في نفس التوقيت من كل عام، يتم إخراج عدنان قصار من مهجعه في سجن تدمر، ليُعذب ويسحق تحت البساطير، ليترك على هيئة بقايا جسد.. لم يكن يدري لماذا يختار
سجانوه هذا التوقيت بالتحديد.. استغرق الأمر أكثر من خمس سنوات حتى علم من معتقل جديد أن موعد تعذيبه هو ذكرى وفاة باسل الأسد.. فأدرك أنَّ لعنة "المعلم" تلاحقه حتى بعد رحيل باسل..
الخيل والفروسية..عشقه وشقاه
كان عدنان محمد عدنان توفيق قصار كابتن المنتخب السوري للفروسية في عام 1992، ولم يكن لقب كابتن وفارس أمراً مستغرباً على عائلته الدمشقية، التي هوت الخيل وربته منذ أجدادها، حتى أنه وفقاً لحديث دار بين
الكابتن قصار، والمعتقل السابق د.س، يعود لعائلة قصار الفضل في تأسيس نادي الفروسية في الديماس..
كان الكابتن عدنان يعيش شغفه إلى أقصاه، فهو وأخوته لا يغادرون النادي، إلى أن بدأ الكابوس بدخول باسل الأسد إلى نادي الفروسية.
بسبب غيرة باسل الأسد وقلة خبرته.. يُسجن عدنان
وفقاً لعدنان قصار كان باسل الأسد لا يدري الكثير عن مهارات الفروسية ولا عن كيفية التعامل مع الخيل، ورغم ذلك أراد فرض نفسه ورأيه على النادي، وحيث صار يتدرب ويتصرف على أساس أنه فارس متمرس، ويملي
تعليماته على المنتخب، مما أزعج عدنان، خاصة عندما بدأ باسل الأسد يتدخل في تفاصيل المنتخب، ويحدد نوعية الخيول التي يريد شرائها للمنتخب، وانتقاء الخيل حسب عدنان، أمر بغاية التعقيد وبحاجة إلى خبرة كبيرة
في مجال الأحصنة، فكانت هذه بداية الخلاف بينهما.
وحسب ما روى قصار للمعتقل السابق "د.س"، فإنه في هذه الفترة كان يلعب مع المنتخب السوري، وحصل على العديد من الجوائز على مستوى المتوسط، مما زاد من حقد باسل الأسد عليه.
أما نقطة الفصل في خلافهما، فكانت أثناء دورة المتوسط 1992، حيث المنافسة شديدة بين الفرق، ومن المعروف أنَّ الفوز في لعبة الفروسية يكون من خلال تجميع كل فريق لنقاط يحصلها فرسانه، وحكى قصار لـ "د.س" ما
حدث يومها، عندما ارتكب باسل أكثر من خطأ مما سبب خسارة كبيرة في نقاط الفريق، في حين تمكن عدنان أثناء جولته من رفع معدل الفريق ولم يرتكب ولا خطأً، وفاز وقتها الفريق السوري بسببه، وحصل عدنان على شارة
الكابتن من باسل الأسد.. إلا أن باسل بعد هذه الحادثة لم يخجل من فشله، بل ازداد تطاولاً على عدنان وعلى الفريق، وبعد مرور عام على الحادثة كان عدنان في النادي، ينتظر خروج باسل الأسد من الحلبة، ومعه حقيبة
فيها مستلزماته، ولكن بعد دخول عدنان إلى الحلبة بدقائق، تفاجأ بالأمن داخل الحلبة يعتقلونه من على حصانه.
تحديث للسؤال برقم 1
"المعلم" يمّن على الكابتن لأنه لم يعدمه
يحكي "د.س" لـ"زمان الوصل" أنَّ الأمن عندما حقق مع قصار، سأله إن كانت الحقيبة تخصه، فأخبره بنعم، ففتحوها وكانت ممتلئة بالمتفجرات، كما أُلصقت به تهمة محاولة اغتيال باسل الأسد، وتهمة حيازة متفجرات
في سيارته.. نُقل بعد التحقيق من الأمن العسكري إلى سجن صيدنايا حيث بقي هناك 11 شهراً، في جناح يُدعى "الباب الأسود"وهو عبارة عن مهجع مخصص للمعتقلين المعزولين.. ويشير "د.س" إلى أنَّ قصار لم يتعرض للضرب
أو التعذيب أثناء التحقيق، إلا أنه بعد أن أنكر التهم الموجهة إليه، قالوا له سنراجع "المعلم" بحكم الزمالة التي تجمعكما، فأرسل له باسل الأسد خبراً جاء فيه :"ما قمت به شيئاً كبيراً، ولولا الخبز والملح
الذي يجمعنا، لكنت أعدمتك في ساحة العباسيين، إلا أنني سأعفو عن إعدامك!".
