نهايةالعام الماضي شهدت مجموعة من الأحداث المثيرة والخاصة بملف "الحد الأدني للأجور" بعد أن أدخل القضاء الاداري الحكومة المصرية في متاهة جديدة حيث طالبها بتنفيذ
حكم تحديد حد أدني للأجور كان رافع الدعوي قد حدده بـ1200 جنيه.وألزمت" القضاء الاداري" بمجلس الدولة في جلستها يوم الثلاثاء 26-10-2010 برئاسة المستشار كمال اللمعي الحكومة بتنفيذ حكم تحديد الحد الأدني
للأجور الصادر في مارس الماضي، وذلك بعد قبول الاستشكال المقدم من العامل ناجي رشاد والذي كان يطالب فيه بوضع حد أدني للأجر لا يقل عن 1200 جنيه وصدر لصالحه حكم بإلزام الحكومة بتحديد حد أدني للأجور إلا أن
الحكومة ماطلت في تنفيذ الحكم الأمر الذي دفعه الي التقدم باستشكال أمام محكمة القضاء الإداري، لتنفيذ الحكم رقم 21606 لسنة 63 قضائية والصادر في 30 مارس 2010 ، والقاضي بوقف تنفيذ القرار السلبي بالامتناع
عن وضع الحد الأدني للأجور في المجتمع، وهي القضية التي رفعها اثنان من عمال مصر هما ناجي رشاد عامل بشركة مطاحن جنوب القاهرة، وياسر حساسه عامل بشركة "أطلس" للمقاولات، ، واشتمل الحكم الذي يقع في 10 صفحات
علي عدد من المبادئ القضائية المهمة التي انحازت للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وانتهت المحكمة الي رفض دفوع الحكومة وقبلت الدعوي شكلا، كما أكدت المحكمة علي صحة الاساس الدستوري والقانوني
والدولي للدعوي.وبعد هذا الحدث بأقل من 24 ساعة حسم المجلس القومي للأجور ، قراره بزيادة الحد الأدني للأجور من 112 جنيها إلي 400 جنيه لجميع العاملين في مصر، وهو القرار الذي وافقت عليه الحكومة وممثلو
منظمات أصحاب الأعمال، ورفضه ممثلو العمال في المجلس.
تحالف حكومي
وحسب رؤية عبد الرحمن خير عضو المجلس القومي للأجور وأحد ممثلو العمال في المجلس ان هناك تحالفا بين الحكومة ورجال الاعمال ضد العمال خلال هذا اللقاء ، وأكد خير أن عثمان محمد عثمان وزير التنمية ورئيس مجلس
الأجور رفض جميع الاقتراحات التي تقدم بها ممثلو العمال بأن يكون الحد الأدني 500 جنيه بدلا من 400 وذلك لغير حملة المؤهلات "المستوي الأدني من العاملين"، وإن يكون في حدود 750 جنيها لحملة المؤهلات
المتوسطة، وألف جنيه للمؤهلات العليا .
أما ناجي رشاد صاحب دعوي زيادة الحد الأدني للأجور قال إن القرار صدمة كبري لأن الـ400 جنيه لا تكفي شراء العيش حافا في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار مؤكدا أنه سوف يعاود ويقيم دعوي قضائية جديدة ضد
الحكومة لالزامها بزيادة الحد الأدني ليتوافق مع الغلاء والأسعار، بحيث لا يقل الحد الأدني عن 1500 جنيه، خاصة بعد أن أصبح مطلب 1200 جنيه غير كاف للعمال.
و ان الاجتماع الذي عقده المجلس القومي للأجور في الأسبوع الماضي شهد مشادات وخلافات غير عادية حيث اعترض وزير التنمية الاقتصادية د. عثمان محمد عثمان علي المبالغ التي حددها ممثلو اتحاد العمال مؤكداً أن
هذه الارقام مرتفعة وأنه حسب جهاز التعبئة العامة والاحصاء فان 400 جنيه حد مناسب لمستويات المعيشة حالياً.
الأجور والأسعار!
