هذه المقامة هي عبارة عن كلام مسجوع كتبه العلامة أبو عبدالله الزرعي ,
المعروف بابن القيم الجوزية , في كتابه – مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين – يصف به أهل النفاق سلمنا الله من شرورهم
.. فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟ وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟
وكم من علم له قد طمسوه ؟ وكم من لواء له مرفوع قد وضعوه ؟ وكم ضربوا بمعاول الشبه في أصول غراسه ليقلعوها ؟ وكم عموا عيون موارده بآرائهم ليدفنوها ويقطعوها ؟!.
فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية , ولا يزال يطرقه من شبههم سرية بعد سرية . ويزعمون أنهم بذلك مصلحون { أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ } . { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }
لبسوا ثياب أهل الإيمان , على قلوب أهل الزيغ والخسران , والغل والكفران ؛
فالظواهر ظواهر الأنصار , والبواطن قد تحيزت إلى الكفار ,
فألسنتهم ألسنة المسالمين , وقلوبهم قلوب المحاربين . ويقولون
{ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } .
قد نهكت أمراض الشبهات والشهوات قلوبهم فأهلكتها , وغلبت القصود السيئة على إراداتهم ونياتهم فأفسدتها ؛ ففسادهم قد ترامى إلى الهلاك فعجز عنه الأطباء العارفون
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }
خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات ؛ فركبوا مراكب الشبه والشكوك تجري بهم في موج الخيالات ؛ فلعبت بسفنهم الريح العاصف فألقتها بين سفن الهالكين
{ أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ }
يتربصون الدوائر بأهل السنة والقرآن . فإن كان لهم فتح من الله قالوا : ألم نكن معكم ؟ وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم . وان كان لأعداء الكتاب والسنة من النصرة نصيب قالوا : ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم وان النسب بيننا قريب ؟ فيا من يريد معرفتهم ! خذ صفتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلاً { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }
.
أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد , ونواهيهم عما فيه صلاحهم في المعاش والمعاد , وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ }
أحسن الناس أجساماً , وأخلبهم لساناً , وألطفهم بياناً , وأخبثهم قلوباً , وأضعفهم جناناً ؛ فهم كالخشب المسندة التى لا ثمر لها . قد قلعت من مغارسها فتساندت إلى حائط يقيمها , لئلا يطأها السالكون { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
أسروا سرائر النفاق فأظهرها الله على صفحات الوجوه منهم , وفلتات اللسان , ووسمهم لأجلها بسيماء لا يخفون بها على أهل البصائر والإيمان , وظنوا أنهم إذ كتموا كفرهم وأظهروا إيمانهم راجوا على الصيارف والنقاد ! كيف ؟ والناقد البصير قد كشفها لكم { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ، وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ولَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق واجعلنا هداة مهتدين
دمتم بود
جزيتم خيرا على المرور الطيب
اللهم طهّر قلوبنا من النفاق واجعلنا هداة مهتدين
اللهم امين
جزيت خيرى الدنيا والآخره