مقال جميل اتمنى الاطلاع علية
===================================
هبوط سعر الدولار أنعش أمريكا
وأغرق العالم في ظلمات التضخم
..
.
خالفت الولايات المتحدة التاريخ، فالدول غالباً ما تفرض الضرائب على رعاياها بينما تفرض الإمبراطوريات الضرائب على الدول التابعة لها.
ويعلمنا تاريخ الإمبراطوريات (بدءاً من الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية وانتهاء بالإمبراطورية البريطانية) أن هذه
الضرائب كانت تأخذ أشكال متعددة (ذهب، فضة، عبيد، محاصيل زراعية….).
خالفت الولايات المتحدة التاريخ، فالدول غالباً ما تفرض الضرائب على رعاياها بينما تفرض الإمبراطوريات الضرائب على الدول التابعة لها.
ويعلمنا تاريخ الإمبراطوريات (بدءاً من الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية وانتهاء بالإمبراطورية البريطانية) أن هذه الضرائب كانت تأخذ أشكال متعددة (ذهب، فضة، عبيد، محاصيل زراعية….).
إلا أن أميركا وللمرة الأولى في التاريخ فرضت على العالم ضرائب من نوع جديد.
فهي لم تفرضها بمنطق القوة كما فعلت سابقاتها بل وزعت على هذه الأمم أوراقا نقدية أسمتها الدولار.
الحكاية من البداية:
كان الدولار مربوطاً مع الذهب في بدايات القرن الماضي الأمر الذي حال دون تذبذب الدولار ارتفاعاً أو انخفاضاً، وفي فترة الكساد العالمي الكبير وما سبقها من مستويات تضخم مرتفعة وعجوزات هائلة في الميزانيات الحكومية بين عامي(1921-1929). أدى كل ذلك إلى زيادة الكتلة النقدية للدولار الأمر الذي جعل من ربط الدولار بالذهب أمراً مستحيلاً.
وفي عام 1932 أدى هذا الوضع بالرئيس روزفلت إلى فك ارتباط الدولار بالذهب.
قد تكون الولايات المتحدة قد سيطرت تماما على الاقتصاد العالمي ولكن من وجهة نظر اقتصادية لم تك قد وصلت إلى مرحلة الإمبراطورية بعد.
بل أن البعض يرى أن ولادة الإمبراطورية جاءت بعد إعلان اتفاقية بروتون وودز عام 1945 فالدولار لم يكن مغطى بالكامل بالذهب إلا أنه جعل كذلك بالنسبة للحكومات الأجنبية (أي ربط دول العالم بالدولار وربط الأخير بالذهب).
جعلت هذه الاتفاقية من الدولار العملة الاحتياطية الأولى في العالم (كان ذل ممكنا لكون الولايات المتحدة الأمريكية قامت بإمداد حلفائها بعد الحرب مقابل الذهب).
وفي بداية السبعينيات طالبت العديد من الدول أمريكا تسديد قيمة ما لديها من دولارات بالذهب إلا أن تخلف الحكومة الأمريكية عن السداد اعتبر وقتها بمثابة التخلي عن اتفاقية بروتون وودز لتصبح من بعدها كل دول العالم مرتبطة بالدولار دون أن يكون الأخير مربوطاً بشيء.
فكان على الولايات المتحدة الأمريكية تقدم للعالم سبباً أو مبرراً اقتصادياً لامتلاك هذه الدولارات دائمة الانخفاض ليكون هذا السبب… النفط.
العرب والدولار:
صحيح أن منظمة الأوبك كانت تعتبر قبل سنوات أن عدم انخفاض أسعار النفط إلى أقل من خمسة وعشرين دولاراً أمر إيجابي بالنسبة إليها. إلا أنها بالمقابل حرصت حرصاً شديداً على تعزيز المشاورات في ما بينها لعدم تعويم الأسواق بفائض من النفط يسهم في خفض الأسعار.
لكنها لم تكن تتوقع بأي شكل من الأشكال أن ينخفض الدولار إلى المستويات القياسية التي بلغها في السنتين الماضيتين تجاه بعض العملات القوية الأخرى وأهمها اليورو.
فإذا كانت البلدان الصناعية قادرة اليوم على تخفيف وطأة ارتفاع أسعار وارداتها من مصادر الطاقة، فإن البلدان العربية المصدرة للنفط تجد اليوم نفسها غير مستفيدة بما فيه الكفاية من ارتفاع أسعار نفطها المصدر لأن الجزء الأكبر من صادرات النفط يحتسب بالدولار الذي فقد قرابة ثلث قيمته الأصلية إزاء العملة الأوروبية الموحدة.