وقال " عثمان " رئيس المجلس القومي للأجور أيضا انه في ضوء الحقائق المعروضة والمناقشات التي دارت خلال الاجتماع ، قرر المجلس ان تلتزم كل المنشآت بالحفاظ علي الحقوق المالية المكتسبة للعاملين بها اذا ما
زادت عن الحد الأدني المحدد في هذا القرار، وأضاف أنه تقرر ايضاً أن تترك مهمة تحديد حد أدني مختلف لكل قطاع أو مهنة للتفاوض المباشر بين ممثلي العمال وأصحاب الأعمال، بحيث لا يقل عن الحد الأدني المحدد في
هذا القرار، كما تقرر ان يتم تعديل الحد الأدني للأجور بصفة دورية لا تزيد علي ثلاث سنوات، وذلك في ضوء التغيرات التي تطرأ علي المستوي العام للأسعار وتكلفة المعيشة، وهو الاتجاه الذي أثني عليه الدكتور
صفوت النحاس رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، رئيس لجنة الشكاوي بالمجلس الأعلي للأجور، وقال ان تطبيق الحد الأدني للأجور عند حاجز الـ1200 جنيه سيؤدي إلي ارتفاع الأسعار، وعدم استقرار الاقتصاد
المصري, مؤكدا أن ممثلي المنتجين ومقدمي الخدمات يرون الحد الأنسب هو 300 جنيه، وأشار إلي أن هناك 3 معايير عالمية لتحديد حد أدني للأجور، أولها أن يزيد عن خط الفقر القومي "من 164 إلي 180 في مصر"، وثانيها
أن يقل عن نصف متوسط الأجور السائدة في المجتمع "من 900 إلي 1000 جنيه في مصر"، أما الثالث فهو أن يكون دافعا للحفاظ علي النمو الاقتصادي، وهو ما لن يتحقق، حسب قوله, إذا وصل الحد الأدني إلي 1200
جنيه.
400 جنيه لا تكفى
من جانبه أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بيانا هذا الأسبوع ردا علي قرار المجس القومي للأجور بتحديد حد ادني 400 جنيه فقط للأجور مؤكدا أن أغلبية الآراء في المجلس القومي للأجور اتفقت
علي اقرار الصيغة التالية (رفع الحد الأدني للأجر الشامل الذي يتقاضاه العامل علي المستوي القومي إلي 400 جنيه) حيث وافق ممثلو رجال الأعمال وممثلو الحكومة علي هذه الزيادة وهذه الصيغة في الوقت الذي رفضها
ممثلو اتحاد العمال . وأوضح البيان الجديد أن آخر حد أدني للأجور في مصر هو 35 جنيها بموجب القانون 53 لسنة 1984 وباضافة العلاوات اليه يصبح 112 جنيها وهو الحد الأدني للأجور الذي تقبل التأمينات الاجتماعية
التأمين عليه، وقد طالبت الحركة العمالية المستقلة بمبلغ 1200 جنيه كحد أدني للأجور، وفي هذا السياق يؤكد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رفضه للقرار لعدة أسباب:أن القرار بصيغته التي صدر بها
يمثل تحايلا واضحا علي الحكم القضائي فبدلا من أن يقر المجلس حدا أدني للأجر في مصر وضع حدا أدني للأجر الشامل والفارق بينهما كبير، فالحد الأدني للأجر الذي صدر بشأنه الحكم القضائي يقصد به بداية الأجر أي
(الأجر الأساسي)، أما الأجر الشامل الذي تناوله المجلس القومي للأجور في قراره فيقصد به اجمالي ما يتقاضاه العامل من الأجر الأساسي مضافا اليه العلاوات والبدلات والمكافآت والتي يخصم منها اشتراكات: التأمين
الصحي والاجتماعي، والضرائب، ورسم اشتراك النقابة، وصندوق العاملين ان وجد، وان تنفيذ الحكم علي هذا النحو يفرغه من مضمونه، فقيمة أي حكم قضائي تكمن في تنفيذه تنفيذ حقيقي لا تنفيذ صوري كما فعل المجلس
القومي للأجور، اذا كانت هذه الزيادة التي قررها المجلس تمثل خطوة للأمام سوف يستفيد منها بعض العمال الذين مازالت أجورهم الشاملة أقل من ملبغ ال 400 جنيه الا أنها خطوة لا تلبي طموحات وتطلعات الطبقة
العاملة المصرية، ولن تساهم في رفع المعاناة الاجتماعية والاقتصادية عنهم فمضمون الحكم القضائي هو وضع حد أدني للأجور يتناسب مع الأسعار ويضمن للعمال حياه كريمة والواقع يؤكد أن مبلغ ال 400 جنيه التي قررها
المجلس باعتبارها أجرا شاملا لا تتناسب أبدا مع أسعار السلع والخدمات الأساسية خاصة أنها في الواقع سيتقاضي منها العامل ما يعادل 300 جنيه فقط بعد الخصومات والضرائب، وبالتالي لن تضمن للعمال والموظفين أي
حياة كريمة.
