السلام عليكم
النـبـي مـحمـد
570م- 633م
في يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، ولد بمكة طفل يتيم، سماه جده محمداً، وقال: إني أرجو أن يحمده أهل الأرض كلهم، فكان له ما أراد.
ذلك الطفل اليتيم هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، القرشي الهاشمي، الذي ينتهي بالنسب إلى إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.
بعد ولادته أرضعته حليمة السعدين، ولما بلغ السادسة من عمره ماتت أمه آمنة بنت وهب فكفله جده عبد المطلب، ولم تمض سنتان حتى توفي جده عبد المطلب، فكفله عمه أبو طالب، وضمه إلى أبنائه وكان عطوفاً
عليه.
شبّ رسول الله بعيداً عن أقذار الجاهلية وعاداتها، فكان أحسن الناس خلقاً، وأشدهم حياءً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وكان يصل الرحم ويكرم الضيف، ويعين الناس على البر.
ولما بلغ الخامسة والعشرين من عمره تزوج خديجة بنت خويلد، ولما أتم الأربعين من عمره ظهرت تباشير النبوة وآن أوان البعثة. وكان قد خرج إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة ، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه ،
وما كان يتحلى به من الصدق والأمانة ، فلما رجع أخبر سيدته بما رأى فرغبت إليه أن يتزوجها.
وماتت خديجة رضي الله عنها قبل الهجـرة بثلاث سنين ولم يتزوج غيرها حتى ماتت، فلما ماتت خديجة رضي الله عنها تزوج عليه الصلاة والسلام سودة بنت زمعة ، ثم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، ولم
يتزوج بِكْراً غيرها، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، ثم تزوج زينب بنت خزيمة بن الحارث رضي الله عنها ، وتزوج أم سلمة واسمها هند بنت أمية رضي الله عنها ، وتزوج زينب بنت جحش رضي جويرية
بنت الحارث رضي الله عنها ، ثم تزوج رسول الله حبيبة رضي الله عنها واسمها رملة وقيل هند بنت أبي سفيان. وتزوج إثر فتح خيبر صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها ، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ،
وهي آخر من تزوج رسولُ الله .
للرسول ثلاثة ذكور هم عبد الله وإبراهيم والقاسم. أما بناته: زينب وهي أكبر بناته ، تزوجها أبو العاص بن الربيع وهو ابن خالتها ، ورقية تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وفاطمة تزوجها علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فأنجبت له الحسن والحسين سيِّدَي شباب أهل الجنة ، وأم كلثوم تزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد رقية رضي الله عنهن جميعاً . قال النووي: فالبنات أربع بلا خلاف، والبنون ثلاثة على
الصحيح.
بُعث إليه الملك جبريل في وقت كان الظلام سائداً في العالم، حيث غاب النور والعلم، وخفتت الأصوات التي رفعها الأنبياء والمرسلون في كل العصور يعلنون بالتوحيد الخالص، وساءت أخلاق العرب فأولعوا بالخمر
والقمار، وعبدوا الأصنام والأحجار، وبلغت بهم القساوة إلى دفن البنات وهن أحياء، وسقطت منزلة المرأة، فكانت تورث مع المتاع والدواب.
في هذه الأثناء، كان رسول الله محمداً يتعبد الله في غار حراء على الطريقة الإبراهيمية الحنيفية، والفطرة السليمة، ويمكث الأيام الطويلة يتفكر وحيداً وبعيداً عن الناس في هذا الكون العجيب، ويتأمل روعة
الخلق وعظمة الخالق.
وبينما هو على هذه الحال، إذا بجبريل عليه السلام عنده في الغار يقول له: اقرأ!.. فيجيبه الرسول خائفاً مرتعشاً: ما أنا بقارئ، فإذا بجبريل يضم النبي إليه بقوة ثم يقول له: اقرأ!.. ثلاث مرات، ويجيبه
الرسول: ما أنا بقارئ، إلى أن قال له في الأخيرة: "اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم".
فزع النبي محمد صلى الله عليه وسلم لهول ما رأى وما سمع، فرجع إلى بيته خائفاً مرتجفاً يقول لزوجته خديجة: زملوني.. زملوني، لقد خشيت على نفسي.
لما سمعت خديجة ما أخبرها به النبي، هدأت من روعه وطمأنته قائلة: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتعين الضعيف، وتطعم الجائع، وتقف إلى جانب الحق.
ذهبت خديجة مع رسول الله إلى ابن عم لها اسمه ورقة بن نوفل وكان عالماً قد قرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبراه الخبر، فقال ورقة لرسول الله: والذي نفسي بيده إنك لنبي هذه الأمة، ولم يأت رجل
بمثل ما جئت به، إلا عاداه الناس وحاربوه، ولو طالت بي الحياة لأنصرنك نصراً قوياً. ثم ما لبث ورقة أن توفي بعد ذلك.
فتر الوحي قليلاً ثم تتابع، وبدأ جبريل ينزل بالقرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت خديجة رضي الله عنها أول من آمن بالنبي ثم أسلم بعد ذلك علي بن أبي طالب الذي كان يعيش مع النبي في بيته ولم
يتجاوز عمره بعد عشر سنين، وأسلم كذلك زيد بن حارثة مولى رسول الله، فكان هؤلاء الثلاثة وهم أهل بيت رسول الله أول من آمن به وصدق برسالته، لما يعلمون من صدقه وإخلاصه وحسن سيرته.
