحات النسوية فيما بعد الحداثة الحديث عن وجود هوية راسخة تنقل صوتا مفردا، وتتبنى بدلا عنها فكرة الهويات المتناقضة والمتنوعة لمقاومة الأفكار التي تؤكد وجود هوية راسخة وثابتة وصارمة.
وبإجمال فإن الذات فيما بعد الحداثة غير مستقرة وثابتة، وإنما تعيــد تشكيل نفسهــا بصــورة دائمة، فهي على النقيض من فكـــرة الطبيعـــة الإنسانيــة الرومانسيــة Human Nature التي أصبحت غير مقبولة فيما بعد البنيوية، لأنها غير موحدة ومتشابهة نظرا لاختلاف المجتمعات، وهذا ما جعل مفهوم الذات متغيرا من خطاب إلى آخر، وخاضعا للنظام الرمزي للغة التي يكتب فيها الفرد. والأدب ينتج بلا توقف ذواتا، ويجعلها معروضة للكل، واضحة للعيان، وبمعنى آخر فإننا نستطيع أن نقول بأن الأدب بصورة لا نهائية يحول الأفراد إلى ذوات، ويمنحها حضورا حقيقيا. والذات هنا ليست مقصورة على قرّاء الأدب، وإنما تشمل المؤلف وشخصياته، ولذلك فهي تقف باستمرار بوصفها نقيضا للموضوع والأشياء الثابتة، وهي ليست مركزا – كما يتصور النقاد الرومانسيون – وإنما مكان لحدوث الأشياء، لأنها مشيدة بواسطة الأنظمة العرفية، والهوية الشخصية تظهر من خلال خطاب الثقافة، لذلك فإنها ليست مستقلة وموحدة ومنسجمة وصافية، وإنما مشيدة عن طريق اللغة والأيدولوجيا، ومتقلّبة وواقعة في الظل. وهذا ما حدا برولان بارت في مقالة ”موت المؤلف” إلى أن يشير بصورة ضمنية إلى موت الذات الفردية الثابتة المقدّمة بواسطة الرواية الواقعية والنقد التقليدي، فلا يمكن من وجهة نظر بارت أن تكون الذات مصدرا للخطاب والمعنى.
وعلى هذا الأساس فإن المؤلف يكتب من منطلق الصمت المغيّب لوجوده المحدد للدلالة، وهذا ما يمكن فهمه من مقالة بارت ”موت المؤلف” الذي أعاد النظر بجذرية في الصمت المجازي الذي يعد رديفا لاندثار صوت المؤلف واختلاطه باقتباسات وثقافات لا نهائية، فالصمت قد يفهم لذلك بأنه حالة يتحقق فيها تجاوز المؤلف لنفسه، ومن ثم ينقذ الدلالة من أن تكون راسخة ومستقرة، وهذا قاد ميشيل فوكو في مقالته: ”ما المؤلف” إلى أن يلتقط المستوى الأعمق من مقالة بارت، ويربط الكتابة بالموت، وهذا ما يتجلى باستمرار في النصوص الحديثة نثرا وشعرا، فالكتابة نفسها حالة من الصمت المتكلّم، أو الموت المولّد، أو كما يشير بارت إلى أن ”ولادة القارئ على حساب موت المؤلف” وهو لذلك تواصل وتفاعل أكثر من كونه انقطاعا.
ولذلك فإن أطروحات مابعد الحداثة التي نصادفها عند سوزان سونتاج وإيهاب حسن الذي عزز وجهة نظر سونتاج القائلة في كتابها ضد التأويل ومقالات أخرى (1966) بأن القص في ما بعد الحداثة يهتم بتمزيق الهوية الراسخة للغة، واللجوء إلى الصمت والفراغات بدلا عن التعبير اللغوي النمطي، وقام حسن من هذا المنطلق بتعزيز منظورها في كتابه: ”الأدب والصمت” (1968) و”تقطيع أوصال أورفيوس” (1971).
احسنت يا راعية النقد………………..على المجهود
هذه معلومات عن أبرز ناقد بالعصر الجاهلي وهو النابغة الذبياني وللعلم المقالة عن النابغة ليست لي
النابغة الذبياني
أحد شعراء الجاهلية المشهورين
(… – 18 ق. هـ = … – 605 م)
هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن مرّة بن عوف بن سعد، الذبياني، الغطفاني، المضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، ينتهي نسبه كما قال التبريزي إلى قيس بن عيلان، ويكنى بأبي أمامة، وقيل بأبي ثمامة، كما هو وارد في “الشعر والشعراء”، وبأبي عقرب على ما يذهب إليه البغدادي في خزانة الأدب. والنابغة لقب غلب على الشاعر، اختلف النقاد في تعليله وتفسيره، أما ابن قتيبة فيذكر أنه لقب بالنّابغة لقوله:
وحلّت في بني القين بن جسر
فقد نبغت لهم منا شؤون
وردّ ابن قتيبة هذا اللقب إلى قولهم: “ونبغ- بالشعر- قاله بعد ما احتنك وهلك قبل أن يهتر”. وفي رأي البغدادي، أن هذا اللقب لحقه لأنه لم ينظم الشعر حتى أصبح رجلاً. وربّما كان اللقب مجازاً، على حدّ قول العرب: نبغت الحمامة، إذا أرسلت صوتها في الغناء، ونبغ الماء إذا غزر. فقيل: نبغ الشاعر، والشاعر نابغة، إذا غزرت مادة شعره وكثرت. ولا يعرف شيئاً يذكر عن نشأة الشاعر قبل اتصاله بالبلاط، فيما خلا ما نقله صاحب الروائع عن المستشرق دي برسفال، من مزاحمة النّابغة لحاتم الطائيّ على ماوية، وإخفاقه في ذلك.
ويذكر ابن قتيبة أن النّابغة كان شريفاً فغضّ الشعر منه، ويرى صاحب أدباء العرب أن النّابغة من سادات قومه، ويخالف هذا الاتجاه حين يقول: نشأ النّابغة في الوسط من قومه، لا في الذروة من الشرف. ويقول آخرون: ولا معنى لقول الرواة: أنه أحد الأشراف الذين غضّ الشعر منهم. والنابغة من سادات قومه، لما كان للشعراء من منزلة في الجاهلية وللدور الذي لعبه في توسطه لقومه عند الغساسنة ومنعهم من حربهم، في مواقف عديدة. أما لماذا “غضّ الشعر منه” فزعم لا يقبله النقد الحديث، فقد كان النّابغة معزّزاً عند الملوك، ومكرماً في قومه، وإنما هو حسد الحاسدين الذين لم يقووا على الارتفاع إلى منزلة الشاعر، فراحوا يعيّرونه لتكسبه بالشعر، وربّما قصد بتلك الغضاضة هروبه من بلاط النعمان إثر حادثة “المتجردة”.
