التخطيط للحياة والأسرة يساعد على إدارة المفاجآت –
للكاتب كوكب حناحنة
تعتمد تهاني صافي أسلوب التخطيط في إدارة شؤون أسرتها، كونها المسؤولة عن البيت إلى حد ما نظرا لغياب زوجها معظم الوقت خارج المنزل لان طبيعة عمله تقتضي ذلك.
وتخطط أم أحمد مع بداية كل عام لدراسة أولادها ولشؤون البيت واحتياجاته وللمناسبات الاجتماعية ولعوامل الترفيه.
وتعرف الباحثة الاجتماعية كيان البرغوثي في دراسة لها حملت عنوان “التخطيط الأسري” هذا السلوك بأنه “عملية عقلية في جوهرها، واستعداد مسبق لعمل الأشياء بطريقة منظمة واستعداد للتفكير قبل التنفيذ، والتنفيذ في ضوء حقائق مؤكدة بدلا من التخمين”.
وتذهب إلى أن التخطيط الأسري يعني التنظيم للشؤون الأسرية وفق برنامج محدد لتحقيق أهداف معينة خلال فترة زمنية محددة.
ويعد التخطيط الأسري بحسب البرغوثي أسلوبا ومنهجا ضروريا للتعامل مع التغيرات المتسارعة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على تكوين الأسرة واستقرارها.
في حين تشير المدربة في مجال التفكير الايجابي د. سحر شقيدف إلى أن المخطط للحياة أشبه بسائق السيارة الذي يعرف وجهته وكم الوقت الذي سيستغرقه للوصول.
وللتخطيط أنواع. وعنها تقول البرغوثي”التخطيط وفق المدى الزمني ويندرج تحته التخطيط طويل المدى وقصير ومتوسط المدى، والتخطيط وفق مجالات الحياة الأسرية المعنوية والمادية، الاجتماعية والصحية والمالية والتغذية، والإنجاب والتعليم والمجال الترويحي”.
ويجمع اختصاصيون على أهمية التخطيط لأنه يساعد الفرد على إدارة المفاجآت والأزمات والظروف الطارئة بشكل أفضل.
وتنطلق أهمية التخطيط بحسب البرغوثي في تشجيع النظرة المستقبلية ومحاولة تشكيل رؤية وتصور للأسرة بشكل يوافق الأهداف والمبادئ المستمدة من الشريعة الإسلامية.
وتقول “ويسهم التخطيط في تحديد واضح وعملي للأهداف المراد تحقيقها وإعداد خطط وبرامج تفصيلية لتوضيح مراحل النشاط المطلوب القيام به من قبل كل فرد بالاسرة وإتباع الخطوات والأساليب الملائمة لتحقيق الأهداف بشكل مرحلي ملموس”.
وتضيف “ويعمل كذلك على زيادة فرص توقع الصعاب والمشكلات التي قد تعترض مسيرة الحياة قبل تكوينها وبعدها واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتلافيها قبل وقوعها، ويفسح المجال أمام الاستخدام الامثل لموارد الاسرة وامكاناتها المتاحة وحسن توظيفها، ويوحد الجهود الجماعية ويحقق التناسق والانسجام فيما بينها، ويعمل على ترتيب الاولويات وتركيز الجهود على الأمور المهمة، والتعامل الحكيم مع الوقت والاستفادة من دروس الماضي والخبرات السابقة، ويحقق نوعا من الرقابة والمتابعة المستمرة للتأكد من مدى تحقق أهداف الأسرة”.
من جانبها تؤكد شقيدف على أن الفرد المخطط لحياته يتحمل الصعوبات والمفاجآت ويواجهها بقوة وصلابة، ومن لا يخطط سيصبح منفذا للآخرين وهذا قد يقوده للفشل لان الناجح هو من يخطط لنفسه.
في حين تشير التربوية عائشة جمعة إلى أهمية التخطيط ودوره في تجاوز المشكلات التي قد تعترض مسيرة الفرد أو الأسرة، واسهامه كذلك في تحقيق الطموحات.
