التكنولـوجيا, هذا المصطلح الذي كلما سمعه الواحد منا، إلا و خطر على باله الأرقام الكثيرة و المعادلات المعقدة أو الآلات الضخمة أو الأجهزة الإلكترونية الدقيقة,
و لتوضيح هذا المصطلح و تبيين معناه و علاقته مع العلم و كيف نحمي الملكية الصناعية نطرح السؤال التالي: ما هي مصادر التكنولوجيا و كيف نشجعها ؟
إن هذه الإشكالية تقودنا إلى الإجابة عن أسئلة أخرى جزئية تتفرع منها, هذه الأسئلة هي:
- ما معنى العلم ؟
- ما معنى التكنولوجيا ؟
- ما العلاقة بينهما, و هل هي موجودة ؟
- ما هي النظريات التي تناولت التكنولوجيا ؟
- بأي طريقة نحمي الملكية الصناعية, و كيف يؤثر هذا على التقدم الصناعي ؟
يمكن أن نجيب إجابات مبدئية عن هذه الأسئلة و ذلك بصياغة الفرضيات التالية:
- مصدر التكنولوجيا هو العلم بالدرجة الأولى.
- التكنولوجيا مصطلح جديد ذو معنى قديم له جذور في تاريخ البشرية.
- العلاقة بين العلم و التكنولوجيا هي موجودة, فكل منهما يؤثر و يتأثر بالآخر .
- عن طريق نظام خاص بالملكية الصناعية يمكن حماية المخترع و المبدع و تشجيع التقدم الصناعي.
و يمكن إدراك أهمية هذا البحث من خلال أهمية التكنولوجيا في الحياة الإقتصادية و الإجتماعية, حيث يمكن المؤسسة أن تفقد مكانها في السوق نظراً لعدم تجديد وسائلها أو لعدم إبداع منتوج أو طرق إنتاجية
جـديدة.
و أتطلع من خلال هذا البحث المتواضع إلى:
- إيضاح المعنى الفعلي للتكنولوجيا.
- التحسيس بأهمية هذا الموضوع و ضرورة البحث فيه.
- رفع كفاءة الباحث.
بغية الحصول على بحث في المستوى, اتبعت الخطوات التالية:
ينقسم البحث إلى ثلاثة مباحث, حاولت في المبحث الأول أن أشرح معنى العلم و معنى التكنولوجيا, و هل هي مصطلح قديم أم جديد, و ما العلاقة التي تربطها بالعلم, ثم تناولت في المبحث الثاني نظريات الجذب و الدفع,
تعريفها, و النقائص التي تعاني منها, و كيف نقيس التقدم التكنولوجي.
و المبحث الأخير فيه تعريف نظام الملكية الصناعية, و من ماذا يتكون, و ما هو أثره على التقدم الإقتصادي بصفة عامة.
المبحث الأول: علاقة العلم بالتكنولوجيا
المطلب الأول: معنى العلم
هو تنظيم معرفي يستهدف الوقوع على الحقائق الخاصة بطابع الأشياء و العلاقات الثابتة بين الموضوعات التي تنتمي إلى مجال دراسي محدّد.
و التفسيرات الحديثة ترى أنّ العلم هو الإدراك الكلي و المركب لحقائق الأشياء, عكس المعرفة التي تطلق على الإدراك الجزئي, و كثيرا ما يتعارض العقل مع ما تدركه الحواس فيأتي العلم ليوضح حقيقة الموضوعات,
ليشرح حقائق الأشياء بإعطاء تفسير علمي دقيق للظواهر عن طريق الأبحاث و الدراسات العلمية و التجارب معتمداً على القوانين و النظريات, و مثال على هذا شعورنا بأن الأرض مسطحة و ساكنة لكن العلم أثبت أنها
بيضوية و تدور حول محورها و حول الشمس.
يمكن تعريف العلم كذلك بأنه أسلوب في التفكير و التحليل و العمل على أساس مبادئ مضبوطة و متفق عليها.
هناك مجالات متعددة للعلم يمكن تقسيمها إلى قسمين, الأول هو مجال الدراسات الإنسانية و هو مجموعة العلوم التي أصطلح على تسميتها بالعلوم النظرية, مثل علم النفس, علم الإجتماع, أما القسم الثاني فهو مجال
الدراسات التطبيقية و يهتم بفهم الظواهر الفلكية و الطبيعية و الكيماوية و الفيزيولوجية من حيث كونها موضوعا للقوانين الطبيعية الثابتة.
المطلب الثاني: معنى التكنولوجيا
من الخطأ أن نربط بين مصطلح التكنولوجيا و الاختراعات الحديثة, و ذلك باعتبار أن المنظور التاريخي يقول أنها لن تكون آخر المخترعات في سلسلة تطور مراحل المجتمع الإنساني, و بالتالي فإن التكنولوجيا بمعنى كل
ما يستعين به الإنسان للقيام بأعماله, لتعين أعضاؤه و قواه الحسمية قد وجدت منذ البداية مع الإنسان, كما ارتبط معناها و مضمونها بطبيعة المرحلة التاريخية و مستوى تطور الحياة الإجتماعية, إلا أنه يجب أن
يأخذ في الإعتبار بأن نوعية الوسائل التي يعتمد عليها لسد هذا العجز تتغير في طبيعتها و في مداها تبعاً لظروف كل عنصر, و البعد الإجتماعي له دور كبير في تحديد مستوى التكنولوجيا المطلوبة و المتوافقة مع
مستوى العصر لتتماشى مع قدرات الإنسان و الوفاء باحتياجاته.