كان أول اتصال النّابغة ببلاط الحيرة، دخوله على المنذر الثالث ابن ماء السماء في أواخر ملكه على ما يرجّح النقاد. ومع اندحار اللخميين أمام المناذرة في معركة يوم حليمة التي دارت بين جيش المنذر الثالث وجيش الحارث بن جبلة الغسّاني، فقد ظل النّابغة وطيد الصلة بالمناذرة إذ هنأ عمرو بن هند حين ارتقى العرش بعد أبيه. ولكن علاقة الشاعر بالمناذرة انقطعت بعد ذاك ولا سيما في الفترة بين (570- 580)، وهي الفترة التي مثّل فيها دور الشاعر السياسي، لاهتمامه آنذاك بحوادث حرب السباق. ومن الطبيعي أن يمثل النّابغة في حرب “السباق” دوراً له شأنه، وهو شاعر ذبيان الرفيع المكانة.
ولما كان للشعر، منزلته في نفوس القوم، ومكانته في مواطن المنافرة والخصومة إذ من شأنه أن يكسب القبيلة من القوة ومنعة الجانب، ما لا تظفر به في قتال، رأينا النّابغة الذبياني، يهتم في ظروف هذه الحرب، بأمور قومه فراح يخوض غمارها بشعره، لا بسيفه فكشف لنا بذلك عن جانب حيّ من شاعريته، وناحية رئيسة من شخصيته.
كان همّ الشاعر في تلك الرحى الدائرة، أن يرجّح كفة ذبيان، على عبس فاستهدف في شعره “السياسي”: اصطناع الأحلاف لقبيلته، من أحياء العرب ومن بينها بنو أسد. وكما مثّل النّابغة دور الشاعر السياسي، في ظروف حرب داحس والغبراء فقد مثّل دور شاعر القبيلة، في التوسط لقومه عند الغساسنة في أكثر من موقف: كانت بعض القبائل العربية، تنتهز فرصة انشغال الغساسنة في حربهم ضد المناذرة، فتغير على أرض غسّان طمعاً في الغنيمة، ومن بين هذه القبائل، قوم الشاعر بنو ذبيان.
وكان الغساسنة بكتائبهم، يوقعون بهؤلاء المغيرين، فيأسرون رجالاً منهم وكثيراً ما وقع رجال من فزارة أقرباء ذبيان، في قبضة الغساسنة، فكان النابغة بما له من مكانة عند أمراء الغساسنة، يتلطّف في الشفاعة لهم، ويتوسط للعفو عنهم. وعندما رقي النعمان الثالث، أبو قابوس عرش الحيرة، أراد أن يظهر بمظهر الملك العزيز الجانب وينافس أعداءه الغسانيين بمظاهر العظمة. وكان النعمان على ما يظهر محباً للأدب أو كان يدرك على الأقل ما للشعر من أثر كبير في الدعاية للبلاط وتصويره بصورة الفخامة، وهكذا اجتمع في بلاطه جملة من الشعراء كان النّابغة أبرزهم وقد ترك آنذاك الغساسنة وعاد إلى الحيرة.
وتتفق روايات المؤرخين على أن النّابغة نال حظوة كبيرة عند النعمان الذي قرّبه إليه بعد أن أحسن وفادته. ولا شك أن الشاعر نزل من نفس الملك منزلة طيبة فآثره هذا بأجزل عطاياه وأوفر نعمه، مما لم ينله شاعر قبله، ويذكر أبو الفرج في أغانيه أن النّابغة كان يأكل ويشرب في آنية من الفضة والذهب. وعن ابن قتيبة عن ابن الكلبي الرواية الآتية التي تثبت مكانة الشاعر عند النعمان. قال حسان بن ثابت: رحلت النعمان فلقيت رجلاً فقال: أين تريد فقلت هذا الملك قال: فإنك إذا جئته متروك شهراً، ثم يسأل عنك رأس الشهر ثم أنت متروك شهراً آخر ثم عسى أن يأذن لك فإن أنت خلوت به وأعجبته فأنت مصيب منه، وإن رأيت أبا أمامة النّابغة فاظعن، فإنه لا شيء لك. قال: فقدمت عليه، ففعل بي ما قال، ثم خلوت به وأصبت منه مالاً كثيراً ونادمته فبينما أنا معه في قبة إذ جاء رجل يرجز. فقال النعمان: أبو أمامة فأذنوا له، فدخل فحيا وشرب معه، ووردت النعم السود، فلما أنشد النابغة قوله:
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكب
إذا طلعت لم يبدُ منهنَّ كوكبُ
دفع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحداً حسدي النّابغة لما رأيت من جزيل عطيته، وسمعت من فضل شعره. واستبد النابغة بمودة الملك النعمان وجزيل عطائه وسابغ نعمه، فلا عجب أن يثير هذا حفيظة الشعراء ليعملوا على إفساد علاقته ببلاط الحيرة. ومهما يكن من أمر فإن الدسيسة قد نجحت بعد لأي، وبات الشاعر مهدداً بدمه وحياته، لكنّ حاجب أبي قابوس عصام بن شهبر الجرمي- وكان بينه وبين النّابغة إخاء وصداقة- حذّره من غضب النعمان، ونصحه بترك البلاط، فاضطر النّابغة إلى الفرار، فلجأ إلى الغساسنة، وفي نفسه حسرة، وغيظ، وأمل في العودة. يذكر ابن قتيبة، أن الرواة اختلفوا في السبب الذي حمل الملك النعمان على أن ينذر دم شاعره، على أننا نستطيع أن نحيط بأبرز الدوافع التي أوقعت الجفاء بين أبي قابوس والنابغة. وذكر قوم أن النابغة هجا الملك بقوله:
قبّح الله ثم ثنّى بلعن
وارثَ الصائغ الجبانَ الجهولا
ويقال بأن السبب في مفارقة النّابغة النعمان، ومصيره إلى غسّان، خبر يتصل بحادثة المتجردة. والمتجردة هذه، امرأة النعمان، وكانت فائقة الحسن، بارعة الجمال، وكان النعمان على ما يروى قصيراً دميماً أبرش. وقد تعددت الروايات حول وصف النابغة للمتجردة. قيل بأن النابغة دخل على النعمان، ذات يوم، فرأى زوجته المتجردة وقد سقط نصيفها فاستترت منه بيدها. فأمره النعمان بأن يصفها له فأنشأ قصيدته التي يقول فيها: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه- فتناولتْه واتّقتنا باليدِ
وأردف ابن قتيبة يقول: وكان للنعمان نديم يقال له المنخّل اليشكري يتهمِ بالمتجردة ويظن بولد النعمان منها أنهم منه، وكان المنخّل جميلاً، وكان النعمان قصيراً دميماً، فلما سمع المنخل هذا الشعر، قال للنعمان: ما يستطيع أن يقول مثل هذا الشعر إلا من قد جرّب. فوقر ذلك في نفسه، وبلغ النابغة ذلك فخافه فهرب إلى غسان.
