النبي صلى الله عليه وسلم لما أشتد عليه أذى المشركين من مكة عرض نفسه على القبائل في موسم الحج وطلب منها ان تحميه وتناصره حتى يبلغ رسالة ربه ولهم بذلك الجنة واستمر على ذلك عشر
سنين، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يجد من يجيبه حتى حج نفر من الخزرج من أهل المدينة، وكان جيرانهم من اليهود يحدثونهم عن مبعث رسول قريب ويتوعدونهم بأنهم سيقاتلونهم، كما قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ
كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى
الْكَافِرِينَ)(البقرة : 89) ففرح هؤلاء النفر وقالوا: هذا النبي الذي توعدكم به يهود فلا يسبقوكم إليه فآمنوا به وبايعوه عند العقبة، فكانوا القدوة الأولى التي دفعت أهل يثرب للإيمان به ونصرته، وفي العام
الثاني قدم اثنا عشر شخصا بايعوا الرسول الكريم صلوات الله عليه، على ألا يشركوا بالله ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم، ثم كانت بيعة العقبة الثانية، والتي فيها نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا
هاجر إليهم، والسمع والطاعة في المنشط والمكره والنفقة في العسر واليسر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وان يقولوا الحق ولا يخشوا في الله لومة لائم، وأن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحمونه،
وأنهم سيقاتلون الأحمر والأسود، وقد تنتهك الأموال ويقتل الأشراف وكل ذلك نتائج متوقعة لهم مقابل دخولهم الجنة الموعودة.
التخطيط للهجرة
أما التخطيط للهجرة، فعندما جاء الإذن للنبي صلى الله عليه وسلم، كان أبو بكر رضي الله عنه قد علف راحلتين استعدادا لذلك، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة مقنعاً، حتى لا يعرفه احد، وأعدت أسماء
بنت أبي بكر رضي الله عنهما الزاد، وشقت نطاقها وربطت به الجراب، ولذلك سميت ذات النطاقين، وانطلق الرسول الكريم عليه صلوات الله ومعه أبو بكر وذهبا إلى غار ثور ومكثا فيه ثلاث ليال، وكان عبد الله بن أبي
بكر يبيت معهما وفي النهار يخالط قريشا ليعرف نوايا كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يرعى الغنم ويمر بها عليهما فيحلبان من لبنها، وكان ابن أريقط الدليل الذي أستأجره
أبو بكر على موعد فأتى بالراحلتين فركبا وانطلقا إلى طريق الساحل، وسمع أهل يثرب بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا ينتظرونه كل يوم، ولا يردهم إلا حر الشمس، حتى كان ذلك اليوم الذي رآهم فيه رجل
يهودي، وعليهما ثياب بيض، كساهما بها الزبير حين لقيهما في الطريق، فبشر ذلك اليهودي الأنصار بقدومه، وكان ذلك يوم الاثنين فوصل صلى الله عليه وسلم بسلامة الله وحفظه إلى المدينة المنورة.
أهمية الهجرة واعتماد التاريخ الهجري
وأما أهمية الهجرة في التاريخ الإسلامي، فإنها لم تكن مجرد نجاة من عدو او خروج من محنة، بل كانت فاتحة تاريخ جديد وابتداء وجود قوة مسلمة في الأرض، وصار التاريخ الهجري هو سمة هذه الأمة على مدار القرون،
وكان ابتداء التاريخ الهجري عندما رفع لعمر بن الخطاب أمير المؤمنين رضي الله عنه، صك مؤرخ في شعبان، فقال شعبان هذه السنة أم الماضية أم الآتية، فجمع الصحابة الكرام لوضع تاريخ يعرفون به الديون
فاتفقوا على ان يؤرخوا لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقد كان من الآراء أن يؤرخوا بتاريخ الفرس او الروم او بمولده او بمبعثه او بوفاته صلى الله عليه وسلم.
تحديث للسؤال برقم 1
أهم الدروس المستفادة من أحداث الهجرة
1- شرع الله الهجرة ليعبد المسلمون ربهم بأمان ويقيموا كيان دولة إسلامية مما هيأ لهم نشر هذا الدين.
2- الأخذ بالأسباب واخذ جميع الاحتياطات تشريعا للأمة وان ذلك لا يتنافى مع التوكل على الله والاعتماد عليه.
3- نوم سيدنا علي رضي الله عنه على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة يدل على إيمانه وشجاعته، وبدل على جواز خداع العدو فالحرب خدعة.
4- إن الله تعالى أجرى معجزات كثيرة على يد رسوله أثناء الهجرة لينصره ويمكن له من الأرض.
5- الدور الذي قام به سيدنا أبو بكر رضي الله عنه في الهجرة أثنى الله عليه في القرآن الكريم فقال(إلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ
هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة: 40).
الحقيقة الدولية – خاص – إعداد الدكتور تيسير الفتياني
تحديث للسؤال برقم 2
موقع جميل جدا samsoma شكرا