تحويل الأزمة إلى فرصة لدعم النمو والازدهار آخر تحديث:الجمعة ,06/02/2009
جريدة الخليج
لا تزال تداعيات الأزمة المالية مستمرة على الصعيد العالمي، وتتكشف يوماً بعد يوم عن فصول جديدة ومدهشة ما كان بمستطاع أجرأ المراقبين أن يتوقعها حتى قبل فترة قصيرة من هذا الوقت . وإذا كانت مظاهر الأزمة في بدايتها قد انحصرت داخل القطاع المصرفي والمالي العالمي بشكل عمليات إفلاس وإنقاذ لمصارف ومؤسسات مالية عريقة وعجز هذا القطاع عن ممارسة أنشطته الاعتيادية في تمويل عمليات الإنتاج والاستهلاك، فإنها تحولت الآن إلى مؤشرات ركود تجتاح اقتصادات العالم وبالأخص منها الاقتصادات المتقدمة وتشمل غالبية القطاعات الاقتصادية وخصوصا منها الصناعية .
وفي حين تتباين التوصيفات المطروحة للأزمة الحالية وتختلف في تفسير طبيعتها ومداها وفترتها والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، إلا أنها تكاد تتفق على حقيقة أساسية تتمثل في كون تلك الأزمة هي الأكبر من نوعها التي تضرب بالاقتصاد العالمي منذ فترة الكساد العظيم في نهاية العشرينات من القرن المنصرم . ولعل أخطر ما في الأزمة المالية هو أنها، وخلافا للأزمات المالية والاقتصادية السابقة، تحدث داخل اقتصاد معولم لا يسمح لأي بلد من البلدان أو منطقة من المناطق الاقتصادية والتجارية بأن تكون في منأى عن آثارها أو حصينة من تداعياتها .
وكأي اقتصاد يمتلك غالبية مقومات الاندماج والتكامل مع الاقتصاد العالمي، فإن اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، واقتصاد إمارة أبوظبي على وجه التحديد، لم يعد مثلما كان في السابق حصينا من آثار الهزات والأزمات التي تعصف بالاقتصاد أو بالنظام المالي العالمي . على العكس من ذلك رأينا الأزمة المالية العالمية الحالية تجد انعكاسات سريعة لها بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد الوطني وعلى اقتصاد إمارة أبوظبي، وذلك عبر أزمة السيولة المصرفية والانخفاض الحاد في أسعار الأسهم المحلية، كما يتوقع لتلك الآثار أن تظهر بأشكال أخرى جديدة خصوصاً في ضوء الهبوط الحاد الذي طرأ على أسعار النفط العالمية والذي أفقدها حتى الآن نحو ثلثي قيمتها بالمقارنة مع ذروتها التي بلغتها في يوليو/ تموز من العام الماضي .
والحق يقال إن السلطات المعنية في دولة الإمارات لم تدخر حتى الآن وقتا في بذل الجهود والمساعي الرامية إلى مجابهة آثار الأزمة، سواء كان ذلك من خلال العمل على معالجة النقص في السيولة المصرفية عبر “تسهيل الطوارئ” البالغة قيمته 50 مليار درهم والذي قدمه المصرف المركزي، وفيما بعد عبر الإعلان عن ضخ 70 مليار درهم في النظام المصرفي من خلال وزارة المالية، أو من خلال الإقدام على ضمان الإيداعات في المصارف الوطنية وفروع المصارف الأجنبية العاملة في الإمارات، أو من خلال الإجراءات اللاحقة التي اتخذها المصرف المركزي والرامية إلى دعم السيولة المصرفية .
وإذا كانت تلك الخطوات قد نجحت حتى الآن في تدارك أوضاع شحة السيولة في البلاد وفي ضمان استمرار عمليات التمويل المصرفي للأفراد والمشاريع، إلا أن هناك المزيد الذي يتعين القيام به سواء على صعيد الدولة أو على صعيد إمارة أبوظبي من أجل إعادة كامل الحياة إلى النشاط المصرفي حتى ينهض بدوره الكامل في دعم عموم النشاط الاقتصادي . ويمكن القيام بذلك بفضل الاحتياطات المالية التي تتمتع بها دولة الإمارات والتي تعزز قدرتها على مواجهة الأزمة العالمية كما أكدت العديد من التقارير الدولية الصادرة مؤخرا، وآخرها تقرير مؤسسة “ميريل لينش” الصادر في بداية هذا الأسبوع .