ولعلّ اتصال النابغة بالغساسنة، أعداء المناذرة، كان سبباً آخر من أسباب حقد الملك على الشاعر، ولا مسوّغ هنا للتفصيل ومناقشة هذه الآراء. وأقام النابغة في بلاط الغساسنة، منقطعاً إلى عمرو بن الحارث الأصغر وإلى أخيه النعمان بن الحارث، وقد امتدح هؤلاء بقصائد عديدة، منها القصيدة البائية التي قالها في مدح عمرو بن الحارث الأصغر والتي مطلعها:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وبقي النابغة عند الغساسنة مدة من الزمن، ينشدهم شعره، ويشاركهم في محافلهم ومجالسهم، جاهداً في ذكر مفاخرهم وانتصاراتهم، إلى أن توفرت أسباب عودته إلى بلاط النعمان فترك جوارهم. وذكر ابن قتيبة أن النعمان قد غمّه امتداح النابغة للغساسنة أعدائه وأيقن أن الذي قذف به عنده باطل، فبعث يستقدمه إليه من جديد بقوله: “إنك صرت إلى قوم قتلوا جدّي فأقمت فيهم تمدحهم، ولو كنت صرت إلى قومك لقد كان لك فيهم ممتنع وحصن إن كنا أردنا بك ما ظننت، وسأله أن يعود إليه”. هكذا نظم النابغة اعتذارياته، ثم جاء أبا قابوس مع رجلين من فزارة هما: زيّان بن سيار ومنظور بن سيّار الفزاريين وبينهما وبين النعمان مودة وصفاء وكان الملك قد ضرب لهما قبة، وهو لا يعلم أن النابغة معهما. وقد أشار النابغة على إحدى القيان أن تغني أبياتاً من قصيدته “يا دار مية” ومنها قوله:
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
ولا قرار على زأر من الأسد
فلما سمع الملك النعمان، هذا الشعر قال: هذا شعر علوي، هذا شعر النابغة. وسأل عنه، فأخبر مع صديقيه الفزاريين، اللذين كلّماه فيه، فأمّنه النعمان. ومهما يكن من أمر الاختلاف حول أسباب عودة النابغة إلى بلاط الحيرة، فإن الشاعر استرجع مكانته عند الملك النعمان واستأنف مدائحه فيه. واجتمعت كلمة النقاد على أن النابغة أحد شعراء الطبقة الأولى إن لم يكن رأس هذه الطبقة بعد امرئ القيس، وليس أدلّ على علو منزلته من ترأسه سوق عكاظ وفي ذلك يقول الأصمعي: كان النابغة يضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. ومما روي عن أبي عبيدة قوله: يقول من فضّل النابغة على جميع الشعراء: هو أوضحهم كلاماً وأقلهم سقطاً وحشواً، وأجودهم مقاطع، وأحسنهم مطالع ولشعره ديباجة.
وذكر أبو عبيدة أيضاً أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول: “كان الأخطل يشبّه بالنابغة”. وعن أبي قتيبة، قال الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل لا أعرفه، فالتفت إليه عبد الملك فقال: من أشعر الناس فقال: أنا، فأظلم ما بيني وبينه، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين فتعجب عبد الملك من عجلتي فقال: هذا الأخطل، فقلت أشعر منه الذي يقول:
هذا غلام حسن وجهه
مستقبل الخير سريع التمّام
فقال الأخطل: صدق أمير المؤمنين، النابغة أشعر مني، فقال عبد الملك: ما تقول في النابغة قلت قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرّة. ولم تكن منزلة النابغة عند المحدثين بأقل منها عند الأقدمين فقد شهد كثيرون منهم بما في شعره من إيقاع موسيقي، وروعة في التشبيه، وبراعة في أغراض الشعر المتباينة ولا سيما في الوصف والمدح والاعتذار، وفي ديوانه من هذه الفنون العديد من القصائد الدالة على نبوغه وشاعريته، في مخاطبة الملوك وكسب مودّتهم والاعتذار إليهم حتى قيل “وأشعر الناس النابغة إذا رهب”، وقال عنه بديع الزمان الهمذاني: والنابغة “لا يرمي إلا صائباً”.
وفي طليعة العوامل التي أسهمت في تفوق شاعرية أبي أمامة في ضروب المعاني ومختلف الأساليب، رجاحة فكره، إذ كان ذا بصيرة بمواطن الكلام، متميزاً بنظرته الثاقبة والقدرة على الملاءمة بين الأقوال والمواقف، يحسن بباعث الموهبة والذائقة التي صقلتها الدربة والمراس، الملاءمة بين ركني المقال أي بين الصورة والجوهر، فهو يؤدي الدلالات دقيقة لأنه يجيد انتقاء الألفاظ الدالة ووضعها في مواضعها الصحيحة في سياقه الشعري العام.
ولعلّ السمة اللافتة في شعره ذاك التأثر بالظروف المكانية والزمانية الذي حمله على أن يضفي على فنونه طابعاً من الواقعية مستمداً من البيئة البدوية أو الحضرية، فهو جزل شديد الأسر في أوصافه الصحراوية، رقيق عذب واضح العبارة بعيد عن الخشونة ممعن في السهولة، في وصف حالات الوجدان، وفي أداء الخواطر أو إرسال الحكم، إلا إذا اقتضت البلاغة الإبقاء على لفظة غير فصيحة لكنها دالة، كلفظة الشعثِ في قوله: ولستَ بِمُسْتبْق أخا- لا تلمّه على شَعَثِ.
