الطفرة العقارية الخليجية……….تساؤلات وإحتمالات
د.ناصر أحمد بن غيث
إن ما بدأ يعرف “بأزمة الرهن العقاري” التي ظهرت بوادرها في 2006 في الولايات المتحدة الأمريكية وأمتدت اَثارها إلى الزوايا الأربع للعالم في نظر الكثير من المراقبين ليست سوى رأس جبل الجليد وأن أكبر تحد يواجهه المسؤولين والخبراء الأمريكيين هو تحديد حجم وعمق هذه الأزمة وكذلك حجم الهزات الإرتدادية التي ستحدثها سواء على الإقتصاد الأمريكي أو العالمي لذلك لم يسع هؤلاء المسؤولين سوى إطلاق التصريحات عن محدودية هذه الأزمة واَثارها على الأقتصاد الأمريكي ومن ثم العالمي , ولم يجد نظرائهم في أوروبا واَسيا واليابان بداً من ترديد هذه التصريحات باللغات المحلية في محاولة غير حصيفة لطمأنة المستثمرين المحليين والأجانب.
وقد وجدت هذه التصريحات من يرددها كذلك في الشرق الأوسط وبصفة خاصة دول الخليج التي تشهد مزيج من الظواهر الإقتصادية الصحية وغير الصحية متمثلة في النمو الإقتصادي المتواصل منذ عام 2001 بفضل أسعار النفط وما صاحب ذلك من إرتفاع معدل دخل الفرد وكذلك تكاليف المعيشة بسبب موجة التضخم التي عادةً ما تصاحب معدلات النمو العالية , ولكن ما نسيه أو تناساه هؤلاء المرددين أن الموت الذي يفرون منه قد يكون ملاقيهم في صور أزمة قروض عقارية محلية إذ تتوافر في أسوق العقار المحلية ظروف مشابهه لتلك التي سادت في السوق الأمريكية وأدت أو على الأقل ساعدت في حدوث الأزمة , وهذا لايعني أن أزمة مشابهه على وشك الحدوث في الإسواق الخليجية وإنما ما يمكن قوله هو أن الظروف السائدة في بعض الدول الخليجية فيما يتعلق بقطاع العقار أدت إلى إحداث تضخم في أسعار العقارات مما شجع على دخول إستثمارات ضخمة (حكومية وخاصة) وما ترتب على ذلك من خلق سوق مضاربة في هذا القطاع الأمر الذي ينبئ بحدوث حركة تصحيحية قد تكون كبيرة تؤدي إلى إنخفاضات كبيرة في أسعار العقار ومن ثم خسائر كبيرة لشركات التطوير العقاري والشركات المرتبطة بقطاع العقار كشركات التمويل والبنوك والتي تمثل شريحة كبيرة من القطاع الأستثماري في بعض الدول الخليجية ما قد يؤدي إلى حدوث أزمة إقتصادية شاملة.
يمكنني القول دون شك أن دول الخليج كانت أكثر حصافة في التعامل مع عوائد الطفرة النفطية الأولى منها مع عوائد الطفرة النفطية الحالية إذ تم أستخدام معظم عوائد الطفرة الأولى التي لم يتم إعادة تصديرها وإستثمارها في السوق العالمية في إقامة البنى التحتية التي لم تكن موجودة في أغلب الدول الخليجة (طرق , إتصالات , مشاريع كهرباء ومياه , خدمات صحية وتعليم) في حين أنه يتم إستثمار معظم العوائد الحالية في مشاريع عقارية نخبوية فاخرة !!!!
بسبب أحداث سبتمبر وردة فعل الحكومة الأمريكية التي تمثلت في إقرار الكثير من الإجراءات والتشريعات ذات الطبيعة الأمنية والتي تفرض الكثير من القيود على الأستثمارات والتحويلات النقدية الأجنبية (بصفة خاصة البترودولار) , لم تجد مؤسسات الأستثمار الخليجية (الحكومية والخاصة) بداً من العودة إلى الأسواق العربية والخليجية في محاولة لإيجاد فرص أستثمار مجدية وآمنه , ولكن بسبب قصور الهياكل الإقتصادية في هذه الدول وعدم نضج أسواق رأس المال فيها توجهت معظم هذه الإستثمارات إلى قطاع العقارات والإنشاءات بدل من القطاعات الأخرى (الصناعة والخدمات) ذات القيمة المضافة العالية على الإقتصاد الوطني ما يفسر معدلات النمو العالية التي شهدها هذا القطاع (والتي يعود لها الفضل في معدلات النمو العالية التي حققتها الإقتصادات الخليجية في الآونه الأخيره) وذلك مقارنة بقطاعي الصناعة والخدمات كذلك يفسر نمو الصناعات والخدمات المرتبطة بالقطاع العقاري بمعدلات أعلى من الصناعات والخدمات الأخرى.
