فاسكو دا جاما (بالبرتغالية: Vasco da Gama) (ولد في 1469 م في البرتغال وتوفي في 24 ديسمبر 1524 م في كاليكوت بالهند) يعدّ من أنجح مستكشفي البرتغال في عصر الاستكشاف الأوروبي وهو أول من سافر من أوروبا إلى الهند بحرًا.
كُلف من قبل ملك البرتغال مانويل الأول بإيجاد الأرض المسيحية في شرق آسيا وبفتح أسواقها التجارية للبرتغاليين وهو أول حاكم برتغالي للهند. قام دا جاما بمتابعة استكشاف الطريق البحرية التي وجدها سلفه بارثولوميو دياز عام 1487 م والتي تدور حول قارة أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح وذلك في أوج عهد الاستكشافات البرتغالية التي كان هنري الملاح قد بدأها.
وبالرغم من أن دا جاما نجح في إيجاد طريق للسفر بين أوروبا والهند بديل عن طريق الحرير الذي كان تحت سيطرة المسلمين في الشرق الأوسط وآسيا، إلا أنه لم ينجح بحمل أي بضائع ذات أهمية لسكان آسيا الصغرى والهند. فقد كان الطريق محفوفًا بالمخاطر ولم ينجح سوى 54 من الملاحين البالغ عددهم 107 وسفينتين من السفن الأربعة التي أبحرت معه في العودة إلى البرتغال وذلك في عام 1499 م. وبالرغم من ذلك فإن هذه الرحلات التي قام بها دا جاما أدّت إلى سيطرة الأوروبيين على القوة والتجارة البحرية لمئات من السنين، كما أدّت إلى استعمار الهند الذي جلب القوة والثروة للعرش البرتغالي والذي دام لمدّة 450 سنة.
حياته المبكرة
ولد فاسكو دا جاما لعائلة نبيلة، فقد كان والده إستفاو دا جاما، وهو حاكم ساينز في البرتغال، من عائلة الأمير فرناندو سيد فرسان سانتياغو. أما والدته فكانت من أصل إنجليزي ولها صلات قرابة بعائلة دايوغو، دوق فيسيو (ابن الملك إدوارد الأول من البرتغال) وحاكم مديرية المسيح الحربية. يقال بأنه في عام 1488 م أُدخل فاسكو مع إخوته إلى مديرية سانتياغو. ولكن في عام 1507 م انتقل فاسكو إلى مديرية المسيح الحربية تحت قيادة الملك مانويل الأول ملك البرتغال.
بدأت حياة فاسكو دا جاما المهنية عندما تم اختيار والده لقيادة حملة لفتح طرق بحرية إلى آسيا لتجنب المسلمين الذين كانوا يسيطرون على التجارة مع الهند ودول الشرق الأخرى، ولكن والده توفي في يوليو من عام 1497 م قبل القيام بالرحلة. ثم طُلب من باولو دا جاما، وهو شقيق فاسكو، أن يتولى المهمة لكنه رفض، فطُلب من فاسكو تولي القيادة فوافق
الاستكشافات قبل دا جاما
منذ بدايات القرن الخامس عشر كانت رحلات هنري الملاح ومن سار على خطاه من المستكشفين قد ساهمت في توسّع اطّلاع ومعرفة البرتغاليين بخط الساحل الإفريقي. ومع أوائل العقد 1460، كان هدف البرتغاليين الالتفاف حول القارة الإفريقية من أقصى الجنوب وذلك لتأمين طريق تجاري سهل إلى ثروات الهند (خصوصًا الفلفل الأسود والبهارات الأخرى) عن طريق البحر.
كانت هذه المحاولات قد بدأت تؤتي ثمارها عندما كان عمر دا جاما 10 سنوات. فقد كان بارثولوميو دياز قد عاد من رحلته التي بلغ فيها رأس الرجاء الصالح وتعمق حتى وصل نهر السمك (Rio do Infante) في ما يعرف اليوم بجنوب أفريقيا، وتحقق من أن الشاطيء يبدأ بالالتفاف إلى الشمال الشرقي.
كانت الاستكشافات التي تجري في نفس الوقت في عهد الملك جواو الثاني قد دعّمت الفرضية القائلة بإمكانية الوصول إلى الهند بحرًا عن طريق المحيط الأطلسي. فقد أرسل هذا الملك كلاً من السياسيين والرحالتين بيرو دا كوفيلها وأفونسو دي بايفا عن طريق برشلونة مرورًا بنابولي ثم جزيرة رودس فالإسكندرية ومن هنالك إلى عدن فمضيق هرمز وصولاً إلى الهند. وقد أكدت هذه الرحلة إمكانية الوصول إلى الهند عن طريق المحيط.