أيّ الرجال المهذّبُ. اعتمدنا في ذلك على: ابن الخطيب التبريزي، شرح المعلقات العشر المذهبات، تحقيق د. عمر فاروق الطباع، بيروت: دار الأرقم، د. ت، ص 317-326
مراحل تطوير النقد الأدبي :
” مرحله ما قبل التدوين “..(من العصر الجاهلي حتى مطلع العصر العباسي )
منشأ النقد في العصر الجاهلي مع نشأة الشعر , وعندما ننظر للشعر الجاهلي نجد انه وصل الى مستويات عالية من الجودة والإتقان , حيث خضع لأنواع من التهذيب حتى بلغ مبلغ الكمال من الإتقان ..ويظهر دلك من خلال المغلقات . إذ يراجع الشاعر قصيدته ويعيد النظر فيها فتمكث حولا كاملا عنده يحسنها ويهذبها ويقومها كما يظهر عند أصحاب الحوليات .وكانت أسواق العرب في الجاهلية – واشهرها سوق عكاظ ودي المجاز ودي المجنه مركز تلاقي الأدباء فيجتمع فيه الشعراء من قبائل عدة فينشرون ما لديهم من جديد الشعر فيتلقاه المستمعون بالتعليق والنقد وبرز من هده الأسواق علماء بالشعر يتحاكم إليهم الشعراء بجودته قصائدهم ومن اشهرهم النابغة الذبياني
نموذج من أحكام النابغة الذبياني :
حيث اجتمع لديه الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء , فقدم الأعشى , وأخر حسان فغضب حسان . وقال له : “والله لانا اشعر منك !, فقال له النابغة : “حيث تقول مادا ” فقال حسان : ” حيث أقول :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ………………..ز وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقال النابغة : انك شاعر , ولكن أقللت أجفانك وأسيافك . فقد عاب عليه استخدام “جفنات ” و “أسياف ” لأنها تفيد القلة وأما الكثير منها يقال له “جفان ” و” سيوف ” , وعاب عليه استعمال “الضحى ” وكان الابلغ أن يقول “الدجى ” لان الضيف أكثر ما يكون طروقا بالليل .
النقد في صدر الإسلام :
نزل القرآن فتأثر الناس بسحر بيانه وقوة إعجازه وأصبح الاعتزاز بالدين الجديد بما يحمله من مبادئ وأخلاق فاضلة من أهم الموضوعات التي تطرق لها الشعراء في أشعارهم .
ومن نماذج النقد في الإسلام :
أن النبي أعجب بقصيدة “بانت سعاد “لكعب ابن زهير واستحسنها حتى خلع عليه لردته وقالوا انه عليه الصلاة والسلام استمع لكعب بن مالك الأنصاري وهو ينشد حتى وصل الى قوله ” مقاتلنا عن جذمنا كل فخمة ” فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تقل جذمنا ولكن قل عن ديننا ” (والجذم هو الأهل والعشيرة ) .
النقد في العصر الأموي :
ازدهرت الحركة الأدبية في العصر الأموي وساعد على ارتقاء الشعر و الخطابه وجود تغيرات في الدولة الأموية .حيث توسعت البلاد وكثرت فيها الحواضر مثل :دمشق والبصرة والكوفة والحجاز واصبحت هذه الحواضر مركزا ثقافيا حضاريا ومركزا لاستقطاب الشعراء والأدباء
من نماذج النقد في العصر الأموي :
إن عبد الله بن قيس الرقعات دخل على عبد الملك بن مروان فأنشدة قائلا :
يأتلق التاج فوق مفرقه …………………… على جبين كأنه الذهب
فقال له عبد الملك : يا بن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب بن الزبير :
إنما مصعب شعاب من الله ……………….تجلت عن وجهه الظلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم وجلاء الظلم , ومدحتني بما لا فخر فيه وهو اعتدال التاج على جبيني الذي هو كالذهب في النظارة .
المرحلة الثانية مرحله التدوين : “من العصر العباسي الى بداية العصر الحديث “
ظهرت ملامح النقد المنهجي عند العرب مع بداية العصر العباسي حيث بداء العرب بتدوين كتبهم ومعارفهم , كما إن تداخل الثقافة العربية مع الثقافات الأجنبية أدى الى صقل ملكات العرب , وإرهاف ذوقهم , وتوجيههم نحو تعميق البحث في شتى فنون الحياة , فمنذ بداية القرن الثالث للهجرة بداء النقد يخطو خطوات متقدمه الى الدقة والتحليل والتعليل , واخذ يتجه نحو الوصول الى النقد المنهجي القائم على أساس ثابت تبلورت من خلاله المنهجية للنقد الأدبي الحديث عند العرب .
ويمكن القول إن النقد في هده المرحلة ابتعد عن الانطباعات الشخصية في إصدار الأحكام , وأصبح نقدا منهجيا له أصوله وقواعده .ومن اشهر المؤلفات النقدية : كتاب (فحول الشعراء) للأصمعي 216 هـ , وكتاب (طبقات فحول الشعراء )لابن الإسلام الجمحي 232هـ , وكتاب (الشعر والشعراء )لابن قتيبية 267هـ , وكتاب (البديع)لابن المعتز 296هـ , وكتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه)للقاضي الجرجاني 392 هـ .
نماذج من النقد في العصر العباسي :
أن الجاحظ رأى عمرو الشيباني يستحسن قول الشاعر :
لا تحـسبن الموت موت البلى إنما الموت سؤال الرجال كلاهـــما موت ولكـن ذا أفـضع من ذاك السؤال
والبيتان يتضمنان فكرة تهذيبية , وحكمة سامية , وهي النهي عن ذل المسألة وإراقة ماء الوجه , فسؤال الرجال هو والموت سواء , بل هو أشد على النفس من الموت , لما فيه من الذل.
هذه الفكرة التي أعجبت أبا عمرو , اما الجاحظ فإنه يخالفه الرأي ويرى أن البيتين ليسا من الشعر في شيء فهو يؤيد الفكرة السامية لكنه ينتقد أسلوب الكاتب وعباراته الركيكة
السلام عليكم
إجتهدي فأجهدتي بالرد عليكي
الله يوفقج وموضوعج جميل ومجهودج رائع بل راقي
وإلى الأمام.
شكلي كأني مدرس وأصلح موضوع تعبيري ههههههههههههه
أتمنى أن تكون الريم قد أرستكم على بر الأمان في ما طرح من معلومات عن النقد وننتظر آرائكم ودمتم .
التابع الهندي الفلسطيني
جوها الهندي وسعيد الفلسطيني
: الخميس 31 يناير 2008
إن دراسات التابع الهندية تحاول تشييد تاريخ بديل عن التأريخ الرسمي، ولأنه تاريخ جديد فهو على هذا الأساس خطاب بديل يمكن النظر إليه بوصفه ندا لخطابات الهيمنة في الغرب، ولذلك فإن جماعة التابع في عملها كما يرى راناجيت جوها الهندي تحاول قراءة قطاع عريض من الناس مميزين عن النخبة، وتسعى جاهدة إلى دراسة الأمة المطمورة المكونة من الفلاحين والفقراء والعمال، وهؤلاء هم الذين يطلق عليهم التابع، وهنا لا يتم التركيز على إخفاق هؤلاء البشر، وإنما تتم دراسة هذا الإخفاق الذي يشيّد فكرة المركزيات الثقافية المسؤولة عن نفي الآخرين؛ ولذلك يقول إدوارد سعيد: ”إنه ليس من المبالغة أن نقول بأن إعادة كتابة التاريخ الهندي اليوم هو ليس توسيعا لكفاح التابع والنخبة أو الهنود والحكم البريطاني فحسب، وإنما طريقة جديدة لكشف السياسات والقوة المتخفية”.