وفيما يخص أثر انخفاض الدولار على قطاع النفط فقد أشار تقرير منظمة أوبك لشهر يوليو/ تموز 2007 أنه بالرغم من تسجيل أسعار النفط أسعاراً قياسية في يونيو/ حزيران من العام الماضي فإنه عند احتساب معدلات التضخم والتغير في أسعار الصرف العالمي فإن أسعار النفط الحقيقية قد انخفضت بمقارنتها بأسعار العام الماضي.
نضيف إلى ذلك معلومة مفادها أنه كلما انخفض الدولار عشرة بالمائة أمام العملات القوية العالمية الأخرى انعكس ذلك عبر انحسار القدرة الشرائية في بلدان الأوبك بنسبة خمسة بالمائة تقريبا. يعتبر يعض الخبراء الاقتصاديين أن دروس الماضي من شأنها مساعدة هذه البلدان على الثبات بشكل أفضل مما كان عليه الأمر قبل عملية انخفاض الدولار. فقد تعرضت اقتصاديات بلدان الأوبك في السنوات الأربعين الماضية إلى هزات كثيرة دفعتها إلى التأقلم معها. ويرى هؤلاء الخبراء أن الظروف قد أصبحت اليوم ملائمة لاتخاذ عدة إجراءات من أهمها تعديل العلاقة التي تقيمها أغلب البلدان النفطية بين عملاتها من جهة والدولار من جهة أخرى. فواضح اليوم أن منطق العولمة وتمكن اليورو من فرض نفسه على السوق العالمية وعناصر أخرى كثيرة، سيكون من شأنها إقناع هذه الدول بربط عملاتها بسلة عملات يكون للدولار فيها مكان ولكنه لن يكون بالضرورة العملة الأهم في كل الحالات. وهو ما أقدمت عليه الكويت مثلا في الثاني والعشرين من شهر مايو الماضي عندما ربطت الدينار الكويتي من جديد بسلة عملات تترجم أكثر من الدولار بمفرده عن حقيقة المبادلات التجارية التي تقيمها دولة الكويت مع العالم وحقيقة واقعها المالي واستثماراتها في الخارج.
وقد قوبل هذا الإجراء بتحفظ من قبل بعض الدول الخليجية الأخرى التي رأت فيه حجر عثرة دون إطلاق العملة الخليجية الموحدة مبدئيا في حدود ألفين وعشرة.
الدولار والسوريون:
قامت سورية في العام الماضي – وفي خطوة اعتبرها كثيرون لاعتبارات سياسية – بربط الليرة بسلة عملات تتكون من حقوق السحب الخاصة التابعة لصندوق النقد الدولي (تتكون هذه الوحدات من 34% دولار، 44% يورو، 11% جنيه إسترليني، 11% ين ياباني) منهية بذلك ارتباطاً بالدولار دام لعشرات السنين.
وبحسب ما يرى البعض فإن هذه الخطوة تحتوي على العديد من الايجابيات لعل أهمها:
– تنويع سلة العملات الأجنبية الأمر الذي أسهم في تنويع المخاطر مما يحول دون التعرض لهزات وخسائر مالية كبيرة فيما لو تعرضت عملة دولية إلى تراجع كبير أو هزة اقتصادية عنيفة.
– فك الارتباط بالدولار هو أمر يفرضه واقع النجارة الخارجية في سورية فمن المعروف اقتصادياً أن العملات المرتبطة بالعملة الوطنية هو أمر يحدده الشركاء التجاريين للبلد المعني. وعند الحديث عن سوريا فإن الأوربيين يشكلون الشريك التجاري الأول – بأكثر من 50% من إجمالي المبادلات التجارية الخارجية- فمن الطبيعي زيادة نسبة اليورو من سلة العملات الأجنبية لما في ذلك من أثر في تخفيض تكاليف التجارة الخارجية استيراداً أو تصديراً.
– الضعف المستمر للدولار وماله من آثار تضخمية على الاقتصاد السوري فيما لو كانت الاحتياطات مقيّمة بكاملها بالدولار.
هل باتت أميركا الشريك التجاري الأول لنا؟
لعل معظمنا لاحظ ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار منذ منتصف العام الماضي حيث ارتفع سعر صرف الليرة أمام الدولار 12% في أقل من ستة أشهر.