بعد التأكد من إمكانية الوصول إلى الهند بحرًا، بقي على أحد المستكشفين أن يقوم بالإبحار إلى الهند عن طريق المحيط الأطلسي للحصول على طريق تجاري واعد بالأرباح في المحيط الهندي. وُكّلت هذه المهمة -والتي كانت قد أعطيت في البداية إلى والد دا جاما- إلى فاسكو نفسه من قبل مانويل الأول. وقد كان فاسكو قد كسب سيطًا بتأمينه الحماية للمحطات التجارية البرتغالية على طول الساحل الإفريقي الذهبي من الفرنسيين.
رحلات دا جاما
الرحلة الأولى
في 8 يوليو من عام 1497 م خرج أسطول من أربع سفن من لشبونة على النحو التالي:
سفينة بقيادة فاسكو دا جاما بوزن 178 طنًا وطول 27 م وعرض 8.5 م وأشرعة بمساحة 372 م2 وعمق تحت البحر 2.3 م وطاقم من 150 ملاحًا.
سفينة بقيادة شقيقه باولو]] إلى هذا البعد. ومع كون عيد الميلاد قريبًا سُمي هذا الشاطيء الذي كانوا يعبرون بجانبه باسم ناتال، والتي تعني عيد الميلاد بالبرتغالية، وما زال يحتفظ بهذا الاسم إلى الوقت الحاضر.
الموزمبيق
مع دخول السنة الجديدة وصل الأسطول إلى ما يعرف اليوم بالموزمبيق على الشاطيء الشرقي لأفريقيا، والتي كانت جزءًا من الشبكة التجارية في المحيط الهندي. ولخوفه من أن يتخذ السكان المحليون موقفًا عدائيًا منهم لكونهم مسيحيين، تصنّع دا جاما الإسلام وتمكن من أن يقابل سلطان البلاد. لم يجد دا جاما ما يليق بتقديمه كهدية للسلطان مما كان يحمل من مواد، الأمر الذي أدى بالسكان المحليين أن يشكوا بأمرهم فهاجموهم غاضبين، فاضطر دا جاما ورجاله أن يغادروا البلاد فأبحر مبتعدا قاصفًا المدينة بالمدافع انتقامًا منهم.
مومباسا
لجئت الحملة إلى القرصنة عندما كانت بالمقربة من ما يعرف اليوم بكينيا، فقامت بنهب سفن التجارة العربية، خاصة منها غير المسلحة وبدون مدفعية ثقيلة. وبوصولهم إلى هذه النقطة، أصبح البرتغاليون أول من زار ميناء مومباسا من الأوروبيين ولكنهم قوبلوا بالسخط وما لبثوا أن غادورها.
ماليندي
بعد ذلك، تابع دا جاما رحلته شمالاً باتجاه ماليندي التي كان قادتها على خلاف مع قادة مومباسا، وهنالك لاحظت الحملة وجود التجار الهندوس لأول مرة. تعاقدت الحملة عندها مع الدليل العربي أحمد بن ماجد والذي استطاع بخبرته في رياح موسمية أن يصل بالحملة إلى كاليكوت (ما يعرف اليوم بكوزيكود) في جنوب غرب الهند.
الهند
وصلت الحملة إلى الهند في 20 مايو من عام 1498 م. تلا ذلك بعض المفاوضات مع الحاكم المحلي ساموثيري راجا والتي كانت عنيفة في بعض الأحيان نتيجة لمعارضة التجار العرب. استطاع دا جاما في النهاية أن يحصل على وثيقة مريبة تعطيهم حق التجارة في البلاد، ولكنه اضطر أن يترك جميع بضائعه كضمانة. وترك دا جاما مع البضائع بعضًا من رجاله وأمرهم أن يبدأو تجارتهم
العودة
توفي باولو دا جاما أثناء رحلة العودة في جزر الآزور. وعندما وصل دا جاما إلى البرتغال، وكان ذلك في سبتمبر 1499 م، كوفيء بجزالة لإنجاحه خطة دامت ثمان سنوات في طور التحضير. فقد قُلّد لقب أدميرال المحيط الهندي، ومنح حقوقًا إقطاعية في ساينز. وأعطي أيضًا لقب دوم (أو كونت) من قبل مانويل الأول والذي عيّن له مرتّبا مقداره 300,000 ريال سنويًا له ولذريته من بعده.
كان من نتائج رحلة دا جاما أن أدرك البرتغاليون أهمية الشاطيء الشرقي من أفريقيا لمصالحهم. فقد كانت الموانيء في هذه المنطقة توفر لهم الماء والزاد، بالإضافة إلى الخشب والمرافيء للقيام بعمليات إصلاح السفن، كما أنها توفر لهم المأوى إلى حين انقضاء الفصول الصعبة من السنة. وكان من نتائجها أيضًا أن أصبحت سلعة البهارات من العناصر الأساسية في اقتصاد البرتغال.