الهوية فيما بعد الحداثة
ترفض أطروحات النسوية فيما بعد الحداثة الحديث عن وجود هوية راسخة تنقل صوتا مفردا، وتتبنى بدلا عنها فكرة الهويات المتناقضة والمتنوعة لمقاومة الأفكار التي تؤكد وجود هوية راسخة وثابتة وصارمة.
وبإجمال فإن الذات فيما بعد الحداثة غير مستقرة وثابتة، وإنما تعيــد تشكيل نفسهــا بصــورة دائمة، فهي على النقيض من فكـــرة الطبيعـــة الإنسانيــة الرومانسيــة Human Nature التي أصبحت غير مقبولة فيما بعد البنيوية، لأنها غير موحدة ومتشابهة نظرا لاختلاف المجتمعات، وهذا ما جعل مفهوم الذات متغيرا من خطاب إلى آخر، وخاضعا للنظام الرمزي للغة التي يكتب فيها الفرد. والأدب ينتج بلا توقف ذواتا، ويجعلها معروضة للكل، واضحة للعيان، وبمعنى آخر فإننا نستطيع أن نقول بأن الأدب بصورة لا نهائية يحول الأفراد إلى ذوات، ويمنحها حضورا حقيقيا. والذات هنا ليست مقصورة على قرّاء الأدب، وإنما تشمل المؤلف وشخصياته، ولذلك فهي تقف باستمرار بوصفها نقيضا للموضوع والأشياء الثابتة، وهي ليست مركزا – كما يتصور النقاد الرومانسيون – وإنما مكان لحدوث الأشياء، لأنها مشيدة بواسطة الأنظمة العرفية، والهوية الشخصية تظهر من خلال خطاب الثقافة، لذلك فإنها ليست مستقلة وموحدة ومنسجمة وصافية، وإنما مشيدة عن طريق اللغة والأيدولوجيا، ومتقلّبة وواقعة في الظل. وهذا ما حدا برولان بارت في مقالة ”موت المؤلف” إلى أن يشير بصورة ضمنية إلى موت الذات الفردية الثابتة المقدّمة بواسطة الرواية الواقعية والنقد التقليدي، فلا يمكن من وجهة نظر بارت أن تكون الذات مصدرا للخطاب والمعنى.
وعلى هذا الأساس فإن المؤلف يكتب من منطلق الصمت المغيّب لوجوده المحدد للدلالة، وهذا ما يمكن فهمه من مقالة بارت ”موت المؤلف” الذي أعاد النظر بجذرية في الصمت المجازي الذي يعد رديفا لاندثار صوت المؤلف واختلاطه باقتباسات وثقافات لا نهائية، فالصمت قد يفهم لذلك بأنه حالة يتحقق فيها تجاوز المؤلف لنفسه، ومن ثم ينقذ الدلالة من أن تكون راسخة ومستقرة، وهذا قاد ميشيل فوكو في مقالته: ”ما المؤلف” إلى أن يلتقط المستوى الأعمق من مقالة بارت، ويربط الكتابة بالموت، وهذا ما يتجلى باستمرار في النصوص الحديثة نثرا وشعرا، فالكتابة نفسها حالة من الصمت المتكلّم، أو الموت المولّد، أو كما يشير بارت إلى أن ”ولادة القارئ على حساب موت المؤلف” وهو لذلك تواصل وتفاعل أكثر من كونه انقطاعا.
ولذلك فإن أطروحات مابعد الحداثة التي نصادفها عند سوزان سونتاج وإيهاب حسن الذي عزز وجهة نظر سونتاج القائلة في كتابها ضد التأويل ومقالات أخرى (1966) بأن القص في ما بعد الحداثة يهتم بتمزيق الهوية الراسخة للغة، واللجوء إلى الصمت والفراغات بدلا عن التعبير اللغوي النمطي، وقام حسن من هذا المنطلق بتعزيز منظورها في كتابه: ”الأدب والصمت” (1968) و”تقطيع أوصال أورفيوس” (1971).
احسنت يا راعية النقد………………..على المجهود
النابغة الذبياني
أحد شعراء الجاهلية المشهورين
(… – 18 ق. هـ = … – 605 م)
هو زياد بن معاوية بن ضباب بن جابر بن يربوع بن مرّة بن عوف بن سعد، الذبياني، الغطفاني، المضري. شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، من أهل الحجاز، ينتهي نسبه كما قال التبريزي إلى قيس بن عيلان، ويكنى بأبي أمامة، وقيل بأبي ثمامة، كما هو وارد في “الشعر والشعراء”، وبأبي عقرب على ما يذهب إليه البغدادي في خزانة الأدب. والنابغة لقب غلب على الشاعر، اختلف النقاد في تعليله وتفسيره، أما ابن قتيبة فيذكر أنه لقب بالنّابغة لقوله:
وحلّت في بني القين بن جسر
فقد نبغت لهم منا شؤون
وردّ ابن قتيبة هذا اللقب إلى قولهم: “ونبغ- بالشعر- قاله بعد ما احتنك وهلك قبل أن يهتر”. وفي رأي البغدادي، أن هذا اللقب لحقه لأنه لم ينظم الشعر حتى أصبح رجلاً. وربّما كان اللقب مجازاً، على حدّ قول العرب: نبغت الحمامة، إذا أرسلت صوتها في الغناء، ونبغ الماء إذا غزر. فقيل: نبغ الشاعر، والشاعر نابغة، إذا غزرت مادة شعره وكثرت. ولا يعرف شيئاً يذكر عن نشأة الشاعر قبل اتصاله بالبلاط، فيما خلا ما نقله صاحب الروائع عن المستشرق دي برسفال، من مزاحمة النّابغة لحاتم الطائيّ على ماوية، وإخفاقه في ذلك.