وصف هذا الارتفاع بالجيد من قبل البعض لما له من آثار إيجابية تدلل على قوة ومتانة وضع الليرة أمام العملات الأخرى إلا أن البعض الآخر رأى وجوب عدم إغفال بعض التأثيرات السلبية التي قد تنجم عن مثل هذا التحسن. ففي ظل تراجع سعر صرف الدولار أمام الليرة فإن سعر المنتجات الأمريكية سيصبح أرخص بالنسبة لسوريا عند الاستيراد، فبدلا من أن نستورد من أوربا باليورو المرتفع أصبح بالإمكان أن نستورد ذات البضاعة من السوق الأمريكية.
فاليورو ارتفع مقابل الدولار بأكثر من 50% منذ ولادته وحتى اليوم وهذا معناه أن البضاعة التي نشتريها باليورو ارتفعت بذات النسبة أيضاً.
أما لجهة التصدير فإن الوضع الحالي جعل من أسعار منتجاتنا المقومة بالليرة السورية مرتفعة جداً فالليرة ارتفع سعرها أمام الدولار من نحو 55 إلى حوالي 48 والفرق بين السعرين هو عبارة عن تكلفة إضافية للمنتج السوري على المستورد العربي ولأجنبي.
ولعل أبرز ما يتبادر إلى الذهن هو التالي:
هل لدينا هذه المرونة في السوق والطلب الكثيف على المنتجات السورية؟؟
وهل باتت الولايات المتحدة الأمريكية هي الشريك التجاري الأول لسورية، وأين ذهب قانون محاسبة سوريا الذي يمنع على الشركات الأمريكية التعامل مع سورية؟
فتغير سعر صرف الليرة السورية سيؤثر حتما على قدرتنا التنافسية، فمع استمرار ارتفاع سعر صرف اليورو أمام الليرة السورية في الوقت الذي تتمحور فيه المبادلات التجارية السورية الأمريكية حول رقم محدود، في حين تنشط فيه المبادلات التجارية السورية الأوربية تصديرا أو استيرادا، بات من الواضح – من وجهة نظر اقتصادية – أن استمرار ارتفاع الليرة السورية أمام الدولار لن يكون في صالح الاقتصاد السوري.
إلا أن البعض يخالف هذا الرأي بالقول أن ارتفاع الليرة أمام الدولار جاء ليخدم شركائنا الأوربيين وذلك بثبات سعر صرف اليورو أمام الليرة ففي الوقت الذي وصل فيه سعر صرف اليورو أمام الدولار إلى 1.5 نرى أن سعر صرف الليرة السورية أمام اليورو
لم يتجاوز 71 ليرة وبحسبة صغير فقط نجد أنه فيما لو بقي سعر صرف الليرة أمام الدولار عند مستوياته القديمة 55 ليرة للدولار الواحد لكان من المفروض أن يكون سعر الليرة أمام اليورو هو:
1.5*55= 82.5 ل.س أي أعلى من السعر الحالي بحوالي 11 ليرة.
فالهدف من تعويم سعر صرف الليرة أمام الدولار هو الحفاظ على سعر صرف اليورو عند مستويات مقبولة سواء لجهة التصدير أم الاستيراد.
أسباب ضعف الدولار عالمياً:
لعل من أهم أسباب ترك الإدارة الأميركية سعر صرف الدولار ينخفض أمام العملات الرئيسية الأخرى أو ما يسمى بالدولار الضعيف، هو محاولة تشجيع الصادرات الأميركية للنفاذ إلى الأسواق العالمية نتيجة رخص سعر المنتجات الأميركية، وزيادة كلفة الواردات إلى السوق الأميركي وبالتالي تقليل العجز التجاري المتزايد خاصة مع دول آسيا: كاليابان والصين وكوريا.
فالصين تحقق فائضاً كبيراً في تجارتها مع الولايات المتحدة بلغ 232.5 مليار دولار العام الماضي مقابل 202 مليار دولار العام الأسبق و140 ملياراً عام 2004.
كما تتسبب سلعها الرخيصة بالسوق الأميركية في فقد مئات الآلاف من الوظائف بالاقتصاد الأميركي. كذلك بلغ الفائض التجاري لليابان مع الولايات المتحدة 76.8 مليار دولار العام الماضي.
ولقد أشار رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي بن برنانكي إلى عامل آخر لتراجع الدولار عندما ذكر أن التباطؤ الذي يشهده سوق الرهن العقاري الأميركي قد يستمر فترة أطول من المتوقع مما كبد الدولار خسائر إضافية أمام العملات الأخرى.