وتؤكد على ضرورة أن يخطط الفرد للمستقبل كالتخطيط لمجيء مولود جديد مثلا أو لإجراء عملية جراحية ضرورية لأحد أفراد الأسرة. وتحذر من أن يعيش الشخص ليومه فقط، حتى لا يفاجأ بحدث ما ويقع في حيرة ولا يحسن التصرف، وقد يتعرض لصدمة نفسية جراء ذلك.
وهنالك جملة من القواعد والأمور التي يجب مراعاتها عند وضع خطة سواء على الصعيد الفردي أو الأسري.
وعند التخطيط للمستقبل، بحسب شقيدف، يجب أن يراعي الفرد أمورا عدة أهمها: أن تكون أهدافه واضحة. ويفضل كتابتها على مفكرة أو ورقة أو أن تكون واضحة في ذهنه، وألا يكون في اتجاه واحد بل يكون شاملا لمختلف جوانب الحياة.
وتزيد “يجب مراعاة تبسيط المعلومة وتحديد الوسائل التي نستخدمها والمصادر التي تعيننا على ذلك، وان تكون الأهداف طموحة وألا تدخل في التفاصيل”.
ويجب التخطيط لكافة مجالات الحياة الدينية كتقوية علاقتنا مع الله وفي الجوانب الاجتماعية كالمحافظة على صلة الرحم مرة بالشهر، والتخطيط كذلك مهنيا وماديا.
وهذا ما تدعو إليه جمعة وتقول “يجب التخطيط للنواحي المادية والمعنوية على حد سواء، فماديا على الفرد أن ينتزع من دخله الشهري جزءا يدخره للطوارئ، ومن ناحية معنوية عليه توثيق العلاقات الاجتماعية وصلة الأقرباء”.
وتطبق أم أحمد هذه المبادئ أثناء تخطيطها، فما أن توشك أيام الشتاء على الرحيل حتى تبدأ بحملة تنظيف و(تعزيل) للبيت، ولا تنسى مع ذلك موعد امتحانات الأبناء النهائية، فهي تبرمج وقتها لتوفير الجو المريح لهم وتوقف العلاقات الاجتماعية حينها.
وتخطط كذلك لكيفية قضاء أطفالها العطلة الصيفية بما يعود عليهم بالنفع والفائدة فتلحقهم بالمراكز والأنشطة الصيفية المختلفة.
ويتجاوز التخطيط لدى أم أحمد حدود التعليم والبيت والعلاقات الاجتماعية فهي تستغل فترة التنزيلات على الملابس وتشتري ما يحتاجه أبناؤها للأعوام المقبلة وبأسعار تخفف من العبء على ميزانية الأسرة.
وتحاول أم أحمد أن تزرع مفهوم التخطيط في نفوس أبنائها من خلال اطلاعهم على ما تنوي القيام به خلال الأسابيع او الشهور المقبلة.
وتغيب عن مجتمعاتنا عموما ثقافة التخطيط سواء على المدى القريب أو البعيد بحسب مهتمين في مجال العلاقات الأسرية.
ويعلق أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د. حسين الخزاعي انعدام التخطيط لدى بعض الأفراد إلى بعض الموروثات الثقافية وانتشار الأسر الممتدة في مجتمعنا الأردني الأمر الذي رسخ مفهوم ضرورة الاستماع والانصياع إلى ما يخطط له الأجداد أو الأبوان. ويقول “ومن يخطط لنفسه يعتبر متمردا على قوانين الأسرة وغير مطيع لوالديه”.
ويشير الخزاعي إلى بروز مفهوم التخطيط الأسري والتخطيط للحياة في الفترة الأخيرة، ويعزو ذلك إلى التطور العلمي والتكنولوجي والهجرة الإجبارية من الأرياف إلى المدينة للبحث عن فرص عمل.
وتدعو شقيدف إلى ضرورة التخطيط وبشكل جماعي في مؤسسة الأسرة حتى على مستوى المشوار للدخول بعد ذلك في تفاصيل الحياة، لغرس هذه الثقافة في نفوس أبنائنا.
وتحذر من التخطيط السريع وتشير إلى مقولة “إذا قضيت وقتا طويلا في التخطيط تحتاج إلى وقت قصير للتنفيذ”.