إلى سجن تدمر.. رحلة العذاب التي لا تنتهي
يصف "د.س" عدنان بأنه فارس حتى بصفاته وبقدرته على تمالك نفسه، فالسجن لم يتمكن من النيل من عزة نفسه، على الرغم من الأهوال التي مرت عليه.. ويصف "د.س" جزءاً من هذه الأهوال، مبيناً أنه بعد مرور شهر على
وجود قصار في مهجع "الباب الأسود" دخل إلى المهجع ما يزيد عن العشرة عساكر، كبلوه وأغلقوا عينيه، وضعوه في كيس خيش، في ساحة السجن، وبدؤوا بضربه لأكثر من ست ساعات متواصلة، متسببين بكسورٍ في سائر أنحاء
جسده، كما كُسر فكه السفلي بشكل كامل، ومن ثم رحلّوه وهو يغرق بدمه في الكيس إلى سجن تدمر، حيث أبقوه فترة طويلة في السجن الانفرادي ثم وضعوه مع الإخوان المسلمين.
رفض قصار الموت البطيء الذي يتسلل إلى أجساد مساجين تدمر، وعلى الرغم من أن عذاب باسل الأسد ظل يلاحقه، قرر الاستفادة من كونه خريجا لقسم اللغة الإنجليزية في بريطانيا، فبدأ بتدريس المعتقلين الإنجليزية
مشافهة في تدمر، نظراً لعدم وجود أوراق وأقلام، وبعد فترة صنع مع سجين آخر لوحاً مكوّناً من قطعة ثياب وكيس خبز ودهنوه ببقايا الطعام، ويُكتب عليه بالإصبع.
تحديث للسؤال برقم 2
بشار الأسد.. نصح أهله بانتظار باسل لمحاكمة عدنان
ضمن خطة بشار الأسد "الإصلاحية" إغلاق سجن تدمر عام 2000، ونقل السجناء إلى صيدنايا، حيث تحققت نقلة نوعية في حياة عدنان، لأن الأمن أعفاه من التعذيب في ذكرى وفاة باسل، وبعد سنوات عديدة تمكّن أهل عدنان من
الوصول إلى بشار الأسد عن طريق اتحاد الفروسية الدولي، وطلبوا منه إطلاق سراح عدنان فرد عليهم: الذي حبسه يحاكمه، ويقرر ما إن كان يستحق الحرية أم لا!!
يقول "د.س": إن الحرية تتجسد عند عدنان بركوب الخيل، فطالما يحلم بأنه يقود الفرس من جديد، ولذلك يحافظ قصار على لياقته الجسدية في السجن، على أمل أن يخرج ويعود إلى ركوب الخيل.
يقضي قصار وقته بتنظيم دورات لتعليم المعتقلين اللغة الإنجليزية، ولذلك يريد الجميع حسب "د.س" مصادقته ورد المعروف له، إلا أنه يرفض أن يستعير من السجناء أي شيء حتى الملح!..وهو أب لولدين شاب وفتاة، انحرم
من رؤيتهما منذ عام 1993 حتى 2005 لأن الزيارات كانت ممنوعة، ويحز في نفسه أن ولديه تربيا كأنهما يتيمين، ولأنه يتمنى أن يكون ابنه فارساً مثله، حقق له ابنه أمنيته.
ويهوى عدنان قصار -الموجود حالياً في سجن عدرا- رسم الخيول بالفحم، وهو ينحت الخيول بالصابون العسكري.
والجدير بالذكر أنّ عائلته لم تنج من غضب باسل الأسد عليها، حيث اضطر أخوه للهرب إلى الأردن، وهو مدرب المنتخب الأردني للفروسية.