كذلك ساهمت أرقام التضخم التي زادت عن التوقعات في انخفاض الدولار. كذلك تراجع أرقام الوظائف بنحو أربعة آلاف وظيفة خلال شهر أغسطس/ آب الماضي.
وإذا كان انخفاض الدولار يؤدى لزيادة الصادرات الأميركية ويقلل القيمة الفعلية للديون الخارجية. فإن انخفاض الدولار قد يؤدى في نفس الوقت إلى هروب رؤوس الأموال القادمة إلى أميركا. ويساعد على تسرب رؤوس الأموال للخارج وتراجع أسعار السندات والأسهم. كما أن ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة قد يؤدى إلى التضخم.
يتوقع أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي بنسبة 0.6% خلال الربع الأول من العام الحالي مما قد يساهم في تراجع الدولار أمام العملات الأخرى بعد أن بلغت نسبة النمو 3.3% خلال العام الماضي. إلا أن صندوق النقد يتوقع بلوغ نسبة النمو خلال العام الحالي 2% فقط.
وتسببت مشكلة تعثر المقترضين الأميركيين عن سداد قروض الرهن العقاري عالية المخاطر في توقع حدوث كساد بالاقتصاد خاصة مع حدوث اضطرابات بالأسواق المالية الأميركية. والتي انتقلت عدواها إلى الأسواق المالية الأوروبية والآسيوية واليابانية، مما دفع البنوك المركزية في العديد من البلدان لضخ سيولة بالأسواق لتهدئتها. إلا أن ذلك لم يفلح في استقرار الأسواق.
تراجع الاحتياطات بالدولار:
كان رد فعل عدد من البلدان إزاء انخفاض قيمة الدولار تقليل نسبة تواجده في احتياطياتها حتى أن حصة العملة الأميركية من مجمل الاحتياطيات الدولية قد هبطت إلى أدنى مستوياتها خلال العشر سنوات الأخيرة لتصل إلى 64.2% من إجمالي الاحتياطات بالربع الأخير من العام الماضي مقابل 64.6% بالربع الأول من ذات العام.
وعلى الجانب الآخر ارتفعت حصة اليورو من تلك الاحتياطات إلى 26.1% مقابل 25.9%، إلى جانب نصيب قليل لكل من الجنيه الإسترليني والين الياباني.
اتساع الآثار السلبية عالمياً:
وإذا كانت دول أوروبا تستفيد من تراجع الدولار في خفض كلفة النفط الذي قارب المئة دولار في نهاية العام الماضي وكذلك بالنسبة لأسعار ما تستورده من معادن، فإنه يؤثر سلبيا على صادراتها التي تصبح أعلى سعرا عند دخولها الأسواق الأميركية.
ويزداد الأثر السلبي في بلد مثل ألمانيا التي تصل نسبة صادراتها إلى حوالي 50% من ناتجها المحلي الإجمالي.
الأمر الذي دفع بالعديد من الشركات الأوروبية الكبرى مثل بى إم دبليو وفولكسفاغن وجلاكسو سميث كلاين للأدوية إلى اتخاذ أساليب للحماية من تقلبات أسعار الصرف بإنشاء مصانع إنتاجية حول العالم.
حيث ذكرت شركة إيرباص الأوروبية أنها تخسر مليار يورو في كل مرة يتراجع فيها الدولار أمام اليورو عشرة سنتات. كما أن السياح الأميركيين يشكلون الحصة الأكبر من السياح الأجانب في أوروبا ومن هنا فإن بطء الاقتصاد الأميركي يعني قلة عدد السياح الأميركيين القادمين إلى أوروبا.
نموذج آخر يمثله قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي الذي تضرر من ارتفاع قيمة العملة المحلية الروبية أمام الدولار الأميركي مما زاد من الصعوبات أمامها لدخول السوق الأميركية التي تعد السوق الرئيسية لها، كما أدى ذلك لتراجع قيمة أسهم تلك الشركات الهندية، حيث تراجعت قيمة الدولار تجاه الروبية الهندية بنسبة 25.8% ما بين عامي1995 و2007.
وهكذا يظل الدولار مؤثراً في الأسواق الدولية خاصة وأنه يمثل نحو ثلثي الاحتياطيات الدولية و80% من مبادلات سعر الصرف كما أن نصف الصادرات العالمية يتم دفع قيمتها بالدولار.
نوار طالب يعقوب – مجلة تجارة وأعمال