رجال أعمال
وإذا كان الدكتور محمود عبد الحي مدير معهد التخطيط السابق أكد علي أن سوء توزيع الدخل يقلل من الشعور بزيادة النمو وقال انه لا يمكن لأي سياسة اقتصادية في مصر أن تنجح مادامت أجور الموظفين الأساسية لا
تشكل الا 25% من دخلهم، موضحا أنه دعا المسئولين الي أن تبدأ الراتبات من 750 إلي 1000 جنيه، كرقم واحد، لكنه ووجه باعتراضات أهمها الخوف من زيادة عبء التأمينات الاجتماعية، فان محمد أبو العينين رئيس لجنة
الصناعة والطاقة بمجلس الشعب المصري لا يعترض علي الحد الأني للأجور ، ويؤكد علي اهمية رفعه ليتناسب مع الاسعار سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، موضحا علي ضرورة توفير المعيشة الكريمة للعاملين، لكنه
يري أن هذا الحد الأني لابد ان يرتبط بالانتاج، بمعني ربط الحافز بالانتاج. "أبو العينين" يري ان القطاع الخاص لابد ان يلتزم بأي احكام او قرارات او قوانين تنظم العلاقة مع العامل ، لان هذا الالتزام سوف
يخلق حالة من الحوار الاجتماعي بين أطراف العمل من عمال وحكومة وأصحاب اعمال ، ويخلق أيضا تعاونا مشتركا، هذا التعاون هو القادر علي فرز عمالة مدربة ربما تستحق اكثر من 1200 جنيه.يري د. محمد المنوفي رجل
الاعمال وعضو مجلس ادارة جمعية مستثمري السادس من اكتوبر أن هذه القيمة التي حددتها بعض القوي ما هي إلا شعارات ليس لها علاقة بالواقع ، وقال : " أنا مستعد أن ادفع لعامل عندي 10000 جنيه شهريا بشرط أن يكون
مدرب بشكل جيد، وأن يكون عنصرا منتجا ، ولكن العامل العادي غير المدرب كيف يمكن أقارنه بالعامل المنتج المدرب الذي يحتاجه سوق العمل ، وكيف نساوي بين العامل في مطعم فول وطعمية وبين العامل في مصنع نسيج
مثلا" . وأضاف "المنوفي" ان المشكلة هنا عرض وطلب ، وهذه هي آليات السوق والعمل الحر الذي تنادي به الحكومة المصرية منذ بداية الانفتاح الاقتصادي علي العالم ، وقال ان غير ذلك ما هو الا كلام فارغ ليس له
علاقة بالواقع ، ومجرد شعارات لها اهداف اخري .
وحذر د. محمد المنوفي من أن يفتح هذا الحكم الجديد أشكالا جديدة من التحايل علي القانون إذ من الممكن ان يقوم صاحب العمل بعدم تحرير عقود عمل تلزمه بذلك ، ويجبر العامل علي العمل بدون عقود أو شروط ، وقال
المنوفي لو جري تطبيق هذا الحكم بهذا الشكل دون دراسة بعناية والأخذ بكل الأراء فسوف يؤدي ذلك إلي إغلاق عشرات المصانع التي من الممكن ان تتخلص م