ويذكر ابن قتيبة أن النّابغة كان شريفاً فغضّ الشعر منه، ويرى صاحب أدباء العرب أن النّابغة من سادات قومه، ويخالف هذا الاتجاه حين يقول: نشأ النّابغة في الوسط من قومه، لا في الذروة من الشرف. ويقول آخرون: ولا معنى لقول الرواة: أنه أحد الأشراف الذين غضّ الشعر منهم. والنابغة من سادات قومه، لما كان للشعراء من منزلة في الجاهلية وللدور الذي لعبه في توسطه لقومه عند الغساسنة ومنعهم من حربهم، في مواقف عديدة. أما لماذا “غضّ الشعر منه” فزعم لا يقبله النقد الحديث، فقد كان النّابغة معزّزاً عند الملوك، ومكرماً في قومه، وإنما هو حسد الحاسدين الذين لم يقووا على الارتفاع إلى منزلة الشاعر، فراحوا يعيّرونه لتكسبه بالشعر، وربّما قصد بتلك الغضاضة هروبه من بلاط النعمان إثر حادثة “المتجردة”.
كان أول اتصال النّابغة ببلاط الحيرة، دخوله على المنذر الثالث ابن ماء السماء في أواخر ملكه على ما يرجّح النقاد. ومع اندحار اللخميين أمام المناذرة في معركة يوم حليمة التي دارت بين جيش المنذر الثالث وجيش الحارث بن جبلة الغسّاني، فقد ظل النّابغة وطيد الصلة بالمناذرة إذ هنأ عمرو بن هند حين ارتقى العرش بعد أبيه. ولكن علاقة الشاعر بالمناذرة انقطعت بعد ذاك ولا سيما في الفترة بين (570- 580)، وهي الفترة التي مثّل فيها دور الشاعر السياسي، لاهتمامه آنذاك بحوادث حرب السباق. ومن الطبيعي أن يمثل النّابغة في حرب “السباق” دوراً له شأنه، وهو شاعر ذبيان الرفيع المكانة.
ولما كان للشعر، منزلته في نفوس القوم، ومكانته في مواطن المنافرة والخصومة إذ من شأنه أن يكسب القبيلة من القوة ومنعة الجانب، ما لا تظفر به في قتال، رأينا النّابغة الذبياني، يهتم في ظروف هذه الحرب، بأمور قومه فراح يخوض غمارها بشعره، لا بسيفه فكشف لنا بذلك عن جانب حيّ من شاعريته، وناحية رئيسة من شخصيته.
كان همّ الشاعر في تلك الرحى الدائرة، أن يرجّح كفة ذبيان، على عبس فاستهدف في شعره “السياسي”: اصطناع الأحلاف لقبيلته، من أحياء العرب ومن بينها بنو أسد. وكما مثّل النّابغة دور الشاعر السياسي، في ظروف حرب داحس والغبراء فقد مثّل دور شاعر القبيلة، في التوسط لقومه عند الغساسنة في أكثر من موقف: كانت بعض القبائل العربية، تنتهز فرصة انشغال الغساسنة في حربهم ضد المناذرة، فتغير على أرض غسّان طمعاً في الغنيمة، ومن بين هذه القبائل، قوم الشاعر بنو ذبيان.
وكان الغساسنة بكتائبهم، يوقعون بهؤلاء المغيرين، فيأسرون رجالاً منهم وكثيراً ما وقع رجال من فزارة أقرباء ذبيان، في قبضة الغساسنة، فكان النابغة بما له من مكانة عند أمراء الغساسنة، يتلطّف في الشفاعة لهم، ويتوسط للعفو عنهم. وعندما رقي النعمان الثالث، أبو قابوس عرش الحيرة، أراد أن يظهر بمظهر الملك العزيز الجانب وينافس أعداءه الغسانيين بمظاهر العظمة. وكان النعمان على ما يظهر محباً للأدب أو كان يدرك على الأقل ما للشعر من أثر كبير في الدعاية للبلاط وتصويره بصورة الفخامة، وهكذا اجتمع في بلاطه جملة من الشعراء كان النّابغة أبرزهم وقد ترك آنذاك الغساسنة وعاد إلى الحيرة.
وتتفق روايات المؤرخين على أن النّابغة نال حظوة كبيرة عند النعمان الذي قرّبه إليه بعد أن أحسن وفادته. ولا شك أن الشاعر نزل من نفس الملك منزلة طيبة فآثره هذا بأجزل عطاياه وأوفر نعمه، مما لم ينله شاعر قبله، ويذكر أبو الفرج في أغانيه أن النّابغة كان يأكل ويشرب في آنية من الفضة والذهب. وعن ابن قتيبة عن ابن الكلبي الرواية الآتية التي تثبت مكانة الشاعر عند النعمان. قال حسان بن ثابت: رحلت النعمان فلقيت رجلاً فقال: أين تريد فقلت هذا الملك قال: فإنك إذا جئته متروك شهراً، ثم يسأل عنك رأس الشهر ثم أنت متروك شهراً آخر ثم عسى أن يأذن لك فإن أنت خلوت به وأعجبته فأنت مصيب منه، وإن رأيت أبا أمامة النّابغة فاظعن، فإنه لا شيء لك. قال: فقدمت عليه، ففعل بي ما قال، ثم خلوت به وأصبت منه مالاً كثيراً ونادمته فبينما أنا معه في قبة إذ جاء رجل يرجز. فقال النعمان: أبو أمامة فأذنوا له، فدخل فحيا وشرب معه، ووردت النعم السود، فلما أنشد النابغة قوله:
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكب
إذا طلعت لم يبدُ منهنَّ كوكبُ
دفع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحداً حسدي النّابغة لما رأيت من جزيل عطيته، وسمعت من فضل شعره. واستبد النابغة بمودة الملك النعمان وجزيل عطائه وسابغ نعمه، فلا عجب أن يثير هذا حفيظة الشعراء ليعملوا على إفساد علاقته ببلاط الحيرة. ومهما يكن من أمر فإن الدسيسة قد نجحت بعد لأي، وبات الشاعر مهدداً بدمه وحياته، لكنّ حاجب أبي قابوس عصام بن شهبر الجرمي- وكان بينه وبين النّابغة إخاء وصداقة- حذّره من غضب النعمان، ونصحه بترك البلاط، فاضطر النّابغة إلى الفرار، فلجأ إلى الغساسنة، وفي نفسه حسرة، وغيظ، وأمل في العودة. يذكر ابن قتيبة، أن الرواة اختلفوا في السبب الذي حمل الملك النعمان على أن ينذر دم شاعره، على أننا نستطيع أن نحيط بأبرز الدوافع التي أوقعت الجفاء بين أبي قابوس والنابغة. وذكر قوم أن النابغة هجا الملك بقوله:
قبّح الله ثم ثنّى بلعن
وارثَ الصائغ الجبانَ الجهولا
ويقال بأن السبب في مفارقة النّابغة النعمان، ومصيره إلى غسّان، خبر يتصل بحادثة المتجردة. والمتجردة هذه، امرأة النعمان، وكانت فائقة الحسن، بارعة الجمال، وكان النعمان على ما يروى قصيراً دميماً أبرش. وقد تعددت الروايات حول وصف النابغة للمتجردة. قيل بأن النابغة دخل على النعمان، ذات يوم، فرأى زوجته المتجردة وقد سقط نصيفها فاستترت منه بيدها. فأمره النعمان بأن يصفها له فأنشأ قصيدته التي يقول فيها: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه- فتناولتْه واتّقتنا باليدِ
وأردف ابن قتيبة يقول: وكان للنعمان نديم يقال له المنخّل اليشكري يتهمِ بالمتجردة ويظن بولد النعمان منها أنهم منه، وكان المنخّل جميلاً، وكان النعمان قصيراً دميماً، فلما سمع المنخل هذا الشعر، قال للنعمان: ما يستطيع أن يقول مثل هذا الشعر إلا من قد جرّب. فوقر ذلك في نفسه، وبلغ النابغة ذلك فخافه فهرب إلى غسان.