ثم تتابعت أعداد الناس المنضمين تحت لواء التوحيد، فأسلم أبو بكر الصديق صاحب رسول الله، والزبير بن عوام وطلحة بن عبيد الله، وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، ثم تتابع دخول الناس في دين محمد مصدقين
بدعوته ومجاهدين في سبيل نصرته.
لم يعجب رؤوس الكفر في مكة ما سمعوه عن دعوة النبي محمد، وأرسلوا إلى عم النبي أبو طالب يطلبون منه أن يأمر ابن أخيه بالكف عن دعوة الناس إلى هذا الدين الجديد، فكلم أبو طالب رسول الله وقال له: يا ابن أخي!
إن قومك جاؤوني، فقالو لي: كذا وكذا، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر مالا أطيق، فأجابه الرسول بقوله: يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى
يظهره الله، أو أهلك دونه.
وكانوا قد عرضوا عليه مالاً ورئاسة وغير ذلك.
فلما يئست قريش من صد النبي محمد عن دعوته بالترغيب، بدأت بالترهيب والتعذيب وإلحاق الأذى بمن أسلم حتى يردوا الناس عن دينهم، ويعيدوهم إلى الكفر والشرك والضلال، فقد خشي الكفار أن يذهب عزهم وجاههم إن اتبع
الناس هذا النبي، فتغرب سيادتهم ويذل جاههم.
لم يسلم أحد من أذى المشركين في بداية الدعوة، فكان أمية بن خلف المشرك يخرج بلالاً الحبشي وكان قد أسلم، فيطرحه على ظهره في حر الظهيرة ببطحاء مكة، ثم يأمر بصخرة كبيرة فيضعها على صدره، ثم يقول له: أكفر
برب محمد، أو تموت وأنت على هذا..، فكان بلال يقول: أحد.. أحد.
وكان بنو مخزوم يعذبون عمار بن ياسر وأمه وأباه في حر الظهيرة في مكة، حتى قتلت أم عمار تحت التعذيب، وكان النبي يمر بهم فيقول لهم: صبراً يا آل ياسر! فإن موعدكم الجنة..
وحتى النبي لم يسلم من الأذى، فبينما كان ساجداً يصلي في الكعبة، أمر أبو جهل أن يلقى ما يخرج من بطن الجمل إذا ذبح من فضلات ودم على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجرؤ أحد على رفعه على رسول الله
حتى جاءت ابنته فاطمة فرفعته عن ظهر أبيها.
دعا النبي محمد فيمن دعاهم إلى الإسلام (الأنصار) أهل المدينة فآمنوا وصدقوا بدعوته، وأرسل معهم مصعب بن عمير، ليعلمهم الإسلام ويقرئهم القرآن، ويفقههم بالدين، حتى انتشر الإسلام الذي كان يتآمر فيه كفار
قريش على قتل النبي محمد ليتخلصوا منه. اذن الله لنبيه ومن معه من المسلمين بالهجرة إلى المدينة المنورة، فهاجر أكثرهم سراً خوفاً من بطش المشركين وأذاهم، وتركوا خلفهم في مكة الأموال والمتاع، إلا عمر بن
الخطاب، لما أراد الهجرة ذهب إلى الكعبة وصلى ركعتين ثم أمسك سيفه ورفع صوته مخاطباً كفار قريش وقال: من أراد أن تثكله أمه، وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلحق بي خلف هذا الوادي! فما تبعه أحد..
أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد هاجر بصحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحاول المشركون اللحاق به، فلم يعثروا عليه، بعد أن نجاه الله وحفظه في الغار مع صاحبه.
لما سمعت الأنصار بخروج رسول الله من مكة، خرجوا إلى مشارف المدينة لاستقباله، فلما رأوه كبروا فرحاً بقدومه، ولم تكن المدينة أحسن ولا أضوأ من يوم دخل عليها رسول الله.
كان أول شيء فعله رسول الله عند وصوله إلى المدينة هو بناء المسجد، فمنذ وصوله على ناقته كان كل واحد من أهل المدينة يتمنى أن يقيم رسول الله في بيته، فيمسكوا زمام الناقة، ولكن رسول الله كان يقول لهم:
خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، حتى أتت على دار بني النجار فبركت الناقة، وكانت الدار لغلامين يتيمين، فاشترى رسول الله منهما الدار وشرع ببناء المسجد، وكان ينقل اللبن بيديه الشريفتين، يعين أصحابه على العمل،
ويقتدي به صحابته الكرام، ويعملون معاً فرحين مبتهجين، والرسول ينشد ويقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فارحم الأنصار والمهاجرة..".
آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، وتعهد الأنصار إخوانهم المهاجرين واستضافوهم وأكرموهم، وبدؤوا بالعمل معاً على توطيد أركان هذا المجتمع الإسلامي الفتي.
دخل الناس في هذا الدين فرادى وجماعات، وازداد عدد المسلمين وقويت شوكتهم واشتد جناحهم، ونصرهم الله على أعدائهم وخصومهم، ودب الرعب في قلوب جيرانهم من الكفار والمشركين وبدأ النبي بتجهيز أصحابه للفتح
المبين، والعودة إلى مكة ظافرين منتصرين.
أراد النبي أن يطهر الكعبة قبلة المسلمين وبناء سيدنا إبراهيم من الأوثان والأصنام، ويعيد مكة إلى سابق عهدها آمنة يقصدها الناس موحدين ملبين شاكرين، استجابة لنداء أبيهم إبراهيم يقولون: "لبيك اللهم لبيك..
لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.."
جهز النبي جيشاً يتألف من عشرة آلاف مقاتل، وخرج بهم في رمضان من