وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت،
وأما الدمان فالطحال والكبد أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف .
معنى الحديث:
أن الميتة محرمة، والدم محرم بنص القرآن إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وربنا -جل وعلا- أحل لهذه الأمة نوعين من الميتة، ونوعين من الدم، فأما الميتة: فالجراد والحوت، يعني: إذا وجد
الجراد ميتا أو حيا وأنت جعلته ميتا فإنه يؤكل ولا بأس بذلك، يعني: أنه ليس له ذكاة، وكذلك الحوت والسمك وأنواع ميتة البحر فإنها كذلك مباحة، ويخص بها عموم الآية، وكذلك الدم محرم، ولكن الكبد والطحال مع
كونهما دمين فإنهما يخصان من حرمة الدم هذا معنى الحديث.
أما لغة الحديث: فقوله أحلت لنا: يعني جعلت هاتين حلالا لنا، يعني: أن أكلها ليس بمحرم بل هو حلال فلفظ أحلت يفهم منه أنه سبق التحريم لذلك ويفهم منه أن المحل لذلك هو الله -جل وعلا-.
ثالثا: درجة الحديث:
الحديث ذكر الحافظ في تخريجه قال أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف، ووجه ضعفه أن الحديث في إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو معروف عند أهل العلم بضعف حفظه، فربما كثر منه الغلط ورفع الموقوفات وأشباه
ذلك مما جعله لا يحتج به، فإذا سبب ضعف الحديث أو علة الحديث هو أن في إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، وروي من غير طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم موقوفا على ابن عمر، وهذا هو الصحيح، فرفعه
ضعيف، والصواب والصحيح أنه موقوف على ابن عمر فيكون الحديث من كلام ابن عمر أن ابن عمر قال: أحلت لنا ميتتان ودمان وإذا كان ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أحلت لنا" ومعنى ذلك أن المحل لذلك هو رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بهذا من جهة الحكم، فالرواية مرفوعة والموقوفة مؤداها واحد.
رابعا: من أحكام الحديث:
أن ميتة الجراد حلال أكلها، وهذا يعم ما إذا كان الجراد مات بنفسه أو أماته الإنسان، والذين يأكلون الجراد يجمعونه حيا، ثم يجعلونه في القدر حيا ويكاثرون عليه الماء ويغلونه حتى يموت في القدر، وإذا أفاد
الحديث أن ميتة الجراد مباحة وحلال، وهذا يعم الصورتين ما إذا مات بنفسه أو أماته الإنسان؛ لأنه لا ذكاة له وكذلك الحوت، والحوت أحلت ميتته لا لخصوص كونه حوتا وإنما لأجل أنه من ميتة البحر، فكل حيوان يعيش
في البحر فإذا مات فإنه يباح أكله ويحل دون ذكاة سواء أمات في البحر وطفا أو مات أو خرج إلى البر ومات فيه وهذا إذا كان مما لا يعيش إلا في البحر، أما الحيوان الذي يعيش في البر وفي البحر فله حكم
آخر.
قال في فائدة ثالثة: في إباحة الدمين الكبد والطحال.
الكبد دم متجمد والطحال كذلك دم متجمد، والدما التي في الحيوان محرم أكلها بنص الآية، فاستثني من المحرم الكبد والطحال؛ لكونهما يحتاج إليهما، ولأن تجمد الدم فيها أخرجه عن كونه دما مسفوحا، وهذا الدم
بعمومه بما يحرم من الدم اختلف العلماء هل يحرم كل دم أم إنما يحرم الدم المسفوح، والصحيح أن الذي يحرم هو الدم المسفوح، أما الدم المتردد في العروق أو الذي إذا ذبحت الذبيحة يبقى بين أنسجتها، وإذا طبخت
بقي فيها نوع دم فهذا لا يحرم؛ لأنه كان يوجد مثل ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فرخص الصحابة فيه.
فإذن الذي يحرم وهو من أشد المحرمات أن يشرب الدم المسفوح، وهو السائل الذي يكون بعد ذبح الذبيحة، وهذا يتعاطاه بعض الجهلة وبعض ذوي النفوس الخبيثة وهو من أشد المحرمات في الأطعمة، هو شرب الدم المسفوح، أما
غير المسفوح فإنه لا بأس به على الصحيح كما ذكرت لكم. نعم.
المصدر
http://www.taimiah.org/Display.asp?t=book07&f=blm0012.htm&pid=1