♦ حكم معاملات الصرافة والصرف والإتّجار فى العملات
فى السوق السوداء
يُثار فى هذه الآونة العديد من التساؤلات الفقهية حول أعمال الصرافة والصرف تحويل عملة إلى عملة أخرى وحكم التجارة فى العملات فى السوق السوداء ، وهذا ما سوف نتناوله بشىء من الإيجاز وبيان حكمه فى ضوء
أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .
• حكم التعامل فى سوق النقد [الصرافة] :
فى ظل سوق نقد حرة خالية من الغرر والجهالة والتدليس والغش والربا ومن كافة صور أكل أموال الناس بالباطل وتحت متابعة ومراقبة من ولى الأمر لحمايتها من الاحتكار والمقامرات والمعاملات المنهى عنها شرعاً ،
فان الأساس الشرعى هو تحرير سعر الصرف ، أى حرية العرض والعرض ، أى بلغة العصر التعويم ، وحينئذ يتحدد سعر الصرف بين العملات حسب قوة اقتصاد الدولة المصدرة للعملة والذى يعكس فيما يعكس الطلب على منتجاتها
وخدماتها فى ظل سوق تنافسية حرة ، وهذا هو الأصل فى الفقه الإسلامى ، أما إذا تيقن ولى الأمر أن هناك تلاعبات ومقامرات ومافيا خفية تسبب خللاً فى سوق النقد يترتب عليه ضرراً بالناس ، فلا يوجد حرج شرعى من
التدخل لحماية المتعاملين ولضبط المعاملات والتسعير وفقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وطبقاً للقوانين والقرارات والسياسات والنظم النقدية المتفقة مع الشرع ، ودليل ذلك القواعد الشرعية : [لا ضرر ولا
ضِرار] ، [والضرر يُزال] ، [ودفع ضرر أكبر بضرر أقل] وهذا هو الأرجح عند فقهاء المسلمين.
ويجب على ولى الأمر عند تحديد سعر الصرف أن يكون عادلاً صادقاً وأميناً ولا يبخس الناس أشياءهم ، حتى لا تظهر السوق السوداء ، وأن يعيد النظر فى السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية بما يحقق حرية سعر
الصرف مرة أخرى ، أى أن التدخل فى تحديد سعر الصرف هو الاستثناء وليس الأصل ، ويكون موقوتاً ويزول بزوال سببه .
• حكم أعمال الصرف:
الصرف هو من البيوع المباحة فى الشريعة الإسلامية ، ويقصد به فى سوق النقد استبدال نقد بنقد ، أى عملة بعملة أخرى ، وذلك لحاجة الناس إليه فى معاملاتهم بين ا لدول والأمم ، ولقد عُرِف نظام الصرف منذ قدم
الزمان وحتى قبل الإسلام ويمارسه الأفراد والشركات والمؤسسات المالية ، ويحكم الصرف فى الإسلام الأحكام الفقهية الآتية :
1. التقابض فى المجلس : أى تسليم عملة بعملة أخرى يداً بيد ، أى تقابض المتصارفان فى المجلس ، ودليل ذلك قول رسول الله r : p لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثل بمثل ولا تشقوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا
الوَرِقْ بالوَرِقْ إلا مثل بمثل ، ولا تشقوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منها غائباً بناجز i
[ البخارى ومسلم ] .
2. يجوز البيع متفاضلاً : إذا اختلف الجنسان كبيع ذهب بفضة ، أو عملة ريال بعملة دينار وهكذا ، بشرط التقابض فى المجلس وبحيث يكون يداً بيد ودليل ذلك قوله r : p بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يداً بيد i [
مسلم ] ، وقوله r : p إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد i [ مسلم ] وإذا افترق المتصارفان قبل القبض بطل الصرف .
3. يعتبر الصرف نوعاً من أنواع البيوع : ويتم بواسطة الأفراد أو محلات الصرافة أو البنوك والمؤسسات المالية ويتحقق منه ربح أو خسارة المتمثل فى فروق الأسعار بالزيادة أو النقصان ، فعلى سبيل المثال اشترى
(أ) من صرافة 100 دينار كويتى بسعر صرف 10 ريال للدينار ، ثم ارتفع سعر الصرف إلى 12 ريال ، فيكون قد ربح الفرق بين (10 و 12) ريال ، وهذا هو مفهوم التجارة فى العملات .
وهناك اختلاف بين الفقهاء : هل النقد سلعة مثل المواد الغذائية والمعادن وغيرها ، أم وحدة قياس وتقويم ؟
هناك رأيان : يرى البعض أنه سلعة ، ويرى البعض الآخر أنه ليس سلعة ولكن من حيث الأثمان التى اشترط الفقهاء أن تكون يداً بيد والتقابض فى المجلس والرأى الأرجح ليس سلعة بالمفهوم التقليدى حيث لا يجوز
التعامل فيه بالأجل ، ويحكمه ضوابط شرعية خاصة على النحو السابق ذكره ، ولكن يمكن شراء عملة معينة توقعاً لارتفاع سعر صرفها ثم بيعها وتحقيق مكسباً ، والذى يتمثل فى فرق الأسعار بالزيادة ، وهذا جائز
بالضوابط الشرعية السابق بيانها .