ولعلّ اتصال النابغة بالغساسنة، أعداء المناذرة، كان سبباً آخر من أسباب حقد الملك على الشاعر، ولا مسوّغ هنا للتفصيل ومناقشة هذه الآراء. وأقام النابغة في بلاط الغساسنة، منقطعاً إلى عمرو بن الحارث الأصغر وإلى أخيه النعمان بن الحارث، وقد امتدح هؤلاء بقصائد عديدة، منها القصيدة البائية التي قالها في مدح عمرو بن الحارث الأصغر والتي مطلعها:
كليني لهمّ يا أميمة ناصب
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
وبقي النابغة عند الغساسنة مدة من الزمن، ينشدهم شعره، ويشاركهم في محافلهم ومجالسهم، جاهداً في ذكر مفاخرهم وانتصاراتهم، إلى أن توفرت أسباب عودته إلى بلاط النعمان فترك جوارهم. وذكر ابن قتيبة أن النعمان قد غمّه امتداح النابغة للغساسنة أعدائه وأيقن أن الذي قذف به عنده باطل، فبعث يستقدمه إليه من جديد بقوله: “إنك صرت إلى قوم قتلوا جدّي فأقمت فيهم تمدحهم، ولو كنت صرت إلى قومك لقد كان لك فيهم ممتنع وحصن إن كنا أردنا بك ما ظننت، وسأله أن يعود إليه”. هكذا نظم النابغة اعتذارياته، ثم جاء أبا قابوس مع رجلين من فزارة هما: زيّان بن سيار ومنظور بن سيّار الفزاريين وبينهما وبين النعمان مودة وصفاء وكان الملك قد ضرب لهما قبة، وهو لا يعلم أن النابغة معهما. وقد أشار النابغة على إحدى القيان أن تغني أبياتاً من قصيدته “يا دار مية” ومنها قوله:
أنبئت أن أبا قابوس أوعدني
ولا قرار على زأر من الأسد
فلما سمع الملك النعمان، هذا الشعر قال: هذا شعر علوي، هذا شعر النابغة. وسأل عنه، فأخبر مع صديقيه الفزاريين، اللذين كلّماه فيه، فأمّنه النعمان. ومهما يكن من أمر الاختلاف حول أسباب عودة النابغة إلى بلاط الحيرة، فإن الشاعر استرجع مكانته عند الملك النعمان واستأنف مدائحه فيه. واجتمعت كلمة النقاد على أن النابغة أحد شعراء الطبقة الأولى إن لم يكن رأس هذه الطبقة بعد امرئ القيس، وليس أدلّ على علو منزلته من ترأسه سوق عكاظ وفي ذلك يقول الأصمعي: كان النابغة يضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها. ومما روي عن أبي عبيدة قوله: يقول من فضّل النابغة على جميع الشعراء: هو أوضحهم كلاماً وأقلهم سقطاً وحشواً، وأجودهم مقاطع، وأحسنهم مطالع ولشعره ديباجة.
وذكر أبو عبيدة أيضاً أنه سمع أبا عمرو بن العلاء يقول: “كان الأخطل يشبّه بالنابغة”. وعن أبي قتيبة، قال الشعبي: دخلت على عبد الملك بن مروان وعنده رجل لا أعرفه، فالتفت إليه عبد الملك فقال: من أشعر الناس فقال: أنا، فأظلم ما بيني وبينه، فقلت: من هذا يا أمير المؤمنين فتعجب عبد الملك من عجلتي فقال: هذا الأخطل، فقلت أشعر منه الذي يقول:
هذا غلام حسن وجهه
مستقبل الخير سريع التمّام
فقال الأخطل: صدق أمير المؤمنين، النابغة أشعر مني، فقال عبد الملك: ما تقول في النابغة قلت قد فضله عمر بن الخطاب على الشعراء غير مرّة. ولم تكن منزلة النابغة عند المحدثين بأقل منها عند الأقدمين فقد شهد كثيرون منهم بما في شعره من إيقاع موسيقي، وروعة في التشبيه، وبراعة في أغراض الشعر المتباينة ولا سيما في الوصف والمدح والاعتذار، وفي ديوانه من هذه الفنون العديد من القصائد الدالة على نبوغه وشاعريته، في مخاطبة الملوك وكسب مودّتهم والاعتذار إليهم حتى قيل “وأشعر الناس النابغة إذا رهب”، وقال عنه بديع الزمان الهمذاني: والنابغة “لا يرمي إلا صائباً”.
وفي طليعة العوامل التي أسهمت في تفوق شاعرية أبي أمامة في ضروب المعاني ومختلف الأساليب، رجاحة فكره، إذ كان ذا بصيرة بمواطن الكلام، متميزاً بنظرته الثاقبة والقدرة على الملاءمة بين الأقوال والمواقف، يحسن بباعث الموهبة والذائقة التي صقلتها الدربة والمراس، الملاءمة بين ركني المقال أي بين الصورة والجوهر، فهو يؤدي الدلالات دقيقة لأنه يجيد انتقاء الألفاظ الدالة ووضعها في مواضعها الصحيحة في سياقه الشعري العام.
ولعلّ السمة اللافتة في شعره ذاك التأثر بالظروف المكانية والزمانية الذي حمله على أن يضفي على فنونه طابعاً من الواقعية مستمداً من البيئة البدوية أو الحضرية، فهو جزل شديد الأسر في أوصافه الصحراوية، رقيق عذب واضح العبارة بعيد عن الخشونة ممعن في السهولة، في وصف حالات الوجدان، وفي أداء الخواطر أو إرسال الحكم، إلا إذا اقتضت البلاغة الإبقاء على لفظة غير فصيحة لكنها دالة، كلفظة الشعثِ في قوله: ولستَ بِمُسْتبْق أخا- لا تلمّه على شَعَثِ.
