السؤال
ما صحة حديث أن من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة وقاه الله عذاب القبر؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فهذا تخريج لحديث : "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".
وبيان لدرجته التي خلاصتها : أنه حديث ضعيف ، لا يصح من طريق ، ولا يتقوى بمجموع طرقه، وهذا ظاهر صنيع البخاري -رحمه الله -؛ حين ترجم في كتاب الجنائز من "صحيحه" (3/253- الفتح) بقوله : (باب موت يوم
الإثنين) .
ثم أخرج برقم ( 1387 ) حديث موت أبي بكر –رضي الله عنه-، فقال : حدثنا مُعَلّى بن أسد ؛ قال : حدثنا وُهَيْب ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : دخلت على أبي بكر –رضي الله عنه- ،
فقال : في كم كَفّنْتم النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ قالت : في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحولِيّة، ليس فيها قميص ولا عمامة .
وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: يوم الإثنين، قال : فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين، قال : أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه به رَدْعٌ من زعفران
، فقال : اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفِّنوني فيها . قلت : إن هذا خَلِق ، قال : إن الحيّ أحقّ بالجديد من الميت ، إنما هو للمُهْلَة . فلم يُتَوَفّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ، ودُفِن قبل أن
يصبح .
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 3/253) : قوله : "باب موت يوم الإثنين" : قال الزين ابن المنيِّر : تعيين وقت الموت ليس لأحد فيه اختيار ، لكن في التسبب في حصوله مدخل ؛ كالرغبة إلى الله لقصد التبرك ،
فمن لم تحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده .
وكأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري ، فاقتصر على ما وافق شرطه ، وأشار إلى ترجيحه على غيره .
والحديث الذي أشار إليه [ يعني : ابن الْمُنَيِّر ] أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- مرفوعًا : "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر" ، وفي إسناده
ضعف ، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس –رضي الله عنه- نحوه وإسناده أضعف. اهـ .
وقال العيني في "عمدة القاري" ( 8 / 218 ) : أي : هذا باب في بيان فضل الموت يوم الإثنين . فإن قلت : ليس لأحد اختيار في تعيين وقت الموت ، فما وجه هذا ؟ قلت : له مدخل في التسبب في حصوله ؛ بأن يرغب إلى
الله لقصد التبرك ، فإن أجيب فخير حصل ، وإلا يثاب على اعتقاده . اهـ .
وقال عن مناسبة الحديث للترجمة : (مطابقته للترجمة : من حيث إن النبي – صلى الله عليه وسلم- كانت وفاته يوم الإثنين ، فمن مات يوم الإثنين يرجى له الخير لموافقة يوم وفاته يوم وفاة النبي – صلى الله عليه
وسلم- ، فظهرت له مزيّة على غيره من الأيام بهذا الاعتبار ...) .
ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- الذي ذكره ابن حجر ، ثم قال : (فلذلك لم يذكره البخاري فاقتصر على ما وافق شرطه).
وحديث فضل الموت يوم الجمعة هذا ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وأنس ، وجابر –رضي الله عنه-.
أما حديث عبد الله بن عمرو : فأخرجه الإمام أحمد في (المسند 2/169) ، والترمذي في "الجامع" (1074) والطحاوي في (شرح مشكل الآثار ص277) ، وابن منده في " تعزية المسلم ص 108 ) من طريق هشام بن سعد ، عن سعيد
ابن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد الله بن عمرو ؛ قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".
وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف 5596) عن ابن جريج ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبدالله بن عمرو –رضي الله عنهما- عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال : "برئ من فتنة القبر".
وابن جريج معروف بالتدليس ، ولم يصرح هنا بالسماع .
قال الترمذي : (هذا حديث غريب) ؛ يعني أنه ضعيف ، يوضحه قوله بعد ذلك : (وهذا حديث ليس إسناده بمتصل ؛ ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الْحُبُلي ، عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- ، ولا نعرف
لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-) .
وقد خولف هشام بن سعد في هذا الإسناد ، فرواه الليث بن سعد ، واختلف عليه .
فأخرجه الطحاوي في (شرح المشكل ص 279 ) من طريق يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن الليث ، عن ربيعة بن سيف : أن عبد الرحمن بن قحزم أخبره : أن ابنًا لفياض بن عقبة توفي يوم جمعة ، فاشتد وجده
عليه ، فقال له رجل من أهل الصدق : يا أبا يحيى ، ألا أبشرك بشيء سمعته من عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- سمعته يقول : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول ... ، فذكره .
ثم أخرجه الطحاوي (280 ) فقال : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ؛ حدثنا أبي وشعيب بن الليث ، عن الليث ؛ حدثنا خالد _ يعني ابن يزيد _ ، عن ابن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف : أن عبد الرحمن بن قحزم
أخبره : أن ابنًا لفياض بن عقبة ، ثم ذكر مثله سواء .
وأخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر ص 155) من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وأبي بكر _ غير منسوب _ ، كلاهما عن الليث بمثل رواية ابن عبد الحكم .
وكان الطحاوي أعلّ الحديث أوّلاً ( 1/ 250 ) بمثل إعلال الترمذي ، ثم قال : عن هذا الإسناد : (وزاد [ يعني ابن عبد الحكم ] على يونس في إسناده إدخاله بين الليث وبين ربيعة بن سيف : خالد بن يزيد وسعيد ابن
أبي هلال ، وهو أشبه عندنا بالصواب _ والله أعلم _ ، فوقفنا بذلك على فساد إسناد هذا الحديث ، وأنه لا يجوز لمثله إخراج شيء مما يوجب حديث عائشة –رضي الله عنها- دخوله فيه).
وحديث عائشة –رضي الله عنها- الذي ذكره الطحاوي هو الحديث الأصل الذي أورده في أول الباب ، وهو قوله –صلى الله عليه وسلم-: "إن للقبر لضغطة ، لو كان أحد ناجيًا منها ؛ نجا سعد بن معاذ"، ولأجله ضعّف حديث
عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- الذي فيه : "وقاه الله فتنة القبر".
ومع ما تقدم من العلل : فإن ربيعة وإن كان صدوقًا ، فإنه ضعيف من قبل حفظه ، فقد قال عنه البخاري في (التاريخ الكبير 3/290 ) : (( عنده مناكير )) ، وقال في (الأوسط) (1464): ((وروى ربيعة بن سيف المعافري
الإسكندراني أحاديث لا يتابع عليه )) ، وقال النسائي في رواية: ((ليس به بأس )) ، وقال في أخرى : (( ضعيف )) ، وقال الدارقطني في (سؤالات البرقاني ص 153): ((صالح )) ، وذكره ابن حبان في (الثقات 6/301) ،
وقال : (( يخطئ كثيرًا )) ، وقال ابن يونس : (( في حديثه مناكير )) ، وقال العجلي في (تاريخه) ( 463 ) : (( ثقة )) . انظر (تهذيب التهذيب ص3/ 221) .
وقد عدّ الذهبي هذا الحديث من مناكير هشام بن سعد ، حين قال في (الميزان 7/81 ) : (ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف ... ) ، ثم ذكر هذا الحديث .
وله طريق آخر عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما- : أخرجه الإمام أحمد ( 2/176و220 رقم 6646 و7050 ) ، وعبد بن حميد ( 323 ) والطبراني في (الأوسط، 3107)، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" كما في (أطرافه،
3585) ، وابن منده في (تعزية المسلم ص 106 و 107 ) ، والبيهقي في (إثبات عذاب القبر، ص 156 ) من طريق معاوية بن سعيد التجيبي ، عن أبي قَبيل ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما-قال قال رسول
الله – صلى الله عليه وسلم- : "من مات في يوم الجمعة _ أو ليلة الجمعة _ وُقي فتنة القبر".
قال الدارقطني : (تفرد به معاوية بن سعيد ، عن أبي قبيل) .
وسنده ضعيف ؛ فيه معاوية بن سعيد التجيبي ولم يوثق من إمام معتبر ، وإنما ذكره البخاري في (تاريخه 7 / 334 رقم 1441 ) ، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 8/384 رقم 1755)، وسكتا عنه ، وذكره ابن حبان في
(الثقات 9/166 ) وقال : (من أهل مصر يروي المقاطيع)، ولذا قال عنه ابن حجر في (التقريب 6757 ) : (مقبول).
وروي موقوفًا على عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-: أخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر ص 157) من طريق ابن وهب ؛ أخبرني ابن لهيعة ، عن سنان بن عبد الرحمن الصدفي : أن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي
الله عنهما- كان يقول : من توفي يوم الجمعة _ أو ليلة الجمعة _ وُقي الفتان .
وأما حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه-: فأخرجه أبو يعلى (4113 ) _ ومن طريقه ابن عدي في "الكامل ص 7/ 92 ) _ من طريق عبد الله بن جعفر ، عن واقد بن سلامة ، عن يزيد بن أبان الرقاشي ، عن أنس بن مالك –رضي
الله عنه- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "من مات يوم الجمعة وقي عذاب القبر".
وسنده ضعيف جدًّا ؛ فيه يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف كما في "التقريب ص 7683 ) .
والراوي عنه واقد _ ويقال : وافد ( بالفاء ) _ ابن سلامة وهو ضعيف أيضًا . انظر لسان الميزان 6/215 رقم 754 ) .
والراوي عنه عبد الله بن جعفر يظهر أنه والد علي بن المديني ، وهو ضعيف أيضًا كما في "التقريب 3255) .
وله طريق أخرى أخرجها ابن منده في "تعزية المسلم 109 ) من طريق الحسين ابن علوان، عن أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : "لا ينجو من ضغطة القبر
إلا شهيد أو مصلوب أو من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة".
لكنها متابعة أوهى من سابقتها ، فالحسين بن علو