وبقدر ما يتعلق الأمر باقتصاد إمارة أبوظبي واعتمادا على آراء العديد من كبار المصرفيين والمسؤولين في شركات التطوير العقاري الذين عمد مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي إلى الاتصال بهم ومحاورتهم خلال الفترة القريبة الماضية بهدف معرفة مواقفهم وآرائهم واقتراحاتهم بشأن السبل الكفيلة بمجابهة آثار وتداعيات الأزمة العالمية، فإن الحاجة لا تزال قائمة أمام دعم المصارف بما تحتاجه من أموال وعبر مختلف الأدوات والقنوات حتى تستطيع ممارسة دورها الاعتيادي الذي تولته خلال السنوات القليلة الماضية في تمويل المشاريع الكبرى الجارية والمخططة . وباعتراف عدد من المصرفين، فإن السيولة التي تم ضخها حتى الآن في النظام المصرفي في الدولة لا تكفي من أجل أن يستأنف القطاع المصرفي دوره ونشاطه . كما تقتضي الحاجة أيضا إلى توجيه دعم مباشر إلى الشركات بمختلف القطاعات، وخصوصا القطاع العقاري في هذا الوقت، بشكل ضخ السيولة الكافية التي تمكنها من تنفيذ مشاريعها الجارية والمخططة .
بيد أن الأهم من كل ذلك هو ضرورة العمل ليس فقط على معالجة آثار الأزمة وتدارك تداعياتها في المدى القصير بل والسعي إلى تحويل الأزمة نفسها إلى منجم من الفرص النادرة التي يمكن عبر انتهازها بذكاء واستغلالها في الوقت المناسب أن تصب وبقوة في صالح تحقيق أهداف التنويع الاقتصادي والنمو المستدام . فشأن أي أزمة حدثت على مر التاريخ، تخلق العاصفة المالية العالمية الحالية من الفرص ومن مجالات التوسع والنمو ما يفوق بكثير ما يترتب عليها من مشكلات وعقبات وخصوصاً بالنسبة إلى اقتصاد ناشئ تتسم أساسياته بالقوة والمتانة مثل اقتصاد أبوظبي . ولا تقتصر تلك الفرص على الأسواق الخارجية التي تعج الآن بالأصول الرخيصة وبالشركات القوية ولكن غير القادرة على تمويل عملياتها بل تكمن بالدرجة الأولى داخل اقتصاد الإمارة الذي بات بإمكانه الآن أن يوطد مسيرة توسعه ونموه على أسس أكثر متانة واستقراراً .
في ظل سيادة حالة التردد داخل مؤسسات التمويل الخاصة وانعكاسات ذلك على المستثمرين فإن أهم الفرص المتاحة الآن أمام اقتصاد أبوظبي ربما تتمثل في إقدام الحكومة على استغلال مواردها المالية في إطلاق حزمة تحفيز اقتصادي شاملة عبر إنفاق مباشر على مشاريع البنية التحتية والمشاريع الكبرى الأخرى . فمن شأن تلك الحزمة أن تضخ قدرا أكبر من الثقة ليس فقط بالمشاريع الجارية منها بل والمخططة أيضاً . إذ إن ترك تمويل الازدهار الحالي في قطاع البنية التحتية والمشاريع العقارية على عاتق القطاع الخاص مثلما حدث خلال السنوات القليلة الماضية، وما ترتب على ذلك من تحمل المصارف أعباء كبيرة، لم يعد يضمن سيراً سلساً لتلك المشاريع من دون عقبات، وخصوصا وسط الضغوط الحالية التي يواجهها القطاع الخاص والمصارف جراء تعثر أسواق وقنوات التمويل الدولية .
المطلوب في المرحلة الراهنة قبل كل شيء هو دعم الثقة بالمشاريع الجارية والمخططة وتجنب أي شكوك وقلق إزاءها . وليس هناك من وسيلة أفضل في الأوضاع الراهنة من استغلال الموارد المالية للحكومة في دعم وتعزيز الثقة . إذ إن قوة ومتانة اقتصاد أبوظبي، على خلاف الأوضاع الضعيفة التي تجتاح العديد من الاقتصادات المتأثرة بالأزمة، لم تعد تكفي لوحدها لضمان استمرار النمو والتوسع من دون توفر الحد الأدنى من الثقة حاضراً ومستقبلاً . فكما يظهر من خلال الهبوط الحالي في أسواق الأسهم المحلية، فإن عنصر الثقة يتعرض الآن لهزة بسبب القلق والغموض حيال المستقبل، وبالتالي فإن تدخل الحكومة بقوة عبر مواردها المالية سيعيد تلك الثقة إلى سابق قوتها ويضع بالتالي اقتصاد الإمارة على طريق النمو والازدهار .
مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي
ان شاء الله خير وسوف تعود الأيام الجميلة لسابق عهدها دائما حيث ان القيادة الرشيدة والحميدة لدولة الامارات سوف تسعى دائما لحماية كل من يعيش على ارض هذا البلد المعطاء
يالله احنا بانتظارهم على احر من الجمر