• حكم تحويل المدخرات من العملة الوطنية إلى عملة أجنبية لتجنب الانخفاض المستمر فى قيمة العملة الوطنية ؟
من القواعد الشرعية التى تحكم المعاملات بصفة عامة هى ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، فإذا كان تحويل المدخرات من العملة الوطنية إلى عملة أجنبية سوف يسبب ضرراً بالاقتصاد العام لأن هذا الإجراء
سوف يترتب عليه زيادة الطلب على العملة الأجنبية وزيادة العرض من العملة الوطنية وهذا يقود إلى انهيار سعر صرف الأخير وانخفاض غير حقيقى فى قيمتها وهذا يسبب ضرراً بالناس وبالدولة ، فهذا منهى عنه شرعاً
.
كما يلاحظ أن شراء العملة الأجنبية واكتنازها بدون استثمار اقتصادى نافع سوف لا يترتب عليه تنمية وهذا غير جائز شرعاً حيث أن الإسلام يحرم الاكتناز لأنه تعطيل للعملة عن أداء وظيفتها التى جُعِلت من أجلها
وهى القياس وأداة التداول .
ومن ناحية أخرى يعتبر التكالب على شراء عملة مثل الدولار لدولة تدعم الكيان الصهيونى لقتل الشعب الفلسطينى وطرده من وطنه وتدنيس المقدسات الإسلامية خيانة للدين والوطن فى نظر الإسلام ، بل الواجب شرعاً
مقاطعة الدولار وكذلك كافة المنتجات والخدمات الأمريكية إلا عند الضرورة التى تؤدى إلى الهلاك ، ولا توجد ضرورة فى شراء الكماليات والترفيات والاكتناز ودعم الدولار ، ولقد أفتى علماء الإسلام فى كافة أنحاء
العالم أن المقاطعة ضرورة شرعية وحاجة إيمانية وواجب وطنى .
وإذا كان هناك رجل أعمال يحتاج إلى رصيد من الدولارات لتسيير أعماله وأسفاره الخارجية فلا يوجد حرج شرعى من الاحتفاظ بدولارات بالقدر الذى يلزمه وبدون تجاوز له .
وإذا كان هناك بعض الناس دائماً فى سفر للخارج لمأموريات عملية أو سياحية ويتطلب ذلك الاحتفاظ بقدر من الدولارات ويصعب تدبيرها عند الاحتياج إليها فليس عليهم حرج .
وبصفة عامة يجوز الاحتفاظ بعملة الدولارات عند الضرورة والتى تُقاس بقدرها ، أما الاحتفاظ به لتجنب انخفاض قيمة العملة الوطنية فهذا منهى عنه شرعاً .
• حكم الإتجار فى العملات فى السوق السوداء [الخفية]
الأصل فى سوق النقد وأعمال الصرافة حرية التعامل فى سوق خالية من الغرر والجهالة والغش والاحتكار والتكتلات والمقامرة والربا والكذب والإشاعات المغرضة ، وفى ظل سوق حرة طاهرة يتحدد سعر الصرف حسب قوى العرض
والطلب بدون تدخل من ولى الأمر .
ولكن إذا رأى ولى الأمر أنه قد حدث خللاً فى سوق النقد يترتب عليه عدم التوازن بين قوى العرض والطلب وسوف يترتب عليه ضرراً بالمتعاملين يجوز له أن يحدد سعر صرف رسمى ، وهذا عند فريق من الفقهاء وعلى خلاف من
الفريق الآخر الذى يرى عدم جواز التسعير من قبل ولى الأمر ، والذى نراه إذا كان ولى الأمر رشيداً فى قراراته وسياساته ورُوعى فيها المصلحة العامة الصادقة وكان مخلصاً لوطنه وليس استجابة لضغوط أشخاص أو فئات
، فليس هناك من حرج شرعى للتسعير .
وفى حالة تحديد سعر الصرف العادل الذى لا وكس فيه ولا شطط من قِبل ولى الأمر لتحقيق مصلحة عامة معتبرة شرعاً يجب الالتزام به من قِبل الناس جميعاً وتفرض عقوبة عادلة على جميع من لا يلتزمون به ويتعاملون فى
السوق الخفية بسعر صرف أعلى لأن التهاون فى ذلك سوف يحدث ضرراً بالاقتصاد العام وبالأفراد ، وتجنى عصابة تجار العملة فى السوق الخفية
[السوداء] مكاسب غير جائزة شرعاً [سحت وأكل أموال الناس بالباطل] ، ولا يجب على ولى الأمر فى كل الأحوال أن يحدد سعر صرف غير عادل ، كما لا يجب عليه أن يطبق عقوبة التعامل فى السوق الخفية على فئة دون أخرى
، أو على فرد دون آخر مجاملة أو تحيزاً أو لتحقيق مآرب أخرى.