أيّ الرجال المهذّبُ. اعتمدنا في ذلك على: ابن الخطيب التبريزي، شرح المعلقات العشر المذهبات، تحقيق د. عمر فاروق الطباع، بيروت: دار الأرقم، د. ت، ص 317-326
مراحل تطوير النقد الأدبي :
” مرحله ما قبل التدوين “..(من العصر الجاهلي حتى مطلع العصر العباسي )
منشأ النقد في العصر الجاهلي مع نشأة الشعر , وعندما ننظر للشعر الجاهلي نجد انه وصل الى مستويات عالية من الجودة والإتقان , حيث خضع لأنواع من التهذيب حتى بلغ مبلغ الكمال من الإتقان ..ويظهر دلك من خلال المغلقات . إذ يراجع الشاعر قصيدته ويعيد النظر فيها فتمكث حولا كاملا عنده يحسنها ويهذبها ويقومها كما يظهر عند أصحاب الحوليات .وكانت أسواق العرب في الجاهلية – واشهرها سوق عكاظ ودي المجاز ودي المجنه مركز تلاقي الأدباء فيجتمع فيه الشعراء من قبائل عدة فينشرون ما لديهم من جديد الشعر فيتلقاه المستمعون بالتعليق والنقد وبرز من هده الأسواق علماء بالشعر يتحاكم إليهم الشعراء بجودته قصائدهم ومن اشهرهم النابغة الذبياني
نموذج من أحكام النابغة الذبياني :
حيث اجتمع لديه الأعشى وحسان بن ثابت والخنساء , فقدم الأعشى , وأخر حسان فغضب حسان . وقال له : “والله لانا اشعر منك !, فقال له النابغة : “حيث تقول مادا ” فقال حسان : ” حيث أقول :
لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى ………………..ز وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
فقال النابغة : انك شاعر , ولكن أقللت أجفانك وأسيافك . فقد عاب عليه استخدام “جفنات ” و “أسياف ” لأنها تفيد القلة وأما الكثير منها يقال له “جفان ” و” سيوف ” , وعاب عليه استعمال “الضحى ” وكان الابلغ أن يقول “الدجى ” لان الضيف أكثر ما يكون طروقا بالليل .
النقد في صدر الإسلام :
نزل القرآن فتأثر الناس بسحر بيانه وقوة إعجازه وأصبح الاعتزاز بالدين الجديد بما يحمله من مبادئ وأخلاق فاضلة من أهم الموضوعات التي تطرق لها الشعراء في أشعارهم .
ومن نماذج النقد في الإسلام :
أن النبي أعجب بقصيدة “بانت سعاد “لكعب ابن زهير واستحسنها حتى خلع عليه لردته وقالوا انه عليه الصلاة والسلام استمع لكعب بن مالك الأنصاري وهو ينشد حتى وصل الى قوله ” مقاتلنا عن جذمنا كل فخمة ” فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تقل جذمنا ولكن قل عن ديننا ” (والجذم هو الأهل والعشيرة ) .
النقد في العصر الأموي :
ازدهرت الحركة الأدبية في العصر الأموي وساعد على ارتقاء الشعر و الخطابه وجود تغيرات في الدولة الأموية .حيث توسعت البلاد وكثرت فيها الحواضر مثل :دمشق والبصرة والكوفة والحجاز واصبحت هذه الحواضر مركزا ثقافيا حضاريا ومركزا لاستقطاب الشعراء والأدباء
من نماذج النقد في العصر الأموي :
إن عبد الله بن قيس الرقعات دخل على عبد الملك بن مروان فأنشدة قائلا :
يأتلق التاج فوق مفرقه …………………… على جبين كأنه الذهب
فقال له عبد الملك : يا بن قيس تمدحني بالتاج كأني من العجم وتقول في مصعب بن الزبير :
إنما مصعب شعاب من الله ……………….تجلت عن وجهه الظلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم وجلاء الظلم , ومدحتني بما لا فخر فيه وهو اعتدال التاج على جبيني الذي هو كالذهب في النظارة .
المرحلة الثانية مرحله التدوين : “من العصر العباسي الى بداية العصر الحديث “
ظهرت ملامح النقد المنهجي عند العرب مع بداية العصر العباسي حيث بداء العرب بتدوين كتبهم ومعارفهم , كما إن تداخل الثقافة العربية مع الثقافات الأجنبية أدى الى صقل ملكات العرب , وإرهاف ذوقهم , وتوجيههم نحو تعميق البحث في شتى فنون الحياة , فمنذ بداية القرن الثالث للهجرة بداء النقد يخطو خطوات متقدمه الى الدقة والتحليل والتعليل , واخذ يتجه نحو الوصول الى النقد المنهجي القائم على أساس ثابت تبلورت من خلاله المنهجية للنقد الأدبي الحديث عند العرب .
ويمكن القول إن النقد في هده المرحلة ابتعد عن الانطباعات الشخصية في إصدار الأحكام , وأصبح نقدا منهجيا له أصوله وقواعده .ومن اشهر المؤلفات النقدية : كتاب (فحول الشعراء) للأصمعي 216 هـ , وكتاب (طبقات فحول الشعراء )لابن الإسلام الجمحي 232هـ , وكتاب (الشعر والشعراء )لابن قتيبية 267هـ , وكتاب (البديع)لابن المعتز 296هـ , وكتاب (الوساطة بين المتنبي وخصومه)للقاضي الجرجاني 392 هـ .
نماذج من النقد في العصر العباسي :
أن الجاحظ رأى عمرو الشيباني يستحسن قول الشاعر :
لا تحـسبن الموت موت البلى إنما الموت سؤال الرجال كلاهـــما موت ولكـن ذا أفـضع من ذاك السؤال
والبيتان يتضمنان فكرة تهذيبية , وحكمة سامية , وهي النهي عن ذل المسألة وإراقة ماء الوجه , فسؤال الرجال هو والموت سواء , بل هو أشد على النفس من الموت , لما فيه من الذل.
هذه الفكرة التي أعجبت أبا عمرو , اما الجاحظ فإنه يخالفه الرأي ويرى أن البيتين ليسا من الشعر في شيء فهو يؤيد الفكرة السامية لكنه ينتقد أسلوب الكاتب وعباراته الركيكة
السلام عليكم
إجتهدي فأجهدتي بالرد عليكي
الله يوفقج وموضوعج جميل ومجهودج رائع بل راقي
وإلى الأمام.
شكلي كأني مدرس وأصلح موضوع تعبيري ههههههههههههه
أتمنى أن تكون الريم قد أرستكم على بر الأمان في ما طرح من معلومات عن النقد وننتظر آرائكم ودمتم .