المتابع لحجم الإستثمارات والمشاريع العقارية في دول الخليج منذ عام 2002 يجد أرقام كبيرة تثير التساؤلات حول ضخامة هذه الأستثمارات وكذلك حجم شركات التطوير والتمويل العقاري التي تشكل نسبة كبيرة من حجم القيمة السوقية الكلية للبورصات الخليجية هذا عدا عن الشركات الحكومية وشركات المساهمة الخاصة.
وما يمكن أن يزيد الأمر تعقيداً هو أن هذه الطفرة العقارية قد خلقت زخمها بنفسها (Create its own momentum) عن طريق خلق طلب غير حقيقي على الوحدات السكنية بسبب تزايد أعداد العمالة الأجنبية التي يتم جلبها للعمل في المشاريع العقارية الضخمة والذي يشكل ضغط على المعروض في السوق الذي يحتاج إلى وقت لتلبية الطلب المتزايد مما يؤدي إلى إرتفاع أسعار الوحدات السكنية (سواء الإيجار أو التمليك) الذي بدوره يخلق إنطباعاً لدى المستثمرين (خاصة في حالة عدم وجود بيانات ومؤشرات دقيقة) بأن السوق لم تصل بعد إلى نقطة التوازن وأن القطاع العقاري لازال يستطيع إستيعاب المزيد من الإستثمارات مما أدى إلى إزدياد الإستثمارات العقارية ومن ثم إزدياد المعروض بشكل مضطرد.
ولمواكبة زخم العرض الكبير في الوحدات السكنية قامت بعض الحكومات برفع القيود المفروضة على تملك الأجانب للعقار وذلك لخلق شريحة طلب لم تكن موجودة هذا بالأضاقة إلى قيام الشركات العقارية الكبرى (الحكومية والمساهمه العامة) بسبب المنافسة بتسهيل عملية شراء وحداتها السكنية بتقديم عروض تتضمن شروط دفع ميسرة (5% دفعة أولى والباقي على دفعات متعددة) وكذلك أنشاء شركات تمويل تابعة لها (subsidiaries) تقوم بتمويل شراء وحداتها بشروط ميسرة ومعدل فائدة منخفض لا يخضع لرقابة للمصرف المركزي بسبب كون معظم هذه الشركات شركات “تمويل إسلامي” , مما شجع الأفراد والمؤسسات على التوسع في الإقتراض لتمويل شراء الوحدات السكنية وبذلك خلق سوق كبيرة للقروض العقارية الذي شجع بدوره المصارف التجارية (التقليدية والإسلامية) المحلية على الدخول بقوة في هذه السوق عن طريق منح قروض منخفضة الفائدة بإعتبارها قروض عقارية منخفضة المخاطرة عكس القروض الشخصية والتجارية ذات نسب المخاطرة العالية وربما دون التمييز بين المقترضين من حيث أسباب شراء الوحدات السكنية (للسكن أو الإستثمار) حيث أن المشترين لأغراض السكن ((first-time-buyers هم فقط من يعتبر من أصحاب القروض العقارية منخفضة المخاطرة في حين أن المشترين لأغراض الإستثمار (الإيجار أو إعادة البيع) يعتبرون من أصحاب القروض الإستثمارية عالية المخاطرة.
وبناءاً على ما تم عرضه من وضع لسوقي العقار والقروض العقارية يمكن تقسيم الطلب على العقار إلى ثلاثة أقسام: مستهلكين , مستثمرين , مضاربين وتجدر الإشارة في هذا المقام أن الأجانب يشكلون غالبية هذا الطلب خاصة المستهلكين والمستثمرين وذلك مرجعه إلى وجود برامج أسكان وإقراض حكومية للمواطنين في كل دول الخليج وكذلك تحبيذ المستثمرين المواطنين إنشاء مشاريعهم العقارية الخاصة عوضاً عن شراء وحدات عقارية من الشركات الكبرى.
القسم الأول: وهو ما يمكن تسميته بالطلب الإستهلاكي ويشمل المشترين لأغراض السكن وهم في الغالب من الإجانب المقيمين لأغراض العمل ويرجع نشوء وإتساع هذه الشريحة من الطلب إلى إولا:ً رفع القيود التي كانت مفروضة على تملك الأجانب للعقار وثانياً: سهولة عملية الشراء إذ إن هذه العملية بشروط الدفع والتمويل الحالية تعتبر أقل كلفة بالنسبة لهؤلاء من الإستئجار وهو الذي شجع الكثير من الإجانب على الإقبال على الشراء.
القسم الثاني: وهو ما يمكن تسميته بالطلب الإستثماري ويشمل المشترين لأغراض الإستثمار , أي الشراء بشروط ميسرة للدفع الاَجل أو تمويل بمعدل فائدة منخفض وتأجيرها بمعدلات عالية (في ظل مستوى الإيجارات الحالية) مما يضمن عوائد عالية تمكنهم من دفع الأقساط المستحقة والإحتفاظ بالزيادة كعائد للإستثمار بالإضافة إلى الزيادة في قيمة عين العقار ومن ثم بيعه وتحقيق أرباح كبيرة , وقد ساعد إنخفاض معدلات الفائدة في دول الخليج بسبب إرتباطها بمعدلات الفائدة الأمريكية وكذلك الوضع الضبابي وغير المستقر لمعظم بورصات الخليج وأسواق المال فيها إلى توجه معظم المستثمرين الصغار إلى قطاع العقار ومن ثم إتساع هذه الشريحة من الطلب على العقار.