الرحلة الثانية
في مطلع القرن السادس عشر، كان بيدرو ألفاريس كابرال قد أرْسل إلى الهند، حيث اكتشف البرازيل في طريقه، فوجد أن التجّار الذين تركهم دا جاما قد قتلوا، وقوبل هو بمقاومة أشد دفعته لقصف كاليكوت. جلب بيدرو معه الحرير والذهب إلى البرتغال ليثبت أنه كان في الهند أيضًا. بعد ذلك بعامين، عاد دا جاما إلى الإبحار مرة ثانية، في 12 فبراير 1502 م، ولكن هذه المرة في أسطول عداده عشرون سفينة حربية لمحاولة تدعيم المصالح البرتغالية.
في طريقه، انتظر دا جاما سفينة كانت عائدة بالحجاج من مكة وقام بسلب جميع بضائعها ثم قام بحشر جميع الركاب والبالغ عددهم 380 في السفينة وأضرم بها النار. استغرقت السفينة أربعة أيام لتغرق في البحر مما أدى إلى مقتل جميع من فيها من رجال ونساء وأطفال.
قام دا جاما بعد ذلك بالاعتدء وجمع الأتاوة من ميناء كيلوا في شرق إفريقيا، وهو أحد الموانيء اللاتي استعصين أمام مخططات البرتغاليين، والذي كان وقتها أحد الولايات الإسلامية الغنية. كما عمل دا جاما على قرصنة سفن التجارة العربية، ثم حطّم أسطول من كاليكوت عداده تسع وعشرون سفينة محتلاً بذلك المدينة. طلب دا جاما من حاكم المدينة أن يُقصي جميع المسلمين من البلاد. وفي محاولة منه لإرهابهم، قام دا جاما بشنق 38 صيادًا، ثم قطّع رؤوسهم وأيديهم وأرجلهم، ثم رمى بالجثث والأشلاء لتطفوا بالقرب من الشاطيء. عرضت المدينة على دا جاما تسهيلات تجارية كبيرة مقابل السلام والصلح، وقام هو بعمليات نهب ضخمة الأمر الذي رفع من مكانته لدى حاكم البرتغال.
عند عودته، قُلّد دا جاما لقب كونت فاديغويرا وأقطعت له الأراضي فيها وفي فيلا دوس فرادس وأعطي السلطة القضائية فيهما.
الرحلة الثالثة
أرسل دا جاما مرة ثالثة إلى الهند في عام 1524 م، بعد أن اكتسب شهرةً بكونه قادرًا على حل المشاكل التي تعترضهم هناك. وكان الهدف من إرساله هذه المرة هو استبدال إدواردو دي مينيزس، الذي لم يتمتع بالكفاءة المطلوبة، ليقوم على أملاك البرتغال هناك ولكنه مات بعد وصوله إلى كاليكوت بفترة قصيرة.
دفن جثمان دا جاما في البداية في كنيسة القديس فرانسيس في مدينة كوتشي الهندية. ثم جمعت بقاياه فيما بعد وأرسلت إلى البرتغال في عام 1539 م حيث دُفنت في فاديغويرا في قبر كبير
آثاره
أنجبت زوج دا جاما، واسمها كاترينا دا أتايد، له ستة أبناء وبنت واحدة وهم: فرانسيسكو دا جاما، وكوندي دا فيديجويرا، وإستفاو دا جاما، وباولوا دا جاما، وكريستوفر دا جاما، وبيدرو دا سيلفيا دا جاما، وألفارو دا أتايدا، وإيزابل دا أتايدا دا جاما.
كان لدا جاما الفضل الأكبر، بعد هنري الملاح، في صعود البرتغال كقوة استعمارية. فإلى جانب رحلته الاستكشافية الأولى، فإن مهارة دا جاما السياسية والحربية في الجانب الآخر من العالم هي التي وضعت البرتغال في مركز متقدم في منطقة المحيط الهندي التجارية. ولذلك فقد كانت رحلات دا جاما موضوعًا أساسيًا في الملحمة الوطنية في البرتغال، لا لويسيداس التي كتبها لويس فاز دا كامويس.
أدرك حكام البرتغال بعد الرحالات الأولى لدا جاما أهمية توفير مراكز محمية على الشاطيء الشرقي لإفريقيا لتأمين تجارتهم مع الشرق الأقصى.
أُطلق اسم فاسكو دا جاما على مدينة فاسكوا دا جاما وهي ميناء بحري في ولاية غوا الهندية. كما أطلق اسمه على فوهة قمرية وعلى عدة أندية كرة قدم برازيلية ونادٍ رياضٍ في ولاية جوا الهندية.
جاء ترتيب دا جاما في المركز السادس والثمانين في قائمة أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ والتي أعدها مايكل هارت.
حدث هنالك بعض الاختلاف في عام 1998 م بسبب تردد الهند في الاحتفال بذكرى مرور خمسة قرون على وصول دا جاما إلى الهند معللين ذلك بأن هذا الحدث كان ذا تأثير سلبي كبير في تاريخهم
الإمبراطورية البرتغالية في عهد جون الثالث من البرتغال ما بين 1502 – 1557 م