مثلا: اليونان قديما لم تكن في حاجة إلى التكنولوجيا الخاصة بالآلات رغم وجود قدرات علمية عالية المستوى, مثل أرخميدس, نظرا لوجود قوة عمل متمثلة في العبيد, و عموما يمكن تعريف التكنولوجيا كالتالي:
عرّف Emmanuel G - Mesthene التكنولوجيا: "مجموع الوسائل التي يصيغها الإنسان و يستخدمها لصنع و القيام بأشياء بواسطتها".
و أضاف François Russo بأن: "معرفة عضوية المؤسسة على مبادئ تقنية ما ليست إذاً تكنولوجيا إذا ظهرت كمنهج, التكنولوجيا تعارض التقنية التجريبية التي يمكن أن نعرّف على أنها تطبيق يعتمد على قواعد غير
منتظمة".
التكنولوجيا مجموعة من العناصر تمزج فيما بينها و هذه العناصر هي: تدوين القوانين, الشرح, التركيب, الاختراع.
التكنولوجيا تتجلى كوسيلة لرفع إنتاجية العمل و وضع موارد العلم في خدمة التقدم و ترقية الإنسان.
المطلب الثالث: علاقة العلم بالتكنولوجيا
علاقة العلم بالتكنولوجيا تمر بمرحلتين عبر الحياة الإنسانية:
1- المرحلة الأولى:
هي التي بدأت منذ القدم و بداية الخليفة حتى قيام الثورة الصناعية مع بداية استقرار الإنسان و اكتشاف الزراعة, و مما يميز هذه المرحلة هو أن التكتيك التكنولوجي لم يتطور مع تقدم الزمن, إذ يلاحظ أن الزراعة
وقفت عند حدود الفأس و المحراث آلاف السنين, بينما واصل العلم تقدمه السريع عبر هذه السنين معتمداً على الرياضيات و الفلك, فقد عثر في كهوف ما قبل التاريخ على رسوم تصور الحيوانات و النباتات و أعمال
الإنسان, بالإضافة إلى الظواهر الطبيعية مثل كوكبات النجوم التي راقبها الإنسان الأول, و عثر على أرقام لم نستطع قراءتها, و لذلك تميزت ملامح هذه المرحلة الأولى من تاريخ العلم في علاقته بالتكنولوجيا
–وسائله العلمية في التطبيق- بأن العلم يتعدى كونه عملية تحصيل نظري تجريدي, أما التكتيك فكان عملا مهنيا خالصا و بعيدا عن مستوى التقدم الذي بلغته تلك المرحلة و تطورها, و ذلك استناداً إلى أنّ الفارق
الزمني بين الكشف أو القانون أو النظرية و استخدامها كتطبيق عملي تكتيكي في الواقع يستغرق آلاف السنين و لم يخرج العالم من تلك المرحلة إلاّ بعد أن اكتشف "وات" الآلة البخارية تطبيقاً لقوانين "نيوتن" التي
مضى عليها قرن كامل من الزمان.
2- المرحلة الثانية:
عصر النهضة و هي مرحلة بعد الثورة الصناعية, شهدت هذه المرحلة تقاربا متزايدا و هي المرحلة التي أصبحت فيها التكنولوجيا تمدّ العلم بأدواته و أجهزته المختلفة, بل أصبحت أيضا تقدم له الظروف المتوافقة للعمل
في شتى المجتمعات و الأماكن.
و العلم الحديث جعل إمكانية أن تحل الآلة محل الإنسان, و لقد أعيد النظر في صياغة التكنولوجيا, و في شكلها السائد وفق البحوث العلمية المتقدمة, و ما يتبعها من أحداث تغييرات جذرية تؤدي إلى اختراع وسائل و
أساليب تكنولوجية جديدة يعتمد عليها في الإنتاج.
و أصبح التقدم التكنولوجي مقياس لدرجة التقدم الصناعي, و الحرب العالمية الثانية كانت دافعا للإسراع بإنشاء المجالس و الهيئات لوضع السياسات العلمية, فبريطانيا مثلاً أنشأت وزارة خاصة بالتكنولوجيا عـام
1964, و لقد سعت الدول التي شاركت في الحرب إلى الأخذ بالأسلوب العلمي و التكنولوجيا الصناعية المتقدمة في تلبية مطالب و احتياجات الإنسان الإنسانية.
لكن هذا لم يمنع من ظهور بعض المفكرين الذين حذروا من الإفراط في استعمال التكنولوجيا خاصة المتعلقة بالأسلحة, و نادوا بضرورة التحكم في مسار العلم و التكنولوجيا حتى يخدمان الإنسان و لا يضران به.
نستنتج إذاً أنّ مصدر التكنولوجيا هو العلم بدرجة كبيرة جداً, و سلوك الإنسان (حتى إن لم يكن متعلماً) الذي يتعلق بظروف المحيط السائدة بدرجة قليلةالمواقع الإلكتروني