القسم الثالث: وهو ما يمكن تسميته بطلب المضاربة , حيث شجعت الظروف السائدة في سوق العقار (سهولة التمويل , إرتفاع الطلب الاَني بالإضافة إلى حالة عدم اليقين عن مستقبل سوق العقار بسبب عدم وجود بيانات دقيقة وكافية عن وضع السوق وإتجاهاته المستقبلية) الكثيرين، أفراداً ومؤسسات على أخذ أوضاع مضاربية ((speculative positions من خلال التوسع في شراء الوحدات العقارية بغرض إعادة بيعها لتحقيق عوائد كبيرة في فترة زمنية قصيرة , الأمر الذي حول سوق العقار الخليجي الذي يفترض أن يكون أحد الملاذات الاَمنة إلى سوق مضاربة حاله في ذلك حال أسواق المال الخليجية المتذبذبة وغير الناضجة والتي تشكل الشركات العقارية غالبية الشركات المدرجة فيها من حيث القيمة السوقية وقيم التداول (فيما عدا السعودية التي تشكل شركات قطاعي الصناعة والخدمات أكبر الشركات وهو ما إعتبره ظاهرة صحية ) . و تجدر الأشارة إلى أن نصيب كل شريحة من هذه الشرائح غير متوفر , لكني أتوقع أن تكون شريحة المضاربة أكبر الشرائح .
بعد إستعراض الوضع في سوق العقار والتمويل العقاري في الخليج , يثور التساؤل الاَتي: ماذا بعد؟
بمقارنة الظروف السائدة في الخليج بتلك التي كانت سائدة في الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت أزمة الرهن العقاري يمكن القول دون الجزم أن بوادر أزمة مشابهه في طور التشكل في دول الخليج (بصور خاصة الإمارات وقطر) كما يمكن القول كذلك أن تأثير هذه الأزمة (من حيث العمق والإتساع ) في حال حدوثها يمكن أن يكون أكبر من تأثير نظيرتها الإمريكية كما يمكن أن يتجاوز هذا التأثير قطاع العقار إلى ما ترتبط به من قطاعات ليطال القطاع المصرفي وكذلك أسواق المال للإرتباط الوثيق فيما بينها , هذا بالإضافة إلى إن تسارع الإحداث في حالة وقوع الأزمة لا قدر الله سيكون بوتيرة أكبر بكثير مما حدث في الولايات المتحدة ذلك بسبب أن شريحة الطلب الحالي تتكون في المقام الإول من المضاربين والمستهلكين الأجانب التي يتسم وجودهم بأنه مؤقت مما يعني إن أي بوادر إنخفاض في الطلب أو مستوى الأسعار (الذي يعتبر حتمياً بعد وصول الطفرة العقارية إقصى مداها وثم تراجع مشاريع الإنشاءات وإضطرار الكثير من العمالة الأجنبية في هذا القطاع إلى المغادرة بالإضافة إلى برامج التوطين في دول الخليج التي تعتمد سياسة إحلال العمالة الوطنية ستؤدي إلى حركة هجرة عكسية ما سوف ينعكس على الطلب على الوحدات السكنية) , هذا الإنخفاض الطبيعي في الطلب يمكن أن يؤدي إلى حالة من الهلع لدى المضاربين تودي في المحصلة إلى إغراق السوق في محاولة للخروج بأقل الخسائر كما هو الحال عادة في أسواق المال مما سيؤدي في النهاية إلى إنهيارأسعار العقارات ومن ثم عجز الكثير من الملاك عن الإيفاء بإلتزامات التمويل ما يعنى حدوث أزمة لدى المصارف وشركات التمويل العقاري , وتجدر الإشارة إلى أن هذا السيناريو هو السيناريو الإسوأ (worst-case-scenario) وليس معنى ذلك أنه حتمي بل محتمل.
ما يمكن فعله لتجنب هذا السناريو القاتم هو التوقف عن زيادة المعروض والسماح للسوق بالإستيعاب التدريجي للمعروض وتقليص شريحة المضاربة وكذلك مراجعة شروط التمويل وتشديدها ورفع مستوى الضمانات المطلوبة وأخيرا أنشاء قاعدة بيانات شاملة وشفافة تحتوي على بيانات دقيقة وكافية تمكن المستثمرين من إتخاذ القرارات الصائبة
لقد قرأت المقال بعد نشرها بسنة تقريباً وقد أثارت تعجني أكثر من إعجابي كأن الكاتب كان يقرأ المستقبل من كتاب مفتوح !!!!!!!
عاد الا ها الشي الي ما اتوقعه يصير في البلاد